سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التفجيرات الإرهابية في باريس طرحت هذا السؤال: لماذا يركز العالم على داعش ويغفل عن نظام بشار الأسد صانع هذا التنظيم الإرهابي؟ بقلم // ع. القادر الإدريسي
العمليات الإرهابية التي ضربت باريس وهزت العالم أجمع، هي أكبر من أن تكون من تدبير التنظيم الإرهابي الذي يسمى زوراً وافتراء وبطلاناً الدولة الإسلامية. إنها من فعل دولة قائمة الذات وليست افتراضية، ومن تخطيط جهاز أو مجموعة أجهزة استخبارات تقف وراءها دولة إرهابية تمارس الإرهاب، وهي الصانعة للإرهاب الذي يتخذ له اسم داعش وغيره من الأسماء. فهذه العمليات الإرهابية، وغيرها التي وقعت والتي ستقع، هي صناعة سورية تخصص فيها نظام بشار الأسد، الذي يقتفي آثار أبيه حافظ الأسد الذي فعل في لبنان ما يفعله اليوم ابنه الضال في سوريا وفي العراق وفي بعض العواصم الأوروبية. هي صناعة سورية يتم تصديرها إلى حيث يشاء النظام الديكتاتوري الاستبدادي أن تصدر على امتداد الكرة الأرضية. ولذلك فإن توجيه الاتهامات إلى داعش تحديداً وصرف الأنظار عن من يقف خلف داعش ومن صنعه على عينه، هما وجهان للمغالطة التي وقع فيها العالم الذي اقتنع بأن داعش هو الذي قام بالتفجيرات الإرهابية في باريس، بحيث لم يعد أحد يلتفت إلى النظام السوري ويتوجه إليه بالاتهام، بينما تم التركيز على التنظيم الإرهابي الذي ما هو إلا أداة يستخدمها هذا النظام الاستبدادي لتنفيذ مخططاته الإجرامية حتى يبقى هو خارج دائرة الاتهام، بل خارج دائرة الاهتمام بالمطلق. وفي ذلك نجاة له من الملاحقة والمتابعة والعقاب على جميع المستويات. إن أنظار العالم تتجه اليوم نحو داعش في كل من سورياوالعراق، وقادة الدول وهذا الجيش العرمرم من المحللين السياسيين والاستراتيجيين والخبراء الأمنيين والعسكريين، يدورون في هذا الفلك ولا يغادرونه، فهم على يقين أن داعش هو الخطر الذي يتهدد العالم كله. وهذا صحيح لا شك فيه، ولكن تنظيم داعش الإرهابي ليس إلا صنيعة وأداة وواجهة أمامية يستخدمها بشار الأسد المجرم السفاح لخداع العالم، وليضمن لنفسه ولعشيرته الطائفية، البقاء في سدة الحكم على جثث الشعب السوري الذي قتل منه ثلث المليون، وتسبّب في تهجير أكثر من عشرة ملايين منه يهيمون على وجوههم في أطراف الأرض بحثاً عن الأمان والحيرة والكرامة. لو فكر هؤلاء الذين يركزون على داعش وينسون بشار الأسد، ونظروا إلى بعيد، وتعمقوا في تحليل ما يجري على الأرض من مظاهر الإرهاب، لعلموا أن تحليلاتهم قاصرة، ونظراتهم إلى الواقع لا تنفذ إلى عمق الأشياء، وأن أحكامهم النظرية لا تقوم على أساس سليم. وهذا هو الهدف الذي يسعى إليه نظام بشار الأسد، ليبعد العالم عن جرائمه التي يرتكبها في حق الإنسانية، وليظل هو في منأى عن الاتهامات، ولينشغل المجتمع الدولي بالأوهام وليس بالحقائق على الأرض. لأن الانشغال بمحاربة داعش، على الرغم من فشل الجهود الدولية التي تبذل في هذا المجال، دون الاهتمام بأصل الداء لاجتثاثه من الجذور، وهو هنا نظام بشار الأسد، هو وهمٌ من الأوهام. ولذلك سيبقى داعش ما بقي النظام السوري الإرهابي المتخصص في صناعة الإرهاب وتصديره، ليس في هذه المرحلة الراهنة فحسب، بل منذ أن استولى حزب البعث على الحكم في سوريا في سنة 1963، ليجعل من هذه البلاد موبأة للإرهاب ومحضناً له، ويمارس السياسة الإرهابية التي قلبت الأوضاع في المنطقة