إذا كان التشريع واستقرار المجتمع يتطلب تجريم ما يشكل تهديدا أو خطرا من أفعال ولو كان مؤتيها صحفيا، فإن كرامة الصحفي واجب كلما وجد في مركز يستوجب الحماية كأن يكون محل اتهام وهذه الحماية لن تكون إلا من خلال محاكمة عادلة تراعي معايير العدالة باعتبارها مرآة التحضر البشري والرقي الانساني، بل إنها المعيار الدال على الاحترام المكفول لآدمية الانسان، ويجب أن تمنح له حماية مميزة عن تلك التي يتمع بها عامة المواطنين لأن الصحفي بالنسبة لي وإن كان مجرما فهو من المجرمين ذوي الياقات البيضاء الشرفاء، يرتكب جريمة فكرية وهو بصدد تنوير الرأي العام والدفاع عن قضية معينة. وتجسيدا لوفاء المغرب بالتزاماته الدولية فقد نص بصفة مباشرة للمحاكمة العادلة في صلب دستوره الوطني وأقر العديد عن المبادئ الضامنة لها من جعل البراءة هي الاصل في كل متهم حتى تثبت إدانته، ومحاكمة عامة المواطنين بمت فيهم الصحفي أمام محكمة مستقلة ومحايدة، وتكريس مبدأ الشرعية ومنحه مكنة الدفاع عن نفسه بنص الفصل 6 و 23 و 120، وغيرها من الضمانات التي تهدف لحماية حرية الصحافة في الفصل 25 و 28 بالتنصيص على أن حرية الصحافة والرأي والتعبير مضمونة ولا يجوز التضييق عليها. وبالنظر لأهمية الدور الذي يقوم به الصحفي في الحياة اليومية وممارسته للرقابة على باقي السلطات الأخرى وكشف الفساد وإرشاد القضاء للمفسدين، فإن المشرع وفر له حماية منضافة لما جاء به القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية من ضمانات في مرحلة البحث التمهيدي كمشتبه فيه وفي مرحلة المحاكمة كمتهم بموجب قانون الصحافة الجديد 13.88 بنصه في المادة 98 منه على أنه لا يمكن بموجب هذا القانون إيقاف الصحفي المشتبه فيه أو اعتقاله احتياطيا، ليصبح معه الصحفي معفى من الخضوع لتدابير الحراسة النظرية، في الحالات التي يرتكب مخالفة لقانون الصحافة والنشر. ولما كانت مهنة الصحفي تتشابه إلى حد ما مع مهنة المحاماة من حيث أعبائهما وحساسيتها فإننا نرى ضرورة زيادة حصانة الصحفي لتصبح متابعته وإجراءات البحث معه تتوقف على إذن من رئيس النقابة الوطنية للصحافة وبحضوره هو أو من يمثله ومحام يختاره الصحفي أو يعين له في إطار المساعدة القضائية كما أن المشرع قيد سلطة النيابة العامة في متابعة الصحفي في بعض الجرائم بضرورة تقديم شكاية من طرف المتضرر من هذه الجرائم في المادة 99، ورتب على سحب الشكاية سقوط الدعوى العمومية في المادة100. وللحد من ظاهرة انتقام المسؤولين وخاصة الوزراء من الصحفيين وبعض المنابر الاعلامية لمحددات سياسية وإيديولوجية، فإن المشرع قيد شكايتهم على إذن من السيد رئيس الحكومة الذي له أن يحيلها على النيابة العامة أو أن يقوم بحفظها، لتصبح شكايتهم خاضعة لسلطتين من سلط الملائمة الأولى لرئيس الحكومة وسلطة الملائمة الثانية والاصلية للنيابة العامة. كما أن تحقيق العدالة وإرساء دعائمها على أسس قانونية في ميدان الاعلام تقتضي تبيان الأفعال التي تعد جرائم وتحديد العقوبات المترتبة على إتيانها تكريسا لمبدأ الشرعية أو النصية المتجذر في القانون الجنائي ودو الشأن العظيم في الحفاظ على الحقوق والحريات والذي يلخص في مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. ويبرز مبدأ الشرعية في جرائم الصحافة التي يؤتيها الصحفيون بمناسبة أدائهم مهامهم الصحفية في أن تبقى متابعتهم مسيجة بقانون الصحافة، وإذا لم يكيف هذا الفعل بأنه جريمة وفق قانون الصحافة لا ينبغي متابعة الصحفي ومحاكمته وفق القانون الجنائي، لأن متابعة الصحفيين بالقانون الجنائي في الحالات التي لا يسعف فيها قانون الصحافة إشكالا خطير أثار ضجة حقوقية، بل في بعض الأحيان تمت متابعة الصحفيين بقانون الارهاب وتم تضخيم العمل الصحفي على أنه فعل إرهابي وقد ثبت ذلك من خلال محاكمة الصحفيين ومتابعتهم في أحداث الريف بموجب القانون الجنائي، بل وصل الامر بالسلطات إلى محاولة نزع صفة الصحفيين على أحدهم انتقاما منهم بحكم الدور الاعلامي المتميز الذي قاموا به في التعريف بحراك الريف وتحويلهم من صحفيين إلى جناة، ولا يزال العديد منهم متابعون أمام القضاء بفصول القانون الجنائي وهم بصدد أداء واجبهم المهني في خرق سافر لمبدأ الشرعية وتحدي للمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية التي ظلت تطالب بعدم محاكمة الصحفيين بقانون غير قانون الصحافة. غير أنه بالرغم من هذه الضمانات الدستورية والقانونية فإن محاكمة الصحفيين لاتزال سياسية بامتياز تستهدف حرية الرأي والتعبير خارقة بذلك كل المواثيق الدولية التي تعهد فيها المغرب بالرقي بالوضع الحقوقي وصيانة حرية الرأي والتعبير، وقد رصدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية في تقريرها السنوي حول حرية الصحافة بالمغرب ذلك من خلال العديد من المحاكمات اللامشروعة منها محاكمة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية على خليفة نشره مقالا يرصد فيه الفساد المالي الذي شاب عملية انتخابات مجلس المستشارين، تبعا لشكاية من وزير الداخلية وما عرفه رفض المحكمة لمجموعة من الدفوع الشكلية التي تقدم بها دفاع المتهم وتجريده من حقوق الدفاع مستغلا بذلك السيد الوزير حق التقاضي لتخويف وردع أي ممارسة صحفية جدية تحترم نبل الرسالة الاعلامية وتفضح المفسدين وتكشف القضايا التي لم يستطع القضاء بسط يده عليها خاصة ما يتعلق منها بملفات تسيير الشأن المحلي ونهب المال العاموالمتابعات الحالية في حق العديد من الصحفيين الذين أثقلت ملفاتهم بتهم جنائية ثقيلة بمناسبة تغطيتهم أحداث الريف، وما شهده اقتحام الفرقة الوطنية لمقرات احد المنابر الاعلامية واعتقال مديره.