بموازاة مع تصاعد حدة الأزمات السياسية والإقتصادية والصراعات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط الكبير، يزداد ثقل وتأثير بل وتطاحن وسائل الإعلام في المعادلة. الأمر الإيجابي في هذه المواجهات هو أنها مكنت من الكشف عن الكثير من المعطيات التي كانت مغيبة كما فضحت التلاعب الذي تمارسه دول بشكل مباشر أو عبر مؤسسات كبيرة لها إمكانيات مادية ضخمة لتغليط الرأي العام وتضليله سواء محليا أو عالميا. إن الإعلام سلاح موجه قادر على إلحاق الهزائم بالجيوش وعلى زرع بذور الطائفية في المجتمعات وصولا الى تفتيتها وقد لعب دورا كبيرا في الصراع القائم في سوريا فدارت رحى حربٍ إعلامية صاخبة طحنت فيها البشر وضاعت فيها المبادئ والقيم، وأثارت النعرات العرقية والطائفية بغية التجييش وحشد الناس للمواجهات الدامية والمستمرة منذ أمد. الحرب الإعلامية بأثرها الخطير على الشعوب لا تقل فتكا وتدميرا عن الحرب الميدانية ويبقى على الشعوب لتفادي أخطارها أن تفتح عقولها وتنورها لتزن الخبر قبل أن تصدقه و أن تعي الأحداث السياسية الدائرة في بلدها وإقليمها لتعلم ما يحاك حولها من مؤامرات ومن يحيكها وكيف من الممكن للشعوب أن تتفاداها. تفكيك التضليل إذا كان التدخل العسكري الروسي العلني والمباشر الذي بدأ يوم 30 سبتمبر 2015 لدعم القوات السورية في حربها ضد التنظيمات الإرهابية قد بدل القواعد المادية للمواجهة المتعددة الأطراف الدائرة على أرض الشام منذ منتصف شهر مارس 2011، فإنه في نفس الوقت يبدل تدريجيا النظريات التي فرضها النظام الإعلامي الغربي على أبعاد الصراع وجعلها مسيطرة ومحور أغلب النقاشات والإصرار عليها كأساس لطرق التسوية. يكشف البروفيسور أفرام نعوم تشومسكي المعروف بإسمه الأخير فقط، وهو مفكر يساري أمريكي الأصل وناشط سياسي وكاتب مهم له العديد من الإسهامات الفكرية في مناهضة الإمبريالية ونقد السياسات الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية، وهو يشغل كذلك منصب أستاذ في علم اللغويات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الأساليب الملتوية للخداع والكذب على أوسع نطاق. في نطاق النقاش لمفهوم "السيطرة" أعد تشومسكي قائمة صغيرة تتكون من عشرة نقاط تمحورت حول كشف الاستراتيجيات المتبعة من قِبل الأنظمة الرأسمالية الغربية التي تتشدق بالحرية والديمقراطية في سبيل إحكام سيطرتها على الشعوب والمواطنين والتحكم في وعيهم. وقد اختزل فيها تشومسكي السياسات المتبعة عبر استخدام وتوظيف وسائل الإعلام لتحقيق تلك الغايات. وبعيدا عن إقحام منهجية استراتيجيات السيطرة تلك في سياق نظرية المؤامرة الرائجة بين العديد من الأوساط الاجتماعية، يستند التحليل الذي وضع بناء عليه تلك القائمة إلى تفكيك منطق الرأسمالية ذاتها التي طورت مختلف الأدوات والوسائل الثقافية والإعلامية بهدف ضمانة وجودها وديمومة بقائها كمنظومة عالمية واحدة تدور جميع دول العالم في فلكها. يشكل الإعلام نقطة إرتكاز رئيسية تستند إليها الأنظمة في سبيل تمكين سيطرتها على الشعوب بصورة متكاملة الأبعاد، بحيث يشكل الجانب الإعلامي أحد جوانب استراتيجيات السيطرة على وعي الشعوب. يعتبر تشومسكي وكالات الأنباء وجزء كبيرا من الأجهزة الصحفية الكبرى في الغرب مؤسسات مرتبطة تماما بالحكومات، وبالتالي يعتقد أن الحكومات نفسها لا تزال مسؤولة عن المعلومات المنتشرة، واثبت مسؤولية الحكومات