مع بداية شهر أكتوبر 2015 بدأت إنتفاضة فلسطينية جديدة ضد الإحتلال الصهيوني، توصيفات هذه الثورة الشعبية اختلفت، البعض أطلق عليها إسم إنتفاضة الأقصى أو القدس وآخرون سموها الإنتفاضة الثالثة أو ثورة السكاكين. مهما إختلفت التسميات فقد جاء هذا الحراك الفلسطيني ليفرض مجموعة جديدة من الحقائق وليوجه صفعة لهؤلاء الذين تصوروا أنهم بإغراق منطقة الشرق الأوسط في ما يسميه المحافظون الجدد بالفوضى الخلاقة وما ولدته من تشرذم العديد من أقطار المنطقة وحروب تحت غطاء ما سموه الربيع العربي، وشعور عند الكثيرين بالإحباط والفشل، سيمكنهم المضي قدما في برامج توسع إسرائيل. أنتفاضة السكاكين فاجأت إسرائيل والولايات المتحدة بشكل خاص وشتت جزء من مخططاتهم، وولدت لدى الطبقة الحاكمة سواء في تل أبيب أو واشنطن شعورا بخطر جديد من شأنه تخريب مؤامراتهم وفي مقدمتها مشروع الشرق الأوسط الجديد القاضي بتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أساس ديني وعرقي وقبائلي ومناطقي ليصبح الكيان الصهيوني القوة المهيمنة في المنطقة. خلال أقل من ثلاثة أسابيع خلفت الإنتفاضة الفلسطينية على الصعيد المادي خسائر لإسرائيل لم يكن يتصورها قادتها وحلفاؤهم بمختلف أنواعهم. يوم 25 أكتوبر أقر الاحتلال الإسرائيلي بوقوع 137 عملية فلسطينية ما بين دعس وطعن وإطلاق نار خلال 25 يوما أسفرت عن مقتل 10 إسرائيليين. وتحدث الإعلام العبري عن ارتفاع عدد الإصابات بين المستوطنين ليصل إلى 200 إصابة، بينهم 14 بجراح خطيرة. بينما استشهد 53 فلسطينيا. أجواء من الهستيريا والخوف قبل ذلك ويوم الأربعاء 21 أكتوبر قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن بورصة "تل أبيب تكبّدت خسائر يوم الثلاثاء 20 أكتوبر بفعل الهجمات الفلسطينية بالتزامن مع تراجع الأسهم الإسرائيلية في الخارج". وخسر مؤشر البورصة الرئيس "تل أبيب 25" 1.13 في المئة إلى 1.497.20 نقطة، بينما خسر مؤشر "تل أبيب 100" 0.97 في المئة إلى 1.311.32 نقطة، وبلغت الخسائر 1.4 مليار شيكل حوالي 362 مليون دولار. وهبطت الأسهم الإسرائيلية بسبب خوف المتعاملين من أسوأ صدامات فلسطينية إسرائيلية منذ الحرب على غزة عام 2014، ومن تأثير الأمر على نمو الاقتصاد الإسرائيلي الذي سجل أدنى مستوى له في ست سنوات. وخسر المؤشر الرئيس للأسهم 2.8 في المئة في أربعة أيام و13 في المئة مقارنة مع أعلى مستوى له على الإطلاق المسجل في 5 أغسطس 2015. وخسر الشيكل 0.4 في المئة أمام الدولار. ويواجه الإقتصاد الإسرائيلي مخاطر كبيرة بعد ارتفاع وتيرة "انتفاضة السكاكين"، وتزايد هجمات الطعن التي ينفذها فلسطينيون ضد المستوطنين. وذكرت "هآرتس" في تقرير أن هناك إقبالا قياسيا على شركات الحماية الأمنية من قبل الشركات والمؤسسات العامة والمتاجر والمدارس، فيما نقلت الصحيفة عن تجار قولهم إن الأحداث تسببت في تراجع حاد في المبيعات. وسادت في الشارع الإسرائيلي أجواء من الهستيريا والخوف عبر عنها حادث في بلدة "كريات آتا" في منطقة حيفا، عندما طعن يهودي متدين يهوديا آخر ظنا منه أنه فلسطيني. وأوقفت محطات التلفزة والإذاعة برامجها العادية، وفتحت بثا مباشرا من المواقع المختلفة للهجمات التي عزتها إلى انتشار مقطع مؤثر وصادم