من ساحة "الجمهورية" التي تحمل رمزية كبيرة عند الفرنسيين، تم أول أمس بحضور الرئيس فرانسوا هولاند، تكريم نحو 150 شخصا قضوا في هجمات إرهابية نفذها جهاديون على أراضيها خلال 2015، العام الأسود في تاريخ فرنسا. فمن هذه الساحة التي اجتذبت على مر السنين ةمسيرات حاشدة دفاعا عن حرية التعبير والقيم الديمقراطية انطلقت "المسيرة الجمهورية" في 11 يناير 2015 احتجاجا على الإرهاب وشارك فيها قرابة مليوني شخص تقدمهم حوالي خمسين زعيما ومسئولا أجنبيا. وفي نفس الساحة أيضا تجمع الباريسيون تلقائيا بعد كل من الهجمات الجهادية حاملين شموعا وأزهارا ومحولين التمثال الذي يتوسطها إلى نصب تذكاري مرتجل. وبعد المراسم التي تخللت هذا الأسبوع إحياء ذكرى ضحايا هجمات يناير 2015 التي نفذها ثلاثة مسلحين وأسفرت عن مقتل 12 شخصا في مقر أسبوعية "شارلي إيبدو" شرطية في ضاحية باريس وأربعة رهائن يهود في متجر يهودي، جرت الأحد مراسم تشمل جميع ضحايا الهجمات الإرهابية في العام المنصرم. وكشف الرئيس فرانسوا هولاند ورئيسة بلدية باريس آن هيدالغو قبل الظهر عن لوحة تذكارية عند أسفل شجرة سنديان زرعت لهذه المناسبة في ساحة الجمهورية، تلاه حفل موسيقي قصير أحياه الفنان الكبير جوني هاليداي بعنوان "يوم أحد في يناير" تكريما للملايين الذين ساروا في شوارع المدن الفرنسية في يوم الأحد الذي أعقب الهجمات. وتعيش فرنسا منذ اعتداءات 2015 حالة من الحيطة والترصد حيث الأجهزة الأمنية باتت منذ يناير 2015 تجوب شوارع باريس في دوريات وتحرس الكنائس والمدارس اليهودية والمساجد في كل أنحاء فرنسا. وأعلنت حال الطوارئ منذ نونبر الماضي وتضاعفت المداهمات والاعتقالات. وأعرب الرئيس هولاند عن "امتنان الأمة" لقوات الأمن الفرنسية التي قال إنها تسهر على أن تبقى فرنسا "حرة، موحدة ومفتوحة على العالم". وشدد على أن بلاده "في مواجهة محاربين مصممين ومتعودين على قتل شديد، ومدربين على ذلك من قبل" تنظيم "الدولة الإسلامية". وارتأت المجلة الساخرة أن تثير ضجة جديدة تزامنا مع تخليد الفرنسيين الذكرى الأولى للهجوم عليها، بإقدامها على نشر رسم في غلافها يجسّد الإله، مرفقا بعبارة "القاتل لا يزال هاربا" حيث يظهر في الرسم رجل ملتح يحمل سلاح الكلاشينكوف، وفوقه مباشرة رمز يشير إلى الإله..العدد التي أرادت من خلاله المجلة إحياء ذكراها الأولى، تضمن كذلك افتتاحية لمديرها، الرسام ريس، الذي قال إن المجلة ستستمر ضد " الأغبياء المتعصبين بسبب القرآن والتعاليم القادمة من بقية الأديان" على حد تعبيره. وأعلنت المجلة أنها ستطبع من هذا العدد مليون نسخة، مع توفير بعض النسخ للبيع في الخارج،، فيما أعلن مديرها أن المجلة ستستمر وستقضي على كل من يرغبون في نهايتها، مؤكدا تمسكها بمبادئ العلمانية الفرنسية، وبالأسس التي قامت عليها، أي السخرية من كل شيء. ولن يختلف اثنان على إدانة هذا الهجوم الشنيع الذي يُصنف مرتكبيه في خانة الظلام والبربرية الوحشية التي لا مكان لها ضمن منظومة القيم التي ينشدها إنسان اليوم، غير أنه من الإنصاف القول إن مجلة شارلي إيبدو تجد متعة كبيرة في استفزاز المسلمين وإثارة مشاعرهم، ومنذ تأسيسها عام 1970 رفعت لواء حرية التعبير لتسخر على هواها من كل ما يمس بالكرامة الإنسانية. ومن تداعيات الرسوم والمقالات المسيئة للإسلام ولرموزه أن حقق العنف المادي والكلامي ضد المسلمين ورموز الديانة الإسلامية من مساجد ومكتبات ومقابر وغيرها، رقما قياسيا سنة 2015 وفق تقديرات المرصد الوطني لمكافحة معاداة الإسلام الذي تحدث عن ارتفاع بنسبة 20 %، يكرس مظاهر التحقير للمسلمين وينكر حقهم في إثبات ذواتهم من خلال جغرافيا مسلمة تبني وجودهم على أساس التميز الإسلامي. ويأتي الإعلام الفرنسي بمختلف أشكاله ليجعل من الإسلام والمسلمين مادة خصبة ورصيدا يتغذى منه ليكرس واقع الإهانة للمسلمين من خلال مقالات وتحقيقات ناقمة على الإسلام في غياب شبه تام لإعلام إسلامي في فرنسا يدافع عن المسلمين. ولمثل هذا الإعلام دور ليس فقط في تحقير المسلمين والإساءة لنبيهم كما تفعل بعض منابره، ولكن أيضا في إبراز المخزون النفسي المتوتر لهذه الجالية الرافضة للتهميش والاستغلال الذي ظل سياسة متبعة لدى جميع الحكومات الفرنسية..