طالب باحث بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس السويسي – الرباط - [email protected] عرف العالم عبر مختلف الأزمنة منازعات وتطاحنات عانت منها البشرية وعاشت بسببها فترات عصيبة تفجرت فيها همجية الطغاة، لتفتك وبكل وحشية بالإنسان، وتعصف بما يتوق له الكل من استتباب الأمن والسلم وإشاعة التوادد والتعاون لإسعاد الخلق. ورغم ما أعقب ذلك من صحوة ودعوة إلى استبعاد العنف والتركيز على الحكمة لحل كل النزاعات، وما شهده من مبادرات اتخذت أشكال مختلفة عبر الأزمنة من نداءات وتصريحات وتوافقات وتنظيمات، فإننا لازلنا نعاين الفترة تلو الأخرى نشوب حروب ونزاعات ودخول أطرافها في قتال غير مبالين بما تم الإتفاق عليه متناسيين التزامهم. ولعل أهم ما التحم حوله المنتظم الدولي في اتجاه الحد من ويلات النزاعات المسلحة هو قواعد القانون الدولي الإنساني التي تهدف إلى حماية الأشخاص المتضررين مما ينجم عن تلك النزاعات من آلام وأضرار، كما يهدف لحماية الممتلكات التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية. ولقد دأب الفقه التقليدي على تسمية هذا القسم من القانون الدولي بقانون الحرب، ومن ثم قانون النزاعات المسلحة قبل أن يطلق عليه مصطلح القانون الدولي الإنساني. ويتكون هذا القانون من معاهدات لاهاي (1899 و 1907) التي تهدف إلى وضع قيود على سير العمليات العسكرية وسلوك المتحاربين، ومعاهدات جنيف الأربعة لعام 1949 والبرتوكولان الإضافيان لعام 1979، والتي جاءت لحماية ضحايا النزاعات المسلحة من جرحى ومرضى وحماية الممتلكات والأعيان المدنية، حيث شكلت هذه الاتفاقيات منظومة قانونية مترابطة العناصر، غاياتها الحد من آثار الحروب وإقرار شكل من أشكال التوازن بين "الضرورات الحربية " و"الاعتبارات الإنسانية"، بإضافة للأعراف الدولية المتمثلة في السلوك المتكرر للدول أثناء الحرب والاحتلال العسكري، والتي احتوت قواعد لاهاي ومعاهدات جنيف على كثير منها. فالقانون الدولي الإنساني قانون قائم بذاته، من حيث تحصينه بآلية وضمانات تنفيذ متكاملة تشمل الوقائي والزجري على حد السواء، ولو طبقت قواعده بحزم وحسن نية لأغنت عن الكثير من الجدل، ومن الحلول التي حاول البعض استنباطها علها تجدي نفعًا أمام الانتهاكات الصارخة للقواعد الإنسانية في النزاعات المسلحة. فاتساع الهوة بين أحكام هذا القانون وواقع النزاعات المعاصرة وتطبيقه والذي يواجه صعوبات في تنفيذ أحكامه لأسباب عديدة، قد تحكمها مصالح أطراف النزاع أو التقصير دوليًا في متابعة ومعاقبة مرتكبي الجرائم، لذلك فإن تطبيق يوجب اتخاذ إجراءات وسبل في فترتي السلم والحرب، ولا يتعلق الأمر بالتقيد بأحكامه أثناء وطيس المعارك فحسب، بل يجب الاستعداد لذلك زمن السلم. إذن فالإشكالية الرئيسية للقانون الدولي الإنساني لا تكمن في غياب أو ضعف قواعده بقدر ما تكمن في ضعف آليات وضمانات تطبيق هذه القواعد بصورة تفضي إلى تحقيق مراميها الإنسانية السامية المتمثلة في حماية الانسان وصيانة كرامته. وهذا ما جعل واضعي اتفاقيات جنيف يفكرون باتجاه دعم تنفيذ القواعد الإنسانية، حيث تقع المسؤولية الأولي لتطبيق هذه الاتفاقيات على عاتق الدول الأطراف في مواثيق القانون الدولي الإنساني عمومًا وعلى الأطراف المتنازعة خصوصًا، كما أن هناك قنوات أخرى من واجبها المساهمة في احترام هذا القانون والمتمثلة في نظام الدولة الحامية، واللجنة الدويلة للصليب الأحمر، والآلية الجنائية المعهود بها للمحكمة الجنائية الدولية التي أنشأت من قبل مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المنعقد بالعاصمة الإيطالية روما، و المؤرخ في 17 تموز/يوليو 1998، والتي أضحت مختصة بالمحاكمة عن الجرائم الدولية المنصوص