لاستشهاد الطفل أحمد مناصرة 13 سنة في القدسالمحتلة، يظهر فيه مصابا بالرصاص يستصرخ العلاج، ولا يحصل إلا على السباب من المستوطنين. وأشارت القناة الإسرائيلية الأولى إلى أن الأحياء اليهودية في القدسالمحتلة تبدو كما لو كانت مدن أشباح، مشيرة إلى أن الخوف يستبد بالمستوطنين بشكل غير مسبوق، مبرزة أن الكثير من الإسرائيليين في بعض الأحياء اتفقوا على المشي في جماعات خشية تعرضهم لهجوم ينفذه شاب فلسطيني يحمل سكين فيما هجر العديد من المستوطنين أماكن سكناهم ولجؤا إلى المدن الساحلية. وقد حذرت جهات رسمية في تل أبيب من التداعيات "الكارثية" التي سيتكبدها الاقتصاد إثر تفجر انتفاضة القدس، حيث قدرت أن يصل حجم الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة جراء الانتفاضة إلى 2500 مليون دولار. ونقلت الإذاعة العبرية عن مسؤول كبير في وزارة المالية الإسرائيلية قوله إن "الانتفاضة أدت إلى زيادة تكلفة المصاريف الأمنية والعسكرية بشكل كبير، سيما في ظل استدعاء الآلاف من الجنود للخدمة في القدس وأرجاء الضفة الغربية، إلى جانب الحاجة إلى شراء الكثير من العتاد والتجهيزات العسكرية والأمنية اللازمة للعمل العسكري والأمني والاستخباري". وأكد المصدر أن "الدخل القومي الإسرائيلي سيتراجع بفعل تراجع المداخيل من عدة قطاعات، على رأسها قطاع السياحة، مشيرا إلى أن هذا القطاع مرشح لمزيد من الخسائر في حال تعاظمت مظاهر الانتفاضة وعمت مناطق أخرى". وأعرب المصدر عن خشيته "أن تفضي الانتفاضة إلى فرار الاستثمارات الأجنبية التي تشكل أحد أهم مصادر الدعم للاقتصاد الإسرائيلي، مشددا على أن العامل النفسي سيؤثر بشكل كبير على هذه الشركات ومكانتها في أسواق الأسهم". وأشار المصدر إلى أن "الكثير من الشركات الأجنبية التي كانت تستثمر في إسرائيل أثناء الانتفاضتين الأولى والثانية تركت إسرائيل واتجهت للاستثمار في أوروبا والولايات المتحدة، مما أفضى إلى تباطؤ الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير". وقدر تقرير حكومي إسرائيلي أن تحديد الخسائر التي سيتكبدها الاقتصاد تقوم على أساس افتراض الحكومة الإسرائيلية بأن انتفاضة القدس ستستمر لشهرين فقط. وأشار التقرير الذي أوردته صحيفة "معاريف" إلى أن أحد مصادر تراجع الدخل والركود الاقتصادي ستتمثل في تهاوي القوة الشرائية للإسرائيليين، سيما في المدن الكبرى التي تتعرض للعمليات، وعلى وجه الخصوص القدسالمحتلة. خسائر الاقتصاد الإسرائيلي يوم 22 أكتوبر ذكر مختصون فلسطينيون واسرائيليون أن خسائر الاحتلال الاقتصادية خلال الإنتفاضة الجديدة فاقت خسائره التي تكبدها على مدار خمسين يوما في الحرب الأخيرة على غزة صيف عام 2014، فيما تؤكد تقارير الخبراء أن خطر الانتفاضة الحالية يفوق سابقاتها بكثير. ووفق صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية العبرية، فإن تدهور الوضع الأمني لدولة الاحتلال أدى إلى انخفاض بنسبة 11 في المئة بمجمل المشتريات عن طريق بطاقات الائتمان. ومقارنة بنفس الفترة الزمنية في عام 2014، انخفضت قيمة الشراء عن طريق البطاقات الائتمانية خلال الأسبوعين الماضيين فقط، بما يعادل 55 ألف شيقل، وقد نفّذت 21 مليون عملية شراء، مقابل 24 مليوناً في الفترة