انتهت متاعب الموسم الدراسي وانتهت معها ليالي السهر والإعداد الشاق لامتحانات آخر السنة، وحل فصل الصيف بشمسه الدافئة ولياليه الملاح، فهو فرصة لالتقاط الأنفاس وطلب الراحة والإستجمام والرحلات والأسفار، هذا ما يتبادر إلى الأذهان بمجرد ذكر فصل الصيف، لكن الحالة هذه ليست في متناول الجميع، ما يجعل العديد من الطلبة في كفاح مستمر طيلة السنة، ومن فصول الدراسة والتحصيل العلمي إلى البحث عن فرصة عمل لتوفير مبلغ مالي يسعف مصاريف الطالب طيلة موسم دراسي مقبل، فعوض الذهاب إلى الشواطئ الفسيحة وقضاء العطلة بين أحضان العائلة والاستمتاع بقسط من الراحة، يقصد العديد من الطلبة وجهات مختلفة علهم يعثرون على ضالتهم، ويحظون بفرصة عمل شريف. تعددت الأسباب التي تدفع الطلبة للعمل الصيفي لكنهم يجمعون على أنها تجربة جميلة يجب أن يمر منها كل طالب ودرس مفيد في الحياة. التقينا العديد من الطلبة واستقينا آراءهم حول المهن التي يزاولونها خلال فصل الصيف وكيف ينظر إليهم المجتمع، أسئلة من بين أخرى نجيب عليها في الورقة التالية: إنجاز: مراد بابعا - عبد المولى بوخريص يقول (عزيز خ) طالب بكلية الآداب وبائع مثلجات متجول موسمي: بمجرد انتهاء الدراسة أقصد شاطئ الرباط لمزاولة هذه المهنة، حيث أداوم على بيع المثلجات منذ ثلاث سنوات، فمستواي الاجتماعي لا يسمح لي بقضاء العطلة في السفر والراحة، والدي لا يتوفر على عمل قار «وليت كنحشم نطلب من الواليد يعطيني مصروف الجيب»، هكذا يعلق عزيز بصوت مبحوح من جراء صياح طوال النهار لإشهار بضاعته، «الحركة كتكون مزيانة غير البائعين كيكونو بزاف» ولذلك فالمنافسة القوية تقلص من هامش الربح اليومي، إلى جانب المثلجات أعرض في بعض الأيام السجائر بالتقسيط وبعض أنواع الحلويات.. وحين سألناه عن نظرة المجتمع له أجاب بلغة متحدية «أنا ماشي كنسرق، بل أنا جد فخور لأني أمول دراستي من عملي وجهدي وزايدون العمل ماشي عيب ولا حرام». أما (أحمد. ن) طالب بالسنة الثانية بكلية العلوم الاقتصادية والقانونية فوضعه أفضل قليلا ويقول: «لحسن حظي، فعائلتي تتوفر على محل لبيع الملابس الجاهزة، وبحلول كل صيف فأنا من يتولى عملية البيع «الواليد كبير في السن وأنا اللي عندو، هذا علاش أنا اللي تنقابل البوتيك، فصل الصيف يشهد رواجا تجاريا كبيرا » ويضيف أحمد بأن أغلب زبنائه هم من الشباب، حيث يوفر لهم ملابس صيفية خفيفة تساير الموضة وبأثمان معقولة، وبعد استقباله لأحد الزبائن يختم قوله بأن العمل يساهم في بناء شخصية الفرد، حيث يكتسب تجارب تساعده في مواجهة المشاكل التي قد تصادفه مستقبلا، «..... العمل يساهم في بناء شخصية الفرد» وهذا العمل الموسمي لا يهم الذكور فقط، وإنما كذلك الفتيات وتقول أمينة: عاملة بمحل لبيع الحلويات بشارع محمد الخامس بالرباط: «في غياب أي عمل آخر يتلاءم وتكويني الأكاديمي فأنا مضطرة لبيع الحلويات»، هكذا بدأت أمينة كلامها، شابة في العشرينيات، لا تفارق الابتسامة محياها، بحثت كثيرا في الشركات عن عمل موسمي، لكن بدون جدوى، لهذا اخترت هذا العمل، وحين سألناها عن المردود المادي الذي تجنيه، ردت بتحفظ، وعبرت عن حنقها، حيث اعتبرت المقابل المادي لا يتماشى مع متطلبات الحياة. أشتغل يوميا من السابعة صباحا إلى ما بعد ساعة متأخرة من المساء، وكما ترون فأنا مجبرة على الوقوف طيلة النهار لتلبية طلبات الزبائن. هناك فريق آخر من الطلبة اختار أن يزاول البيع في الشوارع، أقراص مدمجة ملابس صيفية، فواكه موسمية، كتب مستعملة، واللائحة تطول. ويقول كريم بائع أقراص مدمجة: «أقوم بتجميل الأغاني والأفلام عبر الأنترنت وبعد ذلك أعمل على إنزالها في أقراص مدمجة، أنسخ في اليوم ما يقارب المائة نسخة، ويضيف بأن الناس يقبلون عليها نظرا لثمنها المنخفض وكذلك لأنه