يعيش الشعب المغربي هذه الأيام في افياء طلال أيام خالدة من تاريخه وهي أيام يمكن إدراجها بكل تأكيد في أيام الله التي يجب التذكير بها باستمرار، لأنها الأيام التي تصادف فيها الشعوب قبسا من نفحات نعمة الجهاد والتضحية في سبيل القيم والمبادئ، التي تضمن للإنسان من حيث هو كرامته وحريته ولا يمكن أن يكون الإنسان كريما وهو مقيد بالاغلال، كما لا يمكن أن يكون حرا بالفعل وتمتهن كرامته، فبين الأمرين الكرامة والحرية ارتباط لا ينفصم. والأيام التي نستظل بظلها هذا الشهر إنما هي أيام ترمز إلى نضال وجهاد الشعب المغربي من أجل عزته وحريته واستقلاله، وكان زاده وهو يناضل الإيمان بالله، ويحق الشعب في العيش حرا مستقلا كريما، وهذا الحق هو ما تمسك به الشعب المغربي منذ الأزل، فتاريخه القديم، سلسلة من الجهاد والمقاومة لصد الأجنبي وأطماعه في المغرب، وعندما اعتنق المغاربة الإسلام كانت حريتهم واستقلالهم ضمن العقيدة والدين الجديد من الأشياء التي استطاعوا الحفاظ عليها طيلة قرون، بل إنهم كانوا حماة العقيدة والمبشرين بها والحاملين لواءها في خارج حدود وطنهم، وعرفوا بهذا الدور الجهادي الصادق، من خلال مقارعتهم لكل طامع ومتطاول على أرض الإسلام ولا غرو أن يكون استهداف الاستعمار الأوروبي وهو يطأ أرض المغرب العقيدة والهوية المغربية بالذات لتشويه الإنسان الغربي وجعله إنسانا ممسوخا فاقدا للهوية، مندمجا في هوية غير هويته وإنسية غير انسيته، فتفطن الشعب وملكه وقادة الرأي فيه منذ البداية بهذه الغاية الخبيثة وهذه النية السيئة لدى الاستعمار، وحدد الشعب وقيادته مقاصد الاستعمار وأهدافه وجعلوها هدفا لنضالهم ومقاومتهم. واليوم فلا يكاد المغرب يخرج من الاحتفال بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء التي هي معجزة من معجزات نضال المغرب وملوكه، حتى يدخل في الذكرى الستين لانتصاره الكبير وقهر الاستعمار ووضع حد لأطماع الاستعمار التي دامت طيلة القرن التاسع عشر ونجحت في فرض الهيمنة باسم الحماية في بداية العقد الثاني من القرن العشرين، ولئن كان وراء المسيرة ملك شهم مناضل فإن وراء قهر الاستعمار ملك عظيم خلد في التاريخ ملحمة جهادية دامت سنوات وانتهت بإعلانه بعد النفي والمعاناة يوم 18 نونبر 1955 الانتصار الكبير وإعلان نهاية عهد الحجر والحماية وبزوغ في الاستقلال والحرية انه يوم النصر الأكبر ويوم من أيام الله التي يجب أن نذكرها وان نذكر بها أولئك الذين يحاولون اليوم تنفيذ ما عجز الاستعمار عن تنفيذه في محاولة للمس بالثوابت الإسلامية والعقدية لدى الشعب المغربي، لقد كان الشعب ولا يزال مسلما وكان دور ملوكه عبر التاريخ هي حراسة هذا الإيمان والدفاع عنه ورد مكر الماكرين وكيد الكائدين عنه. لقد كان محمد الخامس وفيا للعقيدة والإسلام وكان الحين الثاني كذلك واستوحى المسيرة من تاريخ الإسلام وأعلن محمد السادس أنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا. فليستحي المغردون خارج السرب والساعون للنيل من دين الشعب وعقيدته.