خلص النقاش حول العلاقة المتوترة بين القضاء و الإعلام المنظم بمناسبة الندوة الجهوية الحادية عشرة التي نظمت نهاية الاسبوع الماضي حول موضوع «القضاء والإعلام» في إطار الحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة إلى ضرورة استحداث إعلام متخصص في مجال القضاء يمارس عمله وفق ضوابط قانونية بعيدا عن الإثارة والخوض في أعراض الناس، وتعيين قاض في المحاكم مكلف بالتواصل مع الإعلام، تم تكوين قضاة متخصصين في مجال قضايا النشر والإعلام لضبط جميع الأجناس الصحفية، مقابل تكوين صحافيين متخصصين في مجال القضاء. أكد «يونس مجاهد»، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ضمن محور «ضوابط المعالجة القضائية للشأن الإعلامي»، أن قضية القضاء في علاقته في مع الإعلام هي قضية سياسية امتياز، مهما اختلفت السياقات الاجتماعية والسياسية، كونه يعكس التجاذبات بين مصالح معينة ويبين مدى حساسيات جهات من إشكالية الإعلام والصحافة، مشددا على ضرورة البناء المشترك من أجل بناء جسر التواصل بين سلطة فعلية هي القضاء، وسلطة رمزية هي الإعلام، اللذين لهما نفس المرجعية، وهي حقوق الإنسان، والدفاع عن الحرية و المجتمع. هذا، وحسب آخر الإحصائيات المتعلقة بقضايا الصحافة خلال سنة 2012 فقد وصل عدد الشكايات المباشرة المقدمة إلى رئاسة المحكمة برسم سنة إلى 54، فيما توصلت النيابة العامة من المتضررين ب51 شكاية وأثيرت بشكل تلقائي متابعة واحدة من طرف النيابة العامة. في قضية اليوم سنقدم وجهة نظر القضاة حول الجدل القائم بين الإعلاميين والقضاة. تأثير الإعلام عل القضاء اعتبر «ذ.مصطفى اليرتاوي»، وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بمدينة آسفي، في مداخلة له بعنوان «الشأن القضائي كمادة إعلامية من وجهة نظر قضائية»، إن لكل سلطة منطقها في العمل، وأن حرية التعبير وحق الأشخاص في الوصول إلى المعلومة من أهم الحقوق، معترضا في مداخلة له على ما قاله أحد المتدخلين فيما يتعلق باستعمال القضاء لتصفية الحسابات موضحا أن لكل سلطة منطقها في العمل، وأن القاضي يعمل في صمت لإظهار الحقيقة، بينما الإعلام يكسر حاجز الصمت والسرية للوصول إلى السبق الصحافي، متهما الإعلام بالتشهير بالأفراد وانتهاك المعطيات الشخصية وعدم احترام قرينة البراءة، حيث يتقمص الصحافي أحيانا دور القاضي ويصدر الأحكام قبل قول المحكمة كلمتها، وكل ذلك بغرض رفع المبيعات. وشدد «اليرتاوي» أن التغطيات الإعلامية تؤثر على القضاة على اعتبار أنهم بشر، لهم مشاعر وعواطف ومن شأن ما ينشر بالصحف التأثير في منحى الملفات، حيث صارت خصوصية الأفراد أصبحت منتهكة عن طريق نشر الصحف والمواقع الإلكترونية المغربية لصور وأشرطة فيديو بعضها مفبرك، ودون إذن من أصحابها، الأمر الذي يهدد استقرار الأفراد والمجتمع ككل. وأشار المتحدث نفسه إلى استشراء ظاهرة تسريب المعلومات إلى الصحافة في عدد من القضايا، مما يؤثر على سير العدالة، مؤكدا أن التغطيات الإعلامية تؤثر على القضاة لأنهم بشر قد يتأثرون بوسائل الإعلام، التي تحول أحيانا قضية عادية إلى قضية رأي عام، واستشهد في هذا الإطار بالمحاكم الأميركية التي تعزل المحلفين عن وسائل الإعلام طوال أطوار المحاكمة تجنبا لتأثرهم بالإعلام. كما استشهد بدراسة أجريت في ألمانيا أكد فيها 50 في المائة من القضاة أن التقارير الإعلامية أثرت على طبيعة الأحكام التي أصدروها. وعن «ضوابط المعالجة القضائية للشأن الإعلامي بين النص القانوني والممارسة القضائية»، أكد «ذ.