يقدر عدد من المراقبين والمحللين ومراكز الرصد أن الولاياتالمتحدة الأمريكية تمارس سياسة ملتوية تجاه الصراع الدائر على أرض اليمن، فهي من جانب تعلن في يوم أنها تقف إلى جانب السعودية في عملياتها العسكرية عاصفة الحزم في اليمن وتسرع وتعضض إمدادها بالسلاح والذخائر بعد أكثر من 1200 غارة لسلاح الجو السعودي، ولكن وقبل أن تمر على هذا التصريح ساعات نسمع تصريحا آخر يقول أن البيت الأبيض يرى أنه لا يمكن حسم الصراع في اليمن بالقوة العسكرية وأنه يجب التفاوض، ثم يأتي وزير الدفاع الأمريكي كارتر ليصرح أن العمليات العسكرية الجارية في اليمن تساعد على إنتشار وتوسع نفوذ تنظيم القاعدة. وتدخل الأممالمتحدة على لسان أمينها العام في متاهة التصريحات فتعبر عن معارضتها لإستيلاء الحوثيين على السلطة ولكنها تطالب بإعطاء الأولية إلى الحوار وتزرع ألغاما. وهكذا صرح بان كي مون في مؤتمر صحافي في الدوحة يوم الأحد 12 أبريل "بعد أن شاهدنا التداعيات المأساوية مع مقتل أكثر من 600 شخص واصابة الفين بجروح، من المهم والضروري ان يسود الحوار". وشدد بان كي مون على ضرورة "وضع حد للعمل العسكري في أسرع وقت ممكن". ودعا إلى "استئناف العملية السلمية" في اليمن، مؤكدا "استعداد الأممالمتحدة" لذلك، سيما انها رعت المحادثات السياسية اليمنية خلال الأشهر والسنوات الأخيرة عبر مبعوثها جمال بن عمر. وسائل الإعلام الأمريكية المعروفة بإرتباطها الوثيق بمراكز إتخاذ القرار في البيت الأبيض صعدت مع مرور الثلث الأول من شهر أبريل من إنتقاداتها للرياض وطرحت توقعات متشائمة بالنسبة للسعودية وعدد من دول الخليج العربي مشيرة إلى عدم إستقرار الوضع نتيجة ما أسمته الإحباط الذي تشعر به حكومات هذه الدول من الإتفاق النووي الذي تم عقده بين مجموعة الخمس بقيادة واشنطن وإيران ومحذرة من أنه مع مرور الوقت قد تبدل الرياض بشكل جذرى من شكل تحالفاتها خاصة وأنها تشعر بأن واشنطن تخدعها. أوباما ينتقد عرب الخليج يوم 5 أبريل 2015 وفي تصريح إعتبره البعض مؤشرا على التوجهات الحقيقية للسياسة البيت الأبيض قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن أكبر خطر يتهدد عرب الخليج ليس التعرض لهجوم من إيران إنما السخط داخل بلادهم، سخط الشبان الغاضبين العاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم. وقال أوباما إنه سيجري "حوارا صعبا" مع حلفاء الولاياتالمتحدة العرب في الخليج، سيعد خلاله بتقديم دعم أمريكي قوي ضد الأعداء الخارجيين لكنه سيقول لهم إن عليهم معالجة التحديات السياسية الداخلية. وفي مقابلة مع توماس فريدمان الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت يوم الأحد 5 أبريل، قال إنه سيبلغ دول الخليج أن عليها أيضا أن تكون أكثر فعالية في معالجة الأزمات الإقليمية. وذكر أوباما إنه يريد أن يناقش مع الحلفاء في الخليج كيفية بناء قدرات دفاعية أكثر كفاءة، ويريد طمأنتهم على دعم الولاياتالمتحدة لهم في مواجهة أي هجوم من الخارج. وأضاف "هذا ربما يخفف بعضا من مخاوفهم ويسمح لهم بإجراء حوار مثمر أكثر مع الإيرانيين". وذكر "لذلك ومع تقديم دعم عسكري ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تتساءل كيف يمكننا تعزيز الحياة السياسية في هذه البلاد حتى يشعر الشبان السنة أن لديهم شيئا آخر يختارونه غير تنظيم الدولة الإسلامية". من جهة أخرى اعتبر أوباما أن أي إضعاف لإسرائيل خلال عهده أو بسببه سيشكل "فشلا جذريا لرئاسته". وأضاف: "سأعتبره فشلا من جانبي، فشلا جذريا لرئاستي، إذا أصبحت إسرائيل أضعف خلال عهدي أو نتيجة لعمل قمت به". وذكر الرئيس الأمريكي في المقابلة المسجلة ومدتها 45 دقيقة أن هذا "لن يشكل فشلا استراتيجيا فحسب، بل أعتقد أنه سيكون فشلا أخلاقيا". لعب بالسياسة في تقرير لأحد مصادر الرصد في روسيا تساءل محللون: هل يتعمد المسئولون الأمريكيون التناقض في تصريحاتهم؟. ولماذا يتبرع أحدهم لشرح تصريح لزميله ثم يضيف عليه ؟. ما هذا ؟. استراتيجية التعامل والتعاون مع الشيء ونقيضه ؟. هل الأمر استراتيجية نشر المزيد من الدخان لتمويه الأهداف ؟. على سبيل المثال لا الحصر: ما هو الثابت والصحيح في التصريحات الأمريكية حول رحيل الرئيس السوري بشار الأسد ونهاية نظامه.. وحول ضرورة تغيير سلوك النظام والحوار معه ؟. وكذلك الأمر حول وهم وعدم جدوى دعم المعارضة السورية.. وضرورة دعمها. هل خرجت تصريحات الأمريكيين حول داعش والإرهاب عن هذا السياق ؟. التجربة مع واشنطن تؤكد أن الغاية تبرر الوسيلة وإن ما جرى في تونس وصولا إلى داعش لا يشذ عن هذه القاعدة. الشيء ذاته نراه حيال القضية الفلسطينية وعملية السلام وكذلك حيال المفاوضات النووية مع إيران والآن نعيشه حيال الأزمة في أوكرانيا.. هل هذا تناقض في السياسة ؟ أم لعب بالسياسة ؟. يوم الأحد 12 أبريل نشرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية تصريحا لريك فرانكونا المقدم المتقاعد في الجيش الأمريكي، أكد إن أمريكا لن تواصل "اللعب خلف الستارة" في تعاملها مع الأوضاع في اليمن، معتبرا أن ما يجري بذلك البلد يهدد مصالح السعودية كما مصالح واشنطن، ما يبرر زيادة الدعم العسكري للرياض. وقال فرانكونا، الخبير العسكري لدى الشبكة، ردا على سؤال حول قرار أمريكا تسريع تسليم أسلحة للسعوديين في معركتهم ضد الحوثيين، وما إذا كان ذلك يعني المزيد من التورط الأمريكي في ذلك البلد: "لقد كنا نلعب دورا خلف الستارة واليوم نحاول جعله علنيا بعض الشيء، هذا أمر نحتاج القيام به، فالأوضاع في اليمن تمثل تهديدا جدا لمصالح السعودية، وكذلك للمصالح الأمريكية". وتابع فرانكونا بالقول: "علينا تذكر أن القاعدة في جزيرة العرب هي الفصيل الأقوى التابع للقاعدة وهي تتحرك حاليا دون مصاعب في البلاد مستغلة حالة الفوضى القائمة وانشغال الحوثيين والقوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي بالقتال الدائر بينهما". وختم بالقول: "تقوم عناصر القاعدة بالتحرك واكتساب المزيد من الأراضي وامتلاك المزيد من القوى وتحرير رجال التنظيم من السجون وهذه مشكلة حقيقية لنا". خلط الأوراق والرسائل المشفرة في نطاق خلط الأوراق والتصريحات المتضاربة كتبت صحيفة الواشنطن بوست يوم 10 أبريل: إن السعودية تقود الحرب ضد اليمن، وتعتمد على مجموعة من الغارات الجوية. إن الكثيرين يلعبون على وتر أن ما يحدث في اليمن هي حرب طائفية، لكن الاضطرابات السياسية في اليمن حتى الآن معقدة جدا ولا تتناسب مع التصنيف الطائفي، فأولا من الخطأ وصف أنصار الله بأنهم وكيل إيران في اليمن، لأنهم قبيلة يمنية تقطن المرتفعات الشمالية الوعرة في اليمن وخاضت حروبا عديدة لسنوات دون مساعدة إيران. وقالت "الواشنطن بوست" أن إيران لاعب هامشي، وكما يقول الخبراء فإن هذا مجرد صراع سياسي مستمر على السلطة منذ رحيل "صالح" في عام 2011، مضيفة أن اليمن يشهد أزمة إنسانية، والآثار المترتبة على ذلك صارخة، حيث يحذر فواز جرجس، أستاذ سياسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد: "اليمن ينحدر نحو حرب شاملة، وهذا السيناريو المحتمل، وقد تشهد البلاد أزمة إنسانية أكبر من سوريا". نفس الصحيفة وثيقة الصلة بدوائر البيت الأبيض والتي يعتبرها الكثيرون أحد القنوات التي تمرر عبرها الحكومة الأمريكية رسائلها السياسية إلى الخارج نشرت بعد ذلك بيومين تقريرا جاء فيه: "يبدو أن الضربات الجوية، وبعد حوالي ثلاثة أسابيع من بدء الحملة العسكرية بقيادة السعودية في اليمن، تسرع في تجزئة البلاد إلى قبائل وميليشيات متحاربة، في حين لا تفعل شيئا يذكر لتحقيق هدف إعادة الرئيس اليمني المخلوع إلى السلطة، وفقا لما قاله محللون وسكان ل"الواشنطن بوست". ويذكر محللون حسب الصحيفة، إن الحوثيين تقدموا في هجومهم، ويبدو أنهم قاموا بحماية العديد من مخزونات الأسلحة الخاصة بهم من قصف التحالف. وقد أودى الصراع بحياة مئات الأشخاص، وأجبر أكثر من 100 ألف شخص على الفرار من منازلهم. وقد قلل الصراع من إمدادات المياه والمواد الغذائية المتاحة في بلد يعاني بالفعل من مستويات خطيرة من سوء التغذية، كما خلق فراغا أمنيا سمح بتقدم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ويؤكد محللون، أنه بالنسبة للحكومة السعودية وحلفائها، قد تتحول العملية العسكرية في اليمن إلى مستنقع. وذكر جون ألترمان، وهو مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية للصحيفة: إن عامل تغيير اللعبة المحتمل في كل هذا ليس مجرد تشريد الملايين من الناس، ولكن هذا الانتشار الهائل للمرض والجوع وعدم إمكانية الوصول للمياه، جنبا إلى جنب مع بيئة تعمل فيها الجماعات المتطرفة بشكل مفتوح وتقوم بالتجنيد على نحو متزايد. مضيفا: أن الصراع في اليمن قد يصبح صراعا لا أحد يمكنه معرفة من الذي بدأه أو كيف يمكن وضع حد له. وأضافت الصحيفة "تنظر المملكة العربية السعودية، وهي قوة سنية، إلى الحوثيين كوكلاء لإيران الشيعية. وينظر إلى الحملة الجوية التي بدأت في 25 مارس على نطاق واسع في المنطقة على أنها محاولة من قبل السعوديين لمواجهة توسع نفوذ إيران، التي اكتسبت موطئ قدم في دول عربية أخرى، مثل العراق وسوريا ولبنان. وقال تيودور كاراسيك، وهو محلل للقضايا العسكرية في الشرق الأوسط، إنه يعتقد بأن دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن انضمتا إلى المملكة