ذاتها عام 2014. من جهته، حذر مدير وزارة المالية الإسرائيلية السابق البروفيسور آفي بن باست، من أن دولة الاحتلال تواجه "خطر ضرر اقتصادي كبير". وقال إن آثار الانتفاضة والعمليات التابعة لها أخطر على الاحتلال من الآثار الاقتصادية للانتفاضة الثانية، ويعود ذلك لكون الأحداث الحالية تأتي في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الإسرائيلي تباطؤا في النمو، وتعاني الاستثمارات من انخفاض حاد. وأضاف بن باست أن الموجة الحالية من زعزعة الأمن سوف توقف استعداد المستثمرين لعمل مشاريع، مما يلحق ضررا بالاقتصاد لسنوات طويلة. ولفت إلى أنه جراء الانتفاضة الثانية انخفضت نسبة الاستثمارات في الأراضي المحتلة بنسبة 17 في المئة، وهو ما أدى إلى ضرر اقتصادي ضخم. ورغم أن الانتفاضة الثانية جرت على نطاق أوسع، فإن دولة الاحتلال اليوم "تواجه خطراً اقتصاديا أكبر"، بحسب بن باست، فمنذ عام 2014 هناك انخفاض بنسبة 4.5 في المئة بالاستثمارات، وفي الربعين الأول والثاني من عام 2015 سجل انخفاض بنسبة 8 في المئة و3.3 في المئة أيضا، لذا فإن الانتفاضة الحالية "قاتلة للاستثمارات". في حين، قالت الخبيرة الاقتصادية الإسرائيلية آيليت نير، إن فقدان الإسرائيليين للأمن انعكس على خروجهم من المنزل، وألحق ضرراً بالمتاجر والأسواق. وكسابقها، أكدت أنه رغم أن صيف 2014 شهد حرباً حقيقية وليس انتفاضة شعبية، فإن الضرر الذي لحق بالسوق الإسرائيلي من جراء الانتفاضة الشعبية التي بدأت في 2 أكتوبر 2015، أكبر بكثير مما ألحقته الحرب الأخيرة على قطاع غزة. وفي سياق متصل، قال الباحث في الشأن الاقتصادي رائد حلس إن حالة التخبط والإرباك التي تعيشها إسرائيل نتيجة الانتفاضة سوف تؤدي لاستخدام الاحتلال أوراق الضغط التي تملكها على السلطة الفلسطينية، من خلال وقف تحويل إيرادات المقاصة وعلى الاقتصاد الفلسطيني من خلال تشديد الحصار الاقتصادي. وأضاف حلس: "إيرادات المقاصة التي تحصلها وزارة المالية الفلسطينية من الجانب الإسرائيلي تشكل موردا رئيسيا لإيرادات الموازنة العامة، إذ أن متوسط نسبة هذه الإيرادات يتراوح ما بين 60 في المئة إلى 70 في المئة من إجمالي الإيرادات الشهرية، وتغطي نسبة تتراوح ما بين 45 في المئة إلى 55 في المئة من إجمالي النفقات العامة، أي أنها تغطي حوالي نصف نفقات الموازنة بما فيها النفقات التطويرية". ولا يستبعد حلس أن تلجأ لاستخدام ورقة "الحصار الاقتصادي" للضغط على الانتفاضة الجارية حاليا، في محاولة منها لتحجيمها واخمادها. وشدد على ضرورة الاستمرار في مقاومة الاحتلال لإنهائه ليصبح وقتها الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد دولة حقيقي ومستقل ويتسم بالاستدامة والنمو بجميع الوسائل المشروعة. وبدورها، كشفت القناة العبرية الثانية أن "انتفاضة القدس" تضرب قطاعات واسعة في اقتصاد الاحتلال. وقالت القناة، إن انخفاضا ملموسا بدأ يسجل في أعداد السياح القادمين إلى اسرائيل، وهو ما أدى إلى انخفاض بحجوزات في الفنادق. وأشارت إلى أن المصالح الصغيرة باتت على وشك الانهيار واحتمال إغلاقها، إلى جانب قلة الزائرين للمراكز التجارية الكبيرة، وخلو المطاعم من الزبائن. وعلى مستوى سوق العمل، توضح القناة أن هناك