عليها في نظامها الأساسي، و جميعها تشكل انتهاكات صارخة لقواعد القانون الدولي الإنساني، هذا بالإضافة إلى بعض الآليات الأخرى و المتمثلة في إجراءات التحقيق واللجنة الدولية لتقصي الحقائق والعاملون المؤهلون والمستشارون القانونيون في القوات المسلحة. أما فيما يخص ضمانات تطبيق هذا القانون فتتمثل في القوة الإلزامية لقواعد القانون الدولي الإنساني وكذا المبادئ المقررة لضمان احترام القانون الدولي الإنساني. وللإحاطة بكل ذلك، إرتأينا تقسيم هذا المقال إلى محورين رئيسيين، تناولنا في الأول آليات تطبيق القانون الدولي الإنساني، وفي الثاني تطرقنا لضمانات احترام القانون الدولي الإنساني. المحور الأول : آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني المحور الثاني: ضمانات احترام القانون الدولي الإنساني المحور الأول : آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني يهدف القانون الدولي الإنساني إلى حماية فئات معينة من الأشخاص و الأعيان في المنازعات المسلحة، والتخفيف من حدة الآلام الناجمة عن تلك المنازعات، وذلك عن طريق المبادرة بأسرع ما يمكن إلى توفير الحماية و تقديم المساعدات اللازمة. ولكي يتحقق هذا الهدف فلابد من تطبيق أحكامه ووضعها موضع التنفيذ، والمقصود من تنفيذ القانون الدولي الإنساني، هو العمل الذي يتم في زمن السلم وفي فترات المنازعات المسلحة لتجهيز و تسيير كل الآليات المنصوص عليها في هذا القانون بما يكفل تطبيقه و احترامه في جميع الظروف. ولتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني لابد من توافر آليات معينة تؤدي وظيفتها في زمن السلم أو في فترات النزاعات المسلحة، وتشترك في عملية التطبيق هذه الأطراف المتعاقدة، و الأطراف المتنازعة و الوسطاء المحايدون، و في حالة عدم احترام أحكام القانون الدولي الإنساني و قواعده، يتحمل الطرف الذي انتهكها مسؤولية هذا الفعل. ولكي يتسنى تنفيذ أحكام و قواعد القانون الدولي الإنساني فلابد من وجود آليات للإشراف و الرقابة على عملية التنفيذ. لذلك فإن البحث في هذا الموضوع يأخذنا إلى الحديث عن للآليات الرئيسية )أولاً(، وكذلك التطرق لبعض الآليات الأخرى )ثانياً(. أولاً: الآليات الرئيسية لتطبيق القانون الدولي الإنساني تتمثل هذه الآليات التي تعمل على تنفيذ و تطبيق القانون الدولي الإنساني، في احترام الدول الأطراف وثائق القانون الدولي الإنساني ذاتها، وتصدي لأي خرق قد يطولها، و كذلك الدولة الحامية التي تتكفل برعاية مصالح أطراف النزاع والسهر على تطبيق قواعد هذا القانون، وإذا لم تحدد دولة حامية فيمكن أن تكون اللجنة الدولية للصليب الأحمر بديلا للدولة الحامية، بالإضافة لدور المحكمة الجنائية الدولية في معاقبة خارقي القانون الدولي الإنساني. 1: الأطراف المتعاقدة لا يقتصر تطبيق القانون الدولي الإنساني – من حيث الاختصاص الزمني – على فترة النزاع المسلح، وإنما يقتضي العمل به كذلك في زمن السلم وفي فترات المنازعات المسلحة على السواء، ويجب أن يكون الاستعداد في وقت السلم على مستوى الأطراف المتنازعة و الأطراف المتعاقدة أيضا. فبداية، هناك واجب أساسي على الدول الأطراف المتعاقدة باحترام القانون الدولي الإنساني في كل الظروف، فمبدأ "الوفاء بالعهد" يمثل أفضل ضمانا لتطبيق القانون الدولي الإنساني، فالدولة بموافقتها رسميا على اتفاقيات جنيف الأربعة، وبانضمام بعضها إلى بروتوكوليها الإضافيين، فإنما هي قد تعهدت بضمان احترام هذه الاتفاقيات من جانب كل منها في إطار سلطتها. