نظمت دار الحديث الحسنية يوم الأربعاء الماضي في سياق لقاءاتها التواصلية، محاضرة حول موضوع «الأزمة المالية المعاصرة -رؤية اقتصادية نقدية-» ألقاها الباحث الأردني وليد الشاويش، وتأسست المحاضرة على استعراض مشكلات الأزمة المالية العالمية في الوقت الراهن، ملخصة أسبابها في أربعة هي : الإفراط في الاستصدار النقدي، والتعاملات الافتراضية لعمليات البيع والشراء، وهو ما ترتب عنه سيولة نقدية لا توازي قيمة المنفعة والإنتاج الواقعي، والتقلبات الظرفية وتغير أسعار فائدة القروض وقروض الأسهم الافتراضية، والمضاربة الافتراضية بين البائعين والمشترين في البورصات المالية العالمية، وانعدام الشفافية في الإعلانات المالية، بالإضافة إلى تكلفة الحرب على أفغانستان والعراق، حيث تتكلف الولاياتالمتحدة 200 ألف دولار للدقيقة الواحدة في العراق. وأوضح المحاضر أن تعويل الدول الأوربية والولاياتالأمريكية على الاستصدار النقدي، وشراء الديون المتعثرة رغم الأزمة، وخفض نسبة الفائدة، لكن الباحث اعتبر هذه الحلول عبارة عن جرعات ظرفية تعزز الورم النقدي للأزمة في أفق الانهيار الشامل للمؤسسات المالية يترتب عنه تفشي البطالة وضعف صدقية المؤسسات المالية. وأبرز المتدخل أن أمريكا ستضخ 700 مليار دولار لحماية المؤسسات المالية، وهي سيولة نقدية غير واقعية أي بدون سند الإنتاج أو المنفعة، وهي بذلك قد أغرقت العالم بالدولار مرة أخرى وغرقت فيه. وخلصت المحاضرة إلى تأكيد أن النظام الرأسمالي قد انكشفت عيوبه خلال الأزمة المالية المعاصرة، حيث تضطر الدولة التدخل للتحكم في التوازنات المالية الظرفية عن طريق ضخ الموارد المالية اللازمة لوقف النزيف، وهو عمل منافي لمبادئ الرأسمالية القائمة على حرية الفرد وحرية السوق، كما صار لزاما على الدول المتضررة تقوية آليات المراقبة المالية، وخفض العمل بالهامش في قيمة القروض إلى حدود 25% فقط. وفي سياق الحديث عن قوة التعاملات المالية الإسلامية، أكد الأستاذ المحاضر أن الفقه الإسلامي يستجيب للحاجات المعاصرة للإنسان في مجال المعاملات المالية كالحاجة إلى تمويل مشروعاتهم وأعمالهم، ولذلك استنبطت صيغ للتمويل، تقوم على المشاركة في البيع والشراء، أو على الإجارة والتجارة ونحو ذلك، باعتبارها الصيغ البديلة عن صيغ البنوك التقليدية ، ومن الصيغ التي أجازها الفقهاء: الإجارة المنتهية بالتمليك، و المشاركة المنتهية بالتمليك، و بيع الاستصناع وغير ذلك من الصيغ التي تحل محل صيغة التمويل بالقروض بفائدة محرمة. ومن هذه الصيغ، التمويلات العقارية وصيغة التمويل بالقروض بفائدة، أو «قروض العقارات» أو «قروض الإسكان» أو «التمويل العقاري»، وصيغة التمويل بالمشاركة، حيث يقدم طرف الأرض القابلة للبناء، ويقدم طرف آخر التمويل اللازم للبناء، على أن يوزع ناتج المشاركة بينهما حسب الاتفاق والتراضي، وصيغة التمويل بالبيع الآجل، حيث تقوم الجهة البائعة أو الصانعة للشيء المطلوب بالحصول على ثمنه على أقساط يتم الاتفاق عليها، ويطلق على ذلك اسم البيع الآجل أو البيع بالتقسيط، وصيغة التمويل بالمرابحة لأجل (بيع المرابحة لآجل للآمر بالشراء) حيث تقوم جهة مالية بتمويل شراء عقار بناء على طلب من عميل وتتملكه ثم تقوم بإعادة بيعه بالآجل نظير إضافة عائد إلى الثمن الأصلي يطلق عليه ربح المرابحة ويقوم العميل بسداد الثمن آجال يتم الاتفاق عليها، صيغة التمويل بالاستصناع والاستصناع الموازي، حيث تقوم جهة مالية بتمويل تصنيع عقار لحساب شخص آخر على أن يسدد قيمة الشراء المصنع على آجال يتم الاتفاق عليها. وانتصر المحاضر للتعاملات المالية للبنوك الإسلامية لكونها تستند على صيغ التعاملات الواقعية لعقود القرض بفائدة، الذي لا يقوم على معاملة أو قاعدة «مبادلة مال بمال وزيادة» تبعا للقاعدة الشرعية «كل قرض جر نفعاً فهو ربا»، حيث تمنع الاتجار في الديون لأن من شأنها استغلال المدنين، وتحرص على مراعاة الضوابط في الإصدار النقدي، الذي يجب أن يقابله إنتاج ونمو حقيقي لتجاوز السيولة النقدية الوهمية، إذ لا يجيز الفقه الإسلامي المضاربات في الأسهم الافتراضية، أو المضاربات المفتعلة. في تعقيب الدكتور أحمد الخمليشي مدير دار الحديث الحسنية أعلن أن النظام الرأسمالي نظام متوحش في تعاملاته، انكشفت عيوبه مع مرور عقود من الزمن في المحك الواقعي، واعتبره نظام نهب خيرات الدول الضعيفة. كما تساءل في تعقيبه عن مدى نجاعة البنوك الإسلامية بديلا عن التدبير المالي العالمي، مشيرا إلى أن عددا من التعاملات المالية التي تقوم عليها هذه البنوك، شبيهة إلى حد بعيد بنظام البنوك التقليدية، وتساءل عن كيفة التتأكد من فعالية هذه المعا ملات التي تطلق باسم الدين لأن عددا من العناصر في صيغها يختلف حوله الفقهاء مستشهدا بصيغ من البنوك الإيرانية والباكستانية، ودعا إلى إعادة النظر في إمكانية الانتصار العاطفي للبنوك الإسلامية دون تروي علمي، مضيفا أن عددا من هذه البنوك في مصر قد أفلست، إذا ما اعتبرنا أن صيغ قروض المرابحة وعقود السلام أجيزت في الإسلام بصورة استثنائية على حد قول عدد من الفقهاء، كما أن التدخل الذي تقوم به البنوك الإسلامية في باكستان وايران مخالف للشرع لأنه يمنع شريعة التراضي في عملية البيع والشراء. كما انتقد عقد الاستصناع الذي وقعه البنك الإسلامي مع المغرب حول انجاز بعض الطرق السيارة، حيث يدفع البنك تكلفة البناء أقساطا أو دفعات حسب الأحوال، وعندما تنتهي عملية البناء، تقوم الجهة الممولة ببيع البناء على أساس تكلفة البناء مضاف إليها عائد يطلق عليه «ربح الاستصناع»، لأن عددا من الفقهاء قد رفضوه.