تعرضت مواقع الجيش السوري في دير الزور يوم 17 سبتمبر 2016 لقصف بالقنابل والصواريخ من جانب طائرات ما يسمى بالتحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة. وذكرت وزارة الدفاع الروسية بوصفها أحد الأطراف المسؤولة عن مراقبة تطبيق الإتفاق الجديد لوقف إطلاق النار في سوريا مع الولاياتالمتحدة، أن 4 مقاتلات أمريكية شاركت في الهجوم اثنتان من طراز - "F16"وأخريان من طراز "A-10"، وأكدت أن المقاتلات المهاجمة اخترقت الأجواء السورية من جهة الحدود العراقية وأن الهجوم مكن مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على جبل ثردة في محيط مطار دير الزور. من جانبه ذكر مصدر عسكري سوري من دير الزور: أن طائرات التحالف استهدفت العتاد الثقيل للجيش السوري في نقطة على جبل ثردة، الذي يبعد 700 مترا غرب مطار دير الزور. وتابع المصدر أنه بعد ذلك بنحو 7 دقائق، شن تنظيم "داعش" هجوما على النقطة وسيطر عليها، وبالتالي سيطر ناريا على مطار دير الزور، كونه أرضا سهلية تقع قبالة الجبل العالي المطل عليه. وأضاف أن قوات الجيش السوري والدفاع الوطني المنتشرة في المناطق القريبة من المطار في منطقتي هرابش والجفرة والتي تبعد حوالي 1.5 كم عن النقطة، باشرت بهجوم عكسي لاسترداد النقطة التي خسرها الجيش. وأكد المصدر أن مدينة دير الزور آمنة بشكل نسبي، ولم تتبدل فيها خارطة السيطرة. وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت في وقت سابق مقتل 62 عسكريا من الجيش السوري وجرح أكثر من 100 آخرين استنادا إلى معلومات تلقتها من الجيش السوري. وصرحت المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية بثينة شعبان، أن الضربات الجوية الأمريكية على الجيش في دير الزور جرت بتخطيط ممنهج ومسبق. وقالت شعبان يوم الأحد 18 سبتمبر إن عملية القصف تمت بطلعات وبأكثر من طائرة تابعة للتحالف، مستهدفة الجنود السوريين الذين كانوا يدافعون عن دير الزور منذ اكثر من سنتين، ما أسفر عن قتل العديد منهم. وأشارت إلى أن من تبقى من الجنود لاحظوا أن عناصر "داعش" انطلقوا في نفس الدقيقة التي كان فيها القصف، ليحتلوا المناطق التي استهدفتها الطائرات، ومن ثم توقف القصف لتبتعد الطائرات لاحقا. وتابعت أن ادعاءات مندوبة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة سامانثا باور بأن ما حصل كان عن طريق "الخطأ" بأنه غير صحيح، مستغربة من أن قوة مثل واشنطن وتدعي بأنها الأكبر في العالم، لا يمكنها من تحديد أهدافها بشدة، وهذا يعد "مصيبة كبرى". وأضافت شعبان أن التحالف، الذي تقوده واشنطن، لم يكن يستهدف "داعش" قبل بدء الطيران الروسي باستهدافه، بدليل أن هذا التنظيم كان يتمدد بوجود التحالف وبدأ يتقلص فقط بعد قدوم القوات الروسية. القيادة العامة للجيش السوري ذكرت في بيان لها: "هذا العمل "أي الهجوم" يعد اعتداء خطيرا وسافرا ضد الجمهورية العربية السورية وجيشها ودليلا قاطعا على دعم الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها لتنظيم داعش الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى، ويفضح زيف ادعاءاتهم في محاربة الإرهاب". تجدر الإشارة إلى أن هذه الغارات الأمريكية التي استهدفت قوات الجيش السوري ليست الأولى من نوعها. وكانت هيئة الأركان العامة في الجيش السوري قد أكدت يوم 6 ديسمبر 2015، أن طائرات تابعة للولايات المتحدة وجهت ضربة إلى المعسكر الميداني للواء 168 في الفرقة 7 بالجيش السوري، والذي يبعد كيلومترين غرب مدينة دير الزور. مصادر رصد أوروبية