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الدول الأطراف اتخاذ التدابير الضرورية لهذا الغرض و إعطاء التعليمات المناسبة، والإشراف على تنفيذها، ويمكن القيام بذلك – إذا لزم الأمر – عن طريق القائد العام للقوات المسلحة، وكذلك بأن تضع تحت تصرف الجيش مستشارين قانونيين متمرسين. وعلى الأطراف المعنية أن تنشر أيضا على أوسع نطاق المواد القانونية المنظمة للقانون الدولي الإنساني، ويشمل هذا – من بين أمور أخرى – إدخال دراسة تلك المواد في التعليم، وبخاصة في التعليم العسكري. وكذلك يمتد العمل على نشر ليشمل زمن السلم وفترات النزاعات المسلحة، ويستهدف المدنيين و العسكريين حيثما وجدوا، ويتضمن برنامج التدريب العسكري و المدني، وبهذا الشأن يعد دور الهيئات الإنسانية، مثل الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر و الهلال الأحمر، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، دورا بالغ الأهمية، إلا أن المسئولية الأولى تقع على عاتق الدول. فنصوص اتفاقيات جنيف و البروتوكول الإضافي الأول لا تكتفي في موادها الأولى بإلزام الدول الموقعة عليها باحترام مقتضياتها باتخاذ تدابير محلية تضمن ذلك، وإنما ألزمت الدول أيضا بالعمل على أن "تكفل احترام الاتفاقيات في جميع الأحوال" و "فرض احترام البروتوكول في جميع الأحوال, وهما الصيغتان الواردتان، الأولى عام 1949 و الثانية 1977. ولعل عبارة "كفالة احترام" أو "فرض احترام"، يفهم منها أن الدول ينبغي أن تتحرك إزاء أحد الأطراف المتعاقدة التي تخل باحترام و تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني، ولا شك أن هذا التحرك يندرج ضمن الالتزامات الدولية للدول التي ينبغي أن تقوم بها كلما ظهر هناك انتهاك جسيم للاتفاقيات و البروتوكول. بمعنى أخر أن الدول يتوجب عليها أن تتحرك بكل الوسائل الممكنة و المتاحة، سواء بصورة فردية أو جماعية، من أجل ضمان احترام قواعد القانون الدولي الإنساني من قبل جميع الدول الموقعة على الاتفاقيات، ويؤكد هذا الالتزام الطابع العالمي و الإنساني الشمولي الذي تتميز به قواعد هذا القانون عن كثير من قواعد القانون الدولي العام، كما يؤكد الطابع الجماعي الذي تكتسيه كثير من آليات مراقبة تنفيذ هذه القواعد. غير أنه في الوقت الذي تقبل فيه الدول – وخاصة التي وقعت على اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول – بهذا الالتزام لفرض احترام قواعد القانون الدولي الإنساني حتى وإن لم تكن معنية مباشرة بالانتهاكات التي تتعرض لها هذه القواعد، لا نجد تفاصيل واضحة و دقيقة حول الطرق و الوسائل التي ينبغي أن تعتمدها هذه الدول في تحركها – بشكل فردي أو جماعي – للوفاء بهذا الالتزام. مما دفع عددا من المعنيين بالقانون الدولي الإنساني إلى الاعتماد في تحديد بعض هذه الطرق على مرجعيات خارج هذا القانون، لكنها منسجمة مع روح هذا الأخير ومقاصده، وقد اشتملت أهم تلك الاجتهادات القانونية على أربع صيغ أساسية يمكن للدول التحرك من خلالها لفرض احترام القانون الدولي الإنساني : أ- الطرق الدبلوماسية : ويمكن أن تأخذ عدة أشكال : مواقف التنديد الصارمة و المتكررة من جانب أكبر عدد ممكن من الدول يتم تبليغها لسفراء الذين يمثلون الدولة التي قامت بمخالفة قواعد القانون الدولي الإنساني، وقيام سفراء هذه الدول بتبليغ نفس المواقف للدولة المعنية. التنديد العلني من جانب دولة أو مجموعة دول بانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني، ويمكن أيضا أن تستند إحدى المنظمات الإقليمية و العالمية إلى هذا التنديد لممارسة ضغط على الدولة المعنية به لدفعها إلى احترام القانون. وتعد الممارسة الدولية غنية بهذه المواقف، من أبرزها الموقف الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية ونقلته إلى مجلس الأمن في 20 دجنبر 1990 بشأن إجلاء المدنيين الفلسطينيين من الأراضي المحتلة، وكذا قرار مجلس الجامعة