انخفاضا بنسبة 100 في المئة في سوق العمل، نتيجة بقاء المستوطنين في البيوت وعدم رغبتهم في الخروج إلى الأماكن العامة خوفا على حياتهم. ولفتت القناة إلى أن الانتشار المكثف للشرطة والجيش في المدن بات يشعر الإسرائيليين أنهم يعيشون في حالة طوارئ، ما أثر على حالتهم النفسية. الحراك الشعبي.. وسقوط الأوهام كتبت الصحفية والمحللة الفلسطينية ريموندا حوا طويل: إذا أردنا أن نحفر عميقا بحثا عن أسباب هذا الحراك الشعبي المتصاعد، فاننا نجد أن اقتحامات الاقصى واعتداءات المستوطنين هي الاسباب المباشرة ليس إلا. أما الاسباب الحقيقية فإنها تتمثل في أن الاحتلال الاسرائيلي وعلى مدى عشرين عاما أو أكثر استطاع الى حد كبير اجهاض فكرة الدولة الفلسطينية من خلال قتل مبدأ التفاوض وتحويله الى مجرد عبث، ومن خلال قتل مبدأ التعايش وتحويله الى علاقة استسلام وخضوع، ومن خلال قتل فكرة الشعب الواحد المتواصل والمتفاعل وتحويل الشعب الفلسطيني الى عدة تجمعات تفصل بينها الحواجز والجدران، ومن خلال تحويل السلطة الوطنية الى وكيل أمني واقتصادي وسياسي وتحويلها الى قنطرة أو جسرٍ لدخول العالم العربي. وأكثر من ذلك أيضا، لقد حاول المحتل الاسرائيلي وعلى مدى اكثر من عشرين عاما تفكيك الاسرة الفلسطينية وتغيير اولوياتها واعادة انتاج همومها وتحدياتها، وحاول جاهدا أن يخلق جيلا فلسطينيا جديدا له اهتمامات أخرى واولويات بعيدة. ان الجيل الفلسطيني الجديد والذي لم يرَ من اتفاق اوسلو سوى المصادرات والاقتحامات والقتل والاذلال واجهاض فكرة الدولة والشعب والجغرافيا وامكانية التعايش، ان هذا الجيل هو الذي يخرج الآن الى الشارع، وهو الذي يغير الواقع ويكتب الوقائع. فمن هذا هو الجيل؟! عندما ماتت الايديولوجيا هو جيل ولد عندما ماتت الايديولوجيا، وضعف الفصيل، وتغيرت قوائم الأعداء، وتبدلت الأحلاف، هو الجيل الذي ولد ليرى عالما جديدا لا يشبه العالم ذي القطبين ولا حتى القطب الواحد، هو الجيل الذي رأى العواصم العربية تدك وتضرب وتحتل، وهو الذي رأى ثورة التكنولوجيا، والفضائيات التي تبث كل شيء، ورأى الصلح مع اسرائيل، ورأى خيانة الأصدقاء والأقرباء، ورأى تغيرات الاقتصاد والكوارث البيئية. هو جيل لا يتمسك بالايدلوجيا ولا يعرفها، وهو حتى لا يعرف الجغرافية الى حد كبير، ويمكن القول انه سطحي، فهو يسرح شعره على طريقة "سبايكي" ويلبس البنطلون الممزق وله حسابات على الفيس بوك والتويتر والانستغرام، ويسمع جاستن بيبر ويشاهد براد بيت وانجلينا جولي، وقد يكون غير متدين الى حد كبير أو قليل، وليس له علاقات تنظيمية ولا يقرأ ماركس ولا أندريه جيد ولا نيتشه، ولكنه رغم كل ذلك، تعلم أن يكره الاحتلال، تعلم ذلك على جلده وعظمه، إذ أن هذا الاحتلال ضيق عليه فضاءه، وقطع طريقه إلى الجامعة، واعتقل شقيقه وهدم بيت جاره، وقتل رئيسه بعد محاصرته، وملأ منطقته بالمستوطنات، وصادر بئر الماء الذي يشرب منه، ومنع ابن عمه من السفر ليدرس الطب. استطاع اتفاق اوسلو أن يصنع جيلا لا يؤمن بالتعايش ولا بالتكيف مع الاحتلال أو الاندماج معه. ان جشع الاحتلال وغباءه وغطرسته لم يترك للجيل الجديد أن يتنفس. زيارة فاشلة جاء بان كي مون والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ثم