ذكرت أن الهجوم الأمريكي على الجيش السوري يوم 17 سبتمبر تم التنسيق له على أعلى المستويات في البنتاغون وأن الأمر عرض على البيت الأبيض قبل التنفيذ خاصة وأن بعض القيادات الأمريكية حذرت من رد فعل روسي سوري عسكري واسع، وأضافت المصادر الأوروبية أن المخطط الأمريكي كان يهدف إلى توجيه ضربة للجيش السوري الذي يحقق تقدما على أغلب الجبهات وتمكين تنظيم داعش من تعويض جزء من إنتكاساته والسيطرة على دير الزور. لا خجل من كذب مكرر جلسة لمجلس الأمن الدولي التي عقدت يوم 18 سبتمبر على خلفية مقتل الجنود السوريين في القصف الأمريكي كشفت عن مدى الجهود الضخمة للتضليل التي تمارسها الإدارة الأمريكية والتي تعيد تذكير العالم بأكاذيب واشنطن قبل 14 سنة لتبرير غزوها للعراق. تميزت جلسة يوم الأحد بتبادل الاتهامات والانتقادات الشديدة بين الجانبين الروسي والأمريكي. فقد سارعت ممثلة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة سامانتا باور لوصف دعوة روسيا مجلس الأمن للانعقاد بالعمل "المنافق". فيما أكد ممثل روسيا لدى المنظمة الأممية فيتالي تشوركين أن تصرفات الممثلة الأمريكية غريبة، إذ قال للصحفيين "حين اجتمعنا للتشاور ورحت أعبر عن قلقي لأعضاء المجلس، تبين أنها خرجت إلى الصحافة ودون أن تسمعني راحت تنتقد وتشتم روسيا، وانتقدتنا حتى على دعوتنا للاجتماع". وأضاف تشوركين أن باور دخلت قاعة المشاورات بعد أن أنهى مداخلته وأعلنت أنها غير معنية بالاستماع إليه، وأن هذا مجرد خدعة. وتابع تشوركين "في هذه الظروف لم أعد أنا معنيا بالاستماع لاتهاماتها لنا بكل الخطايا فخرجت، لكن وفدنا بقي". وأعلن ممثل روسيا لدى الأممالمتحدة فيتالي تشوركين عقب انتهاء الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن، أن موسكو تنتظر من واشنطن أن تبرهن لروسيا وشركائها الآخرين على التزامها بحل سياسي في سوريا بعد أحداث دير الزور، وردا على سؤال حول إمكانية التحدث عن نهاية الاتفاق بين روسياوالولاياتالمتحدة بشأن الهدنة في سوريا، قال تشوركين: "لا، هنا علامة استفهام كبيرة". وأشارت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى أنه يستنتج من هذه الضربات أن الولاياتالمتحدة تدافع عن تنظيم "داعش" قائلة: "إذا كانت لدينا في وقت سابق شكوك بأنهم يتسترون على جبهة النصرة.. فالآن وبعد هجمات اليوم على الجيش السوري نصل إلى استنتاج مرعب: البيت الأبيض يدافع عن تنظيم داعش". وأضافت المسؤولة الروسية: "إذا كان الأمر كذلك، ربما هذا هو السبب لرفض الجانب الأمريكي نشر الاتفاق الروسي الأمريكي حول سوريا" وواصلت زاخاروفا "نطالب تفسيرا من واشنطن: هل هذه سياسة متعمدة لدعم داعش أو أن هذا كان خطأ ". ودعت زاخاروفا المندوبة الأمريكية في الأممالمتحدة سامانتا باور لزيارة سوريا لترى بعينها كيف يعيش الناس في ظروف الحرب ولتعرف معنى الخجل. وكتبت زاخاروفا على صفحتها في الفيسبوك "عزيزتي سامانتا باور، لمعرفة معنى كلمة الخجل، أنصحك بالذهاب إلى سوريا والالتقاء مع الناس هناك. ليس مع النصرة، ولا مع المعارضة المعتدلة التي يقلق واشنطن تأخير إيصال المساعدات الإنسانية إليها، ولا مع مناضلي المستقبل النير المقيمين في الغرب، بل مع الناس الذين يعيشون هناك رغم ست سنوات من الاختبار الدموي الذي يجرب في بلدهم بمشاركة نشطة من واشنطن". وأضافت زاخاروفا أنها تلتقي بالسوريين كثيرا، بممثلي المعارضة من المدن السورية، وبأطفال يتامى يأتون إلى روسيا للراحة أو العلاج، وبالصحفيين. وتعهدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية بتحمل نفقات سفر باور إلى سوريا كاملة، وقالت "لا تخافي. معي لن يلمسك أحد، إلا إذا ضرب طيرانكم مرة أخرى بالخطأ. ستجدين فيما بعد ما يمكن تذكره، وتعرفين معنى كلمة خجل". حافة الحرب العالمية الثالثة في محاولة للتغطية على فضيحة دعم الجيش الأمريكي لداعش عبرت وزارة الدفاع الأمريكية عن أسفها لمقتل الجنود السوريين، فيما كررت الإدارة الأمريكية اسطوانة فتح تحقيقات. وأعلن المتحدث باسم البنتاغون أن العسكريين الأمريكيين يجمعون المعلومات حول الغارات "نحاول تحديد كل المعطيات، ونأسف إذا كنا ضربنا مواقع العسكريين السوريين خطأ لا سيما لسقوط قتلى". يرى الخبراء والمحللون أن العملية الأمريكية قد تؤدي إلى تقويض الاتفاقات الروسية الأمريكية حول سوريا وكذلك إلى تأزم الوضع بشكل حاد في الشرق الأوسط. خبير مركز التحليل السياسي أندريه تيخنوف صرح إنه ووفقا للمنطق الأمريكي السائد، أي صفقة بين روسياوالولاياتالمتحدة يمكن أن تتم فقط بالشروط الأمريكية ومن بينها رحيل الأسد. ولكن من الواضح أن روسيا لا يمكن أن تقبل بذلك ولذلك سيستمر الدعم الأمريكي غير المعلن للإرهابيين. وأضاف الخبير القول:" يجب التخلص من الأوهام حول الكفاح المشترك ضد الإرهاب الدولي. يجب التشمير عن السواعد والتصدي للإرهابيين بدون الالتفات إلى المجتمع الغربي. في حال أبدينا الضعف فسيواصل الإرهابيون الهجوم في سوريا وفي كل بقاع العالم". وأعلن رئيس تحرير مجلة "الدفاع الوطني" إيغور كوروتشينكو من جانبه أن الولاياتالمتحدة تواصل اتباع سياسة الكيل بمكيالين واستخدام المعايير المزدوجة. وأعلن رئيس صندوق السياسة البناءة عبد الله ناجييف أن الأحداث في سوريا أخذت تغير محور اتجاهها وتدخل في مجال الاضطراب الخطير. وقال:" يدل رفض الولاياتالمتحدة للكشف عن جوهر اتفاق بشأن سوريا إلى أن كل هذه الاتفاقات تتسم بالطابع المؤقت ولها قيمة تكتيكية. وغارات سلاح الجو الأمريكي يوم 17 سبتمبر هي مؤشر واضح على أنه يجوز توقع توسيع وتعزيز التعاون بين الولاياتالمتحدةوروسيا. الجانب الأمريكي يدفع بتصرفاته الجانب الروسي إلى إجراءات انتقامية ضد القوى المدعومة من جانب التحالف بزعامة الولاياتالمتحدة وذلك بهدف تشويه صورة روسيا لاحقا في عيون المجتمع الدولي وتعزيز المشاعر المعادية لروسيا في العالم". ويرى الخبير أن روسيا تحاول العثور على حلول دبلوماسية للمشكلة ولكن رد فعل الجانب الأمريكي على دعوة روسيا لعقد جلسة مجلس الأمن الدولي يقوض بالكامل الثقة بين الطرفين. ولن يتحقق أي تقدم في الأزمة السورية إلا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ويعتقد مدير المعهد الدولي للدول الحديثة "أليكسي مارتينوف" أن ما يعرف "بحزب الحرب" قد يكون خلف قصف الجيش السوري في دير الزور، وقال: " حزب الحرب" ينشط بشكل واسع في الولاياتالمتحدة وهو غير راض عن قيام علاقات سليمة بين موسكووواشنطن ولذلك تراه يبذل الجهود لتقويض الاتفاقات الروسية الأمريكية وهو أمر يتناسب تماما مع سير الحملة الانتخابية في الولاياتالمتحدة، ولكنه في نفس الوقت "يضع العالم على حافة الحرب العالمية الثالثة". عملية متشعبة الاهداف جاء في تعليق لصحيفة السفير اللبنانية يوم 19 سبتمبر: النقاش في أهداف العدوان الأمريكي على الجيش السوري، تجاوز منذ اللحظة الاولى فرضية الخطأ المحتمل والمستحيل، الى عملية متشعبة الاهداف، اولها إسقاط دير الزور بيد "داعش"، بعد اكثر من ثلاث سنوات من المقاومة السورية في المدينة التي لا يزال مئة ألف