العربية المعقد في 31 غشت 1990 بالقاهرة و الذي ندد فيه المجلس بسوء معاملة العراق للسكان المدنيين في أعقاب تدخله العسكري في الكويت. ب- الطرق الزجرية : أي استعمال القوة من قبل الدول لزجر الدولة المسئولة عن الانتهاكات الجسيمة وإرغامها على تنفيذ و احترام القانون الدولي الإنساني. ومع أن روح هذا القانون تتعارض كليا مع استخدام القوة فإن ذلك قد يصبح ضروريا للالتزام بتطبيقه، شريطة ألا يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة ولا يتعدى الحدود المعقولة بحيث يتوجب هنا مراعاة بعض الأحكام وأهمها : توجيه التدابير الزجرية ضد الدولة التي صدرت عنها المخالفة غير المشروعة، وينبغي أن تكون المخالفة في هذه الحالة من نوع المخالفات الجسيمة. أن يسبق ذلك تحذير موجه إلى الدولة المعنية بدعوتها إلى وضع حد للمخالفة. يجب أن تكون التدابير الزجرية متوازية في حجمها مع حجم المخالفة. احترام المبادئ الإنسانية الأساسية كما ينص على ذلك القانون الدولي العام و القانون الدولي الإنساني، كحظر توجيه العمليات الزجرية ضد بعض الفئات و الأفراد. يجب أن تكون التدابير مؤقتة، بحيث تتوقف حالما تكف الدولة المعنية عن خرق القانون الدولي الإنساني. ت- تدابير زجرية دبلوماسية و تجارية: ويمكن أن تشمل : طرد الممثلين الدبلوماسيين لدولة المخالفة كما حدث ضد احتجاز الرهائن الأمريكيين بالسفارة الأمريكية في العاصمة الإيرانيةطهران، بحث ردت الولايات المتحدة بطرد عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين من مقرات عملهم بواشنطن، كذلك يمكن اللجوء إلى قطع العلاقات الدبلوماسية كما فعلت الولايات المتحدة مع إيران لذات السبب. توقيف المفاوضات الدبلوماسية الجارية أو رفض المصادقة على الاتفاقيات التي تم توقيعها، فخلال التدخل السوفيتي في أفغانستان عام 1979 رفض الكونغرس الأمريكي بحث اتفاقيات التقليص من بعض أنواع الأسلحة التي تم توقيعها من طرف الإتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الأمريكية. الامتناع عن تجديد الامتيازات و الاتفاقات التجارية. التقليص أو توقيف المساعدات المقدمة للدولة المخالفة، بحيث توقفت هولندا عن تنفيذ برنامج للمساعدة يستغرق من 10 إلى 15 السنة لفائدة "السورينام" وذلك ردا على المجازر التي ارتكبتها المليشيات و انتهاك القانون الدولي الإنساني بذلك البلد خلال دجنبر 1982. تقليص أو فرض حصار تجاري على بيع الأسلحة و التكنولوجيا العسكرية و التعاون العلمي مع الدول المخالفة، ويعد العراق مثالا بارزا في هذا السياق، بحيث تعرض لحصار صارم في مجال الأسلحة في أعقاب تدخله العسكري في الكويت. قطع العلاقات التجارية جزئيا أو كليا، إذ لجأت الولايات المتحدة إلى فرض حصار على الحبوب ضد الإتحاد السوفيتي عقب تدخله في أفغانستان عام 1979، كما فرضت المجموعة الأوربية حظرا شاملا على الواردات القادمة من الأرجنتين خلال "حرب المالوين" عام 1982، وقطعت الولايات المتحدة علاقاتها مع أوغندا عام 1978 ردا على انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني. توقيف الاستثمارات، فقد منعت فرنسا إحداث استثمارات جديدة بجنوب إفريقيا عام 1985 عقب تشديد إجراءات القمع ضد السود. تجميد الأرصدة، تعرض العراق لهذا الإجراء من قبل المجموعة الأوربية منذ 1990. ث- اتخاذ التدابير بالتعاون مع منظمات دولية و جهوية : فعلى صعيد المنظمات الدولية، فالبروتوكول الإضافي الأول يخول للأطراف المتعاقدة العمل بالتعاون مع الأمم المتحدة في حالات الخرق الجسيم لاتفاقيات جنيف، وفي هذا السياق يمكن تصور تدابير متخذة على مستوى مجلس الأمن وكذا على مستوى الجمعية العامة. فعلى مستوى مجلس الأمن يمكن الحديث عن التدابير التي تنص عليها المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، لاسيما وأن من أسباب اللجوء إلى هذه التدابير تهديد السلم أو الإخلال به نتيجة ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني. و إذا كانت التدابير التي تنص عليها المادة 41 من الميثاق الأممي تكتسي طابعا سلميا، فإن المادة 42 تبيح اللجوء إلى القوة "إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به". و على مستوى الجمعية العامة يمكن أن تساهم هذه الأخيرة في الضغط على الأطراف المخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني من خلال إصدار قرارات تندد بذلك، وإصدار توصيات تدعو إلى فرض عقوبات على الدولة المعنية. كذلك يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تدعو مجلس الأمن و الجمعية العامة والأمين العام للمنظمة إلى اتخاذ تدابير ملائمة أو إصدار إعلانات تهم تطبيق القانون الدولي الإنساني و إدانة الانتهاكات التي يتعرض لها هذا الأخير، ويمكن للدول الأعضاء أيضا دعوة الأمم المتحدة لإرسال مقررين خاصين لإجراء تحقيقات بشأن انتهاكات القانون الدولي الإنساني، و ذلك بنفس الصيغة التي يجري بها العمل في مجال حقوق الإنسان. أما على صعيد المنظمات الجهوية، فإن بعضها يمكن أن يساهم بفعالية في فرض احترام القانون الدولي الإنساني خاصة تلك المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان كما هو الشأن بالنسبة للجنة الأوربية لحقوق الإنسان، و اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان. فقد سبق للأولى أن أصدرت قرارات في هذا المجال بشان انتهاكات حقوق الإنسان في كل من اليونان و تركيا، كما سبق للثانية أن أصدرت قرارات مماثلة تتعلق بالخروقات التي عرفتها "جمهورية الدومينيك" عام 1965 خلال حربها الأهلية. إلا أنه برغم من كل هذه التدابير الزجرية المتاحة و التزام الأطراف المتعاقدة في اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول باحترام وفرض احترام النصوص، إلا أنه مازالت هناك عدة دول تتقاعس عن الوفاء بهذه الالتزامات تحت ذرائع و حجج واهية يكتسي بعضها طابعا قانونيا وأخرى سياسية. 2: الدولة الحامية الدولة الحامية هي الدولة التي تكون مستعدة بالاتفاق مع أطراف النزاع على حماية رعايا كل طرف لدى الطرف الآخر، وعلى المساعدة و الإشراف على تطبيق الاتفاقيات، وقد نصت على هذه الآلية المادة المشتركة 8-8-8-9 من الاتفاقيات الأربعة حيث: "تطبق الاتفاقيات بمعاونة وتحت إشراف الدولة الحامية"، ثم عزز البروتوكول الإضافي الأول وجود الدولة الحامية بأن نصت المادة 5 منه على: "يكون من واجب أطراف النزاع أن تعمل منذ بداية النزاع على تأمين احترام و تنفيذ الاتفاقيات وهذا البروتوكول و ذلك بتطبيق نظام الدولة الحامية"، كما عهد إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أو منظمة إنسانية محايدة، أن تعرض مساعيها الحميدة لتعيين دولة حامية يوافق عليها أطراف النزاع، إذا لم يتم تعيين أو قبول دولة حامية. وسأتناول هذه الآلية من حيث كيفية تعيينها و مهامها و ممثليها والقيود المفروضة على عمل ممثليها، وكذا مدى تفعيلها. أ- تعيين الدولة الحامية : لكل طرف في النزاع أن يعين دولة حامية منذ البداية مع ضرورة موافقة الخصم عليها، وإذا تمت هذه الموافقة لابد له من أن يسمح لها بالعمل. ب- مهام الدولة الحامية : تتكفل برعاية مصالح أطراف النزاع إذ تقوم مثلا بحماية و إغاثة الضحايا وبحماية الأسرى و المدنيين، كما تتكفل بمساعدة الدول على تطبيق الاتفاقيات الأربعة والبروتوكول الإضافي الأول، و الإشراف على هذا التطبيق. ت- ممثلو الدولة الحامية : يمثلها الدبلوماسيون أو القناصل أو مندوبون من رعايا الدولة الحامية أو رعايا