شرع مجلس النواب على مستوى لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة في مناقشة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهات بشكل يجسد بحق أهمية التنظيم الجهوي وبقية الجماعات الترابية الأخرى في المنظومة الدستورية الجديدة بعدما أخذت حيزا مهما من احكام الدستور الذي خص الجهات والجماعات الترابية الاخرى بباب مكون من 12 فصلا ، بعدما خولها الشخصية الاعتبارية وإخضاعها للقانون العام، ومكنها من تسيير شؤونها بكيفية ديمقراطية، بعدما نص على انتخاب أعضاء المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر على غرار الجماعات الحضرية والقروية، بما يحمله ذلك من دلالات ديمقراطية وضمان النزاهة والشفافية وإفراز نخب جهوية قادرة على التدبير الجيد للشأن الجهوي ، عندما جعل التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادىء التدبير الحر والتعاون والتضامن ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة، عند ضمن للجهات والجماعات الترابية الاخرى المساهمة في تفعيل السياسة العامة للدولة وإعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين، عندما خولها اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة حتى تتمكن من تدبير شؤونها على الوجه المطلوب بتوفرها على موارد مالية ذاتية وموارد مالية مرصودة من قيل الدولة أو بتحويلها الموارد المطابقة لكل اختصاص منقول إليها، عندما خولها سلطة تنظيمية لممارسة الصلاحيات الموكولة إليها. في هذا السياق ، جاءت المادة 66 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهات بمقتضى جديد يضع حدا لمفارقة قانونية غير مقبولة إن لم نقل غير مشروعة تتمثل في إعطاء الجهاز الإداري أو التنفيذي حسب الحالة الحق في عزل المنتخب عندما خولت مقتضيات هذه المادة القضاء وحده الاختصاص بعزل أعضاء المجلس الجهوي والتصريح ببطلان مداولات مجلس الجهة وكذا تنفيذ المقرارات والقرارات التي قد تشوبها عيوب قانونية كما نصت صراحة على أن القضاء وحده يبقى الجهة المختصة فيما يخص حل مجلس الجهة. لقد جاءت هذه المادة لإعطاء البعد الدستوري للجهة مدلوله الحقيقي فيما يخص العلاقة بين سلطتي التعيين والانتخاب بعدما ارتقى الإصلاح الدستوري الجديد بالجماعات الترابية إلى مؤسسات دستورية يتم تنظيمها بمقتضى قوانين تنظيمية تعتبر مكملة للدستور بعدما كانت منظمة بموجب قوانين عادية . غير أن التفعيل السليم لأحكام الفصل 136 من الدستور الذي بمقتضاه» يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادىء التدبير الحر « لايمكن أن يتحقق مادام الجهاز الإداري يتحكم في مسطرة العزل من خلال مراسلة أعضاء مجالس الجماعات الترابية وكذا رؤسائها ونوابهم لتقديم إيضاحية كتابية حول الافعال المنسوبة إليهم بشأن مخالفتهم للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، حيث تبقى للعامل أو الوالي السلطة التقديرية المطلقة لتكييف هذه الأفعال وإحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية من اجل طلب عزل عضو المجلس الجماعي المعني أو الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس، خاصة عندما يترتب على إحالة الأمرإلى المحكمة الإدارية توقيف المعني بالامر عن ممارسة مهامه إلى حين البت في طلب العزل داخل أجل لا يتعدى شهرا من تاريخ توصلها بالاحالة. وتزداد هذه المفارقة القانونية تعقيدا في العلاقة بين سلطتي التعيين والانتخاب بما نصت عليه المادة 69 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات بالإعلان فورا ، بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية ، بعد رفع الأمر إليها من قبل عامل العمالة أو الاقليم، عن إقالة رئيس المجلس أو نائبه الذي ثبت ، بعد انتخابه ، أنه مقيم في الخارج حينما نصت الفقرة الأولى من هذه المادة على أنه «لا يجوز أن ينتخب رئيسا أو نائبا للرئيس أعضاء مجلس الجماعة الذين هم مقيمون خارج الوطن لأي سبب من الأسباب». فإلى أي مدى تنسجم هذه العلاقة بين سلطتي التعيين والانتخاب مع التوجهات الدستورية الجديدة الهادفة إلى بناء وتقوية مؤسسات دولة حديثة ، بما فيها الجماعات الترابية ، بما يضمن فصل السلط وتوازنها وتعاونها، وإقامة جهوية متقدمة، مادامت السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بواسطة ممثليها الذين تختارهم في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحروالنزيه والشفاف باعتباره اساس مشروعية التمثيل الديمقراطي على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي والمهني.