يوم الأربعاء 28 سبتمبر 2016 رفض مجلس النواب الأمريكي بأغلبية كاسحة الفيتو الذي استخدمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضد مشروع قانون يتيح لضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 وأقاربهم مقاضاة السعودية ودول أجنبية أخرى في أول إسقاط لفيتو رئاسي خلال فترة حكم أوباما التي بدأت يوم 20 يناير 2009. وقام أوباما باستخدام حق الفيتو 11 مرة كلها صمدت. لكن في هذه المرة عارضه تقريبا جميع أقوى أنصاره في آخر إجراء لهم قبل مغادرة واشنطن للمشاركة في حملات انتخابات الرئاسة التي تجرى في الثامن من نوفمبر 2016. وكانت نتيجة التصويت رفض 338 نائبا للفيتو مقابل 74 وهو أكثر من أغلبية الثلثين التي يحتاجها مجلس النواب لإسقاط الفيتو. وكان مجلس الشيوخ قد رفض الفيتو بواقع 97 صوتا معارضا مقابل صوت واحد مؤيد، الأمر الذي يعني أن تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" أو "جاستا" أصبح قانونا. تساؤلات عن جدية أوباما صرح السناتور تشارلز شومر ثالث أكبر ديمقراطي في مجلس الشيوخ "إسقاط فيتو رئاسي هو أمر لا نتعامل معه باستخفاف لكن كان من المهم في هذه الحالة أن يسمح لضحايا 11 سبتمبر بالسعي لتحقيق العدالة حتى لو سبب هذا السعي بعض المضايقات الدبلوماسية". ويمثل شومر ولاية نيويورك حيث كان يوجد مركز التجارة العالمي وموطن الكثير من قتلى هجمات 11 سبتمبر وعددهم قرابة ثلاثة آلاف شخص بالإضافة للناجين وأسر الضحايا. وقاد شومر المعركة من أجل التشريع في مجلس الشيوخ مع السناتور جون كورنين ثاني أهم سناتور جمهوري في المجلس. وجادل أوباما بأن مشروع القانون قد يعرض شركات وعسكريين ومسؤولين أمريكيين لملاحقة قضائية ويؤدي لانصراف حلفاء مهمين في فترة اضطراب سياسي. واتصل بزعيم الأقلية في المجلس السناتور هاري ريد وكتب له رسالة شخصية يشرح له فيها لماذا يعتقد أن تفعيل مشروع القانون سيضر بالمصالح الأمريكية. وكان ريد هو السناتور الوحيد الذي وقف في صف أوباما. وانتقد البيت الأبيض التصويت. وقال المتحدث باسمه جوش إرنست في إفادة "هذا أكثر شيء إحراجا في مجلس الشيوخ الأمريكي ربما منذ 1983" في إشارة إلى آخر مرة أسقط فيها المجلس بأغلبية كاسحة فيتو الرئيس. بعد حوالي 48 ساعة من إسقاط فيتو أوباما، أكدت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي أن الرئيس باراك أوباما لم يضغط عليها إطلاقاً لمنع تجاوز الفيتو الرئاسي ضد قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، الذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة دول أجنبية. واعتبرت بيلوسي أن مخاوف أوباما من تأثير القانون على علاقة الولايات المتحدة بحلفائها "مشروعة"، وأقرت بأن القانون "كان يمكن كتابته بطريقة مختلفة قليلا لمراعاة بعض المخاوف". ورفضت بيلوسي تصريحات أوباما عن أن التصويت ضد الفيتو الرئاسي كان "تصويتا سياسيا"، قائلة إن "توقيت اتخاذ الكونغرس لهذه الخطوة جاء بسبب ضغط عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر لتمرير القانون بالتزامن مع الذكرى الخامسة عشر لمقتل أحبائهم" في الهجمات التي وقعت عام 2001. تصريحات يلوسي فرضت طرح تساؤلات كثيرة حول جدية الرئيس أوباما في منع إقرار قانون يهدد