دولة محايدة بشرط موافقة الدولة التي سيؤدون عملهم فيها. ث- قيود على عمل ممثلي الدولة الحامية : على هؤلاء الممثلين الالتزام بالمهام التي خولتها لهم الاتفاقيات، ومراعاة أمن الدولة التي يعملون لديها، كما أن على هذه الدولة ألا تقيد أنشطتهم إلا بصفة استثنائية للضرورة الحربية وحدها. ج- مدى تفعيل هذه الآلية : استخدمت خلال الحرب العالمية الثانية إذ قامت سويسرا و غيرها بدور الدولة الحامية، لذا تبنتها اتفاقيات جنيف الأربعة، غير أنها لم تفعل بصورة ملموسة بعد الحرب العالمية الثانية إذ وجدت آلية الدولة الحامية في بعض العلاقات أو المجالات بصورة غير كاملة، ويرجع ذلك إلى صعوبة إيجاد دولة محايدة تقبل تولي هذا الدور، وإلى طبيعة الحروب والنزاعات المسلحة التي أصبحت في معظمها غير دولية، و التي ينتفي الدور القانوني للدولة المحايدة فيها. ح- آلية بدائل الدولة الحامية : نصت على هذه الآلية المادة المشتركة 10 – 10 – 10 – 11 بين اتفاقيات جنيف الأربعة: حيث أن "للأطراف السامية المتعاقدة أن تتفق في أي وقت على أن تعهد إلى هيئة تتوفر فيها كل ضمانات الحياد و الكفاءة بالمهام التي تلقيها هذه الاتفاقية على عاتق الدولة الحامية". وقد عزز البروتوكول الإضافي الأول هذه البدائل بأن نص على أنه إذا لم يتم تعيين دولة حامية على الدول أطراف النزاع أن تقبل بدائل الدولة الحامية، و المقصود بها المنظمات الدولية المحايدة وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر. 3: اللجنة الدولية للصليب الأحمر تأسست اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف عام 1866 وهي منظمة دولية إنسانية غير حكومية لأنها تتكون من متطوعين يمثلون أنفسهم ولا يمثلون حكوماتهم وتميزها شارة أساسية هي الصليب الأحمر على أرضية بيضاء وشعاره هو "الرحمة وسط المعارك" وتعتمد أيضاً شعار "الإنسانية طريق السلام" وقد ساهمت اللجنة في تأسيس الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ( المادة 1 و 3 من النظام الأساسي للجنة ). ومن المهام الأساسية للجنة والتي ورد ذكرها في مادتها الرابعة من نظامها الأساسي ، صون ونشر المبادئ الأساسية للحركة ألا وهي الإنسانية وعدم التحيز، والحياد، والاستقلال، والطوعية، والوحدة، والعالمية ( المادة 4/أ ) والاضطلاع بالمهام التي توكلها إليها اتفاقيات جنيف، والعمل على التطبيق الدقيق للقانون الدولي الإنساني المطبق في المنازعات المسلحة وتسلم الشكوى بشأن أي إخلال مزعوم بهذا القانون ( المادة 4/ج ) العمل في جميع الأوقات، بوصفها مؤسسة محايدة تمارس نشاطها الإنساني بوجه خاص في حالات المنازعات المسلحة – الدولية أو غيرها – أو الاضطرابات الداخلية، على تأمين حماية ومساعدة الضحايا العسكريين والمدنيين للأحداث المذكورة وما يترتب عليها من عواقب مباشرة ( المادة 4/د ) والعمل على تفهم ونشر القانون الدولي الإنساني المطبق في المنازعات المسلحة، وإعداد ما قد يلزم من تحسينات لتطويره ( المادة 4/ز ). وعلى ذلك يكلف النظام الأساسي للجنة الدولية للصليب (بتطبيق القانون الدولي الإنساني بأمانة)، (ولذلك تسعى تلك اللجنة إلى جمع كل ما تستطيعه من معلومات حول ما تحقق من إجراءات وطنية لتنفيذ القانون الدولي الإنساني ولقربها من واقع تطبيق هذا القانون ومناطق النزاعات المسلحة وفقاً لمهامها المعترف بها صراحة في اتفاقيات جنيف ولاسيما المادة 9 المشتركة والمادة 3 المشتركة ، والمادة 81 من البروتوكول الأول والمادة 18 من البروتوكول الثاني ). كذلك يمكن للجنة الدولية أن تقوم بدور فاعل في حل بعض المشكلات كتبادل الأسرى وتبادل الزيارات لهم والإشراف على أوضاعهم، ويمكنها أيضاً أن تقدم ملاحظاتها على الأوضاع التي اكتشفتها، والقيام