سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رمضان والمناسبات الدينية الغائب الأبرز في أجندة السجون الفرنسية.. وجبة الإفطار هي أكلة غذاء باردة يتم تخزينها إلى أن يحين موعد الآذان.. بقلم // ذ. أحمد الميداوي
تتواصل أجواء استمتاع الجالية الإسلامية بفرنسا بشهر رمضان حيث واجهات المتاجر تتجدد كل يوم بالعطور والنسائم الرمضانية من حلويات وفطائر وأجبان، وحيث المحطات الإذاعية الموجهة للجالية المسلمة تواصل تقديم برامج مسترسلة خاصة بهذا الشهر المبارك لتزويد المسلمين بجرعة إيمانية قوية تساعدهم على تأصيل هويتهم الإسلامية في بلاد الغربة.. وما من شك في أن هذه الأجواء الرمضانية هي الأقرب إلى أجواء هذا الشهر في المغرب مقارنة بأية عاصمة أوربية أخرى. ومرد هذا التميز، الكثافة السكانية المغاربية والإفريقية في بعض الضواحي والأحياء والتي مكنت الجالية الإسلامية من فرض بعض مظاهر حياتها اجتماعيا وثقافيا ودينيا، على نمط الحياة العامة السائدة في البلد المضيف. غير أن شريحة واسعة من المغاربة، ومعهم الآلاف من أبناء الجالية الإسلامية ممن لفظتهم الظروف المعيشية والتربوية إلى خلف القضبان، لا يعرفون لرمضان طعما، ولا ينعمون بالفضائل الأربعة التي يختزلها هذا الشهر الكريم دون غيره من شهور السنة : الأطباق الشهية المختلفة، الزيارات العائلية، الأمسيات الدينية، والليالي الثقافية والترفيهية. فوجبة الإفطار الرمضانية في السجون الفرنسية، هي وجبة بلا تمور ولا فطائر ولا حتى حلويات تذكر السجين بالأجواء العائلية في هذا الشهر الذي تتقوى فيها وشائج التقارب والتضامن ويحظى بقيمة خاصة بين جميع شرائح المسلمين المغتربين حتى الذين لا يبدون اكتراثا بممارسة الفروض الدينية الأخرى. فما يجده المغربي المسلم في سجون فرنسا هو أكلة باردة من وجبة الغذاء يعمل على تخزينها إلى أن يحين موعد الإفطار. والسبب أن إدارة السجون ترفض بشكل قاطع مدّهم بوجبة الغذاء عند أوقات الإفطار. وهكذا يعيش السجين المغربي هذا الشهر المبارك بين واقعين أليمين : غربة الوطن ومعها مشكل الهوية بشقيه الوطني والديني، وغربة المكان حيث رمضان والمناسبات الدينية الأخرى هي الغائب الأبرز في أجندة السجون الفرنسية، وحيث الإهمال والتمييز هما السمتان الغالبتان بداخل هذه السجون وخاصة في شهر الصيام. وبالرغم من أن نسبتهم لا تتعدى 10 % من مجموع السكان، فإن المسلمين يمثلون غالبية السجناء في فرنسا، إذا أخذنا بأرقام بعض المنظمات الإسلامية التي ترجح أن تتجاوز نسبتهم الستين في المئة من مجموع 62.400 سجين. ولا تتوفر هذه المنظمات على إحصاءات دقيقة لأن القانون الفرنسي يمنع إحصاء الأشخاص على أساس انتمائهم الديني، غير أنها تعتمد، كما تقول، على الأسماء العربية ولون البشرة والامتناع عن أكل لحم الخنزير، وكلها مؤشرات تدل على أن أغلب السجناء من المسلمين أكانوا عربا، أفارقة، أو آسيويين أو حتى فرنسيين. ولا يكاد يمر أسبوع دون أن يطلب سجين مسيحي أو أكثر من الإدارة توفير اللحم الحلال له لأنه أصبح مسلما. وإذا كانت هذه المنظمات لا تملك تفسيرا واضحا لارتفاع نسبة المسلمين بين السجناء، فإن هناك ما يشبه الإجماع على أن الأمر مرتبط بالشحنة الإيمانية التي تتقوى لدى السجناء المسلمين في شهر رمضان وتدفع الكثيرين من نظرائهم المسيحيين إلى الاقتداء بهم. ويشرح المغربي حسن نكاش (سجين سابق 33 سنة)، وهو يعمل خضارا بسوق "أورلي" بضواحي باريس، بعد أن قضى خمسة أعوام في سجن "بواسي" المعروف بسجنائه أصحاب الأحكام الثقيلة، أن لا شيء يدل على وجود شهر رمضان بهذا السجن الذي يحتضن مع ذلك مجموعة كبيرة من السجناء المغاربة والمسلمين. "فكم كنت أتمنى اليوم الذي أفطر فيه على التمر والحريرة والملوي كباقي المغاربة، ولكنها أمنية أقرب إلى الخيال. فحتى الوجبة الغذائية كنا نخزنها لنأكلها غالبا باردة أمام الرفض القاطع لإدارة السجن بتسليمنا وجبة الغذاء عند موعد الإفطار". ويكشف ل"الخبر" بأن الوجبات الساخنة هي شبه منعدمة في هذا السجن الذي يصعب التأكد فيه بشكل جازم من لحم الحلال ومصدره ومدى مطابقته للذبح وفق الشريعة الإسلامية. أما الزيارات العائلية، فهي، كما يحكي نكاش، خفيفة وناذرة في هذا الشهر بحكم ارتباط أمه بالعمل كشغالة بيت، وانشغالها بإعداد الفطور لباقي إخوته الصغار وعددهم أربعة. أما والده فقد حرّم على نفسه زيارته بعد جريمته المتمثلة في السطو على أحد البنوك مع اثنين من أصدقائه بضاحية غرينيي الباريسية. ويستحضر بكثير من الألم حالات الانتحار الكثيرة في صفوف المساجين من أصول مسلمة حيث وقف شخصيا، على حد قوله، على حالتين سنة 2012 مردهما إلى الشعور بالوحدة وغياب الأهل من جهة، والظلم والتمييز اللذان تمارسهما إدارة السجن، من جهة ثانية. وتعمل فرنسا التي تضمن قوانينها حرية التدين على توفير المرشدين الدينيين الذين يغطون حاليا 85 سجنا فيما يبلغ عدد المرشدين الكاثوليك نحو 300 مرشد. وتشهد السجون الفرنسية الكثير من التضييقات في رمضان نتيجة تخوف إدارات السجون من انتشار الأصولية الدينية أو ما تسميه ب"السلفية الجهادية" في السجون خلال هذه الشهر المبارك. غير أن المنظمات الإسلامية تقلل من شأن هذه التخوفات وتعتبرها معاناة إضافية للمساجين الذين هم أول ضحايا التمييز والإقصاء.