بشكل أساسي السعودية خاصة وأنه قبل سنة تقريبا وخلال شهر سبتمبر 2015 إستخدم أوباما نفوذه وضغط على الكونغرس ليمرر الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية بحشد التأييد له في مجلس الشيوخ وهو ما كفي لعرقلة أي خطوة للرفض في المجلس. من جانبه اعتبر الرئيس أوباما أن الكونغرس الأميركي ارتكب خطأ بإسقاط الفيتو الرئاسي، واصفا خطوة الكونغرس ب"السابقة الخطيرة". وفي مقابلة مع شبكة "سي ان ان" الأمريكية حذر أوباما من أن هذا القرار من شأنه "أن يعرض الولايات المتحدةالأمريكية لدعوات قضائية من دول متضررة من سياستها الخارجية". وقال أوباما "إنها سابقة خطيرة وهي مثال على السبب الذي يجعلك في بعض الأحيان تختار الأمور الصعبة" مضيفا "إن قلقي الأساسي هو ليس في علاقتي مع المملكة العربية السعودية وتعاطفي مع عوائل ضحايا 11 سبتمر وإنما في قراري عدم السماح لأي ظرف بأن يخل بالتزاماتنا في العالم أو يجعلنا معرضين لدعاوى قضائية". واعتبر الرئيس الأمريكي أن "أصوات زملائه السياسيين جاءت نتيجة تأثرهم بظروف سياسية خاصة" رابطا بين هذه الخطوة والانتخابات الأمريكية. وقال في هذا الصدد "إذا كنت قد منحت صوتك ضد عائلات ضحايا أحداث سبتمبر فورا قبل موعد الانتخابات فإنه ليس من المستغرب ألا يتقبل الناس هذا التصويت الموجه عليهم". يوم 29 سبتمبر وبعد يوم التزمت فيه الرياض الصمت التام، أدانت وزارة الخارجية السعودية إقرار القانون الأمريكي ووصفت الوزارة في بيان الأمر بأنه "مصدر قلق كبير" وأضافت "من شأن قرار الكونغرس إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلبا على جميع الدول بما في ذلك الولايات المتحدة". وأعربت وزارة الخارجية عن أملها في أن "يتخذ الكونغرس الأمريكي الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب" على سن ذلك القانون. ولم يحدد البيان تلك العواقب. وترفض السعودية دوما أي تلميح إلى أنها ربما تكون قد دعمت المهاجمين الذين قتلوا ما يقرب من 3000 شخص. وكان هناك 15 سعوديا بين المهاجمين التسعة عشر الذين كانوا يعملون تحت لواء تنظيم القاعدة. وانخفض الريال السعودي أمام الدولار الأمريكي في سوق المعاملات الآجلة يوم الخميس 29 سبتمبر بعد إقرار مشروع القانون. وقال محللون في واشنطن إن رفع دعوى ناجحة على الحكومة السعودية لن يكون مرجحا على أفضل تقدير لكنهم توقعوا أن تترك حالة الشك المحيطة بالمضامين القانونية تأثيرا سلبيا على التجارة الثنائية والاستثمار مع حليف رئيسي. مجلس تشريعي للعالم كتب سليمان عبد المنعم، أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائي بكلية حقوق الإسكندرية، مقالا نشرها موقع شبكة "سي إن إن" الأمريكية: بموافقة الكونغرس الأمريكي على مشروع قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" يبدو أننا مقبلون على متابعة أهم انقلاب قانوني يقوده مجلس تشريعي وطني على المبادئ القانونية المتعارف عليها في العالم كله. يكاد الكونغرس الأمريكي في واشنطن يعيدنا إلى عصر روما القديمة التي قدَمت للعالم فيما مضى قانون الشعوب. لكن قانون روما القديمة قدم للعالم آنذاك أهم المبادئ القانونية التي ما زالت حتى يومنا هذا مصدرا تاريخيا للكثير من النظم التشريعية. أما