التقى بالرئيس محمود عباس، وقد قال ما قال، بلغة محايدة وباردة، اعتبرها بعض الفلسطينيين انها منحازة للجانب الإسرائيلي خاصة وانه زار بعض العائلات الإسرائيلية التي فقدت أحد أبنائها أو أفرادها جراء الحراك الشعبي الفلسطيني ولكنه لم يفعل ذلك عند الفلسطينيين. المهم في هذه الزيارة التي اعتبرت مفاجئة في بعض جوانبها، انها كانت زيارة فاشلة بكل المقاييس، فالرجل لم يحمل مبادرة ولا تسوية ولا اقتراحا ولا حتى تعزية، ولم يخف الرجل تشاؤمه من اتساع الهوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى الرغم من كل ذلك، فان زيارته كشفت ما يلي: أولا: انه لا يمكن للعالم ان يتجاهل القضية الفلسطينية، كما حدث عندما ألقى زعماء العالم كلماتهم في الاجتماع الأخير للأمم المتحدة، ولم يتطرقوا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بأية كلمة. الصراع هنا هو صراع مركزي ولا يمكن لأحد أن يتجاهله، حتى أولئك الذين طلبوا من الرئيس محمود عباس ان يهديء الوضع بحجة ان الملفين السوري واليمني أهم من الملف الفلسطيني الإسرائيلي. ثانيا: ان مجيء كي مون إلى بلادنا كان تعبيرا عن حرج مجلس الأمن من عدم قدرته على فعل شيء إزاء الطلب الفلسطيني بالحماية الدولية، فهذا المجلس الذي يعبر عن اختلال العدل العالمي وتحكم القوى العظمى فيه، يرسل الأمين العام ليتجنب إصدار بيان أو قرار أو حتى موقف تجاه المطلب الفلسطيني، وعوضا عن ذلك، يأتي بان كي مون ليعلن عن تشاؤمه من الحل. آليات للالتفاف على الحماية الدولية سيحتار مجلس الأمن الدولي كثيرا في كيفية الرد على الطلب الفلسطيني بالحماية الدولية، فالدول الغربية الأعضاء في المجلس سترى في هذا الطلب نزعا لشرعية الاحتلال الاسرائيلي ويسبب حرجا شديدا لإسرائيل، لهذا، فان هذه الدول ستبحث عن آليات للالتفاف على الطلب أو اضعافه أو تفريغه من محتواه، وقد تصل الوقاحة ببعض هذه الدول الى رفض الطلب الفلسطيني علنا وصراحة، كما فعلت الادارة الامريكية مرتين عندما طلب الفلسطينيون الانضمام الى الاممالمتحدة كدولة كاملة العضوية. الحراك الشعبي المتصاعد الذي غير الواقع وأفرز وقائع جديدة، وقدم مخرجا حقيقيا لازمة المفاوضات وردا حقيقيا على الاقتحامات وعمليات المصادرة والحرق والقتل، هذا الحراك، قدم ايضا ما كانت اسرائيل تخاف منه كثيرا، إذ أن هذا الحراك استطاع ان يوحد بين أهل فلسطين كلهم، كل الفلسطينيين في كل اماكن تواجدهم، في الشتات والضفة والقدسوغزة ومناطق 1948. واذا كان المسجد الاقصى عنوان هذا الحراك، قد وحد المطالب والرؤى والاهداف، إلا انه كشف ايضا ما هو أعمق من ذلك، إذ أن سياسة اسرائيل المستمرة منذ 67 سنة والقائمة على فكرة "فرق تَسُد" قد انهارت دفعة واحدة، عندما اندفع ابناء مناطق 1948 إلى الدفاع عن أقصاهم وقيامتهم ومطالبهم أيضا. فأهل عكا المحاصرين الذين لا يستطيعون البناء أو الترميم أو التجديد في منازلهم، وبيوتهم المهددة بالمصادرة واحيائهم التي لا تتلقى الخدمات وابنائهم الذين يتعرضون للعقوبات والضرائب والتمييز، مثلهم مثل أبناء حيفا وبئر السبع ودير الأسد والناصرة، كل هؤلاء خرجوا ليقولوا أن إسرائيل تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثالثة، وأن حكومات إسرائيل