العربية السعودية في الغارات الجوية التي دمرت عشرات القواعد العسكرية ومستودعات الأسلحة. وأضاف، أن السعوديين تلقوا، أيضا، دعما من القوات البحرية المصرية لمراقبة السواحل اليمنية. وبرغم ذلك، قال كاراسيك، إنه يبدو أن الحوثيين قد أخفوا مخازن كبيرة من الأسلحة بنجاح، وإنهم قد فعلوا ذلك ربما، عن طريق نقلها إلى المناطق الجبلية. وأضاف، أنه لتدمير تلك الأسلحة، وإقناع الحوثيين بوقف هجومهم والموافقة على محادثات السلام، سيكون من الضروري شن هجوم بري. وأكد كاراسيك: هذا يوضح أن القوة الجوية وحدها لا تستطيع تخليص القوات البرية للعدو من أسلحتها وقدرتها. إنها تجعلهم مبعثرين، وتجعلهم يقومون بإخفاء أسلحتهم لاستخدامها في وقت لاحق. وستواجه القوات البرية، بالتأكيد، مقاومة شديدة من الحوثيين. وكمقاتلين مخضرمين، استولى هؤلاء على أجزاء من جنوب السعودية خلال حرب قصيرة في عام 2009، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 جندي سعودي قبل طردهم. ولم تستبعد المملكة العربية السعودية شن هجوم على الأرض، لكن حلفاءها يبدون حذرين من مثل هذه الخطوة. وقد رفض برلمان باكستان المشاركة في الحملة يوم الجمعة 10 أبريل. وقال عماد سلامي، وهو الخبير في شؤون الشرق الأوسط في الجامعة اللبنانية الأمريكية، إنه على الرغم من أن هذا الخيار محفوف بالمخاطر إلا أن استمرار القصف الجوي واحتمال التوغل البري هي الخيارات الوحيدة التي قد تواجهها السعودية. وأضاف، أن المسؤولين في الرياض يشعرون بالقلق ربما من أن التراجع سوف ينظر إليه على أنه ضعف، خاصة من قبل إيران. وأشار إلى أن السعودية تعتبر اليمن حديقتها الخلفية، ويعتقد السعوديون أن هذا الكفاح هو قتال من أجل وطنهم، ووجود نظامهم. ويوم الخميس 9 أبريل، أصدر القادة الإيرانيون إدانات قوية للضربات السعودية. ووصف الزعيم الأعلى الإيراني، علي خامنئي، هذه الضربات في خطاب متلفز ب "جريمة إبادة جماعية". وتعد حملة اليمن جزءا من سياسة سعودية أكثر حزما على نحو متزايد في المنطقة، يدفعها إلى حد ما يصفه محللون بأنه قلق سعودي بشأن اتفاق محتمل على برنامج إيران النووي. ويخشى السعوديون من أن مثل هذه الصفقة قد تصل إلى اعتراف الولاياتالمتحدة بالنفوذ الإيراني في المنطقة وزعزعة استقرار كل المنطقة بما يخدم مصالح طهران وإسرائيل في عملية تقاسم للغنائم وذلك رغم ضجة الصراع بينهما. صحيفة الواشنطن قالت: ذكر السعوديون بأنهم يريدون إعادة حكومة هادي للسلطة، ولكن قاعدة دعم الرئيس المخلوع هادي لدى الجمهور تبدو متداعية. ويقول العديد من السكان، إنهم يشعرون بالاستياء من تشجيع هادي وزملائه القادة المنفيين لهجمات التحالف من الخارج، بينما يواجه مسلحون من سكان عدن وحدهم الحوثيين المدججين بالسلاح. وقال علي محمد، 28 عاما، وهو من سكان عدن العاطلين عن العمل، في إشارة إلى هادي: "لقد تخلى عنا باستمرار ولا يهتم لأمرنا". من جانبه، أيضا، قال وضاح الدبيش، 40 عاما، وهو يقود ميليشيا في عدن لمحاربة الحوثيين، إن هادي لم يعد موضع ترحيب في المدينة. وأضاف: "نحن لا نريده هنا، ولا نريد أن نرى