دخول باراك اوباما إلى البيت الابيض ، كأول افريقي اميركي ، هو اكبر انتصار لحركة المساواة في الحقوق والواجبات التي قادها الاصلاحي مارتن لوثر كينغ ، في منتصف القرن الماضي، ودفع حياته ثمنا لها على ايدي الجماعات العنصرية المتطرفة. ولا غرابة أن يكون نصف الذين تجمعوا امام البيت الابيض ليشهدوا حفل التتويج التاريخي ، من الاميركيين السود. فالعرس عرسهم، والعريس انطلق من قاعدتهم ليصيب الهدف المنشود بعد معارك انتخابية طاحنة.عهد جديد بدأ في اميركا ، يثبت أن الديمقراطية الغربية، بكل ما لنا من تحفظات عليها، ما زالت انسب انظمة الحكم، واكثرها عدالة وانصافا للاقليات العرقية والدينية. صحيح أن هذه الديمقراطية تعرضت للخطف من قبل عصابة المحافظين الجدد، ومن ثم جرى توظيفها لخوض حروب وارتكاب جرائم في حق الانسانية، مثلما حدث في العراق وافغانستان، ومساندة مجازر اسرائيلية في حق العرب في لبنان وفلسطين ومصر (مدرسة ام البقر، وتدمير مدن القناة اثناء حرب الاستنزاف) ، ولكن الصحيح ايضا انها نجحت في أن تحول بلادها المكونة من مهاجرين من مختلف الاعراق والاديان إلى الدولة الاعظم في التاريخ. اوباما وصل إلى البيت الابيض لانه سار على الطريق الصحيح، طريق العلم والاجتهاد، ودخول معترك السياسة بذكاء وفي المكان المناسب، واستخدم الخطاب الناجح. وهو يجمع في شخصيته العالمين، الاول من خلال امه الايرلندية الاصل ، والثاني من خلال والده الكيني الافريقي المسلم. ولهذا يمكن لو اراد، او بالاحرى لو سُمح له ايضا، أن يكون رسول سلام، وعنوان مصالحة بين الشمال والجنوب، الاسلام والمسيحية، البيض والسود. الرجل وصل إلى اعلى منصب في العالم، وليس في اميركا فقط، في الوقت الخطأ، الامر الذي سيجعل مهمته في النجاح عسيرة للغاية. فاميركا تخوض حروبا خاسرة في افغانستان والعراق، وتعاني من افلاس اقتصادي، وسمعة عالمية سيئة، وتواجه مقدمات حرب باردة مع روسيا، وصعود قوى عالمية جديدة تنافسها على الزعامة والتجارة، مثل اوروبا والهند والصين والبرازيل، علاوة على الاتحاد الروسي. وربما يجادل البعض بأن اوباما ما كان سيصل إلى البيت الابيض لو كانت اوضاع اميركا طبيعية واقتصادها قويا، وحروبها محسومة نتائجها لصالحها. وهذا ربما يكون صحيحا، ولكن هذا لا يقلل من امكانيات الرئيس الجديد العلمية والشخصية والادارية، وأهليته لهذا المنصب، فالذين غيروا مسيرة التاريخ كانوا في معظمهم اشخاصا غير معروفين. مهمة الرئيس الاميركي الجديدة صعبة بكل المقاييس، فسلفه جورج دبليو بوش ترك له ارثا صعبا، سيجعله يسير وسط حقل الغام شديدة الحساسية للانفجار، واهمها بل واخطرها، الملف الاقتصادي. فاميركا تعيش حاليا كسادا اقتصاديا غير مسبوق في سوءه ، والآثار الاجتماعية التي يمكن ان تترتب عليه. لا يسعنا الا أن نرحب بحذر شديد بالرئيس الجديد، وأن نعرب عن سعادتنا البالغة لرؤية ظهر الرئيس السابق جورج بوش وهو يغادر البيت الابيض مهزوما مكسورا مكروها.