يبدو أن الحكومة ألفت إطلاق المشاريع "الاستراتيجية" في النزر الأخير من عمرها الافتراضي، فبعد الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، أشرف رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران أمس الأربعاء، على إعطاء الانطلاقة الرسمية للإستراتيجية الوطنية للتكوين المهني 2021، التي تأخرت عامين، وتُكلف ميزانية ضخمة تتجاوز 65 مليار درهم مصادر تمويلها غير محددة. فضلا عن غياب الضمانات لتنزيلها من مستوى التوقيع إلى التطبيق، خاصة وأن الاستراتيجية تتضمن 32 مشروعا 6 فقط منها موجهة للتكوين المهني، وحتى هذه 3 منها مستعرضة أي غامضة المعالم. وقد عبر رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، في تصريح مشترك ل"العلم"، عن رغبته في تعميم الولوج إلى التكوين المهني لأغلب التلاميذ والطلبة في بلادنا، قائلا "لو كان الأمر بيدي لجعلت التكوين المهني واجبا على كل تلميذ وكل طالب"، موضحا أنه تفعيلا للخطاب الملكي، فإن المشروع قد رصدت له مبالغ مهمة، لم يحدد مصادرها، تسمح بتكوين 10 ملايين متدرب في السنوات الخمس القادمة، على اعتبار أن هذا التكوين يسمح بتوفير الأطر التي تواكب المشاريع والاستثمارات الكبيرة التي تعرفها بلادنا، حسب قوله. وأضاف بنكيران، أن هذه الاستراتيجية، تروم إخراج التكوين المهني من الصورة التي كانت مأخوذة عنه كمجال مساعد للتربية الوطنية، ليصبح شريكا رئيسيا لها، من أجل محاربة الهدر المدرسي. بيد أن عددا من المراقبين يرون أن الحكومة لم تأخذ التدابير اللازمة لتحقيق الهدف من استراتيجية 2021، مفسرين المسألة، بعدة نقط ضعف تعتريها من أبرزها أن دروس الاستئناس في التكوين المهني التي خصصتها الاستراتيجية لتلاميذ الطور الأساسي، لم يتم توفير وتكوين الأساتذة القادرين على القيام بها. حيث إن التكوين الذي يتلقاه هؤلاء في مدارس تكوين الأساتذة لا يتضمن حتى الساعة هذا النوع من المهام. مؤاخذة أخرى عبر عنها خبير في التربية ل"العلم"، هي مسألة الإدماج التدريجي الذي جاءت به الاستراتيجية، لبعض المهن والتخصصات في الطور الإعدادي، متسائلا كيف يمكن لتلميذ يقطن بعيدا عن هذه مؤسسات التكوين المهني بعشرات الكيلومترات الولوج لمثل هذه الدروس؟ موضحا أننا إذا استثنينا المدن الكبرى كالبيضاء والرباط، توجد إعداديات تبعد عن مؤسسات التكوين المهني بأزيد من 50 كلم، وهو ما يضرب في العمق تكافؤ الفرص بين التلاميذ في الاستفادة من هذه التكوينات. البنيات المالية والموارد البشرية واللوجستية، بدورها لم يتم التفكير فيها بشكل عملي في الاستراتيجية، حسب نفس المحلل، الذي رأى أن توفير غلاف مالي ضخم يتجاوز 65 مليار درهم لهذه المشاريع لا يعني بحال أن لدينا موارد بشرية جاهزة تنتظر الانخراط فيه، بل كان من المفروض التفكير في التكوين المستمر للأطر البشرية، وتمكينها من الكفايات والمهارات التي تسمح بولوج سوق الشغل. من جهتها شددت مريم بنصالح شقرون، رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يعد شريكا لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في الاستراتيجية، على أن الاستراتيجية الوطنية للتكوين المهني 2021، تروم بالأساس تغيير المفهوم الذي يربط بين الفشل الدراسي والالتحاق بالتكوين المهني، معتبرة أن التكوين المهني أصبح رافعة للتنمية وإيجاد فرص حقيقية للشغل، وتحسين تنافسية المقاولات. وهو ما علق عليه المحلل، بأن الاستراتيجية لم تعمل بشكل واقعي من أجل الانفتاح على الآباء وأولياء التلاميذ لتغيير فكرتهم السلبية عن التكوين المهني كمجال يستقطب التلاميذ غير الموفقين في دراستهم.