يقدم لهم منتوجا جيدا، غير أنه «اشتكى» من رجال السلطة الذين يجوبون الشوارع ويصادرون سلعهم، بحيث لا يمكنه أن يبيع بكل حرية لذلك فهو يراقب بحذر تحركات أعوان السلطة، وكلما أحس بوجودهم يجمع سلعته ويغادر... يضيف محتجا: «أغلب الطلبة يمارسون مهنا شاقة في غياب أي فرصة لعمل يلبي طموحاتهم، كما أن أغلب الجامعات والمدارس لا توفر للطلبة فرصة عمل يتناسب وتكوينهم الأكاديمي، عمل يطبقون فيه معارفهم التي تلقوها طيلة العام ويكون مدفوع الأجر، وبذلك يعملون على تعميق معارفهم وتثبيت مداركهم ويسهل عليهم الاندماج في سوق الشغل. فخر أن أمول دراستي من مجهودي الشخصي لكن ما يتفق عليه الجميع أن هناك فئات كثيرة هي في أمس الحاجة إلى هذا العمل وتعتمد عليه لتغطية المصاريف الرئيسية خصوصا في بداية السنة باعتبار مردود هذا العمل هو مصدر الدخل الوحيد، وهذه الحالة هي الأكثر صعوبة، ثم هناك حالة أخرى يعمل فيها الطالب ليساعد الأب خصوصا إذا كان الدخل محدودا وطلبات الأبناء متعددة، فتضطر عدة أسر مغربية إلى الاقتراض باعتباره الحل الوحيد الذي يجر وراءه مشاكل عدة، ويقول (سعيد ز) الذي يتابع تكوينه بإحدى المدارس الفندقية: «في السنوات الأخيرة بدأت أحس بأن أبي يتخوف كثيرا من الدخول المدرسي، نحن في المنزل أربعة إخوة وكل واحد وطلباته، وكونه يتزامن مع شهر رمضان الأبرك وكثرة مصاريفه، فأبي أصبح مجبرا على أخذ قرض...، رغم أنني أحاول أن أشتغل في الصيف وأجمع بعض النقود، كوني أنا الأكبر بين إخوتي». إذن، إذا حاولنا التعمق أكثر في الظاهرة سنجد أنها مرتبطة أساسا بمشاكل اجتماعية أخرى كالفقر وغلاء المعيشة أساسا، إلا أنه في نفس الوقت تعتبر تجربة مفيدة لهؤلاء الطلبة، فربما قد يكون هذا العمل مفيدا ماديا، ولكنه أيضا يعلم مجموعة من المهارات والقيم التي لا تكتسب إلا بالعمل الميداني والاحتكاك المباشر مع المجتمع، وتلمس بحق قيمة وفائدة أي نشاط مهما كان حجمه، وبالتالي نجد أنه في غالب الأحيان الشاب الذي مر بتجربة مماثلة سابقا يكون أكثر تقبلا للواقع وناضجا في تصرفاته وذلك في سن جد مبكر، مقارنة مع الشباب المنحدر من أوساط ميسورة حيث يستحيل عليهم الاعتماد على أنفسهم في بعض الأمور وتطغى عليهم اللامبالاة والبعد عن الواقع. «هناك فئة تحس بنوع من الإحراج خصوصاً من الأصدقاء...» كل هذه أمور جيدة لكن في المقابل نجد بعض الأمور السلبية خصوصا في ما يتعلق بنظرة المجتمع إلى هؤلاء الطلبة، فهناك من يعتبر نفسه لا يقوم بشيء سوى أنه يساعد عائلته ماديا ويوفر لنفسه مبلغا ماليا إضافيا يتصرف فيه بحرية. ولا يهمه رأي الناس من حوله وهناك فئة أخرى تحس بنوع من الإحراج خصوصا من الأصدقاء، ويعلق (كريم س) طالب بإحدى المدارس العليا بالمغرب بهذا الخصوص قائلا: «... أنا أعمل في مقهى كنادل خلال فصل الصيف، وقد حدث يوما أن كنت ألبي طلبات أحد الزبائن فإذا بي أفاجأ بمجموعة من زملائي في الفصل يجلسون في نفس المقهى الذي أعمل فيه، وبسرعة طلبت من مساعدي أن يأخذ مكاني، كي أتفادى اللقاء بهم وأنا على تلك الحالة». رأي الشارع أما عن رأي الشارع المغربي في هذه الظاهرة، فلكل وجهة نظر تختلف رفضا أو قبولا، إلا أن الغالبية لا ترفضه شرط أن يكون الطالب قد وصل سنا يسمح له بمزاولة العمل أي أن يكون قد أكمل نموه الفكري والفيزيولوجي. تقول فاطمة طالبة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط «... ليس عيبا أن أجد أحد زملائي في الدراسة خلال فصل الصيف يمارس مهنة موسمية، بالعكس فأنا أعتبر ذلك شجاعة وإحساسا بالمسؤولية...». وهناك من يعتبر أن هذا الجيل الجديد من الشباب أصبحت طلباته كثيرة ولا يقوى على الاشتغال ولا يفكر سوى في قضاء أوقات ممتعة والاستمتاع بالصيف دون مراعاة للمصاريف المترتبة عن ذلك.