عن انتشار المعلومات و تزويرها مثل ما فعلت الحكومة الأمريكية في حروب العراق وأفغانستان، في تداولها مصطلحات مثل "حروب نظيفة" او "حروب ضرورية" أو "حروب الاختيار" لإخفاء مصالح الأنظمة الحكومية أو لتوصيف العدو "بالإرهابي" لنزع الشرعية عنه. هذا النظام يتلقى من حين لآخر ضربات ولكنها ليست كافية لضمان إفلاسه. يوم الأحد 6 ديسمبر 2015 أكد موقع "ويكيليكس" المشهور بكشف مئات آلاف الوثائق السرية الأمريكية والغربية وفي نفي لكل ما روجته وسائل الإعلام وقادة سياسيون، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعطى شخصيا الأوامر بضرب القاذفة الروسية سوخوي 24 فوق سوريا. وقال الموقع إن أردوغان أعطى هذه الأوامر قبل الحادثة بفترة طويلة، بحيث كان يجب أن تتم في بداية شهر أكتوبر عند بدء العملية العسكرية الروسية ضد داعش في سوريا. وذكر الموقع أن أردوغان قد أن من مصلحته جعل تركيا على حافة الحرب مع روسيا لثقته بأن حلف الناتو ومجموعة العشرين سيؤيدونه بأية حال وسيقدمون له المال والدعم في مخططاته. الحرب الإعلامية والنفسية الحرب الإعلامية بجانب الحرب النفسية تعرف كدعاية ضد العدو في دعمها للعمليات العسكرية، وفقا لإدورد بيرنيز. وبالتالي الدعاية والرعب هما كلاهما من الأدوات الرئيسية للحرب النفسية. والحرب النفسية هي الاستعمال المخطط والممنهج للدعاية ومختلف الأساليب النفسية للتأثير على آراء ومشاعر وسلوكيات العدو والرأي العام بطريقة تسهل الوصول للأهداف. كما أنها وسيلة مساعدة لتحقيق الاستراتيجية القومية للدولة. وتشن في وقت السلم والحرب على السواء، وتستخدم فيها كل إمكانيات الدولة، ومقدراتها من سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وإعلامية وغير ذلك من العوامل التي تتفاعل مع بعضها البعض لتحدد كيان المجتمع وشكله. ويمكن القول أيضا أنها متأصلة في جذور التاريخ الإنساني، ولها أمثلة كثيرة لها في تاريخ الجنس البشري. في 13 يونيو 1942، انشأ الرئيس الأمريكي روزفلت إدارة معلومات الحرب لتتولى السيطرة المباشرة وغير المباشرة على كل الدعاية المحلية والدعاية الخارجية في نصف الكرة الغربي الذي بقى تحت إدارة لجنة روكفلر في وزارة الخارجية، وأخذت ادارة معلومات الحرب قسم الإذاعة من إدارة التنسيق، والتي تغير أسمها إلى إدارة الخدمات الإستراتيجية. هذه المؤسسة ورغم التعديلات والتسميات المختلفة التي مستها تواصل القيام بدورها الذي زاد أهمية على ضوء محاولة واشنطن الإبقاء على موقعها كالقوة الرئيسية في العالم بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي بداية تسعينات القرن العشرين. أدخل التدخل العسكري الروسي في بلاد الشام وبفضل وزن موسكو الدولي تحولا في التوجهات الإعلامية للمؤسسات الكبرى خاصة في الغرب حيث بدأت تتحول تدريجيا عن إعادة وتكرار عمليات لي الحقائق والتضليل الممارسة منذ سنوات. رحى المواجهة تتركز مع نهاية سنة 2015 على قضية الإرهاب وكشف حقائق الحرب الإفتراضية والموصوفة باللطيفة للتحالف الغربي الذي تقوده الولاياتالمتحدة على تنظيم داعش، والتحالفات المتقلبة في نطاق المواجهة حول مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الجديد الذي يقضي بتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أساس ديني وطائفي وعرقي وقبائلي. تتابع موسكو توجيه الإتهامات غير المباشرة وعبر تركيا وبعض دول الخليج العربي