تخوض الولاياتالمتحدة الأمريكية وهي دولة تصنف سياسيا وإقتصاديا وعسكريا كعظمى منذ بداية القرن الحادي والعشرين صراعا تعتبره مصيريا من أجل الحفاظ على مرتبتها الأولى وهيمنتها على الصعيد الدولي تلك المرتبة التي توفرت لها أثر إنهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية العقد الثامن من القرن العشرين. صدم نهوض روسيا من أنقاض الإتحاد السوفيتي مخططي السياسة الأمريكية، وتضاعف حجم الصدمة نتيجة إستقرار النظام في الصين ونجاح إقتصادها في الحفاظ على نموه وتمدده عبر العالم زيادة على تحديث قدراتها العسكرية بشكل لم يتوقعه المختصون في الغرب حيث أصبح يلغي في العديد من الأفرع التفوق الغربي. لم يقتصر تحدي مشاريع الهيمنة الأمريكية على القطبين الصيني والروسي، فقد برزت قوى إقليمية عديدة خاصة في آسيا وأمريكا اللاتينية أخذت تدريجيا وبموازاة مع تحسن قدراتها الإقتصادية والعسكرية تتمرد على إرادة واشنطن وتدخل معها في منافسات إقتصادية وسياسية وتعمل على صنع مناطق نفوذ خاصة بها. مع تصاعد حجم التحديات للمصالح الأمريكية، زاد عنف ردة الفعل من جانب إدارة البيت الأبيض، ولم تتخلف الإدارة الأمريكية في إستخدام كل الأساليب والطرق من أجل الوصول إلى أهدافها، الأمر الذي دفع بعض المحللين إلى التحذير من أن السلوك الأمريكي لا يهدد العالم فقط بسلسلة من الصراعات والحروب الدموية على الصعيد الإقليمي بل بحرب عالمية ثالثة. سلك مخططوا سياسة واشنطن طرقا مختلفة للحفاظ على مرتبة بلادهم على الساحة الدولية، فأولا سعوا إلى تقليم أظافر كل من موسكووبكين بمزيج من الحصار الإقتصادي والتطويق العسكري وكسر تحالفاتهما مع أطراف سواء في محيطهما أو في مناطق أخرى إستراتيجية من العالم، وثانيا أنشغل أصحاب القرار في البيت الأبيض والعاصم الغربية الأخرى الشريكة في المشروع الأمبراطوري الأمريكي، بإعادة صياغة التوازنات الإقليمية خاصة في المناطق المصنفة كأساسية لصناعة عالم القرن الحادي والعشرين كما يراه ويريده الغرب. شكلت منطقة الشرق الأوسط الكبير ومركزها الحيوي الممتد من العراق شرقا حتى المغرب غربا أحد أكثر المحاور أهمية في عملية إعادة الصياغة لنظام عالمي جديد، في حين شكلت منطقة شرق أوروبا التي كانت جزء من المنظومة السوفيتية السابقة محورا أساسيا آخر. مع إنتصاف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أصبحت المنطقة العربية وخاصة العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا في مقدمة الأطراف المستهدفة بإعادة الهيكلة في نطاق مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الجديد، والقاضي بإعادة رسم الحدود لإقامة ما بين 54 و 56 دولة جديدة على أسس عرقية ودينية ومناطقية، وإلى الشمال شكلت أوكرانيا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق واجهة الصراع الآخر. تسارع وتيرة الحرب الأمريكية جاء في تحليل صدر في شهر أكتوبر 2014 عن معهد دراسات أوروبي: إن التطورات الأخيرة على مستوى مختلف الأزمات التي تعصف بعالم اليوم تظهر أن الغربيين لا يسلكون طريق التهدئة. فقد أطلقت القمة الأخيرة لمجلس