تؤكد مصادر مطلعة، أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مستغلة نفوذها الكبير في سوق النفط العالمية من أجل التخلي عن دعمه لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وتشير نفس المصادر إلى أن المسعى السعودي سيتم مقابل التفاوض على بذل جهود في اتجاه إعادة رفع أسعار النفط. في هذا السياق، يقول مسؤولون سعوديون وأمريكيون إن الرياض دخلت في محادثات مباشرة مع موسكو منذ أشهر، ويتوقعون أن ينتج عنها اختراق سياسي في الموقف الروسي المتصلب من الأزمة السورية التي تدخل عامها الخامس. ومن غير الواضح حتى الآن إلى أي مدى وصلت المحادثات بين الجانبين، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن السعوديين يعتقدون أنهم يتمتعون بما يكفي من التأثير على الرئيس الروسي بالنظر إلى قدرتهم على تعديل اتجاه أسعار النفط من خلال خفض الإنتاج. وبوتين، الذي قال في وقت سابق إنه يفضل التعايش مع المصاعب الاقتصادية على أن يستجيب للضغوط الخارجية لتغيير سياساته، مازال يصعد من تداخلات بلاده في أوكرانيا رغم تشديد العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، ويصر أيضا على دعم الأسد الذي ينظر إليه باعتباره امقاوماً للتشدد في المنطقة. في نفس الإطار، قال دبلوماسي سعودي، طلب عدم الكشف عن هويته، إنه لا يرى أي أسباب تدعو السعودية إلى التراجع عن مساعيها للتوصل إلى اتفاق بخصوص الحرب في سوريا "إذا ما كان النفط جديرا بأن يتحول إلى حل". ويعد حدوث أي تغير في الموقف الروسي تجاه الأسد بمثابة الخط الأول في إعادة دفع الكفاءة السياسية في العالم للعثور على مخرج من الأزمة. ويمكن أن يقود التغيير إلى تشجيع السعوديين على المضي قدما في استغلال النفط في أهداف أبعد من ذلك. ويقول محللون إن الهدف التالي سيكون المفاوضات الغربية مع إيران حول ملفها النووي، وإذا نجحت هذه الاستراتيجية فإنها قد تمتد إلى محاصرة النفوذ الإيراني. روسيا والثمن السياسي ويشير المسؤولون السعوديون في أكثر من مناسبة، على أن أسعار النفط تخضع فقط للعرض والطلب في السوق الدولية، وأن الرياض لن تسمح بأن تؤثر الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة على أجندتها الاقتصادية. لكنهم شددوا في الوقت نفسه على أنه لا مانع من تحقيق بعض المكاسب الدبلوماسية من وراء الاستفادة من استراتيجيتهم الحالية التي تعتمد على الإبقاء على أسعار النفط منخفضة، ومن بين هذه المكاسب التفاوض لخلق معادلة جديدة لا يكون الأسد ضمن أطرافها في سوريا. وفي نونبر الماضي، زار العاصمة الروسية وفد من السعودية. وقال أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية إن المباحثات التي أجراها الوفد مع المسؤولين الروس لم تكن الأخيرة ولكنها استمرت منذ ذلك الوقت، رغم وفاة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في 23 يناير الماضي. وقال السيناتور الأمريكي عن ولاية ماين أنغوس كينغ، الذي كان في زيارة للرياض، إن "السعوديين يتمتعون بنفوذ شامل"، وأضاف "لديهم مساحة للمناورة أكبر من الآخرين. الموقف كمن يمتلك مليون دولار وآخر يعيش كل يوم بيومه". السعودية في موقع قوة ويبدو أن كينغ على حق، فقد وصلت احتياطات المملكة العربية السعودية المستثمرة في أصول خارج البلاد إلى 733 مليار دولار. وتستطيع الرياض الاعتماد على هذه الأصول لسنوات قادمة دون التعرض إلى أي هزات مفاجئة، وهي رفاهية تفتقر كل من موسكو وطهران إليها، مثلهما مثل منتجي النفط الصخري في أميركا الشمالية. وهذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها السعوديون في مفاوضات جدية مع الروس حول الأزمة السورية، لكن الفارق يبقى أن أسعار النفط خلال المفاوضات السابقة لم تكن بهذا المستوى من التراجع. ويقول مراقبون إن التأثير الفعلي للرياض يتوقف على مدى جدية التدهور الاقتصادي الذي تعاني موسكو من وطأته. ويشرح غريغوري غاوز، الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مدرسة بوش للخدمات الحكومية والعامة في جامعة تكساس، أبعاد العلاقة بين الجانبين قائلا "إذا كان الروس يعانون إلى درجة أنهم أصبحوا في حاجة عاجلة إلى رفع أسعار النفط، فإن السعوديين في موقع جيد لإجبارهم على دفع ثمن جيوسياسي من أجل ذلك".