إلى الولاياتالمتحدةوبريطانيا بدعم تنظيم داعش وإستخدامه لتوسيع نطاق ما يسمى الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط. خيوط شبكة الشر يوم 4 ديسمبر 2015 اعتبرت ثريا فقس التي رشحت نفسها للرئاسة الأمريكية أن واشنطن، هي من كونت المنظمات الإرهابية في سوريا ودعمتها وقامت بتدريبها وتسليحها، مشيرة إلى أن بلادها لم تحارب "تنظيم الدولة" لأنها هي من مولته. ورأت فقس، ابنة إحدى العائلات السورية التي هاجرت إلى الولاياتالمتحدة منذ نحو أربعة عقود، أن الحرب في سوريا ليست حربا أهلية كما يقال عنها، فهي أصبحت قضية عالمية، معتبرة أنه يجب على الولاياتالمتحدة التدخل في سوريا لوقف الإرهاب وإصلاح ما اقترفته، محذرة من مغبة امتداد الإرهاب إلى جميع أنحاء العالم، وأن سرقة النفط السوري والعراقي لدعم تلك المنظمات الإرهابية بات يؤرق كل دول العالم. وأضافت أرى أنه على جميع الأطراف العمل على الحل السياسي ووقف الاقتتال، فلا نريد أن نقف مع طرف ضد الآخر، وإذا أردنا ايجاد الحلول فعلى جميع الأطراف، ومن بينهم الرئيس السوري الذي ما زال يعترف به من قبل الأممالمتحدة كرئيس شرعي منتخب من قبل الشعب بنسبة 80 في المئة، أن يجلس إلى طاولة الحوار ويعمل على إيجاد حلول لهذه الأزمة المتفاقمة. وتابعت قائلة: هناك المعارضة التي تعترض على وجود الأسد، ويرفضون الحل ولكن يجب على الطرفين الجلوس إلى طاولة الحوار، من دون أي تدخل خارجي أو اقليمي، والأهم في الأمر أن على الطرفين العمل أولا على محاربة الإرهاب فوق أراضيهما، من المنظمات الإرهابية سواء تنظيم الدولة أو النصرة وما شابه من منظمات إرهابية أخرى، التي تعبث بالشرق الأوسط ككل، وتستنزف النفط لدعم تلك المنظمات وإيجاد حل مناسب للطرفين ما يسمح بعودة الشعب السوري إلى بلاده ووقف قتل الأبرياء تحت أي مسمى، لقد قتل في سوريا الكثير من الأبرياء المعارضين وحتى من الأغراب الإرهابيين، لذلك يجب العمل على إيقاف موجات الحركات الإرهابية التي تدخل سوريا عن طريق تركيا وإيجاد وسيلة لحل النزاع. لقد أصبح واضحا للعلن كيف تم دعم الإرهابيين من قبل عدة دول تحت مسميات عدة، وها نحن اليوم نرى حصيلة هذا الدعم الذي يدفع ثمنه الكثير من الأبرياء في العالم، النقطة الأهم هي كيف نستطيع أن نوقف نزيف الدم في الشرق الأوسط، وإيجاد الحلول السياسية والدبلوماسية التي ترضي جميع أطراف الخلاف في كل دولة، من غير أن يكون هناك يد لتدخل دول أخرى، فن حق الشعوب في كل مكان أن تعيش بسلام في أوطانها. وعن سياسة الولاياتالمتحدة في محاربة تنظيم "الدولة"، هل هي نجحت أم فشلت في محاربته بنظر فقس قالت: كما ذكرت هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولاياتالمتحدة السابقة في أكثر من حوار، إن أمريكا هي من كونت تلك المنظمات الإرهابية ودعمتها وتم تدريبها وتسليحها أيضا. هذه ليست ظاهرة جديدة نتعامل معها، لذلك من الضروري أن نعمل على عدم التمويل والدعم وأن نساهم في بناء دول أساسها العدل، لا نستطيع أن نلعب أدوارا مزدوجة ونظهر بصورة المتسائل، أمريكا لم تحارب تنظيم الدولة، لأنها هي من مولته، والكثير من المسؤولين هنا ليسوا سعداء بهذا الاختراع الذي أوجدوه واستخدموه في أفغانستان والآن يصعب السيطرة عليه، يجب على أمريكا التدخل في سوريا لوقف الإرهاب وإصلاح ما اقترفوه في السابق، إن الإرهاب يمتد ليس فقط في الشرق، وإنما في كل العالم، وهذه