حدد "كارل ماركس" أنماط الإنتاج المختلفة كَحِقب متتابعة في التطور الجدلي للعملية التاريخية بدءا من نمط الإنتاج المشاعي ( البدائي) و الذي يتخذ أشكالا متعددة، و لكنه يتحدد في تقسيم العمل المؤسس على قاعدة فردية ألا وهي الأسرة، على اعتبار أن الأرض هنا جماعية و ليست في ملكية أحد بعينه، كما أن هذا النمط من الإنتاج يتميز بغياب التبادل البضائعي و انعدام النقد كوسيلة تسهل العملية التجارية، و توزيع الإنتاج هنا داخل الجماعة يكون حسب قواعد مرتبطة أساسا بتنظيم القرابة. غير أن نمط الإنتاج القبلي في بعض البلدان الأسيوية على سبيل المثال ( الصين، الهند، الهندالصينية أنداك…) يتحدد في تقسيم المجتمع الى طبقتين: طبقة الفلاحين المنظمين في شكل جماعات و الطبقة الحاكمة التي تتحكم في وظائف التنظيم السياسي للمجتمع، و تأخذ جزية من الجماعات القروية، إن هذا النمط ينزع دوما إلى أن يصير إقطاعيا. بينما يتميز نمط الإنتاج العبودي في كون العامل العبد يشكل الوسيلة الأساسية للإنتاج، إن إنتاج هذا العمل العبودي يمكن أن يدخل في شبكة التحويل الغير البضائعي الخاص (بالجماعة العبودية الأبيسية) أو في شبكة بضائعية ( العبودية اليونانية – الرومانية مثلا…). أما بخصوص نمط الإنتاج الإقطاعي فيعرف تنظيم المجتمع داخله في شكل طبقتين: طبقة الأسياد على الأرض، وهم المتحكمون في زمام الأمور وكل ما يرتبط بالأرض و انتاجاتها، و طبقة الأقنان التي كانت تعرف في المجتمع اليوناني بطبقة العبيد، و مهمتها هو تسخير سواعدها للعمل في أراضي الإقطاعيين و الإمثتال لأوامرهم. كما أن امتلاك فائض الانتاج من طرف الأسياد لا يكون عن طريق علاقات بضائعية ولكن عن طريق الحق الذي لا يمس. غير أن نمط الإنتاج الإقطاعي هذا يعرف غياب تبادل بضائعي داخل المِلك الذي يشكل الخلية الأولى للمجتمع، ولكن هذا النمط مهدد بالتلاشي إذا ما قُدر للسيد أن يعدر أقنانه فإنه بذلك يبترهم. وأخيرا نمط الإنتاج الرأسمالي: إذا كان واضحا في الدراسات الماركسية المعاصرة آليات الانتقال من نمط الإنتاج الإقطاعي الى نمط الإنتاج الرأسمالي، فإن دراسة الأنماط الأخرى و آليات انتقالها لازالت بعد غامضة، غير أن نمط الإنتاج الرأسمالي الحديث يعتمد بالأساس مراكمة رساميل في حفنة صغيرة من البورجوازيين وتحويل قوة عمل الكادحين (الطبقة البروليتارية) إلى فائض قيمة بفضل احتكار وسائل الإنتاج المتمثلة في امتلاك الالات المتطورة خصوصا مع بروز الثورة الصناعية للقرن الثامن عشر و التي جعلت الالات أساس الإنتاج، فتحقق هذا التحول من نمط انتاج الى لآخر بصورة نهائية، حيث استلب العمال من كينونتهم و ظهر بذلك المجتمع الطبقي الرأسمالي والمتشكل من الطبقة البروليتاريا والطبقة البورجوازية. يقول ماركس في هذا الصدد: " إن مُراكمة رؤوس الأموال في جهة واحدة من المجتمع، لهو بالمقابل مراكمة الفقر و البؤس في الجهة الأخرى المقابلة." فماهي فعالية مفهوم نمط الإنتاج في النظرية الماركسية خصوصا في دراسة المجتمع الانساني؟ تقدم لنا المادية التاريخية مفاهيم أساسية و أدوات نظرية حاسمة في تحليل الواقع الانساني الملموس (البراكسيس) Praxis) ( . إن الماركسية لا تضع قوالب جامدة يجب تطبيقها كما هي، بل لا بد من الأخذ بعين الاعتبار (خصوصيات) المجتمع الإنساني المراد دراسته، ذلك أن الرأسمالية المتوحشة اليوم و التي تحولت إلى نيو ليبرالية مقيتة تغولت في دواليب الاقتصاديات العالمية من خلال المُدن العملاقة وخلقت مؤسسات اقتصادية تابعة لها كخلايا جذعية خضعت لعملية التشجير فأضحت كالأخطبوط يرخي بسموهه في كل أرجاء العالم. وما مُخططات التنمية التي يتشدق بها الجميع، إلاّ لدر الرماد في العيون وتلطيف الأجواء من خلال خطابات تنظيرية تبتعد كل البعد عن واقع يلفه البؤس الاجتماعي و الثقافي و السياسي.. إن خير مثال يمكننا أن نسوقه في هذا الصدد، هو الأزمات التي يتم افتعالها من لوبيات الرأسمالية بغاية صناعة عالم جديد يسهل فيه التحكم في الانسان أينما كان موقعه في الخريطة السياسة عبر دول العالم، وأن الحروب البيولوجية التي قسمت ظهر أغلب الدول، جعلت من الكيانات السياسية الضعيفة اقتصاديا، أكثر إدعاناً للرأسمالية التي تُقطر سمومها عبر خطابات تنهل من حرية التبادل التجاري منهجا لها، علاوة على سياسة فتح الحدود الجمركية عبر تحريرها تحريراً وهمياً يجعل اقتصاديات العالم ومنها الفقيرة أكثر اختناقا. يتبع…