الأمن الحرب العالمية على الإرهاب، بقيادة الزعيم الكبير أوباما، وأقرت الضربات الغربية في العراق وسوريا، وهناك مؤشرات أنها ستنتقل جنوبا إلى دول الخليج العربي بعد أن يمد أخطبوط داعش أذرعه هناك. وفي مصر المحاصرة بما يوصف بالدبلوماسية الناعمة من جانب واشنطن تبتكر كل الأساليب لزعزعة الإستقرار وتغذى التنظيمات الإرهابية خاصة في سيناء ومنطقة الحدود مع ليبيا، بينما يجرى تشجيع وتمويل التنظيمات السياسية المتطرفة والجمعيات غير الحكومية لإشاعة الفوضى تحت غطاء حرية الرأي والدفاع عن الديمقراطية. وفي نفس الوقت تتدخل واشنطن ولندن لمنع السعودية والامارات من تقديم معونات لمصر أو تمويل شراء أسلحة من موسكو، كما تجبر دول مجلس التعاون على تسويات سياسية تتعارض مع مصالحها. تركيا إردوغان عادت مرة أخرى إلى المشاركة في عملية تصعيد الصراع في سوريا واقترحت منطقة عازلة ومنطقة حظر طيران على الحدود السورية مع تركيا والعمل مباشرة وبالقوة العسكرية الغربية على الإطاحة بنظام بشار الأسد، ما يدفع بالأمور نحو المزيد من الاتجاه نحو السيناريو الليبي. وتتدخل أنقرة ومعها الولاياتالمتحدة وحلفاء آخرون في منطقة الخليج لمنع سقوط سلطة الإخوان في ليبيا وليتحول البلد إلى مركز تصدير للإرهاب الذي يجهر السياسيون في واشنطن بخبث بعدائهم له وينشؤون التحالفات لقتاله. الجميع يبدون وكأنهم أصيبوا بعقدة ميونيخ: لا شيء أفضل من حرب جيدة من أجل تفادي الحرب. وها هي دبلوماسية المدافع تعود إلى الميدان، بإسم الديموقراطية وحقوق الإنسان، وبمعيتها موكب الرياء والاستفزاز بقصد القمع وتحريك جماعات سرية لا نستطيع ضبطها أحيانا ثم نعود إلى مقاتلتها. عالم منعدم الاستقرار في مقابلة له مع موقع "أفريك كوم" قدم المدير السابق ل "المديرية العامة الفرنسية للأمن الخارجي"، آلان شوويه، تحليلاً لحالة بوكو حرام في نيجيريا، وبعد أن شرح كيف انطلقت هذه الحركة في البداية والتعاطف الذي أبداه غربيون لها، أوضح أن الأمريكيين تقاعسوا عن الرد بالايجاب على طلبات لاغوس للحصول على السلاح وتركوا الأمور تجري إلى غاياتها حتى اللحظة التي سمحت لهم خطورة الوضع بتبرير التدخل ولكن بالشكل الذي يجمل صورتهم. مطاردة الإرهابيين الهمج قاطعي الرؤوس تجري إذن على قدم وساق، لا شك بأن أوباما لا يتكل إلا على نفسه في القصف الذي يطال سوريا، مع تجنب توجيه ضربات مباشرة زائدة عن اللزوم على الأقل في الوقت الحاضر إلى بشار الأسد لأن ذلك قد يتحول إلى مأخذ عليه أو يسقطه في فخاخ. فما يجري هو استمرار اعتماد استراتيجية الحرب الناعمة: تحقيق التقدم بشكل مقنع أو مكشوف في الحرب من أجل القيم ضد عدو لا مجال للبوح باسمه. فالضربات الموجهة إلى داعش تسمح لأوباما بمواصلة تدمير البنى الاقتصادية في سوريا: مصفاة نفط من هنا، بئر نفط أو مصنع إسمنت من هناك. من دون أن يعترض أحد على ذلك. النشاط العسكري والجيوسياسي الأمريكي على صعيد العالم كله بلغ مستويات عالية جدا في هذا العام 2014. فتقرير "البنتاغون" الذي يحمل عنوان: "تأمين دفاع قوي للمستقبل" لا يخفي هذه النزعة التدخلية ولا البلدان المستهدفة