المسيرة الخضراء مسيرة القرن العشرين التي أثارت إعجاب العالم، وسارت مضرب المثل في النضال السلمي من أجل تصفية الاستعمار وتوحيد الوطن، وربط الصلة بين أجزاء التراب وإعادة اللحمة لوطن نكب بالتجزئة من لدن أعدائه الذين تربصوا به طيلة قرون. لقد كانت الجيوش الصليبية والاستعمارية تتربص بالمغرب وبالمغاربة فعملت على إنهاكه بالجيوش التي كانت تغزو شواطئه وتحاول اقتطاع هذا الثغر أو ذاك أو هذه المدينة أو تلك، كما حاولت غزوه من الداخل بمجموعة من الجواسيس والمنصرين الذين تستروا برداء الإنجيل لعلهم يهيئون للاستعمار موطئ قدم في ارض لم ينس لها الصليبيون انها كانت الحامية للإسلام والمسلمين في الأندلس وفي إفريقيا طيلة قرون. ولكن الشعب وقيادته من ملوك مجاهدين وقادة مخلصين وعلماء صالحين كانوا بالمرصاد لكل ذلك فلم يتركوا للمهاجمين فرصة تحقيق أهدافهم ولا منحوهم لحظة استقرار في أي ثغر من الثغور، ولكن هؤلاء في غفلة من الزمن وفي ظروف كانت معاكسة لتيار الجهاد والتضحية تمكنوا من فرض سيطرتهم وتجزئة الوطن الذي طالما حلموا باحتلاله وإزاحته من قيادة الجهاد في الغرب الإسلامي ضد أطماع الصليبية الموتورة، فأصبح المغرب وطنا بين أنواع وأصناف من الحكم والأجناس الأجانب، ومنذ تمت هذه النكبة واحتل الشمال والجنوب والوسط والأطراف آل المغاربة على أنفسهم تحرير الأرض وتطهيرها وتوحيدها كما كانت دائما وطنا حرا وموحدا. وهكذا فلم يكد الاستعمار في الشمال أو الجنوب أو الصحراء يطمئن على أنه احتل الأرض وجزأها حتى كانت كتائب الجهاد تهب من كل مكان لتحرير الأرض والإنسان. لقد عرف المغرب منذ بداية القرن الماضي ملاحم جهادية، كما عرف أبطالا مجاهدين سجلوا في سجلات المجد لهذا الوطن صفحات ناصعة لا تزال تقرأ فتثير الإعجاب والنخوة والاعتزاز. ولاشك أن المسيرة الخضراء التي كانت نتاج عبقرية ملك مجاهد عرف كيف يقرأ التاريخ ويستلهمه، كما عرف كيف يختار الأوقات المناسبة لاتخاذ المواقف الحاسمة وإحاطتها بشروط النجاح. فلم يكد أي واحد يتصور ما كان يواجه به الموقف بعدما ابرم الاستعمار خطته وجمع أمره ودبر مكيدته في فصل الأقاليم الجنوبية في الصحراء بمباركة من جيران كان المفروض فيهم أن يقفوا بجانب المغرب كما كان المغرب مدعما ومساندا لهم أثناء الكفاح من التحرير، ولكنهم كانوا يدبرون ما توهموه يحقق هدفهم في السيطرة والهيمنة لذلك فإن المغرب في هذه المرحلة كان يواجه تحديا كبيرا من لدن الاستعمار وكان نجاحه في الحفاظ على وحدته الترابية متوقفا على نوع الجواب الذي سيرد به على هذا التحدي فكان الجواب مسيرة خضراء مسيرة سليمة تتوخى استرداد الأرض وصلة الرحم، ولاعتماد على القرءان سلاحا وحيدا في هذه المعركة الحاسمة ولقد كان بالفعل السلاح الأجدى والأنفع وكان اختياره سلاحا اختيارا بارعا مبنيا على علم دقيق بما يتضمنه هذا الكتاب من أسرار وقدرة على تحريك النفوس، وتقوية العزائم والإيمان لدى الإنسان وهكذا كانت مسيرة القرآن مسيرة سلام وأمن واطمئنان وفي الوقت نفسه مسيرة تحرير ووحدة. واليوم وعلى مسافة من هذه الذكرى ثلاثة عقود ونصف من الأعوام فإن على من لا يزال يعاكس ويناور من الجيران وغيرهم أن يدركوا ان التحرير تم والوحدة تمت بمباركة قرآنية وتضحيات شعبية وتعبئة متواصلة من أجل التعمير والبناء، فليقولوا معنا كما قلنا في اليوم الأخير من المسيرة «وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين».