ما يزال تقييم العلاقة بين الاعلام والارهاب موضع خلاف بين المدارس المختلفة؛ فالتوظيف السياسي للاعلام؛ أو حتى الممارسة الحرة له، لم تفصح حتى الان عن اتجاهات واضحة تحسم حدود تأثير الاعلام في مسار علاقة جماعات الارهاب بجمهورها المستهدف؛ سواء في البقاء حلقة وصل بين الطرفين الافتراضيين؛ أو العكس. فبينما يجادل السياسيون والكثير من الخبراء بأن للاعلام دورا محوريا في كشف زيف خطابات الجماعات المتطرفة؛ وتأويلها الخاطئ للنص الديني لجذب الشباب والمراهقين تحديدا؛ ومن ثم بناء رأي عام مناهض للارهاب وأطروحاته؛ يرى آخرون أن الاعلام يساهم في الترويج لاهداف تنظيمات الارهاب؛ لانه يروج للعنف الذي تمارسه ويحقق هدف الترويع والخوف الذي تسعى اليه. وفي حالات متعددة؛ يقع الاعلام في فخ النمطية التي تحدث تأثيرا عكسيا؛ كالمراوحة في تصنيف ممارسي الارهاب؛ مرة بالارهابين واخرى بالمتشددين والمتطرفين والجهاديين؛ وهي مصطلحات تختلف تفسيراتها ودلالالتها حتى عند المتخصصين. وقد بينت دراسة نشرتها "الجارديان" البريطانية، في غشت 2015، أن الكتابة والنشر عن الارهاب، يمكن أن يؤدي إلى وقوع مزيد من الهجمات، ومن خلال تحليل أكثر من 60 ألف هجوم إرهابي شهده العالم بين عامي 1970 و2012، أثبتت الدراسة أن العالم شهد زيادة "مرعبة" في عدد الهجمات الإرهابية، بسبب التركيز الاعلامي على الظاهرة الارهابية، وأن قصة واحدة نشرتها "نيويورك تايمز" عن هجوم في بلد معين، أدى لزيادة عدد الهجمات في هذا البلد بنسبة 15%. ورغم ان الاجابة تظل قابلة للتشكيك في الحالتين؛ خاصة في ضوء غياب دراسات اعلامية قاطعة، يتفق الكثيرون على أن تعزيز دور الإعلام في مواجهة الارهاب؛ مرهون بتوافر دعم مجتمعي وفي السياسات العامة له؛ حتى لا تكون الرسالة الإعلامية فارغة من المضمون والدلالة. فهل نتوقع - مثلا - تأثير الاعلام في اتجاهات متلق غير متعلم لا يستوعب الرسالة الاعلامية؛ أو يستوعبها في الاتجاه الخاطىء؛ ويتقاطع عنده الخطاب الاعلامي حول قضايا الارهاب مع الخطاب الديني التقليدي؛ أو حتى غير التقليدي عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ والتي باتت السلاح الاعلامي الاقوى للتنظيمات المتطرفة في وقتنا الحالي. أعتقد أن الاجابة بالنفي؛ لسببين؛ الاول: أن الدور الاساسي للاعلام في مواجهة الارهاب مرهون بقدرته على نشر المعرفة والتنوير واستنهاض الوعي الذاتي؛ أو العقل النقدي بدلا من التسليم بما هو سائد من آراء ومعتقدات. الثاني: تعدد نوافذ المعرفة عند المتلقي؛ فهي ليست حكرا على الاعلام التقليدي أو الجديد؛ فما زال الاعلام المباشر أقوى تأثيرا وترسيخا للافكار في المجتمعات التي تنتشر فيها الامية بمختلف أنواعها؛ وتسودها ثقافة استهلاكية لا ترى في الاعلام الا وسيلة للتسلية. هذه التساؤلات وغيرها طرحت للنقاش في المؤتمر الدولي للاعلام؛ الذي نظمته " والاعلام" في إقليم بن جرير تحت شعار "الاعلام شريك أساسي في مواجهة الارهاب"؛تشرفت بالمشاركة فيها. وأكدت مناقشاته اقتناع الخبراء والمشاركون فيه؛ أن الاعلام العربي لم يحسم بعد تلك الاشكالية؛ في ضوء المفارقات الواقعة بين خطاب الاعلام وخطاب الواقع؛ وأخطاء القائمين بالاتصال في قضايا الارهاب؛ والاخفاق