بالتدخل. كما أن التقرير الذي يصدر كل أربع سنوات عن وكالة الاستخبارات الأمريكية بعنوان "الاتجاهات العالمية حتى العام 2030 والعوالم البديلة" يتوقع حدوث تطورات مشابهة ويتحدث عن عالم منفلت ومنعدم الاستقرار يتزايد شبهه بغابة مشكلة من الدول الساعية إلى تأمين أقصى ما يمكن من المصالح الاقتصادية والمستعدة للدخول في تحالفات ظرفية. الولاياتالمتحدة تتدخل بكل ثقل في أوكرانيا وتبذل أقصى الجهد من أجل وقف الصعود القوى للصين وروسيا وبلدان البريكس بوجه عام. والواقع أن التكتيك الأمريكي شبيه، إلى حد ما، بسيناريوهات الأزمات الحادة والمتتابعة والمتعددة الأشكال. وهو يسعى إلى الاستفادة من جميع الفرص الممكنة على مستويات الانتخابات، والأقليات الاتنية، والاضطرابات الاجتماعية، والنزاعات الدينية. ثم إن سلطة التأثير الإعلامي للمجتمع الأمريكي عن طريق الموسيقى والسينما والشاشات بوجه عام والتحكم التقني بالإنترنت، هي كبيرة إلى درجة أن البورجوازيات التي تعيش في المدن، وامتدادات هذه البورجوازيات، تميل بغالبيتها نحو تأييد النظام المفرط في الليبرالية على الطريقة الأمريكية. وهنا تأتي مفارقة تتمثل بأن كل نظام سلطوي أو مركزي يعتمد المسار الليبرالي وينتقل من الفقر إلى الغنى يصبح أكثر هشاشة وتعرضا لمحاولات الزعزعة التي تقوم بها هذه البورجوازيات وفق نمط الثورات الملونة. روسيا وأوكرانيا ويضيف التحليل الصادر عن المعهد الأوروبي: لا جدال في أن الولاياتالمتحدة قد سجلت نقاطا في أوكرانيا لأنها نجحت في إقامة حكومة في خدمتها دونما حاجة منها إلى المناورة بشكل ملحوظ فوق اللزوم، ومع طرح نفسها كداعمة لقيم الديموقراطية والحرية. تلك هي على الدوام طريقتها في التأثير، من خلال الثورات الملونة، التي يقودها الطلاب والبورجوازيات الموجهة أو المخدوعة. فهذه الثورات تتغذى في مناخ الأزمات الاجتماعية والحلم الأمريكي الملمع بمهرة من قبل الإعلام "المستقل"، ومن قبل مطابخ من نوع "معهد المجتمع المفتوح" لصاحبه جورج سورس و"مؤسسة كارنغي من أجل الديموقراطية". الولاياتالمتحدة تتمتع بقدرة هائلة على مراقبة الحركات الاجتماعية والتلاعب بها، وتسبق الروس والصينيين بسنوات في هذا المجال. أما الأوروبيون فلم يبرعوا في هذه الأزمة، غير أن غالبية القادة الأوروبيين ربما يكونون قد أصبحوا من مؤيدي المشروع الأمريكي. لقد تمكنوا من وضع روسيا في موقع دفاعي حرج ويجري السعي من أجل استمراره عبر إشعال حريق على حدودها بالذات وضرب أصدقائها حول العالم وإظهار موسكو عاجزة عن نجدة حلفائها: فإذا تدخلت روسيا في أوكرانيا لإطفاء الحريق، فإنها ستتعرض للعزل والإقصاء من قبل جميع بلدان الغرب وكذلك لعقوبات من نوع إخراجها من النظام المصرفي الدولي. أما إذا اكتفت باحتواء الحريق عبر مجرد الدعم الخفي، فإنها تلعب بذلك لعبة الولاياتالمتحدة وتعرض نفسها لعدم الاستقرار الداخلي على المدى الطويل. إن الهجمات الأمريكية تتواصل في كل مكان بما في ذلك داخل الحزام الليبرالي في كبريات المدن الروسية، بشكل مشابه لما كان عليه الوضع في موسكو خلال الانتخابات الرئاسية عام 2012. ثم إن السفير