وجهه ثانية هنا". وبالرغم أنه في مناطق أخرى حيث تنمو المشاعر المعادية للحوثيين، إلا أن أسهم هادي تظهر في انخفاض أيضا. واتهم أحمد عثمان، وهو سياسي في مدينة تعز معارض للحوثيين، هادي بعدم تنظيم المقاومة العسكرية ضد الحوثيين. وأعرب كذلك عن القلق بشأن مقاتلين مجهولين يشنون الهجمات على نحو متزايد على مواقع للحوثيين في المدينة. وأضاف، أن ما يثير قلقنا الآن في تعز هو غياب الأمن. وذكر فارع المسلمي، من جانبه، وهو المحلل اليمني والباحث في مركز "كارنيغي" الأمريكي للشرق الأوسط، إن تصاعد الخسائر في صفوف المدنيين نتيجة الغارات الجوية لقوات التحالف قد زاد الغضب الشعبي. مضيفا، أن الفوضى تخلق أرضا خصبة للجماعات المتطرفة، مثل القاعدة. وقد استولت هذه المجموعة على أراض كبيرة أثناء القتال، بما في ذلك خامس أكبر مدينة في اليمن، فضلا عن منشأة عسكرية على الحدود مع السعودية. وأضاف المحلل، إنه قد يكون من المستحيل إعادة اليمن كما كانت، فقد ولت الأيام التي يمكن أن يدار فيها اليمن من قبل شخص واحد. وأضاف، أن هذا يترك السعوديين من دون أي مخرج عسكري أو دبلوماسي واضح. وأكد، إن هذا يصبح الآن فيتنام السعوديين". هذه كانت رسالة مشفرة من البيت الأبيض. المؤامرة منذ أن تعثرت خطط الولاياتالمتحدة في المنطقة العربية في صيف 2013 نتيجة التحولات التي جرت في مصر، لنشر الفوضى الخلاقة التي وضعها المحافظون الجدد لإقامة الشرق الأوسط الكبير أو الجديد وذلك لتقسم فيه الدول القائمة حاليا إلى ما بين 54 و56 دولة على أسس عرقية ودينية وطائفية ومناطقية، بدأت الآلة السياسية العسكرية الأمريكية تضع تكتيكات جديدة للوصول إلى الهدف. حركة داعش خدمت الأهداف الأمريكية حيث غيرت التوزيع السكاني في مناطق سيطرتها ممهدة بالدماء لرسم خريطة دول جديدة، وتعاونت واشنطن وطهران في الحرب المتعددة الأطراف الدائرة على أرض العراق، واستخدمت الأجهزة الأمريكية كل وسائلها لتصوير الصراع الدائر والذي غذته بالسلاح والمال وبتعاون أطراف ثالثة بأنه حرب بين الشيعة والسنة وبين المسلمين والمسيحيين وبين الأكراد والعرب. مصادر رصد ألمانية ذكرت صيف سنة 2013 أن السياسيين في البيت الأبيض لم يغفروا أبدا تمرد السعودية والإمارات العربية على توصياتهم بعدم دعم النظام الجديد في مصر الذي أسقط حكم الإخوان، وأنهم لذلك يتسرعون إلى التوصل إلى تفاهم مع إيران على مناطق تقاسم النفوذ، وسيسعون في نفس الوقت إلى خلط أوراق التحالفات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط الكبير والممتدة من باكستان وأفغانستان شرقا حتى سواحل المغرب العربي على المحيط الأطلسي لتسهل عملية شرذمة المنطقة. وتذكر المصادر الألمانية أنه في ذروة هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 تحدثت صحف ومجلات أمريكية بصوت عال عن ضرورة تقسيم السعودية إلى أربع دول كرد على مشاركة 15 من مواطنيها في هذه الهجمات، وكانت مجلة "يو اس نيوز اند وورلد ريبورت" المحافظة أول من حمل هذا التهديد ثم تبعها فيه آخرون. كتب الباحث د. عبد الحي زلوم: لو قال احدهم إن الولاياتالمتحدة