آخر من يمكن أن يدين الجريمة الوحشية التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية داعش بقتله للطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقًا، هو الرئيس السوري بشار الأسد، الذي أحرق شعبه بالسلاح الكيماوي وبالبراميل المتفجرة، وقتل ما يزيد على ربع مليون مواطن سوري، وأجبر خمسة ملايين من مواطنيه على النزوح إلى دول الجوار طلبًا للأمان، ودمر البلد الجميل ذا التاريخ المجيد، وأفقره وأذله وعاث فيه فسادًا وخرابًا وبؤسًا. فقد أذاعت وكالة الأنباء السورية تصريحًا للدكتاتور بشار الأسد، أعرب فيه عن استنكاره لتلك الجريمة في حق البطل المغوار معاذ الكساسبة، ووصفها بأنها بشعة، وعدَّ الطيارَ الأردني الضحية شهيدًا. وكان ذلك كلامًا لا قيمة له، لأنه صادر عن سفاح للدماء، أظهر مقدرة عالية على قتل السوريين وتدمير البلاد، وفتح أبوابها أمام الجيوش الأجنبية والعصابات الطائفية، لتنقذه من السقوط والانهيار أمام الثورة الشعبية العارمة التي تطالب بالحرية والكرامة والعدالة والحق في العيش في وطن حرّ مستقل في ظل الديمقراطية الحق ومبادئ حقوق الإنسان. نظام بشار الأسد هو الذي أنشأ تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وهو الذي نفخ فيه الروح حتى أصبح يهدد، ليس فقط العراق وسوريا، بل أصبح يهدد الدول العربية المجاورة، ويصل تهديده إلى دول المغرب العربي، وإن كان بحدة أقل. فهذا النظام الاستبدادي الإجرامي هو الذي يقف وراء داعش وجبهة النصرة وعشرات المنظمات التي تحمل أسماء توحي لمن لا يعرف حقيقتها، بأنها إسلامية تهدف إلى حماية الإسلام ونصرته ورفع رايته. والحقيقة أن تلك المنظمات وفي المقدمة منها تنظيم داعش، لا صلة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، ولا يمكن أن تكون تعمل تحت راية الإسلام، وإنما هي منظمات إرهابية إجرامية بامتياز، كان الأصل في تأسيسها إبعاد خطر الثورة الوطنية السورية عن نظام بشار الأسد، وتمييع الانتفاضة ضده، وخلط الأوراق، والزج بالمنطقة في أتون حروب عقائدية طائفية لا منطق لها، حتى يبقى النظام في دمشق قائمًا في منأى عن الإطاحة به. وإذا كانت جريمة قتل الطيار الإيراني معاذ الكساسبة بالغة البشاعة، وكانت الوحشية التي تمّ بها حرق هذا البطل الشجاع من الجيش الأردني حيًّا، شنيعة إلى أقصى درجة، فإن الجرائم الكبرى النكراء التي ارتكبها النظام السوري، ولا يزال يرتكبها كل يوم، في حق المواطنين السوريين، لا تقل بشاعة ً ووضاعة ً وفظاعة ً ووحشية ً عن تلك الجريمة، مع الفارق الذي لا ينكر. لأن قتل ربع مليون من الشعب السوري، من طرف النظام القمعي الحاكم، بشتى أنواع الأسلحة، وخصوصًا السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة، هو جريمة ضد الإنسانية وفقًا للمعايير الدولية المعتمدة من الأممالمتحدة. والفارق هنا أن المجرم القاتل في هذه الحالة، حي يرزق، يظهر على الشاشة مبتسمًا، ويدلي بالأحاديث الصحافية لوسائل الإعلام الغربية، والأمريكية بالخصوص، وكأنه بريء ومعتدى على بلاده ومحاصر بالمؤامرات من كل جانب. وهذا ما يزعمه فعلا ً ويدعيه، بينما