مدني يعيشون في أحيائها المحاصرة من قبل "داعش"، ويدافع عنها خمسة آلاف مقاتل من الجيش السوري ووحدات الدفاع الوطني، وبعض مقاتلي عشيرة الشعيطات. وهي ارقام وخبرة تعني ان اسقاط دير الزور ليس سهلا، وان صدمة خلخلة خطوط دفاع الجيش السوري، قد تم تجاوزها، مع استعادة الجيش السوري لمواقعه في جبل الثردة، او اكثرها، والاحتفاظ بمطار دير الزور كخط إمداد جوي اساسي للبقاء والصمود في المدينة. الأمر الذي يجب تسجيله هو أنه لم يسبق للأمريكيين، ولا لأي من طائرات "التحالف الدولي" ان اغارت على أي من مواقع "داعش" في هذه المنطقة، او في منطقة مجاورة غيرها، سواء في القلمون الشرقي في الضمير، او غوطة دمشق، او الشريط الذي تحتله "داعش" تحت مسمى "جيش خالد بن الوليد"، على خط الفصل بين الجولانَين المحتل والمحرر من وادي الرقاد عند نهر اليرموك، حتى مدينة القنيطرة، او في أي منطقة كانت تواجه فيه "داعش" الجيش السوري في سوريا بأكملها، منذ ان بدأت عمليات "التحالف الدولي" في سبتمبر من العام 2014، إذ إن الخطاب العلني لشركاء "التحالف"، من فرنسا الى سلاح الجو الحليف فالامريكي، هو رفض شن اي غارة على "داعش" في سوريا يمكن ان تعود بالفائدة على الجيش السوري. هذه العقيدة هي في صلب الموقف الفرنسي مثلا الذي منع الضربات الجوية الفرنسية على تواضعها ضد "داعش" السورية، الى ما بعد هجوم الجمعة الباريسي الدامي عام 2015. ويردد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ووزير خارجيته السابق ان لا فرق بين "داعش" والجيش السوري، وان "داعش" هو صنيعة دمشق. ويضيق هامش الخطأ حتى درجة الصفر، بسبب وجود كامل إحداثيات المواقع العسكرية السورية لدى الامريكيين، بل إن الروس كانوا يزودونهم بالمعلومات التي تستجد عند اي تغيير في مواقع انتشار الجيش السوري. كما ان هجوم السبت 17 سبتمبر 2016، ليس العملية الاولى ضد الجيش السوري في دير الزور، اذ سعت الولاياتالمتحدة على الدوام الى إضعاف الجيش السوري في الشرق السوري، بشكل عام عن طريق حلفائها الاكراد في هجومهم قبل اسابيع على مواقعه في مدينة الحسكة، ومحاصرة مواقعه. وسبق ل "البنتاغون" ان نفذ هجوما جويا واسعا، على معسكر الصاعقة للجيش السوري سنة 2015، مما ادى الى انسحابه من منخفض استراتيجي على الضفة الجنوبية للفرات يحمي منه دير الزور، وسهل دخول "داعش" بعدها بيومين، الى منطقة البغيلية. تجاذبات الأجهزة الأمريكية حكمت التجاذبات بين "البنتاغون" ووكالات المخابرات الامريكية، لا سيما العسكرية منها، وهيئة الاركان المشتركة للجيش الامريكي من جهة، ووزارة الخارجية من جهة اخرى، الموقف من الاتفاق مع الروس، وبالتالي الموقف من عملية دير الزور. قرأ الروس انفسهم العملية على ضوء صعود هذه التجاذبات مع محاولة الخارجية الامريكية والبيت الابيض، افتتاح اختبار مسار التسوية بعد ترجيح انتصار حلب السوري كفتها، وقال مندوبهم في مجلس الامن فيتالي تشوركين: "نريد ان نعرف من يقرر الموقف الامريكي في سوريا، البنتاغون ام الخارجية الامريكية". ذلك ان المثلث العسكري الامريكي يدفع ليس فقط للهروب من مسار التسوية المحتمل عبر استهداف دير الزور، بغية تجويف الاتفاق من مضمونه، بل الى استعادة الهجوم لاستنزاف الروس على الجبهة السورية التي لا تشكل بنظر الصقور الامريكيين سوى إحدى ساحات الاستنزاف لروسيا في مقاربة اشمل للمواجهة معها ومع محور المقاومة، الهدف الثاني الاساسي للغارات الامريكية. كما عكست ما كان يقوله وزير الدفاع آشتون كارتر قبل ايام من انه من غير الممكن