يحيي المغرب اليوم الذكرى الثانية والسبعين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في اليوم الحادي عشر من شهر يناير سنة 1944، في مبادرة وطنية حاسمة وشجاعة أقدم عليها حزب الاستقلال الذي كان امتداداً نضالياً للحزب الوطني الذي تأسس في سنة 1937 ، والذي انبثق عن كتلة العمل الوطني التي قدمت مطالب الشعب المغربي إلي سلطات الحماية الفرنسية في سنة 1934. فكان الحدث التاريخي المتميز الذي تحل ذكراه المجيدة اليوم نقلةً نوعيةً في الكفاح الوطني، من مطالب الإصلاح في ظل الوجود الاستعماري، إلى المطالبة بالاستقلال وبناء الدولة المغربية في إطار الملكية الدستورية بقيادة العرش. لقد كان تقديم وثيقة المطالبة بالإستقلال بتوقيع ست وستين شخصية وطنية مناضلة، الحدثَ الذي فاجأ سلطات الحماية، وهزَّ الوجود الاستعماري في بلادنا، ودفع بالحركة الوطنية المغربية إلى انتهاج خطة عمل نضالية تتواءم مع الظروف الجديدة، وتستجيب لتطلعات الشعب المغربي الذي لم يعد يقبل بغير الاستقلال بديلاً. وكان حزب الاستقلال، وهو طليعة الكفاح الوطني منذ سنة 1934، في مقدمة الركب الوطني، قام بواجبه المقدس، وقاد النضال السياسي في تلك المرحلة الحرجة التي دخلت فيها المواجهة بين السلطات الاستعمارية وبين الحركة الوطنية الاستقلالية، المنعطفَ الخطير الذي أدى إلى انفجار الوضع في البلاد مع مطلع الخمسينيات، على نحو انتهى إلى الجريمة الكبرى التي ارتكبها الاستعمار بنفي جلالة الملك محمد الخامس وأسرته الملكية، إلى خارج الوطن مما أشعل فتيل ثورة الملك والشعب التي توّجت بالاستقلال بعودة الملك المناضل إلى أرض الوطن في السادس عشر من نوفمبر سنة 1956. حَدَثُ الحادي عشر من يناير سنة 1944، هو الذي صنع الأحداث الحاسمة التي عرفها المغرب طوال إحدى عشرة سنة كانت مرحلة الحسم وبمنتهى الحزم مع الاستعمار. وهذا الحدث التاريخي الذي نحتفل به اليوم، هو الذي رسم خريطة الطريق التي اعتمدتها الحركة الوطنية، وسارت بها إلى الحصول على الاستقلال الذي تكرّس في اليوم الثاني من شهر مارس سنة 1956، بالاتفاقية المغربية الفرنسية التي أُلغيت بموجبها معاهدة الحماية المبرمة في ظروف غامضة في الثلاثين من شهر مارس سنة 1912. ففي الوثيقة التاريخية حُددت المبادئ الوطنية الثابتة للدولة المغربية، وتمَّ التأكيد على الربط بين الاستقلال، وبين العرش، وبين الملكية الدستورية، وبين الديمقراطية وسيادة القانون. فكانت تلك الوثيقة التي صاغها قادة حزب الاستقلال، بتوافق مع جلالة الملك محمد الخامس وبتوجيه رشيد منه، الأساسَ الدستوريَّ للدولة المغربية المستقلة التي قامت بعد إحدى عشرة سنة. وانطلاقاً من هذا الأساس، انخرط المغرب في الحياة الديمقراطية عبر المراحل المتعاقبة التي تبلورت فيها المبادئ الدستورية، ونضجت الممارسات السياسية والاختيارات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفت تصاعداً في سلم الرقيّ، إلى أن وصلت إلى الدستور الحالي للمملكة الذي لانتردد في القول إنه ثمرة للتطور الديمقراطي الذي عرفه المغرب عبر المسيرة النضالية التي انخرط فيها الملك والشعب منذ تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944 وإلى يومنا هذا. إن هذه الوثيقة التاريخية التي نحتفل اليوم بتقديمها إلى جلالة الملك وإلى المقيم العام الفرنسي، وإلى ممثلي دول الحلفاء المعتمدين في الرباط، ليست منقطعة الصلة بالمعارك السياسية التي خاضتها بلادنا من أجل استكمال بناء الدولة الديمقراطية على أساس راسخ من الملكية الدستورية وسيادة القانون ومشروعية المؤسسات النزيهة التي تمثل الإرادة الشعبية. فهذه الوثيقة ليست ورقة من الماضي، ولكنها عنصرٌ رئيسٌ من عناصر الحاضر والمستقبل؛ لأنها تستند إلى المبادئ الدستورية التي هي من الثوابت الراسخة التي تقوم عليها الدولة المغربية أمس واليوم وغداً. ولذلك فإن الاحتفال بهذه الذكرى هو تخليدٌ لهذه الوثيقة التي هي رمزٌ للوحدة الوطنية التي يختزلها الشعار الذي اختاره حزب الاستقلال لإحياء هذا الحدث: (جميعاً لبناء الوطن)، ربطاً للحاضر بالماضي الذي كان فيه الشعب المغربي صفاً واحداً في معارك التحرير والإستقلال، وكان حزب الإستقلال الطليعة النضالية في تلك المراحل. هكذا يستلهم حزب الإستقلال من حلول الذكرى الثانية والسبعين لتقديم وثيقة المطالبة بالإستقلال، الدروسَ الوطنية والمعاني النضالية التي تمدّه بالقوة للثبات على المبادئ، ولمواصلة بناء الدولة المغربية القوية بسيادة القانون، والقادرة بالديمقراطية التي تنتهجها، والمتماسكة بالوحدة الوطنية، والصاعدة في مدارج النموّ المطَّرد بدون توقف، بقيادة جلالة الملك.