مشروع قانون "جاستا" الأمريكي فهو يمثل خروجا على الحصانات السيادية للدول، ومعايير الاختصاص القضائي، وشخصية المسؤولية القانونية، ويكاد يجعل من الكونغرس الأمريكي مجلسا تشريعيا للعالم وليس للولايات المتحدةالأمريكية فقط. يجيز مشروع القانون لضحايا الأعمال الإرهابية التي تقع في الولايات المتحدةالأمريكية والمقصود تحديدا تفجيرات 11 سبتمبر 2001 أو لعائلاتهم مقاضاة حكومات أجنبية، والمقصود تحديدا السعودية للحصول على تعويضات مالية عن الأضرار الناشئة عن هذه الأعمال. وجه الخطورة في تشريع "جاستا" لا ينحصر فقط في مخالفته لمؤدى الحصانات الدبلوماسية المعترف بها للدول ذات السيادة وفقا للقانون الأمريكي نفسه الذي لا يجيز مقاضاة حكومة دولة أجنبية أمام المحاكم الأمريكية. لكن وجه الخطورة يتمثل أيضا في الأساس القانوني المتهافت الذي يبني عليه تشريع "جاستا" المسؤولية القانونية لحكومة أجنبية أمام القضاء الأمريكي. فهذا التشريع يجيز مساءلة الأفراد، والكيانات، والدول التي تسهم عن عمد أو تقصير في توفير الدعم أو الموارد المادية، بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأشخاص أو منظمات بما ينطوي على خطر ارتكاب أعمال إرهابية تهدد أمن مواطني الولايات المتحدةالأمريكية، أو أمنها الوطني، أو سياستها الخارجية أو اقتصادها. وبصرف النظر عن الصياغة الفضفاضة التي يتسم بها هذا القانون وأنه يسوي بين العمد والتقصير، وبين الدعم المباشر وغير المباشر، "وفقاً لأي معيار أو دليل يمكن استخلاص الدعم غير المباشر مثلاً؟". فإن السؤال الجوهري هو على أي أساس قانوني يمكن مساءلة دولة عن أفعال إرهابية ارتكبها أفراد يحملون جنسية هذه الدولة؟. نفهم مثلا مساءلة الشخص الإرهابي نفسه عن أفعاله الإرهابية، أو مساءلة منظمة أو جماعة إرهابية عن أفعال ارتكبها أعضاء تنظيميون تابعون لها ويعملون باسمها أو لحسابها. مثل هذه الفروض مفهومة ومبررة وفقا للمبادئ القانونية التي تجعل الشخص مسؤولا عن أفعاله، أو تجعل المتبوع مسؤولا عن أفعال تابعيه، على الأقل فيما يتعلق بالتزامه بجبر الأضرار الناشئة عن فعل المتبوع. ما يصعب فهمه أو تبريره هو اعتبار الدولة نفسها مسؤولة قانونا عن أفعال غير مشروعة لمجرد أن الذي ارتكب هذه الأفعال يحمل جنسيتها". من جانبه، رأى رئيس مركز تحليل نزاعات الشرق الأوسط في معهد الولايات المتحدة وكندا ألكسندر شوميلين أن مشروع القانون الأمريكي شعبوي وغير حرفي، حيث "لا يوجد هناك أي دليل على تورط مسؤولين من السعودية في العمليات الإرهابية التي مضى عليها 15 عاما. وإذا كان 15 من مجموع 19 شخصا شاركوا فيها من مواطني السعودية، فإن ذلك لا يعني شيئا. فهؤلاء عمليا يناضلون ضد الولايات المتحدة كما هم يناضلون ضد العائلة السعودية الحاكمة. وإن قرار الكونغرس يستند إلى فهم مشوه لواقع الأمور. فإذا رفع هذا القانون إلى مستوى الدول فستكون عواقبه سلبية جدا للعلاقات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية. الأموال المستثمرة يوم 29 سبتمبر 2016 وحسب شبكة "سي إن إن" برزت التساؤلات عن قيمة الأصول التي تملكها السعودية في أمريكا مجددا، والمعروف أنه ووفقا لتصريحات سابقة لمصادر أمريكية بأن الرياض "هددت" عبر وزير خارجيتها بسحب