اللغة لا تموت ولا تنقرض، على الرغم من أنها كائن حي، وكل حي معرض للموت والانقراض، لأن اللغة جوهرفي الكيان الإنساني، هي روح الأمة الناطقة بها، وهي عصارة فكرها الذي أبدعته الأجيال، وهي إلى ذلك رمز لوجودها، ولذلك فإن قولهم أن اللغة كائن حي، هو تعبير مجازي ليس إلا. نعم إن اللغة تقوى وتضعف، تعلو وتهبط، تنشط فتبدع فتبدع وتخمل وتجمد فلا يكون لها آثار تدل على حيويتها وعبقريتها، ولكنها تظل نابضة بالحياة، لأن الأمم لا تموت ولا تنقر ض، وأحوالها في تغير دائم، ولذلك فنحن نقول إن اللغة العربية في تطور دائم، ينتقل بها من حال إلى أخرى، وهي اليوم في أحوال قد تبدو عند التأمل متناقضة، فبينما هي تستثمر على نطاق عالمي واسع، فلم تعد لغة العرب في ديارهم، وإنما هي لغة العالم أجمع، تعتورها حالات من الضعف إلى درجة الهزال من الضعف إلى درجة الهزال في عقر دارها، فالعربية في العالم العربي لغة دون المستوى المطلوب، فهي لغة اضطرارية إن صح التعبير، يلجأ إليها اضطرارا وفي حالة الضرورة، محاصرة بالعاميات والدوارج، ومحاصرة أيضا بالإنجليزية وبالفرنسية وهما اللغتان اللتان أصبحتا تناصبان العربية العداء الصريح، فكيف يفهم أن تكون العربية في توسع دائم على مساحة الأرض، وفي الوقت نفسه تتراجع في الحياة العامة؟ لعل أحد التفسيرات القوية لهذه الحالة اللغوية، أن حياة اللغة العربية من حياة أهلها، إن هم قووا قويت، وإن هم ضعفوا ضعفت، وإن علوا في دنيا العلم والمعرفة والاقتصاد، علت بعلوهم وصارت لغة التقدم والارتقاء وعلو المكانة، وبذلك يزول اللبس، وتتضح الحقيقة، وهي أن اللغة العربية تحيى بحياة أهلها، ولكنها لا تموت لأن الأمم لا تموت.