التعاون عسكريا مع الروس في سوريا "لأنه يخالف مضمون القانون الذي صوت عليه مجلس النواب الامريكي بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم". توقيت العملية يصادف الاستعدادات الجارية داخل محور المقاومة، وإرسال تعزيزات قريبا الى دير الزور، لفك الحصار عنها، والبقاء على مقربة من المنافذ العراقية السورية، في القائم، والتنف، والتي تتحكم بطريق محور المقاومة الاستراتيجي البري. ويخشى الصقور في الادارة الامريكية ان يكرر الروس والسوريون الاستفادة من الهدنة الحالية، كما استفادوا من هدنة فبراير 2016 لدحر "داعش" في تدمر، أعاد الجيش السوري تجميع قواته إثر الهدنة، واستقدم وحداته التي قاتلت بفعالية في ريف اللاذقية، واستعادت اكثر مناطقه، لقطع طريق القلمون الشرقي على "داعش"، وإخراجه من بلدة القريتين. إن إخراج الجيش السوري من الشرق السوري، كان ولا يزال هدفا امريكيا، لإبقاء دمشق بعيدة عن مواردها الاقتصادية الاساسية النفطية والزراعية وإضعاف دورها وسلطتها في اي مسار للتسوية مستقبلا، كما ان إخراج الجيش السوري، يحيي السيناريوهات المتعددة للتقسيم التي جرى الحديث عنها مع انكفاء الجيش السوري تدريجيا من المنطقة. اذا ما نجا الاتفاق من الهجوم وهو سينجو لتمسك دمشقوموسكو بتنفيذه في مرحلة مفصلية جدا عنوانها، بعد سبعة ايام من الهدنة سيؤدي الاتفاق الى الاعلان عن تشكيل غرفة عمليات روسية امريكية مشتركة، مهمتها الاولى توجيه ضربات جوية لداعش، وهذا منتظر، والى "جبهة النصرة" وهو مربط الفرس في تمسك الروس بهذا الاتفاق. إذ إن جر الامريكيين الى التضحية بالعمود الفقري للمعارضة السورية المسلحة، وضربه، سيحرم المجموعات الاخرى من القدرة على مواصلة الحرب، في ظل التقارب الروسي التركي خصوصا، وتغير الاولويات التركية، من مناوءة دمشق، الى ضرب اي مشروع كردي في الشمال السوري. واذا ما دخل الروس والاميركيون فعلا الى غرفة عمليات مشتركة ضد "جبهة النصرة"، فان ذلك سيجبر القوى الاقليمية التي تدعمها على حسم موقفها، كما ستدفع المجموعات المسلحة الى حسم الموقف من الاتفاق الروسي الامريكي، والسير بالهدنة، اذ لا تزال حركة "احرار الشام" بعيدة عن اي قبول بالاندماج في اي جيش جهادي كبير مع ابو محمد الجولاني، او الدخول معه الى بيت مشترك، في بنك اهداف التنسيق الامريكي الروسي. ومن دون التبصير في الشق السياسي للاتفاق الروسي الامريكي، الا انه لن يكون بعيدا عن المقاربة الروسية المعروفة للحل في سوريا. ولن يخالف الروس في السر ما يقولونه علنا عن ان التغيير يقرره الشعب السوري، ولا ما توافقوا عليه مع الامريكيين في فيينا، وغيرها، وهو يتركز في خريطة ذات عناوين رئيسة: حكومة وحدة وطنية، وتعديلات دستورية، فانتخابات برلمانية ورئاسية يشارك فيها الرئيس بشار الاسد". صحيفة "الوطن" العمانية بدورها إنتقدت "تلكؤ" الولاياتالمتحدة في الالتزام ببنود الاتفاق مع موسكو. واتهمت الصحيفة في افتتاحيتها الولاياتالمتحدة ب"شراء الوقت اللازم لمواصلة العبث بالدم السوري، وذلك في دعم التنظيمات الإرهابية، لكونها القوى التي تحارب بالوكالة عنها ومعسكرها الدولة السورية وحلفاءها". وانتقدت الصحيفة "التلكؤ الأمريكي ومحاولة واشنطن تغطيته... بسبك الاتهامات الباطلة ونسج الافتراءات المضللة ورميها تارة على روسيا الاتحادية بأنها عاجزة عن ممارسة ضغط أكبر على الحكومة السورية وعلى الجيش العربي السوري فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، وتارة برميها على الحكومة السورية والجيش العربي