هشام ملاطي»، قاضي ملحق بوزارة العدل و الحريات أن جل التشريعات في العالم تكاد تجمع على تخصيص المعالجة القضائية للقضايا الإعلامية بجميع صورها، بضوابط خاصة تختلف عن الضوابط المخصصة لجل القضايا التي اقتضتها أسباب عديدة نذكر من جملتها، خصوصية الجرائم الإعلامية وصفة مرتكبيها، تحقيق الفلسفة العامة التي تقوم عليها القوانين ذات الصلة بالمجال الإعلامي القائمة أساسا على ضمان التوازن بين حرية الرأي والتعبير كحق إنساني كوني كفلته الأوفاق الدولية في نطاق واسع وضرورة الحفاظ على المصالح المحمية المرتبطة بحقوق الآخرين وسمعتهم وحميميتهم، وبالأمن والنظام العامين أو الصحة العامة أو الآداب والأخلاق العامة أو حرمة العدالة... جرائم الصحافة أوضح «ذ. ملاطي» أن القانون المغربي أفرد لجرائم الصحافة والنشر مجموعة من القواعد الإجرائية والموضوعية الخاصة و المتميزة عن القواعد العامة خاصة على مستوى إقامة وممارسة الدعوى العمومية لاعتبارات ودوافع لا تختلف عن نظيرتها في باقي تشريعات العالم المماثلة لاسيما على مستوى قانون الصحافة الفرنسي، بفعل التأثر العميق للقانون المغربي في أعمدته الرئيسية-تشريعا وفقها وقضاء-بالقانون الفرنسي. وتحدث «ملاطي» عن خصوصية القواعد الإجرائية مشيرا إلى أن المشرع المغربي لم يخصص لجرائم الصحافة والنشر قواعد خاصة خلال مرحلة البحث والتحري عن كافة الجرائم، غير أنه في مقابل ذلك أفرد لمرحلتي تحريك الدعوى العمومية وممارستها مجموعة من القواعد الخاصة المتميزة نجملها مع أهم إشكالياتها، فعلى مستوى إقامة الدعوى العمومية، تحكم المتابعة الزجرية في جرائم الصحافة و النشر ضوابط خاصة أقرها النص القانوني في أغلب الحالات، وفي أحيان أخرى العمل القضائي وتوجهات السياسة الجنائية لمعالجة هذا النوع من القضايا، وفي إطار تكريس مبدأ تضييق دائرة القيود الواردة على مبدأ حرية التعبير تمت الدعوة على المستوى الدولي إلى تأكيد مبدأ «مدى ضرورة المتابعة في الجرائم ذات الصلة بالإعلام»، تأكيدا لما أقرته المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في عدة مناسبات ارتباطا بمضامين المادة 10 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان. وأثار ملاطي موضوع شرعية المتابعة القضائية مشيرا إلى أنه هذا الموضوع يطرح إشكالا هاما في الآونة الأخيرة على الساحة القانونية والقضائية والحقوقية، ويتعلق الأمر بالقانون الواجب التطبيق هل هو قانون الصحافة أم القانون الجنائي، وبمعنى آخر مدى جواز تحريك الدعوى العمومية في مواجهة الصحفيين بناء على مقتضيات القانون الجنائي؟ وأوضح «ملاطي» أنه في إطار ما عرفه الموضوع من نقاش سواء على مستوى المغرب أو على صعيد بعض الدول، يمكن القول أن غالبية الفقه والقضاء تقر بجواز تطبيق القانون الجنائي لعدة اعتبارات من قبيل أن جريمة الصحافة هي جريمة موضوعية وليست شخصية، حيث يطبق قانون الصحافة حتى على غير الصحفيين إذا ارتكبوا جريمة صحفية، كما أن القانون الجنائي يطبق على الصحفيين أيضا إذا ارتكبوا جريمة غير صحفية ولو عن طريق النشر. ويتمثل الاعتبار الثاني حسب «ملاطي» في وجود عدة أفعال في القانون الجنائي يمكن أن ترتكب بواسطة النشر كجرائم الإهانة الموجهة إلى الموظفين والهيأة المنظمة والتأثير على القضاء، و التحريض على ارتكاب بعض الجرائم والتبليغ الكاذب والوشاية الكاذبة..، وينص الظهير الشريف الصادر بتاريخ 26 نونبر 1962 بشأن المصادقة على مجموعة القانون الجنائي في فصله الرابع على أنه :»تسري أحكام هذه المجموعة أيضا على المسائل التي تنظمها قوانين أو نظم خاصة خاصة، وذلك في كل ما لم يرد به نص صريح في تلك القوانين أو النظم»، فيا يعرف تحريك الدعوى العمومية بعض القيود، حيث حدد قانون الصحافة مدة قصيرة لتقادم الدعوى العمومية التي تتمثل في 6 أشهر كاملة ابتداء من يوم اقتراف أو من يوم آخر وثيقة من وثائق المتابعة، إن كانت هناك متابعة(الفصل 78 من قانون الصحافة)، على خلاف ما هو مقرر لمدة التقادم الدعوى العمومية في قانون المسطرة الجنائية، أما القيود الشكلية فتتمثل فيما أقره المشرع لتحريك الدعوى العمومية في جل قضايا الصحافة النشر من وجود شكليات كتقديم شكاية أو طلب للمتابعة، كما رتب المشرع على سحب الشكاية سقوط الدعوى العمومية، فيما سكت عن حكم سحب الطلب كما هو الحال بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية. ويعرف تحريك الدعوى العمومية بطريق الاستدعاء المباشر (الفصل 72 صحافة)بعض التقييد سواء من طرف النيابة العامة أو الطرف المدني قبل تاريخ الجلسة ب15 يوما على الأقل يتضمن التهمة الموجهة وتحديد صفتها والنص القانوني الواجب التطبيق تحت طائلة بطلان الاستدعاء.