أصولها من أمريكا في حال أقر هذا القانون الذي يسمح بمحاكمتها. لا توجد أرقام رسمية محددة لحجم وقيمة هذه الأصول نظرا للتعتيم الذي تفرضه وزارة الخزينة الأمريكية التي تقوم بنشر معلومات عامة عن حجم الأصول والسندات التي تقسمها الخزينة الأمريكية وفقا للمناطق حيث تدرج السعودية مع كل من البحرينوإيرانوالعراق والكويت وعُمان وقطر والإمارات العربية المتحدة في مجموعة واحدة. بحسب تصريحات فواز جرجس رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، فإن الأصول التي تمتلكها السعودية في الولايات المتحدةالأمريكية تتراوح قيمتها بين 700 مليار إلى تريليون دولار، لافتا في تعليق سابق له حول تهديد السعودية ببيع الأصول التي لديها في أمريكا بسبب مشروع قانون مرتبط بهجمات 11 سبتمبر، أن القيادة السعودية تخشى من تجميد مليارات الدولارات التي تمتلكها بقرارات من المحاكم الأمريكية إذا تم تمرير مشروع القانون في الكونغرس. وتصدر وزارة الخزينة الأمريكية تقريرا سنويا يظهر حجم الأصول التي تملكها هذه المجموعة ومنها السعودية حيث وفي التقرير الأخير الأولي للعام 2015- 2016 تبلغ قيمتها 612.371 مليار دولار إلى جانب امتلاكها لسيولة حجمها 285.238 مليار دولار تضاف إلى امتلاكها لسندات دين آجلة بقيمة 264.768 مليار دولار وسندات دين عاجلة بقيمة 62.370 مليار دولار. ويبرز التواجد الكبير للشركات السعودية في الاقتصاد الأمريكي على الواجهة حيث وفي خطوة كبيرة، قامت شركة أرامكو السعودية مؤخرا بتملك أكبر مصفاة بأمريكا بعد شرائها مصفاة "بورت آرثر" بولاية تكساس التي تعتبر "جوهرة التاج" بالنسبة لصناعة النفط الأمريكية كون طاقتها الاستيعابية تصل إلى 600 ألف برميل يوميا، الأمر الذي سيسمح للشركة بالحصول على موقع استراتيجي يسمح لها بنقل نفطها الخام إليها وتصفيته ومن ثم بيعه في أسواق أمريكا الشمالية. ويذكر أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، كان قد قال في تصريحات سابقة أن علاقة المملكة السعودية بالولايات المتحدة تاريخية وأنها حليف استراتيجي، لافتا إلى أن "الولايات المتحدة أكبر الخاسرين إن أقرت رفع الحصانة عن الدول". 3300 مليار دولار تعويضات بعد يومين من إقرار الكونغرس الأمريكي قانون "جاستا" رفعت أرملة أحد ضحايا هجمات 11 سبتمبر دعوى قضائية ضد السعودية، واتهمت ستيفاني روس دي سيمونيه السعودية بتقديم الدعم لتنظيم القاعدة وزعيمه الراحل أسامة بن لادن، وذلك في الدعوى القضائية التي رفعتها في محكمة العاصمة واشنطن، حيث أظهر موقع المحكمة أن رقم القضية هو "16-cv-1944". وأفادت شبكة "بلومبرغ" بأن دي سيمونيه رفعت الدعوى القضائية باسمها واسم ابنتها، التي كانت حاملا فيها وقت مقتل زوجها باتريك دن الضابط في البحرية الأمريكية. وفقدت دي سيمونيه زوجها في 11 سبتمبر عام 2001 إثر سقوط إحدى الطائرات المختطفة في الهجمات على مقر وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون". مثل هذه القضية ليست جديدة إذ سبق للقضاء الأمريكي أن رفض دعاوى سابقة أقامتها عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر قبل سنة تقريبا وتطالب بدورها بتعويضات من السعودية، لكن الجديد هو أن هذه الدعوى ستأخذ هذه المرة إلى المحاكم لأن