رشيد زمهوط في شهر شتنبر من السنة الماضية عقدت الجزائر صفقة مع ثوارالطوارق الناشطين بمنطقة شمال مالي يتحصلون بموجبها على مبلغ 2 مليون دولار مقابل تخليهم عن حلم المطالبة بالاستقلال الذاتي لموطنهم التاريخي شمال مالي و توقيف عملياتهم العسكرية ضد الأهداف العسكرية المالية . وعائدات النفط الجزائري و ملايين الدولارات المقتطعة من خزينة الشعب الجزائري لصيانة وحدة التراب المالي من نزعات الانفصاليين الطوارق بموجب صفقات سرية هي نفسها التي يضخها جنرالات الجيش المتحكمون في مصير بلاد المليون شهيد في حسابات مرتزقة البوليزاريو لهدف استراتيجي واحد هو زعزعة وحدة و سيادة الجار المغربي على أقاليمه الصحراوية المسترجعة . وجهان متناقضان لعملة واحدة تكشف بمرارة ديبلوماسية الكيل بمكيالين ، فقد جندت الجزائر خلال الأسابيع الماضية كل ضغطها الديبلوماسي و أدواتها الاستخباراتية لحمل حكومة مالي و متمردي الطوارق على الاجتماع مجددا حول مائدة المفاوضات و إعادة بعث إتفاق سلام بين الطرفين تحت رعاية الوسيط الجزائري يمنح للطوارق ما يشبه نظام لا مركزية واسع بشمال مالي في مقابل تنازله عن خيار الانفصال و تأسيس دولة مستقلة و هو المطلب الذي دأب مسلحو الطوارق يحاربون من أجل تحقيقه بشمال صحراء الساحل الممتدة من تنبكتو الى جبال الطاسيلي. و يعتبر اتفاق الجزائر آخر فرصة سلام متاحة بالمنطقة المكهربة و التي تتداخل بها مصالح العديد من الأطراف بدءا بليبيا الداعية الى تأسيس ما يطلق عليه بجمهورية الصحراء الكبرى و مرورا بأمريكا و فرنسا التي تسعى الى تأمين المنطقة حفاظا على احتياطي حقول الغاز و البترول الممتدة بالمنطقة و انتهاء بالجزائر التي تحاول بكافة الوسائل لجم طموحات قبائل الطوارق بحدود شمال مالي لتفادي نزعات انفصالية مستقبلية في حالة إذا ما التحق طوارق الجزائر بالحركة الانفصالية مما يشكل مخاطر مفتوحة و متجددة بالنسبة للسيادة الترابية الجزائرية على جنوب الصحراء والذي حصلت عليه بموجب اتفاق مع المستعمر الفرنسي يخول لهذا الأخير القيام بالتجارب النووية في عمق الصحراء الجزائرية مقابل إلحاقها بالسيادة الجزائرية . والغريب في أمر هذا لاتفاق الهش الذي أبرز طرفا النزاع عدة تحفظات في شأنه مثلما هو الحال بالنسبة لزعيم متمردي الطوارق الذي أبدى تشاؤمه من نتائج المحادثات الأخيرة بالجزائر مستبعدا خيار التخلي عن السلاح لعدم ثقته في صدق نوايا الحكومة المالية هو أنه يفضح و يفصح عن وجه آخر من وجوه الديبلوماسية الجزائرية مناقض تماما "للمبادىء العليا " التي تتذرع بها الجزائر في تعاملها مع "القضايا التحررية " . ففي الوقت التي تجند فيه مخابرات العسكر تحت قيادة الجنرال اللغز توفيق مئات الملايين من عائدات البترول لدعم و مساندة و تبني حركات انفصالية وهمية بالقارة وخارجها بمبرر دعم الشعوب الراغبة في التحرر بل و تخلق أحيانا من لاشيء شرذمة من المرتزقة لتشكيل حركة انفصالية وهمية في وطن وهمي و برموز سيادة افتراضية تغذيها صناديق النفط , يبدو أنه وبالنسبة لحالة الطوارق والمقدر عددهم بقرابة 3 ملايين نسمة و الذين يخوضون منذ 35 سنة معركة مطالب سياسية ، فإن الديبلوماسية الجزائرية تتعمد الدوس على مبادئها "غير القابلة للمساومة " بل و تضغط بكل ما أوتيت من نفوذ و قوة و مال لحمل الطوارق على العدول عن قناعاتهم الانفصالية . و بغض النظر عن التناقضات التي تزيح بشكل تدريجي كل المسوح و المساحيق التي تنمق زيفا وجه الديبلوماسية العسكرية بالجزائر فإن منطقة الصحراء الافريقية الكبرى والساحل التي تموج بالأحداث و المنفتحة على كل الاحتمالات ستظهر في الأمد المنظور إن كان نظام الجنرالات بالأوراسي قادر على إستيعاب الدروس و العبر التي ترهن مصير المنطقة نحو المجهول دولارات النفط الجزائري التي تمول النزعة الانفصالية بالصحراء المغربية نفسها تحافظ على وحدة مالي الترابية .