بعد أن كان النقطة المضيئة في الديربي 119 بين الغريمين البيضاويين الوداد والرجاء، تحول جمهورا هذين الأخيرين من صناع للفرجة والمتعة في المدرجات، إلى صناع للرعب والإجرام داخل وخارج الملعب، بالاعتداء على رجال الأمن والهجوم على الممتلكات العامة والخاصة من سيارات ومحلات تجارية. فالصور الجميلة واللوحات الفنية الفريدة في عالمنا العربي، التي رسمها جمهور مدينة الدارالبيضاء في ملعب مركب محمد الخامس أول أمس الأحد، والمجهود الكبير الذي قامت به مختلف الفصائل المشجعة للفريقين طيلة أسابيع، لتأثيث المدرجات ب «تيفوات» يتغنى بها الكبار والصغار، ذهبت في رمشة عين بفعل خروج بعض الجانحين عن النص وتحويل العرس الكروي إلى مأتم وفضيحة تناقلتهما مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية. ولعل صورة ذلك الشرطي الذي حاصرته مجموعة من «المنحرفين» وانهالت عليه بالضرب بالعصي والركل بالأرجل ونجاته بأعجوبة من موت محقق، ستبقى شاهدة على أن مشكل الشغب لا يقتصر على الكراهية بين جماهير الفرق المتبارية، بل يمتد إلى ما هو أخطر، بفقدان الأمن لهيبته وتجرؤ المشجعين على النيل من كرامته. وهنا وجب مساءلة مصلحة الأمن الرياضي التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، والتي طالما شنَّفت أسماعنا بأنها اتخذت كل التدابير اللازمة من أجل مرور الديربي في أحسن الأجواء بتشديد الإجراءات الأمنية والتفتيش الدقيق للمشجعين ومنع القاصرين من الدخول، (وجب مساءلتها) كيف تمكن كل أولئك الشبان والأطفال من إدخال ذلك الكم الهائل من العصي والشهب الاصطناعية.. وكيف أن المنظمين طبعوا 45 ألف تذكرة بينما الملعب امتلأ بأكثر من 70 ألف متفرج؟ وبالعودة إلى سيناريو أحداث الشغب التي شكلت صدمة كبيرة لساكنة مدينة الدارالبيضاء ولكافة الجماهير المغربية، فقد انطلقت شرارتها بتسلق مشجعين محسوبين على «أولتراس» الرجاء والوداد سقف المدرجات المغطاة في الدقائق الأخيرة من المباراة، ورفع كل طرف لشعارات مناوئة للآخر، ما أدى إلى اشتباكهما، فتحول الأمر إلى فوضى، وبدأ التراشق بالحجارة والعصي، قبل أن يتدخل الأمن لفض العراك، لكن ذلك لم يمنع من تطور الأحداث إلى اشتباك بين الجمهور الودادي والأمن، نتج عنه إصابات بليغة في صفوف الجانبين، وقد قدرت أعداد رجال الأمن الذين نقلوا إلى مستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء بأزيد من 20 شرطيا تفاوتت درجة خطورة إصاباتهم بين جروح ورضوض وكسور، ناهيك عن نجاة رجل أمن من موت محقق بعدما انهالت عليه العصي من كل جانب قبل أن يلوذ بالفرار من قبضة «المنحرفين»، فيما أكدت مصادر أمنية اعتقال العشرات من المشاغبين الذين تسببوا في الأحداث الدامية قدّرتهم نفس المصادر بحوالي 60، تم تقديمهم للعدالة لاتخاذ العقوبات اللازمة في حقهم. ولم يقتصر الشغب على مدرجات ملعب مركب محمد الخامس، بل امتد إلى خارجه، حيث شهدت الشوارع المحيطة به اشتباكات بين أنصار الفريقين من جهة وبين رجال الأمن والجمهور من جهة ثانية، أدت إلي خسائر فادحة في الممتلكات العامة والخاصة، كما تم تكسير العديد من زجاج السيارات والمحلات التجارية، وسط استنكار شعبي وتجديد الدعوات بضرورة إغلاق ملعب محمد الخامس في وجه فريقي الوداد. إلى ذلك ينتظر أن توقع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، عقوبات صارمة في حق جمهور الوداد على اعتبار أن فريقه هو الطرف المستقبل، كما ينتظر أن يمنع تنقله حتى خارج مدينة الدارالبيضاء، فإلى متى ستستمر هذه المهازل القبيحة في كرتنا الوطنية؟!