مسألة باتت تؤرق الجميع. وقالت عن موقف الولاياتالمتحدة من التدخل الروسي في سوريا: إذا كانت الدولة السورية التي ما زالت معتمدة من قبل الأممالمتحدة، هي التي طلبت مساعدة من أي بلد فهذا من حقها، فقد رأينا كيف تدخلت مصر في القضاء على الإرهاب على الحدود الليبية طلبا من الحكومة نفسها بعد أن تم قتل البعض من الأشخاص المصريين على أراض ليبية، هذا حق تملكه أي دولة وليست العقلانية أن يكون هناك، مثلا، الحد من تسليح الجيش الليبي، ونرى على الصعيد الآخر أن الإرهابيين يحصلون على أعلى الإمدادات الحربية. وختمت حديثها برسالة للشعب السوري بأكمله: "إن خيوط شبكة الشر لن تستطيع أن تفصل بينكم وسيبقى النسيج السوري متماسكا، وستكون سوريا مثلا يحتذى به من قبل الجميع، هذا أمل وحلم ولكنهما ليسا ببعيدين". صناعة أمريكية تصريحات المرشحة ثريا فقس ليست جديدة في محتواها ولكن مهمة من حيث توقيتها، القائد الأسبق لحلف شمال الأطلسي ويلسي كلارك كان قد صرح مطلع سنة 2015 في مقابلة مع قناة "سي إن إن" الأمريكية أن واشنطن هي، التي صنعت تنظيم "داعش" بتمويل من أصدقائها وحلفائها بهدف القضاء على سوريا و "حزب الله" وأطراف أخرى. وكان رئيس وزراء فرنسا الأسبق ما بين 2005 و 2007 دومينيك دو فيلبان قد صرح في مقابلة متلفزة إثر الهجوم الدامي على مجلة "شارلي إيبدو" الأسبوعية مطلع 2015 بأن تنظيم "داعش" هو "الطفل الوحشي لتقلب وغطرسة السياسة الغربية. كما أثار جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي في سنة 2014 زوبعة سياسية حين أقر بمسؤولية بلاده عن الإرهاب وإن كان قد حاول تفريق وتشتيت المسؤولية حين قال إن "مشكلتنا الكبرى كانت حلفاءنا في المنطقة أصدقاءنا الكبار الأتراك وغيرهم. لأن همهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، ولذا شنوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة، وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات ألوف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين قبلوا بمقاتلة الأسد". الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال بدوره خلال شهر نوفمبر 2015 أن: "40 دولة تمول الإرهاب، من بينها دول مشاركة في قمة العشرين!" التي كان يحضرها. الإتهامات الروسية لحكومة تركيا بدعم داعش بالتسليح والمتطوعين والمال وبشراء النفط حركت وسائل إعلام وسياسيين للتعمق في الموضوع. يوم السبت 5 ديسمبر 2015 شددت سارة واغينتش نائبة من حزب اليسار بالبرلمان الالماني على أنه من يريد محاربة تنظيم "داعش" عليه أن يقطع التمويلات ويوقف تدفق الأسلحة والمقاتلين الجدد له. وقالت النائبة الالمانية في كلمة أمام البرلمان أن من يريد محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" يجب أن تكون لديه الشجاعة لوضع حد لأعمال حلفائه، تركيا وغيرها، عرابا وممولا الجماعات الإرهابية. وأضافت النائبة اليسارية أن من الفضيع أن تتواصل عملية التهريب حتى يومنا هذا عبر الحدود التركية، مشيرة إلى أن زهاء 100 مقاتل جديد ينظمون كل ليلة إلى "داعش" عبر هذه الحدود. وأكدت نائبة حزب اليسار أنه بدلا من قصف سوريا، كان من الأجدر حث أردوغان على إنهاء لعبته، وقالت " بالمناسبة هذا هو أردوغان الذي قصف الجماعات الكردية التي تقاتل هناك، ناهيك عن وجود أسلحة ألمانية، هذه فضيحة، إنه النفاق السياسي بعينه". وشددت النائبة على ضرورة