تطلعنا الأخبار من حين لآخر عن اعتداءات بدنية وأخرى لا أخلاقية وعن عصابات وشبكات إجرامية و منظمات إرهابية مثل الرماش و محمد الخراز الملقب بالشريف بين الويدان ، والنيني و بلعيرج ثم محمد لغاني و اللائحة طويلة وعريضة، تعدت دائرة نشاطها حدود الوطن الذي نشأت فيه لتمتد إلى المحيط الإقليمي و الجهوي و العالمي حتى أصبحت محطة قلق واهتمام و تتبع كل الدوائر الرسمية الوطنية والدولية . ومع التطور الذي عرفته هذه التنظيمات الإجرامية أصبح من اللازم تتبع خطواتها و معرفة أسباب تطورها و مواردها المالية و البشرية ..... فإذا نظرنا من حولنا وتجولنا عبر شوارع المدن و القرى سنجد الجواب المقنع والموضوعي لتطور الظاهرة ، من خلال مشاهدتنا لمئات الأطفال تجوب الشوارع و تواجه قساوة البرد والثلج، بالنوم في الخلاء، ويعانون الجوع والعراء، ما يترتب عنه تدهور وضعهم الصحي، الذي يكون غالبا وراء وفاتهم ، بسبب غياب مراكز الإيواء، وعدم توفير دوريات تعمل على تفقد أحوالهم.. و في هذه الوضعيات يكون المتشرد مستعد للانخراط في أي عمل يدر دخلا ماليا عليهم ، حاملا بقلبه حقد دفين وبداخل جسمه النحيل قنبلة موقوتة مستعد لتفجيرها في أي مكان وزمان .. فرغم انتشار هيئات المجتمع المدني المهتم بالقضايا الاجتماعية و الثقافية والاقتصادية للمواطنين، تبقى عاجزة في مواجهة العديد من المشاكل الاجتماعية ذات الأبعاد و العواقب الوخيمة، منها ظاهرة الأطفال المشردين ، حيث يسكن العديد منهم الشوارع و يعانون من سوء التغذية و يفتقدون العطف و الحنان و التعليم ، مما يولد لديهم الإحباط واليأس ، الشيء الذي يدخلهم عالم الرذيلة والجريمة من بابه الواسع ، و تشاهدهم فرادا و جماعات داخل أحيائهم السكنية الهامشية ينعدم فيها الأمن والأمان ، تجد وجوههم حزينة و أحيانا مخيفة تجوب شوارع المدن بحثا عن شيء يلهيهم عن العذاب والجوع الذي يحيط بجسدهم ويصبح الشارع رمزا لمحنتهم و عذابهم ، ويحل محل البيت و المدرسة، فتجدهم في مواقف السيارات ، قرب المطاعم في الأسواق و على الأرصفة و المحطات الطرقية، لا ملجأ أو مسكن لهم ، فهم يتخذون بعض الأماكن و الحدائق المهجورة مكانا للمبيت ، حيث يتعاطون التدخين و المخدرات و الكحول، حتى أضحى مجتمعنا يعيش ظواهر مشينة تتمثل في الإجرام و الإجرام المنظم الذي استفحل بشكل غريب و رهيب، و أصبحنا نسمع ونشاهد أحداث مؤلمة و قضايا مثيرة أبطالها أطفالا أصبحوا شبابا قذفت بهم الأقدار إلى ولوج عالم التطرف و الدعارة و المخدرات و الجريمة، ظواهر مؤلمة يجب الاهتمام بها والعمل على متابعتها و معالجتها بجدية...، وضع أصبح يثير قلق المجتمع المدني و الأمني خصوصا أمام تزايد أعددهم كونها إحدى القضايا الشائكة التي طغت بشكل ملفت للنظر في السنين الأخيرة ، لكن المجتمع يتجاهل مشاكل هؤلاء الشباب و الأطفال ويقذف بهم في أطراف المدينة بل يتم تهجيرهم قصرا إلى المدن البعيدة عن مدينتهم الأصلية وبين أحضان المجرمين ويتركهم يعيشون في بيئة كلها مخدرات وأسلحة بيضاء ، ويتعرضون للإساءة الجنسية الذي تمارس ضدهم لصغر سنهم وعدم قدرتهم على مواجهتها من قبل مرتكبيها ، مما يترك في نفوسهم وقلوبهم آلام جعلتهم قنابل موقوتة ستنفجر لا محالة في وجوهنا جميعا إذا ما انتفض هؤلاء الأطفال عند بلوغ مرحلة الشباب، بسبب ما يتعرضون له من انتهاكات جسيمة ومخاطر كبيرة خلال معيشتهم في أحضان الشوارع ، فهروب الأطفال من الأهل عادة ما يكون هربا من العنف الذي يلاحقهم على أيدي الأهل ليستقبلهم الشارع بأكثر عنفا واستغلالا في ظل غياب حماية أمنية و نفسية، إضافة إلى أنه يتم التعامل معهم كونهم متشردين.. ويقتضي احتواء الظاهرة،رضافة إلى مجهودات الحكومة، مشاركة وتضافر مختلف مكونات المجتمع المغربي، وتسخير كل طاقاتها و خدماتها وبرامجها لهذه الفئات لإعادة تأهيلها وإدماجها في محيطها الاجتماعي.. و لهذا نأمل جراء هذا الواقع الاجتماعي المؤلم استحضار الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية لأطفالنا وشبابنا ، والعمل على الاهتمام بهم و رعايتهم للتغلب على الظاهرة واحتواءها وكذا معرفة الأسباب والدوافع المؤدية إليها بهدف معالجتها كظاهرة مجتمعية خطيرة الأبعاد أو على الأقل العمل على تطويقها والحد منها ، تفاديا لاستغلالهم من طرف مافيا الفساد والإفساد و شبكات المخدرات والهجرة غير الشرعية و المنظمات المتطرفة ، الشيء الذي أصبح يدعو إلى طرح أسئلة ملحة وعاجلة تدور حول إمكانيات محاصرة الظاهرة؟؟