تعتبرهم مجرد طابور خامس، ان الحراك الشعبي الذي شمل كل أبناء فلسطين، والذين توحدوا حول الدفاع عن الأقصى، أرادوا من هذا الحراك مطالب أخرى ايضا، فأهل الضفة يريدون كف أيدي المستوطنين عن المصادرة والحرق وقطع الطرق وسرقة الثمار وحرق الأشجار، وأهل القدس أرادوا أيضا وقف عمليات الترحيل ولجم سياسة الضرائب والسياسات العقابية واللاانسانية المتمثلة في هدم البيوت وسرقتها والتضييق على أهل المدينة، أما أهل غزة، فهم يريدون أيضا كسر الحصار ولفت الأنظار إليهم بعد حصار دام أكثر من ثمانية سنوات. إذن هو حراك متصاعد له عنوان واحد ومطالب كثيرة، لا يمكن إنهاؤها إلا بإنهاء الاحتلال. شروط التهدئة إن أية تهدئة مفترضة لا بد لها أن تؤسس على مبادئ واضحة ومضمونة. إذ أن تهدئة ملغومة هي أسوأ من استمرار الوضع على ما هو عليه. كل ما أرجوه هو أن لا ينخدع الفلسطينيون بأية وعود أو أية اجراءات غير قادرة على الصمود أو ان تخترق من قبل الاحتلال. ان أية ترتيبات جديدة في الأقصى أو القدس لا بد لها أن تضمن الوجود الأردني كما هو متفق عليه مع السلطة الوطنية الفلسطينية، ولا بد ان يظل الاقصى كما كان عليه الوضع قبل عام 2000، بحيث تعود مؤسسات السلطة الفلسطينية الى القدس مثل بيت الشرق ومقرات النقابات الفلسطينية والمؤسسات الصحية وغير ذلك من اشكال الوجود الفلسطيني في مقدمة للتفاوض حول انهاء الاحتلال. نحن أقوياء ونستطيع فعل ذلك، ولم يعد يخدعنا أحد. وهذا يقتضي أن تبقى اليقظة الفلسطينية موجودة. ان الروح التي بثها هذا الحراك الشعبي يجب أن تبقى وان تتطور. لقد أثبت هذا الحراك الشعبي ان اسرائيل مرتبكة ومصدومة وغير قادرة على الرد سوى بالقوة الغاشمة، ولهذا، فان أية تهدئة يجب أن تكون ضمن صفقة شاملة للتفاوض على انهاء الاحتلال وليس مجرد التكيف معه. وبهذه المناسبة، فانني أنحني أمام كل شاب، وشابة من أبناء هذا الجيل الجديد الذين أثبتوا أنهم دائما يعلموننا ويثبتون للعالم كله أن هذا الشعب لا يموت ولا ينبغي له. شعب يقاوم لا يمكن أن يهزم كتب الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية: إنها ثورة من أجل الحرية والكرامة والمساواة والعدل، ومن أجل حقوق الشعب الفلسطيني مثل العودة وتقرير المصير، والتي حاولوا تهميشها وتضييعها وإبدالها برموز فارغة. ثورة قادرة على إطلاق وتوحيد طاقات الشعب الفلسطيني في كل مكان، في القدس والضفة والقطاع والداخل الفلسطيني وفي المهاجر، لتركز على هدف محدد: تغيير ميزان القوى لمصلحة شعبنا بالمقاومة الشعبية والكفاح بكل اشكاله وبحركة المقاطعة وفرض العقوبات وبإسناد صمود الناس على الأرض وبتوفير العنصر الرابع الذي ما زال مفقوداً. وحدة وطنية وقيادة وطنية موحدة، ترتقي الى مستوى الابداع الشعبي والجماهري والشبابي وتضمن عدم تضييع نتائج الكفاح وتترجم الأفعال النضالية الى نتائج سياسية. هذه هي اللحظة للارتقاء بالوحدة فوق المصالح الحزبية والفئوية والشخصية وتغليب المصلحة الوطنية وإنهاء الصراع على سلطة بلا سلطة، لأنها كلها تحت الاحتلال، والتحرر من كل قيود الاتفاقات الجائرة وحدودها. هي لحظة تعيد إلى الشعب الفلسطيني الثقة والأمل بالمستقبل والشعور بالفخر والاعتزاز، وتجسد ذلك التعبير الفذ الذي