معظم الدول بادرت إلى حفظ الذاكرة كحل ناجع لإعادة الاعتبار للعنصر البشري وتأهيل المعتقل وإدماجه في التنمية المحلية نظم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بالتعاون مع المركز الدولي للعدالة الانتقالية وجمعية ضحايا معتقل تزممارت يوم الاثنين الماضي 22 دجنبر 2008 بالرباط ورشة دراسية حول حفظ الذاكرة بمنطقة تزممارت. وأكد أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في كلمته أن هذه الورشة تأتي في إطار المسلسل الإجرائي الذي سطره المجلس بخصوص التوصيات المتعلقة بالحفظ الإيجابي للذاكرة. موضحا أن الهدف الإجرائي لهذه الورشة هو بناء تصور عام وتوافقي لحفظ الذاكرة يستلهم تصوراتها في هذا المجال من التجارب الدولية والتراكمات المسجلة على الصعيدين الوطني والمحلي، ومن جهة أخرى بناء على وجهات نظر مختلف الفاعلين من منظمات حقوقية وإدارات دون إغفال الضحايا المباشرين. وأبرز أن ذلك يندرج ضمن مقاربة شمولية للمجلس تتغيى تحقيق المصالحة التفاعلية والإيجابية مع المكان والتاريخ بين مكونات المجتمع، ليتحول السجن السري إلى فضاء مندمج في محيطه الاجتماعي والثقافي يحفظ وينتج الذاكرة ويدون تاريخ الانتهاكات الجسيمة ويحتل مكانته كمكون من مكونات تاريخنا المعاصر. ومشيرا أن بناء تصور حول مستقبل المعتقلات السرية يساعد المجلس على الإسراع في تفعيل هذه الخطوات بعد عقد المجلس لاتفاقيتي شراكة مع وزارة الداخلية ووزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية إضافة إلى الإمكانيات التي يوفرها المشروع الممول من طرف الاتحاد لأوربي. كما اعتبر حرزني محطة اليوم جد أساسية بالنسبة للمجلس لأنها الأولى ضمن مسلسل من الورشات الدراسية يعتزم المجلس تنظيمها حول مراكز الاعتقال السري، بحيث ستكون الورشة المقبلة حول معتقلي أكدز ودرب مولاي علي الشريف، وهو ما ستشكل لا محالة مرجعا لأنشطتها المستقبلية المتعلقة بالذاكرة عموما ومراكز الاعتقال السري خصوصا. وأكد رئيس جمعية ضحايا معتقل تزممارت أن معظم الدول قد بادرت إلى حفظ الذاكرة باعتبار ذلك حلا ناجعا لإعادة الاعتبار إلى العنصر البشري وتأهيل المعتقل ومحيطه وإدماجه في التنمية المحلية، كما لم يفته الحديث عن ظرف الاعتقال الجماعي لمعتقلي تزممارت وسكان المنطقة سنينا فوتت عليهم فرص التنمية المحلية. وأوضح بأن رفاقه في الاعتقال كانوا يحرصون على تدوين مذكراتهم وتوثيق ذاكرتهم لكن الموت أدركهم، وعليه فإننا وبمساعدة الجميع اليوم مدعون إلى صون الذاكرة الجماعية والرمزية لتزممارت، وفي تصريح أدلى به لجريدة العلم حول وجود مقترحات أو تصورات لنوع إعادة تدبير معتقل تزممارت أوضح أحمد المرزوقي أن الجمعية لها مقترحا يطالب بإعادة بناء الزنازن وبناء مسجد وتحويل العمارات الثلاث المتبقية إلى مرافق اجتماعية كمدرسة لأبناء المنطقة ومستوصف ونادي نسوي، وإقامة متحف للتوثيق وحفظ الذاكرة، مشددا على أهمية تحويل هذا المركز من مصدر عقاب جماعي إلى عامل تنمية المنطقة. في حين شددت كلمة المركز الدولي للعدالة الانتقالية على أن هذا العمل الذي يقوم به المجلس يعد دليلا آخر على الانتقال الديمقراطي للمغرب، ودليلا على مسار المغرب بتجربة مميزة في فضاء حوض الأبيض المتوسط والعالم العربي وشمال إفريقيا، معتبرا التجربة المغربية اليوم تعد نموذجا في الوطن العربي على مستوى حفظ الذاكرة وهو ما يعزز موقعه في مجال احترام المبادئ الحقوقية والممارسات الديموقراطية ونبذ القمع، والعمل على القطع معها مستقبلا من خلال التذكار وحفظ ذاكرة التعذيب القمعي. مشددا على أهمية خطوة المجلس لحفظ الذاكرة بمثابة أسلوب حضاري لتوعية المجتمع ونبذ العنف والتربية على السلوكات الديموقراطية والحقوقية، حين يتم تحويل المعتقلات إلى فضاء مندمج يستجيب لحاجيات الساكنة المحلية ويرفع عنهم المعاناة. كما عبر عن رغبة المركز في مساعدة المجلس والجمعيات الحقوقية على إخراج هذه المشاريع إلى حيز الوجود. في مداخلة أرسني نيدو حول موضوع سياسات التذكار مقاربة تطبيقية لإدماج تصورات مختلف الأطراف المعنية وحفظ لذاكرة في التجربة المغربية قدمت نماذج دولية لحفظ الذاكرة، على أساس تقديم تصور ملائم لمجموعة من التوصيات من شأنها مساعدة المغرب على تنفذها بعد تعميق النقاش بخصوصها من قبل الهيئات الحقوقية وممثلي الساكنة وكل الفعاليات التي لها صلة بالقضية. وأبرزت المتدخلة أن التذكار هو رمز للماضي وعليه فإن إحياء الذكرى ينطوي بالضرورة على التفسير الذاتي للأشخاص والأحداث، وينقسم إلى النصب التذكارية العامة المبنية تماثيل مدافن متاحف والتذكارات غير المبنية تواريخ مناسبات سنوية الجولات التذكارية. والتذكار بذلك يشتمل على التحدي المتمثل في ترجمة هذه التفسيرات إلى سرديات بصرية يتعظ منها الإنسان لتجاوز سلبيات الماضي، بحيث يعتبر التذكار سبيلا للسيطرة على الذاكرة الوطنية أو الجماعية في مرحلة ما بعد الصراع أو ما بعد حقبة الاستبداد وهي وسيلة للحيلولة دون تكرار وقوع الانتهاكات في المستقبل. واعتبرت المتدخلة أن التذكار يمثل شكلا من أشكال التعويض الرمزي الذي ترعاه الدولة مما يساعد على تعزيز أشكال أخرى من التعويض، مؤكدة أن لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا في تقريرها عدت التذكار إقرار علني ورسمي بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما استعرضت المتدخلة بعد ذلك عدة تجارب من كمبوديا كمتحف تول سيلنج لجرائم الإبادة الجماعية، وفيلا جريمالدي بالشيلي عن حادثة انقلاب 11 سبتمبر 1973 النصب التذكاري لجماعة هربرت باوم المعروف باسم المكعب تخليدا لذكرى جماعة باوم للمقاومة المناهضة للفاشية في برلين بألمانيا، والنصب التذكاري للمحاربين القدماء في فيتنام...