*لحسن بنبراهيم سكنفل: لا يجب أن نخرج بحكم يصبح فيه الإجهاض هو الأصل والإبقاء على الجنين هو الاستثناء * عبد الرحيم العطري: يجب فتح أوراش للنقاش من أجل الوصول الى حلول وسطى لا ننقلب فيها على مقوماتنا الدينية والثقافية مع الجدل الأخير الذي عرفه المغرب بخصوص موضوع تقنين الإجهاض السري، والذي تميز بانقسامات في وجهات النظر سواء الدينية أوالعلمية أوالقانونية، ارتأت "العلم" أن تسلط الضوء على الموضوع، عبر رصد حالات لعينة من فتيات ونساء اتخذن من الإجهاض السري وسيلة للتخلص من حملهن غير المرغوب فيه، مع التركيز على الجانب المتعلق بالتقنين من خلال أخذ أراء علماء الدين والاجتماع. فتيات في مقتبل العمر دفعتهن المراهقة إلى خوض غمار التجربة، فغرتهن النظرة والابتسامة الأولى، وأخريات رمت بهن الأقدار في ساحة الخطيئة، ليجدن أنفسهن في الأخير في علاقة غير شرعية، كانت نتيجتها فقدانهن لعذريتهن وبالتالي حملهن، ووسيلتهن الوحيدة للهروب من الفضيحة والعار الذي سيلحق بهن أينما حللن وارتحلن، هو اللجوء إلى الإجهاض إما عن طريق العيادات الطبية التي تقوم بمثل هذه العمليات في ظروف غير قانونية، أو باللجوء إلى "العشابة" الذين يمنحون وصفات عشوائية لأعشاب خطيرة يمكن أن تؤدي عواقب وخيمة على صحتهن وكافية لتفقدهن الحياة. استسلمت للإجهاض تجنبا للفضيحة قابلتنا خديجة (اسم مستعار) شابة في العشرينات من عمرها، بدا الخجل واضحا على محياها وهي تسرد لنا تفاصيل قصتها، "التقيت به في الكلية التي أدرس بها، وقعت في حبه من النظرة الأولى، لتتطور بعد ذلك علاقتنا" تسكت لبرهة، قبل أن تواصل بعد ذلك أنه عندما علم بحملها بدأ يلح عليها في الهاتف ليل نهار، حتى تتخلص منه بأية طريقة، "كنت خائفة من المصير الذي سألقاه، كانت لي رغبة في الاحتفاظ بالجنين، لأنه بالنسبة لي ثمرة الحب الذي جمعني به، طلبت منه أن نتزوج للاعتراف بالطفل لكنه رفض بحجة أنه لازال طالبا "ومزال الوقت قدامنا ونتزوجو"، وفي الأخير استسلمت للإجهاض تجنبا للفضيحة. وعن الطريقة التي لجأت إليها للإجهاض، تضيف خديجة "جمعنا فلوس لمنحة ديالي وديالو، وشي فلوس كانو عندي ومشيت لعند واحد الطبيب ودارلي لعملية"، وفجأة بدأت عيناها تدمع لتسترسل في الكلام، فقال لي "ماشي نتي لولا لي غتحيدي بنادم، شوفي شحال من بنت قدامك، راه مزال لخير لقدام، نتزوجو ونديرو وليدات". وحول علاقتهما بعد الإجهاض صرحت خديجة ل"العلم"، أنه في اليومين المواليين كان يتصل بها للاطمئنان على صحتها بعد العملية، لكن بعد ذلك انقطع الاتصال بينهما ولم يعد يلتحق بالكلية. وعندما سألت عنه وجدت أنه قد سافر خارج المغرب بحثا عن العمل. أنا نادمة على فعلتي تركنا خديجة، واقتادتنا رحلة البحث إلى ربط الاتصال بفاطمة 19 سنة (اسم مستعار)، التي رفضت الالتقاء بنا واكتفت بسرد قصتها في اتصال هاتفي مع "العلم". تحكي (فاطمة) أن مراهقتها المبكرة وطيشها دفعاها إلى الدخول في علاقة مع شاب يكبرها بعامين، التقت به في إحدى المقاهي المتواجدة بمدينة الرباط، فتبادلا أرقام الهاتف، ليدخلا في