لم تتقبل عدة مكونات بمجلس النواب مضامين الاستراتيجية التي أعلن عنها محمد مبديع وزير الوظيفة العمومية بشأن مكافحة الفساد رغم المصطلحات الرنانة التي صار في ترديدها. موقف الرفض الذي أعلن عنه متحدثون باسم الفرق النيابية استند إلى كون إعلان الاستراتيجية في لحظات أخيرة من عمر الحكومة يفتقد للمصداقية ويدخل في نطاق الاستخفاف بذكاء المغاربة واستبلادهم، بل إن هذه الاستراتيجية المعلن عنها قبيل أشهر معدودة من الاستحقاقات التشريعية محاولة لتغطيةعجز الحكومة عن التعاطي مع ملف مكافحة الفساد، والذي راهنت عليه معارضة ما قبل 2011 في برنامجها الانتخابي وحملاتها المثقلة آنذاك بشعارات سرعان ما تحولت إلى إرادة للتطبيع مع الفساد والمفسدين، وذلك في إشارة الى المبدأ المعاكس «عفا الله عما سلف» والمساهمة الإبرائية في قانون مالية 2013 الذي شكل منفذا ومهربا لمهربي الأموال. وفي ضوء ذلك أعلن الرافضون لما وصفوه بالمزايدة السياسية أن هذه الفترة يجب أن تنصب على تقييم حصيلة الحكومة في محاربة الفساد. من جانبه دافع مبديع عن الاستراتيجة قائلا إنها لاتستبلد المغاربة بل تنبع من عمل إرادي وصادق، على اعتبار أن إجراءات سابقة لم تعط النتائج المرجوة وافتقدت للالتقائية ومناهج القياس والتشارك، كما أنها لم تحسن من وضع المغرب على مستوى الترتيب العالمي، مضيفا أن الاستراتيجية تتضمن آليات النجاح في هذا التوجه. ورغم أن رئيس فريق العدالة والتنمية اعتبر الاستراتيجية متأخرة في توقيتها، أوضح ردا على تهجمات الرافضين بأن محاربة الفساد لا تستقيم بالاستراتيجية أو بالقوانين بل بثقافة وممارسة يجب أن تسري في المجتمع وانطلاقا من الفاعل السياسي والأحزاب وتكون الاستراتيجة مكملة لهذه الممارسات. من جانبها سجلت فتيحة البقالي باسم الفريق الاستقلالي ضرورة تلاؤم الاستراتيجة مع الاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد، واعتماد الزجر والردع «باش الناس تربا ولاتمديدها لمال الشعب؛ وإلا فإن كل من يرعى الفساد في الإدارة أو في أي موقع سيحصد ما يحصد ويهرب خارج الوطن أو يطوى ملفه». كما تساءلت في ذات الوقت عن مآل الملفات التي أحالها المجلس الأعلى للحسابات مشيرة في الأخير الى أن المواطن لم يلمس آثارا على الواقع وإشارات تطمئنه على مصير المال العام. وبالنسبة للبرنامج الحكومي، فقد ورد في الصفحة 25 أن «مكافحة الفساد في تدبير الشأن العام تشكل محورا مهما من محاور برنامج الحكومة ومرتكزا أساسيا في منهج عملها، وفي هذا الصدد تعتزم الحكومة تقوية مؤسسات الرقابة والمحاسبة.... وانتظامية التفتيشات والافتحاصات المستقلة للمؤسسات العمومية والبرامج القطاعية والصفقات الكبرى.... كما سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الرشوة وذلك عبر مايلي: - تحيين وتأهيل التشريع المرتبط بحماية المال العام ومكافحة الإثراء غير المشروع. - وضع ميثاق وطني لمكافة الفساد... - اعتماد برنامج وطني للنزاهة وسياسات لمكافحة الفساد.... أما تفاصيل الاستراتيجية التي تحدث عنها مبديع ورفضتها مكونات سياسية بمجلس النواب، فتحدثت عن الحد من الفساد بشكل ملموس في أفق 2015، وجعله في منحى تنازلي ومستمر بما يعيد ثقة المواطن في المؤسسات، أما التكلفة المالية لتنزيل المراحل الثلاث للاستراتيجية فتصل 1.8 مليار درهم. أما مجالات الفساد فلا تخرج عن القطاعات التقليدية المتمثلة في الصحة والعدل والأمن والجماعات.