المجرم القاتل في الحالة الداعشية، يعمل في الخفاء، وإن كانت الحدود التي يتحرك داخلها معلومة، والوسائل التي يستخدمها معروفة، على الرغم من الغموض المريب الذي يشوب الأهداف التي يقصد إلى تحقيقها. إذ لا يعلم أحد حتى الآن ماذا يريد بالضبط، وإلى أين يتجه. في هذه الفترة تتردد أخبار عن الاستعانة بالرئيس القاتل بشار الأسد في الجهود الدولية لمحاربة داعش. ومن ذلك أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تتصل بالنظام السوري من تحت الطاولة، كما يقال، للتنسيق معه في تدمير تنظيم الدولة الإسلامية. ولقد تابعت على قناة (بي.بي.سي) العربية، محللا ً سياسيًا أمريكيًا من أصل عربي، يتحدث إلى القناة من واشنطن، ويبرر التعاون الأمريكي مع النظام السوري في محاربة داعش، ويعلل ذلك بالقياس إلى ما جرى خلال الحرب العالمية الثانية، من تعاون أمريكا والدول الغربية مع الاتحاد السوفياتي في القضاء على النازية والفاشية، بغض النظر عن الاختلافات الإيديولوجية العميقة. وهذا تعليل باطل من الأساس، للفارق الكبير بين المرحلتين وبين الحالتين. وثمة من العرب، في هذه المرحلة، من يحبذ التعاون مع نظام بشار الأسد لهذا الغرض تحديدًا، لأنه يملك، كما يزعمون، أوراقًا كثيرة يمكن الاعتماد عليها لمواجهة الخطر المحدق بالعالم العربي. وهذا محض وهم من الأوهام، لسبب بسيط، وهو أن بشار الأسد قاتل سفاح ومجرم حرب بلغ الدرجة القصوى في قتل شعبه. وهو الذي أنشأ تنظيم الدولة الإسلامية، كما أثبتت ذلك أدلة كثيرة. فكيف يمكن، عقلا ً ومصلحة ً، التعاون مع هذا النظام في محاربة ذلك التنظيم؟. ومنذ فترة، والمؤشرات الكثيرة تؤكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية، تعمل من أجل تأهيل بشار الأسد للعودة به إلى الساحة الدولية باعتباره محاربًا صلدًا للإرهاب. فهل غاب عن واشنطن أن النظام السوري هو قمة الإرهاب نفسه؟. وأن القضاء على الإرهاب لابد أن يبدأ من القضاء على النظام الحاكم في دمشق؟. وهل يجهل أحد أن بشار الأسد، وقبله والده الرئيس حافظ الأسد، هما اللذان خربا لبنان، ومهدا لحزب الله للتغول والطغيان والإمساك بمفاصل الحكم في ذلك البلد التي مزقته الحرب الأهلية وتمزقه اليوم الهيمنة الطائفية؟. إن الاتجاه في هذه الطريق هو الاتجاه الخطأ، لأنه يؤدي إلى المجهول، ويبتعد عن المصلحة العامة، التي هي ليست مصلحة سورية أو عربية فحسب، بل هي مصلحة دولية في المقام الأول. فلماذا هذا الإصرار على السير في هذا الاتجاه المنحرف؟. من يتعمق في فهم ما يجري في المنطقة خلال هذه المرحلة، سيصل إلى إدراك الحقيقة التي يحاول بعضهم التستر عليها وإخفاءها، وهي أن حزب (البعث العربي الاشتراكي) الذي استولى على الحكم في كل من العراق وسوريا في عام واحد 1963، هو الذي يقف وراء هذه الحرائق جميعًا التي اندلعت في المنطقة، والتي لا سبيل إلى إطفائها اليوم أو غدًا، ومنها قيام تنظيم الدولة الإسلامية، والتنظيمات الإرهابية الأخرى، التي تسيء إلى الدين الحنيف، وتهدد السلام العالمي، ويمثل وجودها خطرًا محدقًا بالعالم، ولكنها في الجملة تنأى عن إسرائيل نأيًا بعيدًا.