تعرفت في سن مبكرة على شعراء هولندا، ثم دخلت عالم الشعراء الانكليز، ليعود بها أصلها المغربي إلى شعراء العالم العربي، حيث عشقت قصائد محمود درويش ونزار قباني، وهامت مع قصائد جلال الدين الرومي التصوفية ومع فرقة ناس الغيوان المغربية، ليزيد عشقها لهؤلاء من شغفها بالمعرفة والأدب والشعر، وتنتقل من مطالعة نهمة إلى كاتبة وشاعرة حصدت جائزة الجمهور في مسابقة الشعر الهولندي التي أقيمت السنة الجارية، لتكون أول امرأة وأول متحدرة من أصول مهاجرة تفوز بها. هي ذي نجيبة العبدلاوي، ولدت لأبوين مغربيين هاجرا إلى هولندا حيث قدمت إلى الحياة منذ 27 سنة، ورأت النور في قرية صغيرة تقع في شرق الأراضي المنخفضة، وخلال مقامها هناك كهولندية من أصول مغربية لم تشهد أي معاملة عنصرية أو تمييزا أو كراهية لها باعتبارها أجنبية.... هكذا تحدثت نجيبة في لقاء مع "الرأي" عبر العالم الافتراضي. "تجرد من خوفك" توصل نجيبة العبدلاوي إلى الجائزة "قصيدتي الفائزة كانت بعنوان (تجرد من خوفك)، أبعث من خلال كلماتها برسالة إلى العالم مفادها أن نتجرد من الخوف من الآخر، من المختلف عنا ثقافة ودينا وعقيدة وغيرها، كيف نستطيع أن نفهمه وعندها سنحقق التعايش وسنعيش في أمان، ما دام أن الخوف هو ما يتحكم في قواعد السياسة وقوانين المجتمع في أيامنا هذه". هكذا تتحدث نجيبة العبدلاوي عن قصيدتها الفائزة، وعن الجائزة الأولى للشعر الهولندي تقول "تحمل هذه الجائزة قيمة وأفقا واسعا، أولا باعتباري أول امرأة وأيضا أول متحدرة من أصول مهاجرة تفوز بهذه الجائزة في مسابقة الشعر الهولندي على مستوى البلد بكامله، وبفوزي بهذه الجائزة سأتولى شرف تمثيل هولندا في المسابقة الدولية للشعر التي ستقام قريبا في عاصمة الأنوار باريس، إضافة إلى أنها ستسمح لي بالمشاركة في ملتقيات دولية، ونشر أشعاري، والتعاون مع فنانين من مختلف دول العالم إلى غير ذلك من الفرص...وآمل أن أحرز نجاحا في المسابقة الدولية للشعر، كما آمل أن يستطيع أفراد عائلتي وأصدقائي مرافقتي إلى باريس من أجل تقديم الدعم المعنوي لي...". وعن كواليس هذا الفوز قالت نجيبة "خضت هذه المنافسة لأكتشف إلى أي مدى يمكنني الوصول بأشعاري، لم أحدد لنفسي أهدافا غير واقعية يصعب تحقيقها، بل جعلت نصب عيني أن أستمتع بهذه الأمسية الشعرية إلى أكبر حد..". شعراء ألهموا نجيبة العبدلاوي "بدأت قراءة الشعر عندما بدأت بكتابته، وكان ذلك في سن الثالثة عشر، قرأت أولا الشعر الهولندي من نظم فونديل، فاساليس، آني أرخميدس، وآخرين، وبعدها اكتشفت الشعر الإنجليزي حيث قرأت لشكسبير وقرأت أيضا لإلزابيث ألكسندر، ومايا أنجلو، وجون جوردن، وسول ويليامز.... ثم دخلت عالم الشعر العربي، وأحببت ثراءه وتنوعه، حيث همت بشعر المتصوف جلال الدين الرومي الذي يهيم بروحي في فلسفة الصوفية، وعشت مع كلمات فرقة ناس الغيوان المغربية، وأحببت شعر نزار قباني، وعشقت