كانت تخطط لاحتلال منابع النفط وتهجير سكانها الأصليين كما هجر الأمريكيون الأوائل من سموهم بالهنود الحمر من أوطانهم، لقالت الولاياتالمتحدة وأبواقها أن تلك "نظرية مؤامرة مستهلكة وفارغة". وما الطعن في نظرية المؤامرة إلا مؤامرة بحد ذاتها أراد أصحابها إجهاض أي فكر أو بحث جاد عن مؤامراتهم. أما أن مثل هذا الخيار كان جديا، فقد ورد ذلك في دراسة نشرت نهاية القرن العشرين لكلية الدراسات العليا للأعمال في جامعة هارفارد تحت عنوان: السيطرة على النفط العالمي. وعلى الأغلب ونظرا للمخاطر التي كان ينطوي عليها مثل هذا التصرف في عالم ثنائي القطبية عندئذ وبالتأكيد ليس لاعتبارات أخلاقية فقد تم تبني نهج الخطوة خطوة لتحقيق هذا الهدف. كما أطلقت الولاياتالمتحدة العنان لنظامٍ مالي عالمي جديد بعد إلغاء قابلية تحويل الدولار إلى ذهب في 1971. في هذا النظام المالي الجديد أصبح النفط هو الغطاء الحقيقي للدولار والذي يسمح له بأن يكون عملة الاحتياط العالمي والذي بدون ذلك لن تكون للولايات المتحدة كيانا إمبراطوريا كما خططت له. السعودية وباكستان أحد أعمدة التكتيكات الأمريكية لصنع الفوضى الخلاقة هي تدمير التحالفات التي تضمن إستقرار دول مجلس التعاون الخليجي، وهكذا زرعت فخاخ تأزيم علاقات دول الخليج العربي مع مصر وباكستان بوصفهما القوتان العسكريتان الرئيسيتان على الساحة القريبة جغرافيا. هذه المحاولات تعثرت حتى الآن. يوم الأحد 12 أبريل ذكرت وكالة أنباء رويترز: وصل وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل الشيخ إلى باكستان في ساعة متأخرة يوم الأحد بعد يومين من رفض البرلمان الباكستاني طلبا سعوديا بإرسال دعم من أجل تدخلها العسكري في اليمن. وتأتي هذه الزيارة عقب زيارة قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الأسبوع الماضي وحث فيها الإيرانيون باكستان على دعم الحوار في اليمن بدلا من إرسال قوات. وقال آل الشيخ للصحفيين في المطار إن القرار الذي أصدره برلمان باكستان هو شأن داخلي باكستاني. وأضاف إن العلاقات بين السعودية وباكستان طيبة للغاية ويرجى منها كثير من الخير. وتابع أن باكستان دولة مهمة للغاية وهي دولة كبيرة في العالم الإسلامي. وأشار إلى أن البلدين يتمتعان بعلاقات قوية منذ إنشاء باكستان وأنه ينبغي السعي من أجل تحسين تلك العلاقات بأقصى ما يمكن. وقال مسئول في وزارة الخارجية الباكستانية إنه من المتوقع أن يعود الوزير السعودي إلى بلاده يوم الثلاثاء. ولم يتم الإعلان عن جدول تحركاته. وتقول أوساط باكستانية أن هناك تحذيرات من الأجهزة الأمنية الوطنية من أن هناك شكوكا كبيرة في أن الولاياتالمتحدة تريد استغلال الحرب في اليمن لنصب فخ كبير ليس لدول الخليج وحدها بل لأطراف أخرى وأن هذه هي أحد أسباب تصويت البرلمان الباكستاني على رفض المشاركة في المواجهات، وتضيف أن زيارة الوزير السعودي قد تكون مدخلا لحل سياسي يقطع الطريق على أي فخاخ منصوبة. وكان أعضاء في البرلمان الباكستاني قد حذروا كذلك من أن يتحول الصراع اليمني إلى حرب طائفية تغذي العنف في باكستان وعلى طول