علاقة غير شرعية، وبعد أن أصبحت حاملا اكتشفت أمها الواقعة فحاولت أن تخفي الأمر عن أب الأسرة، لتلجئ إلى إحدى العيادات لكن لغلاء تسعيرة الاجهاض، قررت الأم اللجوء إلى "العشاب"، "كان يلتقي بي يوميا، ونتكلم في الهاتف بشكل سري، كنت أتغيب عن فصول الدرس لأخرج برفقته، ولأنني أحببته كنت ألبي جميع رغباته، وبعد فترة اكتشفت أنني حامل". علمت أمي بالأمر، تقول (فاطمة) بصوت خافت "حيت شافتني مريضة بزاف، بدأت تبحث عن أية وسيلة لدرء الفضيحة، ونظرا لحالتنا المعوزة، ذهبت عند "العشاب"، وأحضرت مجموعة من الخلطات، فشربتها" لتشعر بعد مدة بوجع شديد، فاضطرت الأم الى أخذها إلى المستشفى، حيث أجريت لها عملية. وختمت (فاطمة) اتصالها مع "العلم" قائلة،"هو هرب ماعرفتوا فين مشى حاولت أنا وماما نقلبوا عليه، ملي سولت لقيتو كان غي كيكذب عليا ماشي ولد المدينة، دابا راني رجعت نقرا، وراني ندمانة بزاف، ولحد الساعة الأب ديالي ما فخباروا والوا، أما كون دفني من شحال هاذي". سيدة "شريفية" كان على يدها الفكاك حياة الشابة العشرينية التي ذاقت من الدنيا طعم المرارة، بصوت مهموس تحكي ل"العلم" عبر اتصال هاتفي، قصتها مع الإجهاض التي كانت بالنسبة لها أفضل حل حتى لا يعيش ذلك الوليد ما عاشته هي من حرمان حتى من أبسط الحقوق، ألا وهو الاعتراف بالنسب، فكانت حياة نتيجة زواج بالفاتحة حسب قولها، فوالداها كان همهما الانجاب واستغلال أولادهما لكسب قوت العيش. فهي لا تتذكر تفاصيل عيشها ببيت العائلة لأنها فتحت عينيها فوجدت نفسها خادمة بيوت في سن السادسة، كانت تنتظر آخر الشهر حتى تلمح وجه أبيها وتسرق نظرات منه من خلف نافذة المطبخ. تفاصيل كثيرة حملتها حياة عن ظروف عيش الخادمات، انتهت بالمبيت في محطة الحافلات والوقوف عند إشارات السيارات، من حضن لآخر ارتمت، حتى وجدت نفسها حاملا من صلب مجهول، "أين لي أن ألد في مجتمع لا يرحم"، بسخط تتحدث حياة، التي عندما علمت بالأمر التجأت لصديقات لها وقعن في نفس المشكل، فأوصوها بسيدة "شريفية" كان على يدها الفكاك. لم تنكر حياة في اتصال معنا، أن عملية الاجهاض كانت صعبة "ناولتني "الشريفية" خلطة أعشاب استعملتها لمدة 3 أيام وبعدها جاءت إلى بيتي وانفردت بي في الغرفة التي أكتري مع صديقاتي، وبدأت تدلك بطني في اتجاه الأسفل وتناولني شرابا مرا ابتلعته، ضربت على بطني بشدة وبكل ما أوتيت من قوة"، مضيفة "لم يكن من السهل أن أجهض كاد يغمى علي من شدة الألم الذي شعرت به ليلتها، الى أن استسلم جسدي والدماء تسيل من تحتي، فقالت لى "نوضي على سلامتك"، وكلفتني العملية تؤكد حياة مبلغ 1000 درهم أديتها بالتقسيط كانت كريمة معي حتى شفيت، فهي تقدم خدمة انسانية تبتغي بها وجه الله لا أكثر". وحول مسألة تقنين الاجهاض أجمعت الحالات الثلاث، أنه حتى وإن كان التقنين ساريا في الفترة التي أردن فيها القيام بالإجهاض، فإنهن سيبحثن عن أية وسيلة كيفما كانت للقيام به، مادام الطرف الأخر لم يرغب في الزواج بهن لدرء الفضيحة، ولم يتخيلن أنفسهن ذاهبات أمام مرآى الجميع لإجراء هذا الإجهاض الذي سيؤدي