الأمريكي في موسكو هو جون تيفت الذي كان تحديدا سفير بلاده في كييف والذي ندت عنه عبارة نابية بحق الاتحاد الأوروبي خلال مكالمة له مع فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم إدارة الخارجية الولاياتالمتحدة الأمريكية، حول من سيكون رئيس الوزراء الأوكراني، وبما أن الصدفة تحسن تدبير الأمور، لا بد من أن نتذكر جون تيفت كان سفيرا لبلاده في جورجيا عام 2008، خلال اجتياحها من قبل جيش ساكاشفيلي بتوجيه من واشنطن. في رد على التحديات الأمريكية وقبل أشهر ويوم الجمعة 29 أغسطس 2014 حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن القوات المسلحة الروسية التي تدعمها ترسانة نووية مستعدة لمواجهة أي عدوان وقال في معسكر للشباب إن على الدول الاجنبية أن تفهم أن "من الافضل ألا تعبث معنا". وتابع بوتين أمام حشد من الشباب على ضفاف بحيرة قريبة من موسكو ان سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم في مارس كان ضروريا لانقاذ السكان المتحدثين بالروسية من عنف الحكومة الاوكرانية. وقال إن القتال المستمر في شرق أوكرانيا حيث شن انفصاليون موالون لروسيا انتفاضة في ابريل كان نتيجة لرفض كييف التفاوض. وأضاف "روسيا بعيدة كل البعد عن التورط في أي صراعات واسعة النطاق. لا نريد ولا نخطط لذلك. لكن من الطبيعي أن نكون مستعدين دوما للتصدي لأي عدوان على روسيا"، "على شركاء روسيا أن يدركوا أن من الافضل ألا يعبثوا معنا". وتابع قائلا "أعتقد انه لا أحد يفكر في بدء صراع على نطاق واسع مع روسيا. أريد ان أذكركم بأن روسيا واحدة من القوى النووية الرائدة". المحلل يول كريغ روبرتس كتب في يونيو 2014 إن الحكومة الروسية تدرك أن تغير العقيدة الحربية الأمريكية وإقامة قواعد للصواريخ العابرة للقارات على حدودها بدعوى حماية أوروبا من الصواريخ الإيرانية هما إجراءان موجهان ضدها بالذات. وهما يقدمان الدليل الحاسم على أن واشنطن تخطط لتكون البادئة بتوجيه ضربة نووية إلى روسيا، وذلك بهدف استباق أي تحد لهيمنتها على الصعيد العالمي. ومن جهتها، أدركت الصين أن النيات الأمريكية تجاهها هي ذات النيات تجاه روسيا. وكما سبق وكتبت قبل عدة أشهر، فقد لفتت الصين انتباه العالم عندما أكدت قدرتها على تدمير الولاياتالمتحدة في حال كانت واشنطن هي البادئة بإثارة مثل هذا الصراع. وأيا يكن الأمر، فإن واشنطن تعتقد بأنها تستطيع كسب حرب نووية وأن تخرج منها بخسائر قليلة أو بلا خسائر بالمطلق. وهذا الاعتقاد هو ما يجعل اندلاع تلك الحرب أمراً ممكنا. آسيا والمحيط الهادى عمدت الولاياتالمتحدة إلى إعادة نشر أساطيلها بشكل مكثف في منطقة آسيا والمحيط الهادي، كما عززت تحالفاتها مع اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية. إن المستهدف هو الصين التي يسعى الأمريكيون إلى إضعافها أيا كان الثمن. ففي هذا الإطار، برزت خلال عام 2014 توترات حادة بين الصين، من جهة، وكل من اليابان والفيليبين حول جزر دياوو الواقعة في بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، والتي تطالب بها الصين. وفي مطلع مايو 2014، احتجت فييتنام بشدة على قيام الصين ببناء منصة ضخمة لاستخراج النفط تابعة للشركة الحكومية الصينية "كنوب" في المياه المتنازع عليها بين البلدين. هذا، وتستفيد الولاياتالمتحدة من مرتكزات ممكنة للعمل بين الأقليات الانفصالية في التيبت وبين اليوغور المسلمين في سينكيانغ حيث وقعت حتى الآن تفجيرات عديدة. وقد بدأ الهجوم الأخير خلال شهر أكتوبر في هونغ كونغ وأخذ شكل الثورات الملونة. وقد أطلق عليه التسويق الغربي اسم "ثورة المظلات". إن محاولات واشنطن لصياغة شرق أوسط جديد من بين أهدافها التحكم بشكل مطلق في نفطه وبالتالي استخدامه عند الحاجة كسلاح لخنق إقتصاد الصين الذي يفتقر إلى موارد الطاقة النفطية المحلية. أمريكا اللاتينية تحتل فنزويلا موقعاً متميزا في دائرة الاستهداف الأمريكي منذ الانقلاب على تشافيز عام 2002. ولكنها تعرضت خلال عام 2014 إلى محاولة زعزعة خطيرة وفق نموذج الثورات الملونة و"ميدان المدفوع أوروبيا" مع خروج مظاهرات طلابية واستخدام القناصة والمضاربة عبر استغلال النقص في بعض المواد الاستهلاكية الأساسية. إن التدخل الأمريكي خلال انقلاب عام 2002 قد تم توثيقه بإسهاب، خصوصا من قبل المحامية والكاتبة الأمريكية إيفا غولينغر في كتابها الواسع الانتشار عن التدخل في فنزويلا. ونجد بعضا من تحليلاتها في غربلة وثائق ويكيليكس حيث يظهر جليا دور كولومبيا والتصميم الأمريكي على منع انضمام فنزويلا إلى منظمة "ميركوسور" عام 2012. وقد جرى اغتيال النائب الاشتراكي الفنزويلي روبرت سيرا وقرينته يوم 3 أكتوبر 2014. وقد رأى إرنستو سامبر، الأمين العام لمنظمة "أوناسور"، ورئيس جمهورية كولومبيا الأسبق، رأى في هذا الاغتيال مؤشراً على تغلغل القوات شبه النظامية الكولومبية في فنزويلا. وعليه، تكون القوة الناعمة التي يستخدمها أوباما قد جعلت من كولومبيا رأس حربة للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية. وتشكل البرازيل، بقيادة ديلما روسيف الناشطة جدا في مجموعة بريكس نقطة استهداف أمريكية أخرى. والمعروف أن البرازيل قد تعرضت، شأن منطقة اليورو والهند، إلى صعوبات مالية ونقدية على صلة بهروب الرساميل الأجنبية بعد أزمة الرهون العقارية. لم تكن الحركات الاجتماعية التي سبقت مباريات كأس العالم لكرة القدم في البرازيل أمراً طبيعيا لأنها انطلقت من أوساط الطبقة الوسطى الناهضة في المدن، ولكنها لم تتمكن من إقامة شبكة اتصالات كافية الوضوح على غرار الثورات الملونة. كما كان هناك خطر الانزلاق إلى انتفاضات في المدن. والاعتقاد السائد حاليا هو أن الانتفاضات قد أجلت جزئيا من جانب محركيها إلى موعد ألعاب ريو التي ستجري عام 2016. ولجهة الأرجنتين بقيادة مدام كيرشنير، فإنها ليست بمنأى عن السعي الأمريكي للانتقام. فهي تتعرض للملاحقة من قبل المحاكم الأمريكية بطلب من الصندوق "إن أم إل كابتل" لصاحبه الملياردير الجمهوري الأمريكي بول سينغر. وكان هذا الأخير قد اشترى بثمن بخس ديون الأرجنتين عندما تعرضت للإفلاس عام 2000، وهو يطالب الآن بتعويضات بمليارات الدولارات. وقد حصلت الأرجنتين على دعم الأممالمتحدة في هذا النزاع. وبالطبع فإن الولاياتالمتحدة تعترض على ذلك. وخلال مقابلة تلفزيونية جرت مؤخرا، أكدت كيرشنير أنها تتعرض لتهديدات شخصية قالت بأن الولاياتالمتحدة هي من يقف وراءها. هي من القائلين بنظرية المؤامرة؟ ربما. ولكنها ليست أول رئيس دولة يتعرض، في ذلك الجزء من العالم، لهجمات مختلف الأجهزة السرية الأمريكية. وقد أزعجت رئيسة الأرجنتين البيت الأبيض كثيرا خلال مداخلتها في الأممالمتحدة خلال شهر سبتمبر 2014 عندما كشفت قيام واشنطن بصنع الجماعات الإرهابية ودعمها للجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وتآمرها ضد الدول المستقلة. وبالطبع، لا تكتمل هذه الجولة القصيرة على أوضاع العالم، إلا بذكر الموازنة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة البالغة حوالي 700 مليار دولار التي تشكل 40 في المئة من الموازنات العسكرية لجميع بلدان العالم. وأكثر من 1000 قاعدة عسكرية منها 800 قاعدة خارج الولاياتالمتحدة. وفي الوقت نفسه، تقوم الولاياتالمتحدة برفع مستوى قوتها النووية. سعي "لتغيير النظام" في روسيا يوم السبت 22 نوفمبر 2014 أتهم وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الغرب، بمحاولة استخدام العقوبات المفروضة على موسكو بسبب أزمة أوكرانيا في السعي "لتغيير النظام" في روسيا. ونقلت وكالة تاس للأنباء عن لافروف قوله في اجتماع للمجلس الاستشاري للشؤون الخارجية والدفاعية في موسكو "فيما يتعلق بالهدف من وراء استعمال العقوبات القسرية، يتضح أن الغرب لا يريد إرغام روسيا على تغيير سياستها الخارجية بل يريد أن يضمن تغيير النظام". وأضاف "الآن تقول شخصيات عامة في الدول الغربية إن هناك حاجة لفرض عقوبات تدمر الاقتصاد الروسي وتتسبب في احتجاجات عامة"." وجاءت تصريحات لافروف بعد قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس 20 نوفمبر إن على موسكو أن تحترس من "ثورة ملونة" مشيرا إلى الاحتجاجات التي أطاحت بقادة جمهوريات أخرى سابقة في الاتحاد السوفيتي. في الجانب الآخر من جبهة الصراع يظهر الأمريكيون أقل ثقة بالنفس فيوم 8 نوفمبر كتبت صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "بوتين الرجل الذى سبب الإحباط لأوباما": عندما يصل الرئيس باراك أوباما، إلى بكين، الأحد، لتجديد جهوده الرامية إلى إعادة تركيز السياسة الخارجية الأمريكية نحو آسيا، فإنه سوف يجد الرجل الذى طالما تسبب فى إحباط له، خلال الفترة الأخيرة، مشيرة إلى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. وتنقل الصحيفة تصريح أدلى به السفير الروسي فى واشنطن، قائلا: "أنتم تسعون للوصول إلى آسيا، لكننا هناك بالفعل". وتقول الصحيفة إن أوباما يعود إلى آسيا ليجد روسيا زادت تقربا من الصين، مما يمثل تحديا عميقا للولايات المتحدة وأوروبا. يزور بوتين، أيضا، بكين، فى إطار سعيه للدعم الاقتصادي والسياسي، الأمر الذى وصفته الصحيفة الأمريكية أنه محاولة لإحداث انقلاب فى النظام الدولي من خلال تشكيل تحالف ضد ما تصفه كل من موسكووبكين بالغطرسة الأمريكية. وبغض النظر عما إذا كان الأمر عرضا أكثر منه واقعا، مثلما يعتقد البعض فى