الحدود الطويلة مع إيران، كما أنه يسمح بإحياء مطالب الذين يريدون تجريد باكستان من سلاحها النووي. تسليم مفتاح الخليج لطهران يوم 10 أبريل قالت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية، إن الاتفاق النووي الإيراني يزلزل الشراكات التقليدية لأمريكا في الشرق الأوسط. وأوضحت الصحيفة أنه برغم أن الاتفاق المبدئي حول البرنامج النووي الإيراني لم يصبح وثيقة موقعة بعد، إلا أنه يسارع من الاتجاه السائد بين بعض أقرب حلفاء أمريكا في المنطقة للتحوط في رهاناتهم على واشنطن والبحث عن الشراكات الأمنية في مناطق أخرى مثل روسيا. وأضافت الصحيفة أن مثل هؤلاء الحلفاء ينظرون إلى القيادة الأمريكية في المنطقة مؤخرا، لاسيما تعاملها مع الصراع السوري ويتشككون بشكل متزايد إزاء عزم الولاياتالمتحدة على فرض اتفاق على إيران رغم انتهاكاتها لكل التزام حول عدم تطوير تقنية نووية حربية. كما أن الاتفاق أثار مخاوف لاسيما بين القوى العربية، بأن الولاياتالمتحدة ترى في إيران مجددا قوة توازن محتملة وربما شريك مفضل في المنطقة، مثلما كانت قبل ثورتها في عهد الشاه. ونقلت الصحيفة عن البروفيسور نيكولاس جفوسيدف، أستاذ الأمن القومي بكلية الحرب البحرية الأمريكية في نيوبورت، "بالتأكيد كنا نرى مؤشرات على هذا من قبل، لكن مع اتفاق إيران، نرى بعضا من أقرب شركائنا مثل المصريين والسعوديين، يبدأون بالفعل في تنويع علاقاتهم بشكل أكبر، ويعملون بشكل مستقل عن الولاياتالمتحدة".. وأضاف أنهم يشعرون بالقلق من أن الاتفاق يسلم إيران انفتاحا استراتيجيا كبيرا في المنطقة، ويتجاوزون الولاياتالمتحدة في كيفية مواجهته. وفي نفس الوقت، يقول الخبير الأمريكي، إن هؤلاء الشركاء يضاعفون اتصالاتهم بالكونغرس في محاولة لضمان أن الاتفاق النهائي مع إيران الذي يفترض أن يتم التوصل إليه قبل نهاية يونيو 2015، يضع قيودا صارمة جدا عليها وتداعيات سريعة لأي تراجع. وبالنسبة لمصر، تتابع الصحيفة، فإن مساندة أمريكا للرئيس الأسبق محمد مرسي، وقيامها بتعليق المساعدات العسكرية ل17 شهرا، قد أدى إلى توتر في العلاقات وجعل المصريين يبحثون عن شركاء أمنيين آخرين. لكن ما أثار الاندهاش بين المحللين الإقليميين، هي الاتصالات المتعددة بين روسيا والقوى الإقليمية غير الراضية عن الولاياتالمتحدة. ويشير بعض الخبراء إلى أن قرار أوباما استعادة المساعدات العسكرية المعلقة لمصر قد تقرر، على الأقل جزئيا بسبب العلاقات الدافئة للرئيس عبد الفتاح السيسي مع موسكو. ومن ناحية أخرى، فإن العلاقات حول سوريا ومصير الرئيس بشار الأسد من المرجح أن تعوق مزيدا من التقارب الروسي السعودي، كما يقول الخبراء. لكن يعتقد أيضا أن السعوديين تحولوا إلى فرنسا التي اتخذت موقفا أكثر تشددا من طهران، باعتبارها جزءا من المفاوضات النووية، وذلك من أجل مضاعفة بنود التحقق وعواقب الانتهاكات في الاتفاق الذي يجب تنفيذه. ومع حداثة اتفاق إيران، تقول الصحيفة، يظل من الصعب تحديد مدى عمق الشقاق الذي يمكن أن تحدثه بين الولاياتالمتحدة وحلفائها التقليدين في المنطقة. التدخل البري يقدر محللون