وقف توريد الأسلحة لداعش من جانب حلفاء واشنطن، مقترحة في هذا الصدد أن يتم وقف فوري لتصدير الأسلحة إلى تركيا وقطر وممولي الإرهابيين ومناطق الحرب، مؤكدة في السياق أن من يرفض التصويت لصالح هذا القرار لا ينبغي له أبدا أن يقول مرة أخرى أنه يريد مكافحة الارهاب. خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر وفي اجتماع كبير نظمته وزارة الدفاع الروسية في المركز الوطني لإدارة الدفاع في موسكو دعت إليه الملحقين العسكريين الأجانب لدى روسيا بمن فيهم التركي والأمريكي، عرضت كوما من الصور والتسجيلات الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية والطائرات بلا طيار، تظهر "ازدهار" تجارة نفط "داعش" بين شمال سوريا والأراضي التركية. وشاهد الملحقون العسكريون قوافل جرارة من الصهاريج، وهي تعبر الحدود من شمال سوريا إلى تركيا، قادمة من منشآت وحقول نفطية استولى عليها تنظيم "داعش" في سوريا، وشهدوا على طوابير من الصهاريج والشاحنات، وهي في انتظار العبور محملة إلى الأراضي التركية لتفرغ حمولاتها هناك وتعود من جديد للتزود بنفط منهوب مزج بدماء السوريين والعراقيين. موسكو أكدت أنها سوف تسلم أدلتها إلى الأممالمتحدة وجعلها في متناول الجميع. إذا كانت واشنطن قد أنكرت في البداية تورط تركيا في شراء نفط داعش فإنها عدلت موقفها لاحقا بعد بروز أدلة مادية، وهكذا أكد مسئول أمريكي يوم الجمعة 4 ديسمبر أن كميات النفط التي يتم تهريبها إلى تركيا من المناطق السورية الخاضعة لسيطرة داعش "ضئيلة جدا". وقال آموس هوشتاين المسئول في وزارة الخارجية الأمريكية عن شؤون الطاقة الدولية إن "كمية النفط التي يتم تهريبها تناقصت مع الوقت وحجمها تافه سواء لناحية الكمية أو العوائد المالية". وجاء التصريح الأمريكي ردا على نائب وزير الدفاع الروسي اناتولي انتونوف الذي كان قد اتهم يوم الأربعاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وأسرته ب"الضلوع" مباشرة في شراء النفط من تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول معلقون بعد الرد التبسيطي الأمريكي أن السؤال الأهم في دراما "داعش" ونفطه وبيت مال المتطرفين، ما الذي منع واشنطن من تصوير آلاف صهاريج النفط المنهوب، ورصد قوافلها، وما طبيعة الأهداف التي ما انفك تحالف واشنطن الدولي يؤكد أنه يضربها طوال أكثر من عام في سوريا؟. تناسل المشاكل تقدر مصادر رصد في برلين أن خروج موسكو للعلن بأسرار عن التحالف المحيط بداعش فك عقدة كانت تلجم بعض الأقلام، فيوم الجمعة 4 ديسمبر 2015 كشفت مجلة "دير شبيغل" الألمانية، أن شركات أوروبية تقدم الوسائل التقنية والخدمات عبر وسطاء في محافظة "هاتاي" التركية لتشغيل الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية في مناطق "داعش" بسورياوالعراق. وذكرت المجلة في تقرير لها، إن شركات أوروبية تمنح إمكانيات لتنظيم "داعش" لنشر دعايته على الشبكة العنكبوتية، والذي وصفه التقرير بأنه "عار على أوروبا". وأوضح التقرير، أنه من غير المعروف بعد ما إذا كانت هذه الشركات على معرفة بذلك، إلا أن وثائق حصلت عليها المجلة تكشف أن هذه الشركات بإمكانها معرفة استخدام التنظيم لخوادمها للإنترنت إذا ما رغبت في ذلك، كما أنه يمكنها قطع هذه الخوادم بأسرع وقت ومن دون جهد يذكر. واشار التقرير إلى إن من يحتاج إلى منفذ للإنترنت في سورياوالعراق، يمكنه الوصول إلى منظومات