واشنطن نظرا للإختلافات الجذرية بين البلدين، فإن البعض يرى أن إدارة أوباما عليها أن تتخذ مثل هذا التهديد على محمل الجد، خاصة أن موسكو تسعى إلى صفقات طاقة وتمويل وأخرى عسكرية مع بكين. الصراع على أرض العراق والشام إذا كان هناك تباين في وجهات النظر بين المحللين فيما يخص الرابح والخاسر في أوكرانيا، فإن نفس التقييم المتصادم قائم بالنسبة لسوريا. المسلم به هو أن واشنطن تواجه تحديات كبيرة في سوريا حيث تجري منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف حرب متعددة الأطراف، فهي مترددة في القيام بتدخل عسكري مباشر لإسقاط النظام القائم بسبب التحذيرات الروسية وخشية السقوط في مستنقع مواجهة جديد كالذي تعرفه في العراق منذ سنة 2003 وفي أفغانستان منذ سنة 2001. ولكن بين الفينة والأخرى تراود مخططي البيت الأبيض آمال حدوث إختراق يسمح بالوصول إلى الهدف بأقل المخاطر. يوم الجمعة 21 نوفمبر 2014 ذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن "واشنطن تسعى بعيدا من الأضواء" إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، في حين يلتقي الرئيس فلاديمير بوتين يوم 26 نوفمبر في موسكو وفدا سوريا رفيع المستوى. وقال لافروف إن "العملية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة أمريكية ضد تنظيم داعش قد تكون تمهيدا للإطاحة بنظام دمشق". ونقلت وكالة أنباء "إيتار تاس" عن لافروف قوله أمام منتدى خبراء سياسيين في موسكو: "من المحتمل أن لا تكون عملية ضد تنظيم داعش بقدر ما هي تمهيد لعملية لتغيير النظام بعيدا من الأضواء تحت غطاء هذه العملية لمكافحة الإرهاب". كما انتقد الوزير الروسي ما وصفه ب"المنطق المنحرف لواشنطن"، موضحا "يؤكد الأمريكيون ان نظام الأسد قطب مهم يجذب الإرهابيين في المنطقة لتبرير عزمهم على إطاحته، وهم يعلمون من يسلح ويمول التنظيمات المسلحة التي تنشر الفوضى في سوريا". كما ذكر لافروف نظيره الأمريكي جون كيري الذي قال له إن "التحالف ضد تنظيم داعش لا يريد تفويضا من مجلس الأمن الدولي لأن ذلك سيرغمه بطريقة ما على تسجيل وضع نظام الأسد". وتابع لافروف: "بالطبع سوريا دولة ذات سيادة عضو في الأممالمتحدة. هذا أمر غير عادل". وتساءل وزير الخارجية الروسي "ان الأمريكيين تفاوضوا ويتفاوضون حتى مع طالبان. عندما يستلزم الأمر يصبحون براغماتيين جدا. ولماذا عندما يتعلق الأمر بسوريا تصبح مقاربتهم إيديولوجية إلى أقصى الحدود؟". وذكر لافروف إنه أجرى مع كيري اتصالات هاتفية بحث خلالها معه في ضرورة "تحريك في أسرع وقت ممكن البحث عن حل سياسي وديبلوماسي للأزمة السورية وتوحيد الجهود لمحاربة الإرهاب على أساس القانون الدولي". اتفاق أنقرة وواشنطن يوم الأحد 23 نوفمبر 2014 ذكرت وكالة رويترز: أسفرت محادثات نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول يوم السبت عن الاتفاق على دعم المعارضة السورية "المعتدلة" للسيطرة على المناطق التي ينهزم فيها تنظيم داعش وضمان مرحلة انتقالية بعيدا من نظام الأسد، كما قال بايدن في مؤتمر صحافي مشترك مع أردوغان. وأعرب أردوغان عن تفاؤله بنتائج محادثاته