العربية قبل أن تنتقل هذه السياسة إلى أوروبا. إن نظام بشار الأسد هو الذي جاء بتنظيم داعش وبتنظيمات أخرى لا تقل عنه إجراماً وتوحشاً. بدأت التجربة في العراق تحت أسماء أخرى، وكان الهدف منها إبعاد الخطر الذي لحق بالعراق عن سوريا، وإشعال الصراعات المسلحة هناك، وإلحاق الدمار والخراب بالعراق، وقتل المواطنين العراقيين، وترويج صناعة السيارات المفخخة التي نشطت في تلك المرحلة. وبذلك ضمنت دمشق أن تبقى في منأى عن الخطر الأمريكي. لما قام الشعب السوري في ربيع سنة 2011، بانتفاضته السلمية ضد النظام، عمد بشار الأسد إلى إغراق البلاد في مواجهات عسكرية مدمرة لينقذ نفسه، فتحولت الانتفاضة الشعبية السلمية إلى ثورة مسلحة ضد النظام الديكتاتوري الذي لجأ إلى الإرهاب، فأطلق سراح السجناء وزودهم بالسلاح، وأعطى الإشارة للتنظيم الإرهابي داعش الذي بدأ عملياته الإجرامية في العراق، لينتقل إلى سوريا، مع بقائه على الأرض العراقية، تحت عين النظام، حتى يبدو للعالم أنه مستهدف من الإرهاب، وأنه لا يواجه ثورة شعبية، ولكنه يحارب الإرهاب الذي يحاربه العالم، أملاً في أن يدخل نادي المحاربين للإرهاب، وبذلك ينجو من الثورة الوطنية التي اندلعت ضده وعمت البلاد وانخرطت فيها جميع القوى الوطنية من مختلف الاتجاهات السياسية والأطياف المذهبية والعرقية. وبذلك تغيرت المعادلة في سوريا، وتراجعت، وأصبح العالم ينظر إلى سوريا التي تحارب داعش، وغاب عنه أنها هي التي صنعت داعش وليس غيرها. وقد يكون ذلك بالتواطؤ مع قوى إقليمية ودولية. فهل سمع العالم خلال هذه الأيام العصيبة، الاتهامات الموجهة إلى نظام بشار الأسد؟. وهل فطن الخبراء السياسيون والاستراتيجيون والأمنيون بالخداع الذي يمارسه بشار الأسد ليصرف النظر عن الجرائم التي يرتكبها ضد الإنسانية؟. وهل أدركت القوى العظمى أن القضاء على داعش يرتبط بالقضاء على النظام السوري، وأن محاربة داعش مع بقاء بشار الأسد في الحكم لا فائدة فيها ولا مردود لها على وجه الإطلاق؟. إن هذه العمليات الإرهابية التي هزت باريس ومعها العالم كله، حققت للنظام السوري حزمة من الأهداف، أولها أن التركيز صار على داعش لا على الجرائم التي يرتكبها نظام بشار الأسد، وثانيها أن صورة الإسلام قد تشوهت في أوروبا وفي الغرب عموماً، وثالثها أن فتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين إلى الدول الأوروبية قد انتهى، ورابعها أن اجتماعات فيينا لم تعد تناقش خروج بشار الأسد من الحكم، وإنما تسلم ببقائه في منصبه، وخامسها أن بشار الأسد أصبح خارج الصورة ينعم بجني الثمار من المخطط الإرهابي الذي نفذه، وينتظر ثماراً أخرى من عليات إرهابية قد يتفاجأ بها العالم، وسادسها أن العالم دخل في مرحلة من الفوضى العارمة وانعدام الأمن أرادها نظام بشار الأسد ليبعد عنه اتهامه بارتكاب جرائم حرب والجرائم صد الإنسانية. وهذا هو ما تحقق له على النحو الذي أراد. وعلى الرغم من أن داعش قد أعلن عن تبنيه لهذه التفجيرات الإرهابية، فإن هذا لا ينفي أن داعش ليس سوى واجهة أمامية، وأن نظام بشار الأسد هو الذي دبر وخطط وموّل هذه العمليات الإجرامية. ولذلك لا يستغرب أن تتوالى هذه العمليات وتتصاعد وتيرتها خلال الأيام القليلة المقبلة، ما لم يحسم العالم في مسألة بقاء بشار الأسد وعصابته الإجرامية في الحكم، ويتجه الوجهة الصحيحة للتعامل مع هذا النظام الإرهابي بمنتهى الحزم.