القانون الأمريكي الجديد أتاح إسقاط الحصانة عن أي متهم سعودي مفترض مهما كان موقعه في الدولة السعودية، وبقطع النظر عن كون هذه الاتهامات صحيحة أو باطلة فإن أي شخص ورد اسمه في أي قضية لابد وأن يواجه القضاء. وفي الدعوى التي أقامتها عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر والتي رفضها القضاء الأمريكي نهاية أكتوبر 2015، قال قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية في مانهاتن جورج دانيلز إن "السعودية لديها حصانة سيادية من مطالب التعويض من عائلات حوالي ثلاثة آلاف شخص قتلوا في تلك الهجمات، ومن شركات التأمين التي غطت الخسائر التي مني بها أصحاب برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وشركات.. لأن الاتهامات لا تجرد المتهمين من الحصانة السيادية". غير أن الوضع صار مغايرا بفعل قانون "جاستا" الذي يبدو أنه جاء لتلافي هذا العائق القانوني الذي أعلن عنه القاضي دانيلز أساسا. ابتزاز أمريكا للسعودية تحت زعم تورطها في أحداث سبتمبر 2001 ليس وليد اليوم بل يعود إلى سنوات تمت خلالها عمليات تصعيد ثم تهدئة اختلطت بنشر تحقيقات وتقارير جرى التلاعب بمحتوياتها. العودة بالأزمة إلى مرحلة التصعيد من خلال القانون الذي تم إعداده خصيصا لدفع الرياض إلى نفق مظلم، قد يكلفها مبالغ مالية طائلة تنهى مستقبلها الاقتصادي أو على الأقل تسمح لواشنطن بمصادرة جميع الأموال السعودية الموجودة لديها، خاصة أن تقديرات أولية تقول إن التعويضات لعائلات ضحيا 11 سبتمبر قد تصل قيمتها إلى 3.3 تريليونات دولار أي 3300 مليار دولار، بمعنى آخر أنها لن تتوقف عند تعويض أسر الضحايا، وإنما قد تصل لخسائر افتراضية مادية ومعنوية ونفسية أيضا، فعمدة نيويورك وحده، يقدر خسائر ولايته بنحو 95 مليار دولار، وعلينا أن نضع في حسابنا خسائر شركات الطيران، وربما حروب أمريكا في العراق وأفغانستان، وتكاليفها التي جاءت حسب المواقف المعلنة لواشنطن كرد فعل على هجمات سبتمبر. يرى محللون أنه وبعد أن خرجت الأزمة السياسية بين واشنطنوالرياض إلى مرحلة المواجهة، فإنه على السعودية وللإفلات من الفخ الأمريكى وسياسة البيت الأبيض المناهضة لإستقرار ووحدة أراضي الدول العربية، ورغبة محركي سياسة واشنطن في خلق تحالف جديد مع إيران، أن تقوم بتحرك سريع قبل أن يلحق مزيد من الأذى بها إقتصاديا وسياسيا. صحيفة "المدينة" السعودية تحدثت عن إعداد حزمة قرارات للرد على الغطرسة الأمريكية، من ضمنها تجميد الاتصالات الرسمية وسحب مليارات الدولارات من الاقتصاد الأمريكي، وإقناع أشقائها في مجلس التعاون الخليجي بالحذو حذوها، واتباع سياسات قد تشمل تجميد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي والاستثمار، والسماح للقوات المسلحة الأمريكية باستخدام قواعد المنطقة العسكرية. يوم 30 سبتمبر 2016 نشرت صحيفة الفاينانشال تايمز مقالا بعنوان "مصرفيون يحذرون من انسحاب السعودية من الأسواق الأمريكية". ويقول المقال، الذي كتبه سايمون كير من دبي وديميتري سيفاستوبولو من واشنطن، إن التشريع الأمريكي قد يؤدي بشكل ينذر بالخطر إلى إعاقة الاستثمارات السعودية في أمريكا، كما أنه قد يؤدي إلى بيع أصول أمريكية في السوق تقدر قيمتها بمليارات الدولارات مما