الحصول على الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية في محافظة هاتاي التركية على الحدود مع سوريا. وبين التقرير الذي نشرته مجلة "دير شبيغل"، أن هذه المنظومات التي يمكن أن تكون سرعتها أكبر من الخوادم السلكية في ألمانيا، تتكلف نحو 500 دولار في سوريا، إضافة إلى أجور الدخول على الشبكة. وتشكل منظومات الإنترنت، جانباً حيويا هاما للتنظيمات الإرهابية، من أجل نشر دعايتها وتبادل المعلومات المتعلقة أيضا بالتخطيط لشن الهجمات الإرهابية. وبين التقرير الصادر، نقلا عن وسطاء أتراك في هاتاي، أن الاشتراكات الشهرية لمنظومات الإنترنت في سوريا تدر عليهم أموالاً طائلة. ومن جهتهم أوضح نشطاء سوريون للمجلة الألمانية، أن منظومات الدخول إلى الإنترنت في الأراضي السورية غير الخاضعة لدمشق تبقى حكرا على تنظيم "داعش"، فالتنظيم يمنع الأشخاص العاديين من شراء مثل هذه المنظومات في المناطق التي يسيطر عليها، مثل دير الزور والرقة. هذا وتحدث التقرير عن إمكانية معرفة هذه الشركات باستخدام خدماتها للاتصالات في سوريا، واحتمال أنها تشاطر معلوماتها مع بعض أجهزة المخابرات الأوروبية وخاصة تلك وثيقة الصلة بالمخابرات الأمريكية. توظيف الإرهاب كتب المحلل والصحفي بشير عبد الفتاح يوم 6 ديسمبر: بينما دأب علم العلاقات الدولية طوال عقود على اعتبار الدولة الوطنية من دون سواها هي الفاعل الوحيد المعترف به في العلاقات الدولية، أبت التطورات والتحولات المتلاحقة التي اعترت النظام الدولي إلا أن تفرض فاعلين جدداً دون الدول، على شاكلة المنظمات الدولية كعصبة الأمم التي عرفها النظام الدولي المتعدد القطب عقب الحرب العالمية الأولى، ثم الأممالمتحدة التي دخلت بعد الحرب العالمية الثانية في كنف النظام الدولي الثنائي القطب، ومن بعد ذلك المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي وما شابههما، مرورا ببعض الشخصيات الدولية المؤثرة، والشركات والمؤسسات الاقتصادية العالمية العملاقة، وصولاً إلى الجماعات والتنظيمات الإرهابية ذات الانتشار العالمي العنكبوتي الواسع والإمكانات التنظيمية واللوجيستية الهائلة فضلاً عن التسليح المتطور. وفطنت القوى العظمى منذ وقت مبكر لأهمية الدور المتنامي للجماعات والتنظيمات الإرهابية حول العالم، ومن ثم هرعت لتوظيفها كأداة في الصراعات الدولية، وفقا لمبدأ الإدارة من خلال الأزمات، توخيا لحماية مصالحها وإنجاح استراتيجياتها العالمية. وفي هذا المضمار، برز جليا ذلك الدور اللافت لواشنطن في تجييش الحركات الجهادية المتأسلمة بغية توظيفها لخدمة المشاريع الاستراتيجية الأمريكية في أصقاع شتى من المعمورة. فإذا كانت بريطانيا هي المسؤول الأول عن احتضان جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ العقد الثالث من القرن المنصرم، فإن الولاياتالمتحدة تتحمل مسؤولية إنتاج التنظيمات الإسلامية التكفيرية الجهادية التي انبثقت من عباءتها لاحقا ورعايتها، لتبدأ نشاطها العالمي منذ العام 1979 مع الغزو السوفياتي لأفغانستان في أوج الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربى. فحينئذ، اعتمدت وكالة الاستخبارات الأمريكية استراتيجية إثارة العامل الديني في نفوس الشباب المسلم واستثماره لمحاربة السوفيات في أفغانستان، ومن ثم عكفت آلة الدعاية السياسية الأمريكية على الترويج لفكرة مفادها بأن الغزو السوفياتي لأفغانستان إنما