يعرض حاليا ببعض القاعات السينمائية ببلادنا فيلم من إنتاج مشترك بين فرنسا و إسبانيا و بريطانيا يحمل عنوان " ﯕونمان" قام بإنجازه المخرج و مدير التصوير الفرنسي بيير موريل ، و قام ببطولته الممثل المقتدر شين بين الذي شارك في كتابته و إنتاجه أيضا، و شخص فيه دور "جيم" القناص السابق في القوات الخاصة الأمريكية الذي قبل أن يشتغل في الكونغو مع جمعية إنسانية أثناء الحرب بين المتمردين و القوات الحكومية. الفيلم مأخوذ عن إحدى الروايات، و يحكي خلال 117 دقيقة قضية الاستحواذ على الخيرات المعدنية الثمينة الموجودة في هذا البلد من طرف شركات دولية متعددة الجنسيات من بينها الشركة التي يشتغل فيها هذا القناص "جيم" الذي وجد نفسه موازاة مع استخراجه للمعادن متورطا في ارتكاب أعمال إجرامية كانت آخرها تكليفه بقتل وزير الطاقة و المعادن الكونغولي . سيكتشف "جيم" مستغربا بعد ارتكابه لهذه الجريمة أن أفرادا مسلحين حاولوا اغتياله ، فشعر بنوع من الخيانة بعدما تيقن من أن هؤلاء الأشخاص ليسوا من المتمردين الكونغوليين ، و ليسوا من القوات الحكومية، بل تم إرسالهم من طرف جهة معينة لتصفيته و التخلص منه نهائيا ، و هو أمر سيقلقه كثيرا و سيقرر القيام وحده بالبحث في هذه القضية الغامضة. سيضطر إذن لمغادرة الكونغو تاركا حبيبته "آني" (الممثلة الإيطالية جاسمين ترينكا ) مع زميله الخبيث "فيليكس" الذي يعشقها هو أيضا و يريد أن يتزوج بها، و يشخص هذا الدور الممثل الإسباني خابيير بارديم الذي لا يكف هو و شقيقه عن قيادة حملات تضليلية مناهضة و معادية لقضيتنا الوطنية. سيلتحق "جيم" في البداية بأحد أصدقائه الأوفياء "ستانلي" (الممثل البريطاني راي وينستون) بالعاصمة لندن ليحكي له ما جرى ، و سيدله هذا الأخير على عنوان مهم بمدينة برشلونة و سينصحه بعدم الذهاب إلى هذه المدينة خوفا عليه، و لكنه سيصر على الذهاب إليها و سيكتشف فيها مذهولا أن حبيبته "آني" التي تركها بالكونغو و لم يسأل عنها بعد ذلك أصبحت قلقة منه و تعيش مع زميله " فيليكس" في نفس المنزل كأنها متزوجة به، و سيكتشف أيضا أن زميله هذا لعين و شرير و ماكر لا يكف عن استفزازه بعزمه على التزوج بها ، بل إنه استعملها دون علمها في تدبير مؤامرة لتصفية "جيم" على يد عصابة إجرامية بعدما دعاه إلى منزله بضواحي المدينة. سيضطر "جيم" لقتل العديد من مهاجميه المسلحين ، و سيصبح بعد ذلك ، أينما حل و ارتحل ، مطاردا من طرف أجهزة الأمن الدولية و من طرف مختلف العصابات الإجرامية الخطيرة ، و سيتعرض لعدة محاولات متكررة لاعتقاله أو لتصفيته بمختلف الوسائل، و لكنه سينجو منها في كل مرة بأعجوبة عجيبة قبل أن يتمكن في النهاية من التعرف على الرأس المدبر لكل ما حصل له منذ البداية، هو شخص يعرفه جيدا، هو "كوكس" (الممثل البريطاني مارك ريلانس)، الشرير و العنيد الأكبر الذي يتظاهر بالأناقة و البشاشة و الطيبوبة. يتضمن الفيلم سلسلة من المواجهات الدموية الحادة الحافلة بالطلقات النارية المدوية و المكثفة التي ستتوج في النهاية بمبارزة دموية شرسة و حادة بين "جيم" و ""كوكس" تدور أطوارها موازاة مع مباراة للكوريدا ببرشلونة في تعبير مجازي و مقارنة مع الثور (الطورو) الذي ينزف دما و يحاول التخلص من "الطوريرو" الذي يريد قتله ، و لكنها نهاية أريد لها بعد كل هذا العنف و الاقتتال أن تكون سعيدة و رومانسية أيضا بعدما نال "جيم" جزاءه من العدالة و ندم على كل ما قام به لفائدة شركة تدعي القيام بالأعمال الإنسانية في البلدان المتخلفة في حين تقوم فيه باستغلالها أبشع استغلال لربح الأموال و نهب ثرواتها. الممثل شين بين معروف بمواقفه الملتزمة و النبيلة ضد الظلم و الاستغلال و الاستبداد، و قد يستغرب المشاهد في البداية كيف قبل أن يقوم في هذا الفيلم بدور المجرم الذي يشتغل مع شركة تستغل الضعفاء و المقهورين، و لكن سيتضح مع مرور الوقت أنه معذب الضمير و غير راض إطلاقا على ما قام به ، و غير رافض لأي عقاب يناسبه. الفيلم قد يروق للبعض و يسليه ، و قد لا يستحمله البعض الآخر ، و لكنه ليس تافها بل يطرح موضوعا واقعيا مهما و حساسا له علاقة بما هو جيوسياسي، و تم تطعيم قصته بعلاقة غرامية مثيرة و متقلبة الأطوار وظفت فيها بكيفية ذكية و في انسجام مع السياق العام للأجواء و التطورات المشحونة بالمطاردات و التربص و العنف و التهديد و القتل. الفيلم قوي بالممثلين المشاركين فيه و بأدائهم الجيد، و لكن مصداقيته تقل بعض الشيء جراء تساهل ملحوظ و ملموس في كيفية تجاوز المواقف الخطيرة و المستحيلة من طرف "جيم" دون أن يصاب بأي رصاصة باستثناء إصابته بجرح بسيط قبيل النهاية ، و هو من نوع الأفلام التي لا يموت فيها البطل و لو قتلوه ، و من النوع الذي يتطلب إنصاتا مركزا للحوار لفهم التطورات التي تتوالى بإيقاع سريع من البداية إلى النهاية.