سيؤثر سلبا على الإقتصاد الأمريكي إلا إذا تم تجميد هذه الأموال والأصول قبل بيعها أو سحبها. ويشير المقال إلى أن مصرفيين يقولون إنهم يتوقعون أن تتصرف السعودية بحذر بينما تراقب أي إجراء قانوني. ولكن المخاوف السعودية تقوض احتمال حدوث استثمارات جديدة في الولايات المتحدة وتزيد من مخاوف تصفية استثمارات سعودية قائمة بالفعل في الولايات المتحدة. وأفاد مسؤول مصرفي يشرف على استثمار أموال سعودية للصحيفة "سيكون السعوديون أكثر حذرا بالتأكيد وقد تكون التداعيات على المدى الطويل للأصول السعودية في الولايات المتحدة ضخمة". وذكر مدير صناديق تمويل في الخليج للصحيفة إن المستثمرين قد يكونون بالفعل يخططون للحد من الاستثمار في الولايات المتحدة، مضيفا: "يشعرون بالقلق إزاء تجميد الأرصدة". سلاح بلا رصاص يسجل أنه في الثلث الأخير من سنة 2016 يوجد توجهان فيما يخص طرق الرد على التهديدات الأمريكية المتصاعدة، إتجاه يدعو إلى الرد بسرعة على التشريع الأمريكي خاصة فيما يتعلق بالأموال والإستثمارات، وإتجاه آخر يدافع أصحابه عن مواصلة التعاون مع واشنطن لأن قانون "جاستا" في الأصل سلاح بلا رصاص حسب رأيهم. كتب المحلل والصحفي عبد الباري عطوان يوم 2 أكتوبر 2016 في صحيفة "رأي اليوم": كبريات شركات المحاماة في الولايات المتحدةالامريكية بدأت قبل شهر تحضير العرائض التي ستتقدم بها إلى المحاكم الأمريكية لرفع دعاوى تعويض ضد الحكومة السعودية، وأمراء في الأسرة الحاكمة، ورجال أعمال، وربما شيوخ في دول خليجية أخرى، تطبيقا لقانون "العدالة لرعاة الإرهاب". ليس هناك أكثر جشعا وانتهازية من معظم شركات المحاماة الأمريكية في العالم، فهؤلاء يبحثون عن فرصة لمقاضاة أي طرف يقع بين براثنهم لابتزازه وافلاسه، خاصة إذا كان عربيا او مسلما، غنيا او ينتمي إلى دولة غنية. في أمريكا هناك مجموعة من المحامين يطلق عليهم "كلاس آكشن لويرز"، لها مكاتب في كل مدينة او بلدة، وتعلن يوميا في محطات التلفزة عن خدماتها في رفع دعاوى تعويض، وتحرض المواطنين مهما كانت إصاباتهم للجوء اليها دون ان يدفعوا دولارا واحدا كأتعاب، على قاعدة: "لا تكسب لا تدفع"، على ان تخصم الأتعاب من التعويض النهائي في حال فوز القضية، وبدأت هذه القاعدة تنتقل إلى بريطانيا ودول أوروبية أخرى. قضية تعويض ضحايا الحادي عشر من سبتمبر ستكون صيدا ثمينا لهؤلاء "الذئاب" حسب التوصيف العالمي. أخطر ما كشفت عنه هذه "الواقعة" انه لا يوجد أي "لوبي عربي" في الولايات المتحدة، رغم ان العرب، والخليجيين منهم بالذات هم الأكثر ثراء في العالم، وتزيد استثماراتهم في الولايات المتحدة عن تريليونين ونصف تريليون دولار، ان لم يكن أكثر تستأثر السعودية وحدها بحوالي ثلثها، فهل يعقل ان لا يصوت في مجلس الشيوخ إلا سيناتور واحد فقط من مئة سيناتور ضد مشروع القانون المذكور؟ وهل يمكن ان نصدق أن الرئيس أوباما الذي استخدم حق "الفيتو" ضده يعارضه فعلا، واستخدم نفوذه وحزبه في المجلسين، وحشد النواب والشيوخ الديمقراطيين لمنع اعتماده؟ لا نعتقد ذلك؟ كان ممثلا بارعا، وما زال. انه ليس قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، مثلما يقول اسمه، وانما قانون الانتقام من هذا الحليف الذي برأته تحقيقات لجنة الكونغرس من أي دور رسمي، مباشر او غير مباشر، في هذه الهجمات، لأن دوره انتهى، ولم يعد التحالف معه مفيدا. السعودية تقف أمام حرب شرسة أعلنتها عليها الولايات المتحدة، وقد يتطلب الأمر لاحقا، وبأمر القانون، فتح كل خزائن مخابراتها، ووزارة داخليتها امام المحامين والمحققين في هذه القضايا، لتقديم وثائق متعلقة بالإرهاب وهجمات سبتمبر والمتورطين فيها، فهذا القانون يلاحق الممول والمنفذ، والمشارك في التمويل، او التحريض، او من ساعد بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وقدم خدمات للمنفذين. امريكا هي اكبر دولة تمارس الارهاب في العالم، واذا كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الارهابية قتلت ثلاثة آلاف امريكي، وهي هجمات مدانة، فإن امريكا قتلت الملايين في العراق وسوريا واليمن وافغانستان وليبيا بشكل مباشر، او غير مباشر، وهي التي هيأت الحاضنة الأكثر دفئا لنمو الجماعات الإسلامية المتشددة مثل "الدولة الإسلامية"، التي تدعي أنها الخطر الأكبر على السلم والاستقرار العالميين. اليوم الاستثمارات السعودية، وغدا الكويتية، وبعد غد القطرية، والاماراتية، والذرائع والوثائق جاهزة ومحفوظة في الأدراج، وسيتم اخراجها في الوقت الملائم، ودعم الارهاب احداها. مواءمة سياسية جاء في تحليل نشرته وكالة رويترز يوم 29 سبتمبر 2016: "يقول بعض المحللين إن السلطات السعودية ستفسر الخطوة التي اتخذها الكونغرس في إطار المواءمات السياسية من جانب أعضائه في موسم انتخابي وإن فرص نجاح أي دعوى قضائية غير مؤكدة في أفضل الأحوال. لكن هذا الإجراء لا يفعل شيئا لتخفيف توترات قديمة تشوب التحالف. وتتزايد النظرة في المملكة ودول خليجية أخرى إلى الرئيس باراك أوباما الذي نقض القانون باعتباره مؤيدا لإيران خصمها اللدود وهو اتهام تنفيه واشنطن كما أنه يختلف مع الرياض في الأزمة السورية وأزمات عربية أخرى. وقال عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية في الإمارات "هذا القانون يعكس حملة مناهضة للسعودية." وأضاف أن الوقت قد حان لتقليص الدور الأمريكي في المنطقة. وتكهن بعض المحللين أن بوسع الرياض الرد بتقليص التجارة الأمريكية مع السعودية صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة العربية أو تقييد التعاون في المجال الأمني في علاقة لها أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب ومساعي السلام في الصراعات العربية. وقال المحلل تيودور كاراسيك من جلف ستيت اناليتكس على موقع العربية على الانترنت إن القانون سيشعل نيران عاصفة من الحرب القانونية ستضعف بشكل مباشر العلاقات السياسية في وقت يتطلب علاقات نشطة لمكافحة الإرهاب. وأضاف أن القانون قد يعرقل أيضا إصلاحات اقتصادية كاسحة تهدف لتعزيز دور القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي وإبعاد المملكة عن الاعتماد على النفط. وتكهن بعض المحللين بأن التجارة والاستثمارات الثنائية قد يلحق بها ضرر. خطط التقسيم إقرار هذا القانون إعتبره عدد من المحللين أهم ترجمة لتدهور العلاقات غير المعلن رسميا بين البلدين "ضمن سلسلة تفاعلات سياسية وفكرية في المجتمع الأمريكي تجاه السعودية". وشملت هذه التفاعلات نشر مقالات معادية للسعودية، وتكثيف الضغط