مع بايدن التي استمرت نحو أربع ساعات، وقال إنه متأكد من أن النتائج ستكون "إيجابية وكثيرة فيها البركة"، فيما قال بايدن إن الموقفين الأمريكي والتركي من الوضع العراقي "متطابق" وإنه بحث مع أردوغان "ليس فقط داعش" وحرمانه من ملاذ آمن لهزيمته، بل أيضا تقوية المعارضة السورية وضمان مرحلة انتقالية من دون نظام الأسد. وقالت مصادر تركية إن اللقاء ركز أكثر على تقوية المعارضة السورية المعتدلة ودعمها لإفساح المجال أمامها للسيطرة على المناطق التي ينسحب منها داعش، ما يعني حلاً وسطا بين المطلب الأمريكي بالتركيز على القضاء على داعش أولا والطلب التركي بألا يستفيد الأسد من هجمات التحالف الدولي على التنظيم، وتقوية المعارضة من أجل إسقاط الأسد. وكان البيت الأبيض قد أعلن بعد اجتماع بايدن مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو اتفاق البلدين على ضرورة ضرب تنظيم داعش وهزيمته وللتوصل إلى عملية انتقالية في سوريا ودعم قوات الأمن العراقية والمعارضة السورية. وقال مسؤول أمريكي سيكون من الأفضل التركيز على الأهداف بدلاً من الوسائل. إننا متفقون مع الأتراك على عملية انتقالية في سوريا في نهاية المطاف من دون الأسد، وهو ما أكده داود أوغلو قائلاً إن تركيا وواشنطن قد تختلفان في الأساليب لكنهما تشتركان في الأهداف وإن الولاياتالمتحدة تريد أيضا رحيل الأسد. وتفيد مصادر ألمانية أن بايدن قدم لأنقرة تعهدات بأن الدعم المقدم للأكراد لمحاربة داعش لا يعني أن البيت الأبيض في طريقه لمساندة إقامة دولة كردية على أجزاء من أراضي العراق وسوريا وتركيا وإيران، وتضيف نفس المصادر أن أنقرة لا تقتنع بتعهدات واشنطن خاصة وأن تقارير للمخابرات التركية وللمخابرات الخارجية الألمانية كشف عنها مؤخرا أكدت أن مخطط الشرق الأوسط الكبير أو الجديد ينص على إنشاء دولة كردية بل يتحدث عن تعديلات في حدود أرمينيا التي خاضت حروبا مع تركيا العثمانية. يذكر أن وثائق سرية للأجهزة الأمريكية سربت للصحافة كشفت أن واشنطن دربت وسلحت في سنة 2012 مئات من مقاتلي تنظيم داعش بهدف إستخدامهم في سوريا لإسقاط النظام والتحكم في مختلف التنظيمات المسلحة المعارضة التي تتحكم فيها دول نفطية وكذلك في العراق لضرب المقاومة العراقية بقيادة حزب البعث ولإيجاد أعذار لإعادة جزء من القوات الأمريكية إلى بلاد الرافدين وإستخدامها من هناك للتدخل في دول مجلس التعاون تحت غطاء مقاومة الإرهاب وتهديدات داعش. في حين ذكرت مصادر رصد مؤخرا أن لدى تنظيم داعش استراتيجيات توسعية في الدول العربية كافة بهدف إسقاط أنظمة الحكم بها. التخطيط يقوم على التركيز أولا على بلدان مثل مصر والأردن ولبنان والمناطق الحدودية بين اليمن والسعودية ومن ثم الانتقال إلى الإمارات العربية والسعودية والكويت. وتستهدف الاستراتيجية تشكيل جيش مليوني، يعتمد قوامه على المتطوعين من البلاد الإسلامية وهجرة عدد كبير من التنظيمات المسلحة من القوقاز والشيشان وأفغانستان وباكستان وماليزيا للشرق الأوسط ومبايعة غالبية تلك التنظيمات لتنظيم داعش لفتح ساحة القتال في كافة الدول العربية. [email protected]