أن الرياض ورغم تأكيدها أن التدخل البري ممكن عندما تتطلب الظروف ذلك، فإنها لا تفضله وتستخدمه في نفس الوقت كأداة ضغط. الخبير الاستراتيجي والعسكري اليمني العميد المتقاعد حسن خصروف يرى إن التدخل العسكري البري وجدواه في اليمن ضئيلة وأضراره وتبعاته سلبية. وأرجع خصروف ذلك إلى سببين أولهما أن اليمنيين لديهم حساسية شديدة من أي تدخل أجنبي وخاصة إن كان بريا في صورة مقاتلين، ولن يقبلوا أي قوة أو تجمع دولي غريب عن اليمن، وهو أمر مثبت خلال أحداث ماضية، فعندما كان أهل مدينة البيضاء اليمنية يقاتلون تنظيم داعش، والقاعدة، وحين جاء الحوثي تحول قتالهم إليه، فما بالنا بالتدخل من خارج اليمن. السبب الثاني، أوضحه خصروف بقوله: "التدخل العسكري قد لا يكون محسوبا ونتائجه غير إيجابية لاسيما مع رفض باكستان المشاركة في ذلك التدخل، لأنه بدون مشاركة إسلام آباد البرية فإن تكلفة الأمر ستزداد ضعفين على الصعيد المادي والبشري، لأن مشاركتها كانت ستشد من أزر المقاومة وسيترتب عليها خسائر مادية وبشرية في صفوف الحوثيين، لما لها من خبرات طويلة مع الجماعات المسلحة مثل طالبان والقاعدة. وبحسب خصروف فإن رغبة دول "عاصفة الحزم" في مشاركة باكستان في التدخل البري ترجع إلى إدراكهم أن مشاركتها تعني تقليص أمد الحرب وهو ما ترغب فيه دول التحالف لإجبار جماعة الحوثي على التفاوض. وأضاف: "لكن في حال التدخل البري الذي يظل أمرا مطروحا، وأراه مرحلة تالية تفكر بها دول عاصفة الحزم، سيكون هذا بمثابة مغامرة غير محسوبة وستكون خسائرها فادحة لأنه سيحشد قوى مجتمعية إلى جانب الحوثيين وعلي عبد الله صالح". وإضافة لأسباب صعوبة التدخل العسكري البري، فإنه عمليا يبقى الأمر في غاية الصعوبة، استنادا إلى خمسة أسباب، هي: الطبيعة الجبلية، والقبلية، والعقائدية، وانتشار السلاح أكثر من 85 مليون قطعة، وخطورة حرب العصابات، بحسب آراء خبراء عسكريين وتجارب تاريخية. يذكر أن القوات المصرية عانت في حرب اليمن خلال ستينات القرن الماضي. وفي حوار مسجل مع إحدى الفضائيات قبل وفاته في سنة 2011، قال الفريق سعد الشاذلي، الذي تولي قيادة ألوية الجيش المصري إبان الحرب في اليمن، قبل أن يتولى رئاسة أركان الجيش إبان عهد الرئيس الراحل أنور السادات، إن "قوات الجيش المصري النظامي، كانت تعاني من محاربة الجيش غير النظامي في اليمن، فقد كان أسلوب الحرب بالنسبة لهم هو أسلوب العصابات". وأشار إلى أن معظم الخسائر كانت بسبب الألغام المزروعة بشكل عشوائي، لافتا إلى أن القوات المصرية اكتسبت عادات حرب سيئة، لأنها لا تحارب عدوا بالمعنى المفهوم لديها. ودائما ما تحب الجيوش النظامية أن تواجه جيشا نظاميا مثلها، لكن أسلوب حرب العصابات يكون مرهقا لها، وحدث ذلك مع الجيش المصري في اليمن عام 1962، ومع الجيش الأمريكي في حربي فيتنام عام 1956، وأفغانستان 2001 وحتى الآن. ويرى مراقبون أن الحوثيين يفضلون المواجهة البرية مع قوات التحالف حتى يتمكنوا من تحقيق انتصارات بأسلوب "حرب العصابات"، لتتحول اليمن إلى "فيتنام الخليج" حسب دعايتهم. عمر نجيب [email protected]