إلى تشويه سمعتهن أمام مجتمع لا يرحم، وبالتالي في اعتقادهن سواء تم تقنينه أم لم يتم سيبقى الإجهاض ومخاطره قائمين وسيظل حلا مناسبا للكثيرات وبكل الطرق التقليدية أو العصرية. لحسن بنبراهيم سكنفل: لا يجب أن نخرج بحكم يصبح فيه الإجهاض هو الأصل والإبقاء على الجنين هو الاستثناء صرح لحسن بنبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات- تمارة، ل"العلم"، أن حكم الإجهاض في الإسلام التحريم "لأن الجنين له وجود وكيان قائم، بدليل قوله تعالى ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أنشأنها خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ). ووضح أن هذه الآية "تدل على أن الجنين في بطن أمه له وجود منذ مراحل تكوينه الأولى، فالمرأة عندما تكون حاملا الإسلام يبيح لها الافطار في رمضان، وذلك ليس لمرض في ذاتها ولكن لوجود ذلك الكائن في رحمها، وبذلك فهي ليست حرة في جسدها، والجنين الذي وجد داخل الرحم حتى ولو كان من الزنى لا يجوز إسقاطه". وبناء على ذلك، يضيف ذات المتحدث، "فالعلماء يقررون أن للجنين حرمة لا يجوز الاعتداء عليها، ولكن هناك اجتهادات لعلماء اختلفوا في قضية الإجهاض، مثل المذهب الحنفي، الذي فيه من العلماء من يقول بجوازه ولو داخل مدة أربعة أشهر، ولكن آخرين يقولون بجوازه داخل مدة أربعة أشهر لعذر، أما المذهب المالكي فتشدد في هذه القضية وذهب إلى عدم جواز إسقاط الجنين لأنه لا يجوز إخراج مني الرجل من رحم المرأة ولو قبل 40 يوما". وأضاف سكنفل، أنه "يجب العودة إلى حكم الشريعة التي تقول إن الأصل هو التحريم، ولكن إذا كانت هناك ضرورة تتعلق بحياة الأم وبصحتها فإن ذلك الإجهاض يصبح جائزا ضمن دائرة ضيقة جدا، حتى لا نخرج بحكم يصبح فيه الإجهاض هو الأصل والإبقاء على الجنين هو الاستثناء". أما حول موضوع تقنين الإجهاض، فاعتبر سكنفل في اتصال مع "العلم"، أن الحديث عنه سابق لأوانه، "فالفتوى في هذا الأمر لا يمكن أن تصدر من شخص واحد بل لا بد من الاستماع إلى جميع الآراء والإنصات بهدوء حتى نخرج برأي يستند إلى الشريعة في أصلها، وينظر إلى الواقع نظرة فيها ايجاد الحل للمشاكل" مضيفا أن "هذا الأمر يهم الجميع بما فيهم علماء الشريعة، وعلماء الاجتماع و النفس، والقانون، والأطباء، وهذا ما أشار إليه الملك محمد السادس، حينما صرح باحترام أحكام الشريعة وبأنه لا يجب أن نحرم الحلال ولا أن نحلل الحرام". عبد الرحيم العطري، يجب فتح أوراش للنقاش من أجل الوصول الى حلول وسطى لا ننقلب فيها على مقوماتنا الدينية والثقافية بالنظر إلى ما أصبح يثيره الإجهاض من توترات داخل المجتمع، قال عبد الرحيم العطري أستاذ علم الاجتماع في اتصال مع "العلم"، "إننا أصبحنا أمام وقائع وليس أمام ظاهرة، لا نمتلك بصددها إجابات دقيقة لوجود تضارب في الأرقام، فهناك من يقول بوجود نحو 600 إلى 800 حالة إجهاض تتم يوميا بشكل سري، وهناك من يرفع من هذا الرقم ومن يقلل منه، ومادمنا نتحدث عن رقم غير مضبوط فإننا لن نجازف ونقول بأن الأمر يتعلق بظاهرة اجتماعية، لذلك أتحفظ على هذا