السوري بأنهما يعرقلان دخول هذه المساعدات". واعتبرت الصحيفة أن "هذا التلكؤ لا يعبر فقط عن عدم جدية واشنطن تجاه الاتفاق وتنفيذ بنوده بندا بندا، وإنما يؤكد وجود شيء ما يدور في عقل أمريكي يعمل على تحقيقه عبر الاتفاق". حماية داعش والنصرة قبل أسبوع بالضبط من الهجوم الجوي الأمريكي على الجيش السوري في دير الزور أكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن بعض أعضاء القيادة العليا في البنتاغون ما زالوا يعارضون تنسيق الجهود العسكرية الرامية لمحاربة الإرهابيين في سوريا مع موسكو. وقالت الصحيفة، في مقالة نشرتها السبت، 10 سبتمبر: "جاءت من قبل الولاياتالمتحدة المصادقة النهائية على الاتفاق الروسي الأمريكي حول سوريا، بعد إجراء وزير الخارجية جون كيري مؤتمرا عبر جسر فيديو استمر لساعات كثيرة مع ممثلين عن أجهزة الأمن القومي في واشنطن، لم يوافق بعضهم، وخاصة هؤلاء من البنتاغون، على تنسيق شن الضربات الجوية مع روسيا في إطار مكافحة الإرهاب". وأشارت الصحيفة إلى أن بعض المسؤولين في البنتاغون وحتى في البيت الأبيض لم يخفوا تحفظهم من الاتفاق المخطط له" خلال الأشهر الكثيرة من المفاوضات. وأوضحت "واشنطن بوست" أن "بعضهم قال إن موسكو تسعى إلى إطالة الوقت حتى انتهاء ولاية الإدارة الحالية متوقعة الحصول على اقتراح أفضل من خليفة الرئيس باراك أوباما، فيما أصر الآخرون على أن روسيا كانت على يقين بأن فرص التوصل للاتفاق ستشهد هبوطا، لا سيما حال انتخاب هيلاري كلينتون رئيسة للدولة الأمريكية". وأكدت الصحيفة أن تأجيل اتخاذ القرار النهائي حول الاتفاق نجم عن "المشاورات المستمرة لساعات كثيرة" بين وزير الخارجية الأمريكي وأجهزة الأمن القومي في واشنطن. يذكر أن المفاوضات الماراثونية بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري، التي أجريت يوم الجمعة 9 سبتمبر في جنيف، توجت باتفاق شامل بين موسكووواشنطن، يضم 5 وثائق ويهدف إلى وقف الأعمال العدائية في سوريا ووضع أسس لاستئناف العملية السياسية في البلاد. ويقضي الاتفاق بوقف الأعمال القتالية في سوريا، اعتبارا من منتصف ليلة 12 سبتمبر، موضحا أن الهدنة ستعلن في البداية لمدة 48 ساعة لتمديدها لاحقا للفترة نفسها، وثم استمرارها على أساس دائم. وينص الاتفاق أيضا على إقامة مركز روسي أمريكي مشترك سيعمل ضمنه عسكريون وممثلو أجهزة الاستخبارات الروسية والأمريكية على تنسيق العمليات العسكرية ضد الإرهابيين وفصلهم عن المعارضين الذين تصفهم واشنطن بالمعتدلين". ويقول محللون في مراكز رصد أوروبية أنه في حالة تحديد الجماعات الإرهابية والنجاح في فصلها عن الأخرين فلن يبقى سوى بضع مئات من الأشخاص يمكن أن يوصفوا بالمعتدلين وسيتأكد العالم أن الحرب في سوريا صناعة خارجية. مواجهات في الجولان إذا كان الهجوم الجوي الأمريكي على الجيش السوري قد استقطب الإنتباه وشكل مرحليا قمة جبل الجليد العائم، فإن حدثين آخرين يعكسان أبعاد الصراع المتعدد الأطراف على أرض الشام. صباح يوم الثلاثاء 13 سبتمبر 2016 أعلن الجيش السوري إسقاط طائرتين اسرائيليتين إحداهما حربية في ريف دمشق، وأخرى للاستطلاع في ريف القنيطرةجنوب، إثر غارة إسرائيلية استهدفت موقعا عسكريا في سوريا. أحد المتحدثين باسم الجيش الاسرائيلي الكولونيل بيتر ليرنر أعلن على تويتر ان "صاروخي ارض جو أطلقا من سوريا بعد المهمة التي نفذها الطيران الإسرائيلي ليلا على مواقع للمدفعية السورية، ولم يكن أمن الطيران في خطر في أي وقت". ونشرت وكالة الانباء الرسمية "سانا" بيانا للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة قالت فيه ان "العدوان الصهيوني يأتي في إطار دعم العدو الاسرائيلي للمجموعات الارهابية المسلحة، وفي محاولة يائسة لرفع معنوياتها المنهارة بعد الفشل الذريع الذي منيت به والخسائر الفادحة التي تكبدتها بريف القنيطرة". ومنذ حرب يونيو 1967، تحتل الدولة العبرية حوالى 1200 كلم مربع من هضبة الجولان السورية واعلنت ضمها في 1981 من دون ان يعترف المجتمع الدولي بذلك. ولا تزال حوالى 510 كيلومترات مربعة تحت السيادة السورية بعد أن حررت في حرب سنة 1973. يوم السبت 17 سبتمبر اعلن الجيش الاسرائيلي ان نظام القبة الحديدية اعترض ودمر صاروخا اطلق من سوريا على هضبة الجولان المحتلة، ولم يتحدث عن تدخل الطيران الصهيوني، رغم أن مصادر رسمية في تل أبيب كانت قد أكدت رد الجيش الإسرائيلي سيكون قاسيا إذا تكرر القصف من سوريا أو إذا أطلق السوريون الصواريخ على الطائرات الصهيونية. في تعليق له على التحركات الصهيونية كتب المحلل والصحفي عبد الباري عطوان يوم 14 سبتمبر: "اختراق الطائرات الاسرائيلية للأجواء السورية، وقصفها اهدافا عسكرية، او مدنية امر عادي ومألوف، لكن ما هو غير عادي ان يتم التصدي لهذه الطائرات بالصواريخ، واسقاطها من قبل الدفاعات السورية. معارضو الحكومة السورية، وما اكثرهم، كانوا يرقصون، طربا لاي قصف للطائرات الحربية الاسرائيلية في العمق السوري، ويتندرون بتكرار المقولة الرسمية التي تتوعد بالرد في التوقيت والمكان المناسبين في اشارة الى "العجز″ او عدم القدرة والارادة، ومن المؤكد انهم فوجئوا بإطلاق ثلاثة صواريخ من طراز "سام 200″ على الطائرات المغيرة على منطقة القنيطرة واسقاط اثنتين منها. المتحدثون باسم الجيش الاسرائيلي نفوا ان تكون اي من الطائرات التي استهدفت قواعد مدفعية للجيش السوري في القنيطرة قد جرى اسقاطها، ولم تؤكد اي جهة محايدة هذا النفي، او تقول عكسه، ولكن هؤلاء اعترفوا بإطلاق صواريخ بإتجاه الطائرات المغيرة للمرة الاولى منذ سنوات، وهذا اعتراف مهم، يؤكد ان السماء السورية لن تكون مفتوحة على مصراعيها امام الطائرات الاسرائيلية في المستقبل. الغارات الاسرائيلية جاءت ردا على اطلاق اربعة صواريخ من نوع "مورتر" على هضبة الجولان السورية المحتلة، ثلاثة منها عصر اليوم الثلاثاء، اي بعد الغارات، وواحد قبلها، الامر الذي زاد من حدة التوتر على الحدود الجنوبية السورية الفلسطينية قرب الجولان المحتل، مما دفع السلطات الاسرائيلية الى اجلاء المئات من السكان في منطقة "يعارا" الى مناطق آمنة. السؤال الذي يطرح نفسه هو عن اسباب هذا التصعيد المفاجيء وتوقيته اولا، والانقلاب الحادث في الموقف السوري، اي من الصمت وعدم الرد الى اطلاق صواريخ سام المضادة للطائرات التي غابت عن المشهد لسنوات، ثانيا؟ بالنسبة للشق الاول من السؤال يمكن الاجتهاد والاجابة بالقول ان الاسرائيليين يشعرون بالاستياء والقلق من جراء اتفاق الهدنة الذي توصلت اليه القوتان العظميان، وجاء لمصلحة النظام السوري، واكد اليد الروسية العليا في المنطقة بأسرها، ولذلك حاولت ان تعّكر مياهه، وتتحرش بالنظام في دمشق لاحراجه، مطمئنة الى عدم اقدام جيشه على اي رد، مثلما كان عليه الحال في المرات السابقة. اما عن اسباب هذا الانقلاب في الموقف السوري والانتقال من الصمت ازاء الاهانات الاسرائيلية الى مرحلة الرد، فهذا يعود الى اتفاق الهدنة نفسه الذي اطلق يده، اي النظام، وزاد من ثقته بنفسه وقدراته العسكرية، مضيفا الى ذلك استناده، اي النظام، الى