هو في حقيقته عدوان من دولة ملحدة على شعب مؤمن، الأمر الذي يستوجب استنفارا عالميا للمؤمنين والمجاهدين بقصد تحرير الشعب الأفغاني المؤمن من براثن الغزو السوفياتي البربري الملحد. وبدعم من أطراف إقليمية، شكل ما سمي وقتذاك تنظيم "المجاهدون الأفغان" بعد استنفار الشباب المسلم من مختلف البقاع العربية والإسلامية، وإمدادهم بالسلاح الفعال، بما في ذلك صواريخ أرض جو الأمريكية المتطورة من طراز "ستينغر" التي لعبت دورا كبيرا في الحد من فعالية الطيران الحربي السوفياتي حينها. وما إن وضعت الحرب بالوكالة في أفغانستان بين موسكووواشنطن أوزارها في العام 1990 بانتصار المعسكر الغربي وحلفائه ووكلائه وإعلان الرئيس السوفياتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف سحب قوات بلاده، حتى أوقفت واشنطن نشاطها وقررت مغادرة المنطقة ثم عادت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 بدعوى أن القاعدة هي المدبرة. وعلى رغم الكلفة الهائلة التي تكبدتها نتيجة استراتيجية اللعب بالنار والرقص مع الجهاديين الإسلاميين، لم تتورع واشنطن عن معاودة الكرّة في البوسنة وكوسوفو، ليعاني العالم ويلات جماعات العائدين من أفغانستان، باكستان، البوسنة، الشيشان وكوسوفو، توخيا لبلوغ غايات تتصل بتفكيك يوغوسلافيا وتصفية النظام الصربي. واليوم، وبعدما اقتضت خصوصية التحولات الجيواستراتيجية التي ألمت بمنطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس المنقضية أن تنحو واشنطن باتجاه تركيز الاعتماد الاستراتيجي خلال الفترة المقبلة على الفاعلين السياسيين دون الدول في منطقة الشرق الأوسط، بدلاً من الفاعلين التقليديين على مستوى الدول، انبلجت استراتيجية دعم تنظيمات على شاكلة "الإخوان المسلمين" و"داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها، تمهيدا لتوظيفها في عملية تنفيذ المشاريع والمخططات الأمريكيةالجديدة في منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا. ففي مسعى منها لتوجيه دفة الأحداث لم تتوان واشنطن عن معاودة التنسيق مع تيارات الإسلام السياسي، وفي القلب منها جماعة الإخوان، حتى طاولت الشبهات دوائر أمريكية بالتفاهم مع تنظيمات أشد راديكالية على غرار "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما، بدعم من شركاء ووكلاء إقليميين كإسرائيل وتركياوإيران، بغية توظيفها في إنفاذ المخططات الأمريكية الرامية إلى تغيير خريطة المنطقة توطئة لنقل مركز الثقل في الاستراتيجية الأمريكية من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا تحسبا للخطر الصيني المتفاقم. وبينما كان أبو بكر البغدادي قائد تنظيم "داعش" معتقلا لدى الأمريكيين ثم أفرج عنه بعفو أمريكي ليعلن بعدها بستة أشهر فقط بناء جيش جرار يحمل اسم "جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بدا جليا تقاعس واشنطن في محاربة "داعش" كما تراءى للعالم أجمع تزويدها مقاتليه السلاح والمؤن في إجراء اعتبرت واشنطن أنه تم عن طريق الخطأ، وكذلك تسريب إدارة أوباما عبر وسائل الإعلام المختلفة للخطط والمشاريع المزمعة لتحرير قوات التحالف الإقليمي والدولي للمدن العراقية بمعاونة الجيش العراقي والقوى الكردية من احتلال "داعش"، كما يتحسب الأخير لها ويعد العدة لمواجهتها وإلحاق خسائر مادية وبشرية هائلة بالقوات البرية التي ستتولى تنفيذ تلك الخطط والمشاريع. وكم