قاله أحد المتضامنين مع شعبنا "ان شعبا يقاوم هو شعب لا يمكن ان يهزم". واشنطن تتآمر رغم ضعف رد الفعل العربي لمؤازرة إنتفاضة السكاكين تحرك البيت الأبيض بعد أن أدرك خطر إنتشار الثورة وتضاعف تأثيراتها على الكيان الصهيوني وعلى المواطن العربي والمسلم بما يكفل إفاقته من الهوة التي دفعها إليه المتآمرون أصحاب مشروع الشرق الأوسط الجديد. وجاء وزير خارجية الولايات المتحدة كيري بمخططات جديدة للتهدئة يدرك الفلسطينيون ربما أكثر من غيرهم أنها تحمل في طياتها شرا كبيرا على آمالهم. كتب الصحفي معن بشور: يسألني كثيرون: ولكن أين الأمة العربية، أين المسلمون لا يتحركون، أين أصبحت مسيراتهم المليونية ومبادراتهم المضيئة.. ولهؤلاء أقول: إن كل تحرك جماهيري ضخم، وكل مبادرة نوعية مميزة، كانا يتمان في ظل تلاقي تيارات الأمة الرئيسية، القومي المنفتح والاسلامي المستنير واليساري العروبي، والليبرالي الوطني، وإن ما أصاب هذا التلاقي من خلل ووهن بسبب حسابات خاطئة، ومراهنات خائبة، وعصبيات متوترة، قد أفقد شارعنا أطر التحرك وصيغ المبادرات، بل ربما كان ضرب التلاقي بين التيارات هو أحد دوافع المخططين لانزلاق ما يسمى "بالربيع العربي" إلى ما وصلنا إليه في بعض الأقطار هو من تدمير لأواصر التلاقي، ووشائج التفاعل بين تيارات الأمة... ثم إن كل ما يصيب الأمة من بلاء هذه الأيام يكمن في أحد أسبابه الرئيسية رغبة البعض في منعها من القيام بواجباتها تجاه فلسطين! ألم يدفع العراق ثمن التزامه التاريخي بفلسطين حتى جاءه الاحتلال الأمريكي بقرار اسرائيلي..!؟ ألا تدفع سوريا اليوم ثمن وقفتها التاريخية منذ نكبة 1948 دفاعا عن فلسطين واحتضانا لكل مقاومة بوجه الخصم..!؟ ألا يدفع جيش مصر، جيش أكتوبر الذي نستعيد ذكرى حربه المجيدة هذه الأيام ثمن تصديه، مع شعبه، للمشروع الاسرائيلي..!؟ أليس ما تدفعه ليبيا عمر المختار هو ثمن مواقف شعبها الشجاعة ضد كل مشاريع الاستعمار..!؟ ثم أليس ما تدفعه اليمن وشعبها العظيم من دماء ودمار هو ثمن لوقفة هذا الشعب منذ قيام اسرائيل إلى جانب فلسطين في كل الظروف، فيخرج قبل أيام عشرات الآلاف من أبنائه في صنعاء ومدنه الأخرى تضامنا مع الأقصى والقدس. فخ إضافي جاء في تقرير نشرته وكالة رويترز يوم الأحد 25 أكتوبر 2015: اتسمت ردود فعل المسؤولين الفلسطينيين بالحذر على إشادة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري "بالاقتراح الممتاز" الذي قدمه الاردن لتهدئة العنف بين إسرائيل والفلسطينيين وذلك بوضع الحرم القدسي تحت رقابة دائمة بكاميرات الفيديو والذي قال إن هذه المراقبة قد تغير الحال تماما وتمنع أي أحد من الإخلال بقدسية الحرم. في حين ذكر رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو أمام مجلس الوزراء يوم الأحد إن اسرائيل "لها مصلحة في تركيب الكاميرات في كل مكان" في الحرم لدحض أي اتهامات بأنها تغير الوضع القائم. وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي وصف في إذاعة فلسطين الاقتراح بأنه "فخ إضافي" واتهم اسرائيل بالتخطيط لاستغلال مثل هذه اللقطات للقبض على المصلين المسلمين الذين تعتقد أنهم يحرضون ضدها. وصرح صائب عريقات أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية إن الرئيس عباس أبلغ كيري "أن الذي يبحث عن التهدئة عليه أن يبحث عن جذور الأمر وجذور الأمر هو استمرار الاحتلال". وأضاف عريقات "نتياهو يقرر ما يريد ويتحدث ما يريد ويقول إننا نكذب إننا نحرض فيما هو يعقد صفقات مع وزرائه للذهاب الى المسجد الأقصى. وفي اليوم التالي يمنع الوزراء وأعضاء الكنيست من الذهاب ولكنه يسمح للمتطرفين والمستوطنين من الذهاب. "الآن يقول إنه يريد أن ينصب كاميرات من أجل أن يراقب ويعتقل أبناء شعبنا من خلالها وهو يكذب ويكذب". وتغطي كاميرات الشرطة الإسرائيلية بالفعل المناطق المفتوحة في الحرم القدسي حيث شن فلسطينيون احتجاجات تصدوا خلالها بالحجارة للانتهاكات إسرائيلية. وقال مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية إن الخطة الجديدة تدعو إلى نصب كاميرات داخل المسجد الأقصى يطلع على تصويرها الأردن وإسرائيل. تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ ذكر محلل عربي، من الواضح ان الغالبية تبحث عن تسوية سياسة ما بمكان ما، والاجتهاد هنا يدور حول امكانية انجاز ما يسمى خطة سياسية ستشكل اتفاق اطار جديدا تستند عليه المفاوضات لاحقا، ووفقا لما تتفتق عنه العقلية السياسة الممسكة بخيوط اللعبة الدبلوماسية السياسية على مختلف الساحات الاقليمية والدولية فثمة حديث يدور بالخفاء وبشكل مقتضب عن انشاء او تكوين عاصمة لدولة فلسطين في "القدس" ... الامر المتناقض اساسا مع الفهم الاستراتيجي الفلسطيني حيث اجتهاد الأطروحات السياسية التي تأتي من كافة الأطراف لطرح الحلول المقترحة للقدس، والتي في أغلبها تأتي على شكل تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، كأن يتم التعامل مع القدس بأجزاء وجزئيات. فما بين أطروحة القدس العتيقة والحلول المقترحة بخصوصها وأحياء القدس الشرقية او محيطها، او القدس المحافظة او القدس الحاضنة للتجمعات السكنية، تبدو القدس اصغر كثيرا مما هي عليه... بمعنى ان تقسيم القدس وفقا لهذه المفاهيم ومحاولة تطويع الحلول وتفصيلها على مقاسات الأطروحات الإسرائيلية ما هي الا استمرار في مسلسل ضياع القدس وسيطرة إسرائيل عليها وان اختلفت الأدوات والسبل والطرق وهو الأمر الذي تحاول من خلاله الحكومة الإسرائيلية تعزيزه بالظرف الراهن، والقائم على أساس التعاطي وقضية القدس بأسلوب الوحدات المجزأة، وان ما ينطبق على أحيائها لا ينطبق بالضرورة على القدس القديمة، وهو الأمر المختلف عن مستوطنات القدس وبالتالي تصبح القدس وفقا لهذا الطرح "قداديس" تسهل السيطرة عليها استراتيجيا وحتى في إطار يومياتها. أفاد تقرير أعده جهاز الإحصاء الفلسطيني في ذكرى مرور 66 عاما على النكبة ونشر محتواه شهر أبريل 2015 ان عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية يقترب من عدد اليهود، وأنه سيزيد عنهم بحلول عام 2020. وجاء في التقرير ان عدد الفلسطينيين المقيمين حاليا في فلسطين التاريخية "ما بين النهر والبحر" بلغ نحو ستة ملايين نسمة، وهو عدد قريب جدا من عدد اليهود حوالي 6.136 مليون نسمة. وتوقع ان يبلغ عدد الفلسطينيين نحو 7.2 مليون بحلول نهاية عام 2020، ليرتفع بذلك على عدد اليهود، وفق تقديرات مراكز الإحصاء الإسرائيلية. عمر نجيب [email protected]