الحليف الروسي وقدراته العسكرية الحديثة المتطورة، وخاصة صواريخ "اس 400″ الروسية. قرار التصعيد السوري في هضبة الجولان اتخذ منذ عامين تقريبا، ورصدت اسرائيل تحركات سورية ول"حزب الله" في المنطقة، واغتالت طائراتها عميد الاسرى الشهيد سمير القنطار، مثلما اغتالت ايضا الشهيد جهاد مغنية الى جانب بعض القادة العسكريين الذين كانوا يخططون جميعا لفتح هذه الجبهة، واقامة قواعد عسكرية فيها. ما يمكن قوله، ان الرئيس السوري اراد توجيه رسالة واضحة لا لبس فيها لاسرائيل، تقول مفرداتها "نحن هنا.. ما زلنا اقوياء.. ولم ننس هضبة الجولان.. والزمن تغير.. ولن نسكت امام غاراتكم في المستقبل، والوقت المناسب للرد قد حان". إستهداف تركيا تزامنا مع أحداث الجولان أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم يوم السبت 17 سبتمبر، إنّ "قوى خارجية لم يسمها تحاول استهداف تركيا وإخضاعها، على غرار ما قامت به في سوريا والعراق من تدمير وتهجير"، مشددا أن حكومته وشعبها على وعي تام بخطط وألاعيب تلك القوى. وأوضح يلدريم أن الأطراف التي تتحكم بالمنظمات الإرهابية هي نفسها دائما، وأن الأخيرة تعمل لصالح الجهات، التي تدفع النقود لها أكثر، لافتًا أن منظمة "بي كا كا" الإرهابية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الأكراد تعمد إلى قتلهم بوحشية. ووصف يلدريم العمليات الإرهابية التي تستهدف مواطنيه، بأنها "مؤامرة عالمية"، مضيفًا: "يحاولون تدمير تركيا على غرار ما يقومون به في سوريا والعراق، ونحن ندرك هذه المؤامرة جيدًا، لذلك ينبغي على أسياد الإرهابيين أن يعلموا بأنهم مخطئون في العنوان هذه المرة". في تعليق على التصريحات التركية كتبت صحيفة رأي اليوم: "من يستمع الى تصريحات بن علي يلدريم لا يصدق اذنيه، ويعتقد ان "تركيا اليوم" تختلف كليا عن "تركيا الأمس″، وان البلاد مقدمة على مرحلة تغيير واسعة النطاق، دون ان يلمس آثار هذا التغيير على الارض حتى الآن على الاقل، ولكن الارهاصات الاولية ربما توحي انه قادم. يلدريم، ومنذ ان تسلم مهام منصبه خلفا لاحمد داوود اوغلو في 22 مايو، تحدث بلهجة مختلفة، وقدم وعودا اثارت الكثير من الآمال، مثل رغبته في اعادة علاقات بلاده مع سوريا ومصر، ووصف الحرب في سورية بالعبثية وضرورة وقفها حقنا للدماء، ووصف امريكا بالعدو لانها تقف خلف الانقلاب الفاشل الاخير، والمتهم الرئيسي بتنفيذه، اي الداعية فتح الله غولن، ولا ننسى في اطار هذه السرديات السريعة التذكير بمقولته الاهم وهي العودة الى سياسة "صفر مشاكل" مع الجيران. جديد يلدريم الذي لفت نظرنا، والكثيرين غيرنا حتما، ورد في تصريح ادلى به للصحافيين عن ن قوى خارجية تحاول استهداف تركيا واخضاعها، واذا كان لا يريد بحكم منصبه تسمية هذه القوى فلن نتردد بتسميتها، اي انها قوى غربية بزعامة امريكا. لو رجعنا الى الوراء قليلا، وخمسة اعوام ونصف العام على وجه التحديد، نجد ان تصريح يلدريم يتطابق حرفيا مع التصريحات التي كان يدلي بها المسؤولون السوريون في بداية الازمة التي غرقت فيها بلادهم، ولو حذفنا السيد يلدريم ووضعنا مكانه اسم الرئيس بشار الأسد لما لاحظ أي احد هذا التغيير. نتمنى ان تتعزز هذه الصحوة التركية الرسمية والشعبية، وان تترجم الى خطوات جادة وحقيقية لحقن الدماء، وتكوين جبهة عريضة من الدول المستهدفة في المنطقة، لمواجهة هذه المؤامرة الحقيقية، وفي اسرع وقت ممكن لتقليص الخسائر، وغعادة رسم المستقبل على أسس جديدة من التعاون والتنسيق والمواجهة الجماعية. عمر نجيب [email protected]