التوصيف، وأقول أننا أمام وقائع اجتماعية تثير الكثير من الجدل بالنسبة للمتفقين معها أو المؤيدين لها، ثم المعارضين وأيضا الذين يقفون في الوسط". وأضاف العطري، بخصوص تقنين عملية الإجهاض، أن "الجدل القائم حوله يمكن أن نوزعه على أربع مقاربات على الأقل، المقاربة الأولى ترى أن الاجهاض ينبغي أن يكون مفتوحا على الغالب وأن يتحول الى حق أساسي من حقوق تقرير المصير إن صح التعبير، وألا تكون هناك رقابة عليه، ولكن هذه المقاربة ليس لها حضور قوي في هذا النقاش وإن كان موجودا، على اعتبار أنه حق في إطار الحريات الفردية ..." . وعن المقاربة الثانية قال إنها "تدعو إلى تقنين الإجهاض وليس إباحته، لأنه علينا أن نكون حذرين اتجاه ما يقع الآن، وخصوصا في الجانب الإعلامي الذي عليه أن ينقل ما هو كائن في اتجاه تدبير خلاص معين لهذه المشكلة، فهذه المقاربة تدعو إلى تقنينه وجعله طبيا وفق شروط معينة، ودفعاتها في ذلك هو ارتفاع الأرقام ثم الضرائب الاجتماعية والنفسية والسياسية أيضا لواقعة الاجهاض السري، ولهذا علينا أن نبحث ونفكر ونمارس نوعا من التمرين الديمقراطي لقبول الاختلاف". والمقاربة الثالثة التي تعبر "عن نوع من الانفتاح الديني، الذي يدعو الى الإجتهاد والبحث عن حلول وسطى، وعن تقارب بين العلم والدين وبين المجتمع، لكي نخرج من هذه الورطة الاجتماعية إن صح التعبير بأقل الخسائر الممكنة. وأخيرا المقاربة الرابعة، التي هي في مستوى آخر يرفض تماما فتح أي نقاش في هذا الموضوع على اعتبار أن الأمر محسوم قبلا". ليخلص العطري أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو كيف نخرج من هذا الجدل، فالنقاش ضروري ومهم لأنه على الأقل يجعل الاختلاف حاضرا بقوة بين الرؤى، ويجعلنا نتدبر طرق تملك أو امتلاك الفضاء العمومي، كما يجب إطلاق دينامية الحوار، والبحث في المشترك وليس البحث في الخلاف، "لأننا للأسف الشديد، نركض في كثير من الأحيان وراء الاختلاف ولا نركز على المشترك، واليوم لا أحد يرضى سواء من هذا الطرف أو ذاك على هذا الهدر البشري بهذا المعنى، لا أحد يرضى أن يستمر هذا الاجهاض، المطلوب أن نجلس على مائدة الحوار وأن نفتح الكثير من أوراش النقاش، من أجل الوصول الى حلول وسطى لا ننقلب فيها على مقوماتنا الدينية والثقافية وفي نفس الآن نحافظ على هذه الخصوصية وأن نعمل باسترتيجية الباب المفتوح لتقبل مختلف الاراء" . رغم أن موضوع تقنين الإجهاض، اعتبره البعض إيجابيا من شأنه أن يساهم في الخفض من نسب الوفيات في صفوف الحوامل للحفاظ على صحة الأم والجنين، بينما اعتبره البعض الآخر أن من شأنه أن يوسع هامش الحرية، وسيمنح لبعض الأطباء فرصة جني أرباح طائلة دون أن يخشوا من ملاحقة القانون. إلا أن الحديث عنه سيظل ساري المفعول، حتى الوصول إلى نتائج ترضي الطرفين معا، خاصة مع دخول الملك محمد السادس على الخط، بإصدار توجيهاته السامية من أجل الانكباب على تدارس هذا الموضوع الذي صار قضية طبية بامتياز، عبر تنظيم لقاءات واستشارات موسعة مع جميع الفاعلين المعنيين وتلقي آرائهم على اختلافها.