في بناء رأي عام مناهض للارهاب؛ وغياب الدور المعرفي للاعلام في تشخيص الظاهرة الارهابية بأبعادها المختلفة؛ ومساهمته في الترويج للتأويل المغلوط للنص الديني كمسوغ للارهاب. وهي أوضاع رأى المشاركين أنها تتطلب تغييرا جذريا في معالجة الاعلام العربي لقضايا الارهاب من خلال مبادرتين؛ صدرتا في توصيات المنتدى؛ وهما: أن يكون القائم بالاتصال متخصصا في قضايا الارهاب؛ وإصدار دليل مرجعي أو مدونة سلوك ومواثيق تتبناها المؤسسات الإعلامية في تعاطيها مع قضايا الإرهاب؛ وهو مقترح تقدمت به. وجاءت المبادرتان في سياق مقاربة سياسية واعلامية وحقوقية لاشكالية العلاقة بين الارهاب والاعلام تبناها المنتدى؛ وتضمنت أيضا: منع رموز التطرف من استخدام وسائل الاعلام واتخاذ إجراءات تحول دون الترويج للارهاب والافكار المتطرفة؛ وحماية الدين والفتوى من الدخلاء وحماية الاطفال والنشء كفئة هشة مستهدفة من جانب قوى الارهاب؛ واتاحة الحصول على المعلومات واستحضار البعد التنموي والتنمية البشرية في السياسات العامة، ومحاربة كل أشكال الكراهية والعنصرية والطائفية والمذهبية، والتنوية بمبادرة العاهل المغربي بمراجعة المناهج الدينية؛ وضرورة ترسيخ "امارة المؤمنين" في الحماية من التطرف في المملكة المغربية؛ والتنوية كذلك بمبادرة الازهر الشريف إنشاء مرصد اعلامي يرصد ما ينشر ويبث عن الاسلام ويرد عليه بالاسانيد الشرعية. في الحالة المصرية، يمكن القول أن الإعلام المصري كان شريكا أساسيا في الحرب ضد الإرهاب، من خلال حشد طاقات المجتمع وكشف ممارسات الجماعات الارهابية والمخطط الذي تعمل في اطاره لعرقلة مشروع مصر الوطني لتحقيق الاستقرار والتنمية؛ والترويج الواسع للمبادرات الرسمية وغير الرسمية لاقتلاع جذور الارهاب مرهون وتجفيف منابعه الفكرية ونشر الفكر المستنير والثقافة الجادة، ومن بينها اربعة مبادرات اطلقها الرئيس المصري لنشر المعرفة والاهتمام بالشباب لمواجهة الارهاب؛ ومبادرات المؤسسات الاسلامية؛ كالازهر الشريف ووزارة الاوقاف في تطوير الخطاب الديني وتعديل مناهج التعليم؛ وإعادة النظر في مسألة تأهيل الدعاة؛ في سياق. وقد إرتبط أداء الاعلام المصري المؤثر في الحرب على الارهاب؛ بعدد من المتغيرات ذات الدلالة؛ أولها: تطوير دور الاعلام "الجديد" أو وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة أطروحات الارهاب والتطرف؛ كمبادرة الازهر الشريف بإنشاء مرصد إعلامي بمختلف اللغات للرد على ما تنشره الجماعات وغيرها بالاسانيد الشرعية والعقلية؛ وإطلاق عدد من الصفحات الرسمية وغير الرسمية على موقع فيس بوك لكشف حقائق الاحداث الارهابية المختلفة. الثاني: حسم اشكالية هوية الدولة لصالح فكرة الدولة المدنية؛ المتوافقة مع طبيعة شخصية مصر؛ المتغير الثالث: ضبط أداء الاعلام المرئي من خلال عدة مبادرات؛ منها غرفة صناعة الاعلام؛ لمراقبة أداء القنوات الفضائية وفق مدونة للسلوك الاعلامي؛ والتي ساهمت في تطوير المعالجة الاعلامية لقضايا الارهاب وتفكيك خطاب التطرف بشأن مفاهيم كالجهاد والخلافة...الخ؛ وهي خطوة جاءت في سياق طموح لوضع استراتيجية شاملة لإطار العمل الاجتماعي والثقافي والاعلامي. *محمد فتوح مصطفى رئيس المكتب الاعلامي المصري بالرباط