أشعار محمود درويش الذي أعتبره أفضل شاعر في نظري، لأن أشعاره تحمل رسائل إنسانية، فأنا أرى أن أفضل قصيدة تلك التي تحمل بين طياتها رسالة تحركك ليس وجدانا فقط بل أيضا فكرا". لم يكن هؤلاء وحدهم من وضعوا بصماتهم في عالم نجيبة العبدلاوي، فحب المعرفة جبلت عليه، وكان للعائلة وللمدرسة دور كبير "والدي عمل صحافيا في وقت فراغه لحساب جرائد مغربية، وكان هو ووالدتي يحببان إلي وإلى إخوتي المطالعة، ويشجعانا على تعلم أشياء جديدة، وعلى مساعدتنا في اكتشاف مواهبنا...في سن الثامنة كان لدينا مدرس يروي لنا قصصا مذهلة، ومن شدة إعجابي بها أردت أن أنهل من مثيلاتها المزيد، فبدأت بالمطالعة، وكنت أقرأ حوالي ستة كتب في الأسبوع، بين سن الثامنة وسن الثالثة عشرة...بعدها جربت الكتابة، أردت اختبار نفسي، ومعرفة إن كانت لدي هذه الملكة، وفي سن الثامنة قدمت بضعة أعمال في منافسة أدبية خاصة بالشباب الهولندي من أصول عربية، وحصلت على الجائزة فيها، جزء من قيمة الجائزة نشرت به الكتاب الفائز، والجزء الآخر خصصته لتنظيم ملتقيات لأداء الشعر، ومن هنا تعلمت إلقاء الشعر، حيث القصيدة تنساب عفوية على المسرح، ومن يومها لم أتوقف عن نظم الشعر وأدائه". كتاب الهجرة لم يكن الوحيد الذي نشر لنجيبة العبدلاوي، فقد ساهمت إلى جانب كاتب هولندي اسمه بيت فيلير في إنجاز قصص للأطفال، حيث كتبت نجيبة عن مغامرات الطفل المغربي "نسيم" ذي السبع سنوات وقرينته الهولندية ناتالي، يقطنان متجاورين وكل واحد منهما يستكشف ثقافة الآخر. عن هذه المجموعة القصصية تقول نجيبة "كتبت هذه القصة لأنه في سوق الكتب الهولندية هناك القليل من كتب الأطفال الموجهة لأطفال المهاجرين، وأغلبها يتحدث عن الأطفال الهولنديين ومغامراتهم، وأردت أيضا كتابة هذه المجموعة لأني مقتنعة أن الإنسان حينما يطلع على ثقافات مختلفة منذ نعومة أظافره، لن يصاب بصدمة ثقافية في كبره، ولن يقوم بتصرف عنصري تجاه الآخر المختلف عنه، وهذه هي الرسالة التي أريد إيصالها من خلال عملي هذا وآمل أن أكون قد وفقت في ذلك". أحلام نجيبة العبدلاوي الشاعرة والإدارية الشعر والكتابة عامة في حياة نجيبة هما متعة وليس موردا رزق، فهي حاصلة على دبلوم جامعي في الأعمال الدولية، وتشغل منصب مدبرة تواصل في شركة متعددة الجنسيات، تقول إنها تحب عملها كثيرا وتنوي بذل كامل جهدها لتكون الافضل مهنيا، لكن كما تقول "لدي أحلام فنية عديدة وأهداف بعضها يتغير مع مرور الوقت والبعض الآخر يبقى ثابتا من قبيل أستخدام شعري وكتاباتي الأخرى كوسيلة لإلهام الآخرين وجعلهم يفكرون في قضايا مهمة، كما أريد إلقاء قصائدي الإنجليزية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والعمل مع فناني هذه المنطقة.... وآمل أيضا المساعدة في محو الأمية بطريقة أو بأخرى، إنه لأمر محزن أن نجد أناسا كثيرين ليس لديهم طرقا لاستكشاف سحر القراءة والنهل من المعرفة".