من قبل وسائل إعلام واسعة الانتشار، وإصدار كتب تنتقد نظام الحكم في الرياض وتتهمه بدعم ما تسميه الإرهاب. ونشرت دورية "نيويورك ريفيو أوف بوكس" قراءة لأربعة كتب في مقال مطول، كتبه الباحثان في جامعة كامبريدج البريطانية توبي ماثيسن وباسكال مينوريت، إلى جانب باول أردتس وسايمون فالينتاين. وتضاعف في المقابل عدد المقالات التي تحاول الدفاع عن إيران منذ نشر صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا خلال شهر سبتمبر لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، دعا فيه بشكل مبطن إلى محاصرة السعودية. ونهاية شهر سبتمبر، نشر الموقع الإخباري "هوفينغتون بوست" بنسخته الإنكليزية مقالا للباحث الإيراني مسعود خودبنده يقول إن "شيوخ السعودية أسوأ بكثير من ملالي إيران". ويقول أندرو بوين، الباحث في برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون للدراسات "البعض في الكونغرس يحاولون إيجاد خيوط يستطيعون من خلالها ربط ضربات السعودية في اليمن وأحداث ال11 من سبتمبر، من أجل خلق رأي عام أوسع مقتنع بما مفاده أن السعودية حليف غير موثوق يجب الضغط عليه". ويبدو بعض المحللين أكثر ترويا لجهة الموقف الذي قد تتخذه السعودية، وما اذا كانت الرياض ستتخذ اجراءات قد تهدد علاقات بهذا القدم مع واشنطن. ويقول محللون، إن المسؤولين السعوديين يخشون من أن تكون الدعاوى القضائية مدخلا لعمليات ابتزاز ومقايضات ربما تهدف للضغط على المملكة في ملفات خلافية يمكن ان تحتد في المستقبل على ضوء المؤشرات السلبية الراهنة في العلاقات الثنائية وهي قضايا قد تتخذ فيها الرياض مواقف مستقلة عن الولايات المتحدة. والأهم في هذا السلوك الأمريكي تجاه السعودية أن الرياض لا تعلم على وجه التحديد إلى اين ستتجه نهايته مع وجود تقارير وتحليلات استراتيجية تقول إن الولايات المتحدة، قد قررت وعلى نحو حاسم إعادة تأهيل إيران كشرطي قوي في المنطقة إلى جانب إسرائيل لمقارعة العديد من الدول العربية وتنفيذ مخطط المحافظين الجدد الذي ينص على إعادة رسم حدود دول المنطقة الشرق أوسطية وتقسيمها على أسس عرقية ودينية وطائفية ومناطقية إلى ما بين 54 و 56 دولة. التشريع الأمريكي قوبل برفض عربي شبه تام، وسبق لدول خليجية ان اعربت عن قلقها من احتمال اصدار القانون. وحذرت دولة الإمارات من العواقب الوخيمة طويلة الأجل لرفض الكونغرس للفيتو الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما ضد التشريع. وفي تغريدة على موقع تويتر يوم الخميس وصف أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات قرار الكونغرس بأنه "سابقة خطيرة في القانون الدولي ويقوض مبدأ الحصانة السيادية ناهيك عن مستقبل الاستثمارات السيادية" في الولايات المتحدة. وفي تغريدة أخرى قال قرقاش "يجب أن تكون ردود أفعالنا علي المستوى القانوني والاستثماري بعيدة عن التسرع.. تفكيك الضرر يتطلب عملا مركزا ومشتركا..الغلبة دائما للعقل والمنطق". وكان وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد قد حذر في وقت سابق من شهر سبتمبر، من ان قوانين مماثلة "ستؤثر سلبا على الجهود الدولية والتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب". عمر نجيب [email protected]