حاورته مريم زريرة تدخل عملية «عاصفة الحزم» غدا الأربعاء أسبوعها الثاني، ورغم أن الملك سلمان بن عبد العزيز قال إنها ستتواصل حتى تحقق أهدافها، والمتمثلة أساسا في إخراج الحوثيين من صنعاء، فإن الكثير من المحللين يتوقعون أن لا تدوم طويلا، ومن بينهم الباحث محجوب الزويري، أستاذ تاريخ وسياسة الشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر، الذي بسط ل«اليوم24» وجهة نظره في الأزمة اليمينية الحالية وتداعياتها الاستراتيجية على منطقة الخليج والشرق الأوسط. { بدأت عملية حزم بشكل مفاجئ ولم يعرف الكثيرون أهدافها وسقفها، ما هي، حسب رأيكم، الأهداف القريبة والبعيدة للعملية؟ هذه الحملة تعتبر متأخرة في سياق التطورات في اليمن، فما جرى التوافق عليه في ظل المبادرة الخليجية والدعم الدولي كان ينقصه دعم عسكري لضمان التطبيق. كان الاعتقاد أن الرئيس هادي بما أعلن عنه من إصلاحات في المؤسسة العسكرية قد يستطيع امتلاك عناصر القوة العسكرية، لكن ما حصل هو العكس، فالإصلاحات جرى استخدامها من قبل خصوم الرئيس هادي، وهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والحوثيون، من خلال استغلال غضب من تضرروا من هذه الإصلاحات في المؤسسة العسكرية. فأصبحت المؤسسة العسكري أضعف بسبب تعدد الولاءات داخلها، وهو ما أعطى للحوثيين وصالح الفرصة لتعقيد المشهد السياسي، وعدم تطبيق المبادرة الخليجية، وإفشال جهود المبعوث الأممي جمال بن عمر، الذي كانت دبلوماسيته هو أيضا تعاني الضعف وكثرة التسويف. من تم، فإن أهداف الحملة تبدو واضحة، وهي فيما أعتقد ضمان توازن في القوى داخل المشهد السياسي اليمني. فالحوثيون الذين استولوا على المدن اليمنية بما فيه العاصمة صنعاء في شتنبر 2014، كانت تحركاتهم تستند إلى مساندة علي عبد الله صالح، وكذلك الدعم السياسي ثم العسكري الإيراني. في حين بقيت القوى الأخرى تحت الشمس وتحت رحمة الحوثيين. وعليه، فإن الحملة تحاول الدفع بالجميع للحوار، لكن ليس بالطريقة التي حاول الحوثيون فرضها خلال الأشهر الماضية. الحملة أيضا تحاول أن تَخْلُق آلية أكثر حزما في تنفيذ المبادرة الخليجية، من خلال اقتراح خارطة طريق تحت الفصل السابع في مجلس الأمن. وفي السياق الإقليمي للحملة، رسالة موجهة لإيران مرتبطة بعدم رضا إقليمي من سياستها في اليمن، ومثل هذا الأمر يحصل في ظل تحالف دول محيطة بإيران وهي تركياوباكستان، مما يعطي للحملة قوة وزخما أكبر. { لأول مرة تصبح المملكة العربية السعودية مركز القرار فعليا، بعدما كانت كل الصراعات التي تعنيها تدار في الهوامش والدول المحيطة بها، واليوم أصبح الصراع في قلب السعودية، هل ترى في ذلك خطرا عليها؟ من المهم التذكير أن كثيرا من اللوم وجه إلى الرياض بسبب عدم ردها على سياسية إيران في كل من اليمن، ومن قبلها في العراقوسوريا ولبنان، وعدم الرد هذا جعل إيران تتحرك بقوة وحرية في الحديقة الخلفية للسعودية وهي اليمن، من هنا يمكن القول إن الحملة العسكرية، والمشرحة لأن تكون قصيرة الأمد وتعيد الأطراف إلى طاولة الحوار على أساس متساوٍ- ستحقق للمملكة عودة إلى موقع اللاعب الفاعل من خلال شبكة من التحالفات، ومن المرجح أيضا أن الملك الجديد سيكسب داخليا كثيرا من الدعم بالنظر للحضور المذهبي في المواجهة، والامتعاض السعودي الداخلي من السياسة الإيرانية. { عبر كثير من المراقبين عن تخوفهم من أن تترتب عن هذه العملية حرب إقليمية واسعة إذا ما اتخذت إيران قرارا برد مباشر ومماثل على السعودية، هل تشاطرهم نفس المخاوف؟ من المستبعد أن يترتب عن هذه العملية العسكرية أي حرب طويلة الأمد. فالجميع لديه توافق حول ضرورة العودة إلى طاولة الحوار، من هنا تابع الجميع كيف أن إيران ومعها الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح يدعون إلى العودة إلى التفاوض. السعودية والتحالف الذي يقاتل معها يريدون حوارا يكون فيه الحوثيون في حجمهم الحقيقي، وليس بالشكل الذي كانوا عليه من خلال المساندة الإيرانية ودعم الرئيس المخلوع. الرد العسكري الإيراني يبدو أيضا مستبعدا، فالعزلة السياسية والعسكرية المفروضة على اليمن منذ بدء العملية، واستهداف مصادر القوة العسكرية للحوثيين، وكذلك الأداء المرتبك لإيران في معركة تكريت، الذي أدى إلى انسحابها، والانشغال بمفاوضات الملف النووي، كلها عوامل تدفع لاستبعاد تدخل عسكري إيراني، والاكتفاء بنقد شديد اللهجة. { كثير من العرب يدعمون العملية على أساس أنها نوع من رد الاعتبار والنصرة لللمذهب السني في العالم الإسلامي أمام التوغل والتمدد الشيعي، هل تعتقدون أنها كذلك؟ بالتأكيد، هناك حضور للبعد المذهبي وحالة الاستقطاب الموجودة في المنطقة، لذلك ليس مستغربا القول إن السياسة الإيرانية المنفردة في المنطقة حققت معجزة وهي توحيد مليار مسلم سني ضد طهران، لكن هذا جانب من الحكاية، الجانب الآخر هو أن قوى سياسية مهمة مثل تركيا والسعودية غير راضية عن السياسة الإيرانية في سوريا وفي العراق، وتعتقد أن هذا انفراد بالفعل دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الأخرى. { هل للعملية أي تأثير أو علاقة بالاتفاق النووي الذي تتهيأ إيران لتوقيعه مع الدول الغربية؟ لا يمكن التقليل من تبعات هذه العملية العسكرية على المفاوضات. واشنطن قد ترى فيما يجري فرصة للضغط على إيران لإعطاء تنازلات أكثر، لأن واشنطن تربط بين تشدد من الجانب الإيراني في المفاوضات يستند إلى الشعور الإيراني بالتفوق في المنطقة، وأنه لا يوجد من يوازيه في الدينامية السياسية. واشنطن تريد استقرارا في اليمن في سياق حربها ضد القاعدة، ووجود حكومة مستقرة متعاونة مع جوارها الخليجي يتماشى مع المصالح الأمريكية. وبالتالي حتى واشنطن قد تستفيد بطريقتها الخاصة من هذه الحملة. { ما الذي تتوقعون حدوثه إذا فشلت عاصفة حزم في تحقيق أهدافها؟ هل يمكن أن نرى تقسيما جيوسياسيا جديدا للمنطقة مثلا؟ في مثل هذه العملية، يمكن الحديث عن عدم تحقيق جميع الأهداف وليس الفشل، ما هو ظاهر الآن أن الأهداف التي عطلت المشهد السياسي مستندة إلى القوة، وعليه فالقوة لا تفهم إلا لغة القوة، وهذا واضح من خلال تصريحات الرئيس اليمني المخلوع صالح الذي يطالب بوقف إطلاق النار والعودة إلى التفاوض، من هنا لا يبدو أن تأثيرا ضخما سيحدث على المشهد الجيوسياسي، لاسيما أمام إصرار الجميع على المحافظة على الخريطة السياسية للمنطقة. { كيف تنظرون إلى الموقف العماني وقرار عدم المشاركة في التحالف؟ عدم مشاركة عمان لا تعني أن لا دور لها، بل على العكس قد يأتي دورها في الجهد الدبلوماسي الذي يتم في ظل العملية العسكرية، فدول مجلس التعاون تصر على استصدار قرار أممي تحت الفصل السابع لضمان عدم تفرد قوة سياسية بالمشهد السياسي والاستعانة بالسلاح للتغيير، وهي جهود تريد العمل على تشكيل مشهد سياسي يعكس التركيبة اليمنية بكل تفاصيلها. { يبدو التحالف هجينا نوعا ما بوجود دولة باكستان غير العربية فيه، وبوجود مصر التي يحكمها رئيس جاء بعد انقلاب على السلطة الشرعية، وهو يحارب الآن لأجل تثبيت سلطة شرعية في اليمن، ألا تعتقد أن الخلل الموجود في التحالف قد يؤثر على أدائه؟ هذا تحالف على الحد الأدنى، وهو دعم حكومة شرعية وفق المجتمع الدولي. بالتأكيد، الاختلافات موجودة، لكن في ذات الوقت هناك مصالح بين الدول غير خاضعة للحسابات المؤقتة، لذلك قد تضع الدول اختلافاتها مؤقتا جانبا لإنجاز هدف هذه المهمة، وهو إعادة الحكومة الشرعية لليمن. { ماذا تقرأ في الموقف التركي الذي قيل علنا على لسان الرئيس طيب رجب أردوغان حين وجه اللوم لإيران مباشرة وطلب منها الكف عن زعزعة استقرار اليمن؟ الموقف التركي يعتبر أكثر وضوحا في جانبين، الأول في وقوفه إلى جانب السعودية، والثاني في المخالفة القوية للسياسة الإيرانية. تركيا ترى العمق الاستراتيجي ومصادر الطاقة وفرص الاستثمار لشركاتها التي تغزو العالم في الاستثمار في منطقة الخليج العربي. لذلك لا ترغب في أن ترى عوامل عدم الاستقرار، وهو مبدأ ينطبق على حرص تركيا ألا يتطور البرنامج النووي الإيراني إلى صراع، ولعل المبادرة التركية البرازيلية قبل بضع سنوات تعد مثالا على حرص أنقرة على خيار الاستقرار في المنطقة. { هل لما يجري الآن في اليمن أية علاقة بالصراعات الدائرة في العراق، وهل هناك احتمال إعادة ترتيب التوازنات على أساس نتائج عاصفة حزم؟ ما يحدث في اليمن سيطرح بالضرورة أسئلة حول مدى الارتباط مع ما يحدث في سورياأوالعراق. السؤال مشروع، لكن المتتبع يرى أن هذه العملية تأتي في إطار تغير القيادة السعودية، كما أنها تأتي في إطار ما فعله الحوثيون، خاصة ملاحقتهم للرئيس اليمني في عدن. يبدو أن عدم نجاح إيران في معركة تكريت، والانسحاب، والتدخل الأميركي، أعطى مؤشرا حول عدم المبالغة في التعامل مع الدور الإيراني. { هل تعتقد أن ما يجري في اليمن قد يؤثر بشكل من الأشكال على الوضع في سوريا؟ هل يمكن أن نتوقع تدخلا تركيا مماثلا مثلا في سوريا؟ الحديث عن تدخلات مماثلة يرد في سياق ما يحدث، مثلا في الحالة الليبية، والحالة السورية. لكن لكل حالة ظروفها الجيوسياسية، ومدى قدرة الأطراف المحيطة بها على التعامل مع التطورات. تركيا من جهتها تعتقد أن هناك أهدافا بإقحامها في سوريا، كاستنزاف اقتصادي وسياسي، لكنها لم تفعل.