اعتبر إعلاميون وملاحظون سياسيون أن ردود الفعل «التحريضية»، التي جاءت ردا على الهجوم الدموي على «شارلي إيبدو» أخطر بكثير من الجريمة التي ارتكبت بفرنسا. وقالوا إن هذه الردود فتحت الباب على مصراعيه أمام كل الحاقدين على الإسلام والمسلمين لبث سمومهم وأحقادهم والتحريض ضد عشرة ملايين مواطن أوروبي مسلم». وانتقدوا ما صرح به الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» بخصوص الحادث، عندما قال «إننا نواجه حربا» ولم يحدد طبيعة الحرب، قبل أن يعود رئيس الوزراء ويؤكد أن الحرب ليست ضد دين ما ولكن ضد الإرهاب، على حد تعبير «عبد الباري عطوان». كما أكدوا أن ما حدث في فرنسا، «جريمة» يريد البعض استغلالها وتحويلها إلى حرب ضد الإسلام والمسلمين، وتحميل المسلمين في فرنسا والعالم بأسره المسؤولية عنها، ومن لا يدينها أو يتبرأ منها بشكل مباشر مشروع مجرم أو إرهابي، يقول الكاتب. وتساءلوا «ألم ترسل الحكومة الفرنسية طائراتها إلى ليبيا لتقصف جنودا ومواطنين ليبيين، والآن سوريين وعراقيين؟وهل طالبنا الشعب الفرنسي بالاعتذار لنا، أوتنظيم المسيرات تضامنا مع ضحايانا؟، أو رفع لافتات تقول كلنا عمر أو خالد أو مصطفى مثلا». من جهة أخرى تطرقوا إلى ما تعرفه المساجد الإسلامية بفرنسا، من إطلاق للرصاص، وتعليق لرؤوس الخنازير وأمعائها على أبواب المساجد، على حد تعبير الكاتب الذي أكد، أن بعض جدران هذه المساجد كتب عليها «الموت للعرب»، مما يعني أن يمين المتطرف يسن أسنانه للانتقام، والجالية الإسلامية في حالة من الخوف والقلق، يقول الكاتب. وتنص المادة 24 من قانون الصحافة الفرنسي الصادر في29 يوليو1881( المعدل بالقانون الصادر في22 سبتمبر2000 الذي دخل حيز التنفيذ في أول يناير2002) علي جريمة التحريض علي التمييز العنصري أو علي الكراهية أو علي العنف ضد فرد أو طائفة من الناس وهي جريمة قائمة بذاتها. وتعتبر هذه الجريمة صورة للتحريض غير المتبوع بأثر. وتعد من طائفة الجرائم التي تقع بمجرد نشر الأمور التي تنطوي علي التحريض على أحد الأمور المتقدم ذكرها ولو لم يترتب علي ذلك وقوع ضرر معين. ومن ثم لا يشترط لتحققها توافر نتيجة مادية معينة اكتفاء بالنتيجة القانونية وهي تعريض الحقوق التي يحميها القانون للخطر. وقد رصد لها المشرع الفرنسي عقوبة الحبس لمدة سنة وغرامة قدرها خمسة وأربعون ألف يورو. وقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن تجريم هذا الفعل لا يعد خروجا علي حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في المادتين9 1و101من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان,بل يمثل ضمانة ضرورية للسلم العام وحماية النظام وحقوق وحريات الغير على أن هذا التجريم مشروط بضوابط تحدد ركني الجريمة محل البحث، فتنهض هذه الجريمة علي ركنين: ركن مادي وآخر معنوي. ويستلزم الركن المادي نشاطا ماديا متمثلا في التحريض العلني المباشر الذي ينصب علي التمييز أو علي كراهية طائفة أو طوائف من الناس أو استعمال العنف في مواجهتها. والمقصود بالكراهية البغض وإضمار الشر. ويشترط أن يكون التحريض بسبب انتماء هذه الطائفة إلي منشأ واحد أو أصل واحد أو أمة واحدة أو سلالة واحدة أو ديانة واحدة وقد توسع القانون الفرنسي في مفهوم الطائفة فنص في المادة1 225 من قانون العقوبات المعمول به ابتداء من1 مارس1994 على أنه يعتبر تميزا(discrimination) كل تمييز بين الأشخاص بسبب المنشأ أو النوع (sexe) أو الوضع الاجتماعي للأسرة(situationdefamille) أو الحالة الصحية (etatdesante) أوالإعاقة (handicap) أوالأخلاق(moeurs) أوالآراء السياسية (opinionsoplitiques) أوالنشاط النقابي أو الأصل أو الأمة أو السلالة أو الدين. المدلول القانوني للتحريض محل التجريم ولم يشر قانون الصحافة الفرنسي إلي شروط التحريض المتطلب توافرها في هذه الجريمة, إلا أن محكمة النقض الفرنسية استقرت علي انه يشترط للعقاب علي هذا التحريض أن يكون مباشرا ومحددا بالقدر الذي يكفي لإقناع القاضي بالنشاط أو السلوك المطلوب اتباعه. وبعبارة أخري يجب أن تكون الكلمات المنشورة دالة دلالة واضحة وأكيدة علي معني واحد هو الحث علي البغض الطائفي أو علي الكراهية أو علي ارتكاب أفعال عنف معينة وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض الفرنسية أن أنتقاد ولو بعبارات قاذعة مجموعة من الأفراد من أصل افريقي لسبب يرتبط بسلوكهم أو ممارساتهم لا يدخل في حكم المادة24 من قانون الصحافة(crim3.mars1980Bull.74) كما قضي بأنه يشترط أن يستخلص التحريض المباشر لا من خلال روح الكتابة وإنما من خلال عباراتها, للدلالة علي التحريض علي ارتكاب أفعال محددة تحديدا ماديا. ولا يجوز الخلط بين التحريض وهو ما ينطوي علي إحماء شعور المخاطب وإدخال فكرة إجرامية معينة في وجدانه بقصد دفعه أو تشجيعه علي اتخاذ سلوك معين,وبين ابداء الرأي في مسألة معينة أو النقد التاريخي الذي يرتكز علي وثائق حقيقية. فالمحرض يفرض علي الغير ويطلب منه ويحثه علي اتيان فعل أو اتخاذ سلوك محدد تحديدا نوعيا, أما مجرد عرض وقائع ثابتة في وثائق وانتقادها فهو يدخل في مجال الرأي والتعبير, فلا يعد تحريضا ولو كان متجاوزا حدود النقد المباح. ولا يصح القول بأن من شأن نشر تلك الأمور أو الوثائق الحث علي التمييز أو الكراهية أو العنف, فهي من قبيل النتائج الاحتمالية التي لو أخذنا بها لإعمال النص القانوني لوسعنا من نطاق تطبيقه, فيغدو أداة للعصف بالحريات. وإذا كان المشرع الفرنسي قد وضع نصا احتياطيا يشدد عقوبة جريمة القذف العلني إذا كان القذف موجها ضد أشخاص ينتمون إلى منشأ واحد أو أصل واحد أو أمة واحدة أو سلالة واحدة أو ديانة واحدة( المادة32 فقرة2), ورصد أيضا عقوبة الحبس لمدة سنة وغرامة قدرها45000_ يورو أو إحدي هاتين العقوبتين, إلا أنه لا يمكن القول بتوافر هذه الجريمة إذا كان النشر مباحا في الأحوال الآتية. أما المادتان 32 و33 من نفس القانون فتنص على حظر أي شخص من إهانة أو التشهير بشخص آخر أو مجموعة بسبب الانتماء إلى عرق أوجنسية أو دين أوجنس أو توجه جنسي أو الإصابة بإعاقة بشكل مباشر أو غير مباشر. عقوبة التشهير سنة في السجن بحد أقصى وغرامة قد تصل إلى 45 ألف يورو أو أيا من العقوبتين. أما عقوبة الإهانة فستة أشهر في السجن بحد أقصى وغرامة قد تصل إلى 22 ألف يورو أو أيا من العقوبتين. ويستطيع النائب العام رفع دعوى ضد من يخالف القوانين بدون أن يكون هناك مدعى عليه للحد من حدوث اضطراب مدني يؤدي إلى جرائم. كما تتضمن المادة 20 من الإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية (أصدرته الأممالمتحدة عام 1966 وأقر من 168 دولة منهم فرنسا عام 1976) على أن أي تأييد للكراهية على أساس ديني أو قومي أو عنصري محظور بالقانون. حق التعبير مكفول للجميع، ولكن بعض التعبير يقع تحت بند «خطاب الكراهية» وهذا الخطاب قانونيا جريمة. وهو نفس الاتجاه ونفس الموقف الذي يتبناه الاتحاد الدولي للصحفيين الذي يؤكد على ضرورة منع وتجريم ثقافة الكراهية وبث الفتنة الطائفية والتحريض على العنف باعتبارها تربة صالحة لنمو الإرهاب واستشرائه.