كان لافتا اقتصار استراتيجية التحالف الدولي بقيادة واشنطن في التعامل مع تنظيم "داعش" وأعوانه على العمل لصدهم واحتوائهم والحد من تقدمهم فقط من دون إنهاء خطرهم عبر القضاء عليهم قضاء مبرما، ثم عدم تورع واشنطن عن التصريح أن القضاء على التنظيم قد يستغرق عشر سنوات. وتحت وطأة الضغوط الإعلامية والمساءلات السياسية، لم تجد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون بدا من الإقرار بضلوع واشنطن في مثل هذه الأدوار والنشاطات، وذلك إبان إفادة سرية لها أمام الكونغرس أدلت بها في أبريل 2013، وتم تسريب كل محتوياتها لاحقا. ثم إذا بها تؤكد قبل أيام أن القضاء المبرم على "داعش" يجب ألا يتصدر أولويات واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. أهداف وغايات ومن هذا المنطلق، لم تجد واشنطن وحلفاؤها غضاضة في توظيف إرهاب "داعش" لبلوغ غايات أمريكية ملحة من دون تورط في مواجهات مباشرة حول العالم، من قبيل حل بعض الجيوش النظامية العربية الضاربة، أو تفكيك بعض الدول الوطنية العربية، أو حتى كبح جماح التقارب الاستراتيجي المتنامي بين القاهرة وكل من موسكو وباريس، خصوصا على صعيد التعاون العسكري الذي خول المصريين الحصول على أسلحة نوعية كالمقاتلات الفرنسية المتطورة من طراز "رافال" وحملات الطائرات العمودية "ميسترال" ومنظومة صواريخ "إس 300" الروسية الحديثة وغيرها. ولعلَه لم يكن مصادفة أن ينحصر إرهاب "داعش"، حتى الآن على الأقل، في مصالح فرنسية وأخرى روسية على أرض مصرية، وذلك من بين أكثر من ستين دولة تحالفت تحت قيادة واشنطن لمحاربة التنظيم في سورياوالعراق منذ عام ونصف العام. وفي موازاة ذلك، تسنى لوكلاء واشنطن الإقليميين تحقيق مغانم، لا يستهان بها، لقاء اضطلاعهم بدورهم ضمن الاستراتيجية الأمريكية القائمة على توظيف الإرهاب وتنظيماته في المنطقة. فبعدما استعاد حزب العدالة التركي هيمنته على مقاليد السلطة في بلاده ورمم أردوغان علاقاته وتحالفاته مع واشنطن وتل أبيب، ها هي إيران تحظى باعتراف دولي بدورها في محاربة "داعش" ومشاركتها في مفاوضات فيينا لتسوية الأزمة السورية سلميا، كما اضطرت واشنطن لإبداء مزيد من المرونة حيالها في مفاوضات إدراك الاتفاق النووي الأخير. أما إسرائيل، التي باتت تعاني الأمرين من تغير قواعد الاشتباك والمواجهة مع الدول العربية إثر دخول تنظيمات أو حركات مقاومة مسلحة إلى معادلة الصراع كبديل من الجيوش النظامية، فعمدت بتنسيق مع واشنطن إلى تبني استراتيجية مضادة تقوم على اختلاق فاعلين عسكريين غير نظاميين على شاكلة "داعش"، و"جبهة النصرة"، لإنهاك الجيوش العربية النظامية واستنزافها من دون الاضطرار إلى خرق المعاهدات الدولية وتجاوز الشرعية الدولية عبر الدخول في حروب شاملة ضدها. وربما يفسر إقدام قوى دولية بتنسيق مع أطراف إقليمية على توظيف الإرهاب وتنظيماته في العلاقات الدولية ما يمكن أن نسميه "الحوَل الجهادي لدى التنظيمات التكفيرية الجهادية المتأسلمة"، والذي ينصرف إلى استهدافها بعض الدول العربية والإسلامية فقط وتغافلها، بقصد أو غير قصد، عمن دأبت تلك التنظيمات على نعته ب"أعداء الأمة الإسلامية" كإسرائيل على سبيل المثال وليس الحصر، وهذه ظلت، على رغم وجودها على حافة المواجهات قرب معاقل الإرهاب ومنابعه، الدولة الأكثر أمنا وأمانا وسط شرق أوسط غدا أسيرا للاضطراب وعدم الاستقرار. عمر نجيب [email protected]