بمبادرات لدى الأطراف المتحاربة والدول المتعاقدة عن دراسة واطلاع، ولا يقتصر عمل اللجنة الدولية على دولة أو مجموعة معنية من الدول أو حتى على فترة زمنية محددة من الزمن بل هي تقوم بعمل مستمر ومتواصل في التعريف بقواعد القانون الدولي الإنساني وتطبيقه من خلال المنشورات المتخصصة أو الندوات العملية، والبرامج التعليمية والتدريبية والإعلامية، وبرامج التعاون مع الجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر، والمؤسسات التربوية، واللقاءات مع الخبراء والمتخصصين. وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدور خاص وحيوي أثناء مباشرتها مهامها في المساعدة والحماية القانونية لأنها تكون على اتصال دائم بالضحايا وأطراف النزاع، ويمكنها أن تلفت نظر سلطات دولية تمارس أعمالها فيها لأي انتهاكات تقع. كذلك تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدور حيوي نحو العمل على تطبيق القانون الدولي الإنساني من خلال زياراتها الميدانية لمواقع الأحداث التي يمكن أن يحدث بها انتهاكات لهذا القانون والعمل على إزالتها سواء كانت هذه الزيارات بناء على شكوى من أصحاب الشأن أو بناء على مبادرة فردية لدى سلطات الدولة المعنية، والغالب أن تتم زيارات اللجنة لإزالة الانتهاكات بصورة سرية حتى تنجح مساعيها في التحقق من الشكاوى ووقف الانتهاكات ولكنها قد تلجأ إلى العلانية، إذا لم تنجح مساعيها أو إذا لم يلق مندوبوها التعاون الواجب، وذلك عن طريق عمل تقارير منشورة تفضح فيها هذه الانتهاكات مما يجعل سلطات هذه الدولة محل هجوم المنظمات الدولية وخاصة المعنية بحقوق الإنسان. ولا شك أن اللجنة تقوم بدور حيوي من أجل تنفيذ القانون الدولي الإنساني، في وقت السلم إضافة لما ذكرناه بشأن عقد البرامج التدريبية والندوات والمنشورات، تقوم اللجنة بتقديم خدماتها الاستشارية أو تشارك في تخليص العالم من الألغام أو تثبيت دعائم القانون الجزائي الدولي، كما لا يفوتنا في هذا الصدد ذكر مجهودات اللجنة الواضحة في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، ودعوتها الدول من أجل الانضمام إليها والتصديق على نظامها الأساسي. 4 : المحكمة الجنائية الدولية الدائمة أيقنت الإنسانية أنه لا سبيل للقضاء على انتهاكات القانون الدولي الإنساني، التي تزايدت وتيرتها في الآونة الأخيرة، بسبب زيادة القوة التدميرية للأسلحة الحديثة، التي باتت لا تفرق بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية، سوى بإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة تختص بالمحاكمة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني والمعاقبة عن ارتكاب الجرائم الدولية التي تستوجب العقاب . وقد تحقق هذا الحلم الذي ظل يراود فقهاء القانون الدولي منذ عقود بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، لكي تتحقق المسؤولية الدولية الجنائية، بجوار المسؤولية الدولية المدنية، وبوجود جزاء جنائي بجوار التعويض في حالة وجود انتهاكات خطيرة للالتزامات الدولية خاصة عندما تصل إلى حد ارتكاب جرائم دولية ضد القانون الدولي، وضد الوجود الإنساني في حد ذاته وبقائه. تم التوقيع على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مدينة روما بتاريخ 17 تموز 1998 والذي دخل حيز النفاذ في أول تموز 2002 وقد وقع وصدق عليه أكثر من 90 دولة – كل دول العالم تقريباً – حيث وقعت كل من أمريكا وإسرائيل في اليوم الأخير المحدد للتوقيع وهو يوم 31 كانون الثاني عام 2000. اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالمعاقبة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني : تختص المحكمة الجنائية الدولية بالمعاقبة على أربع طوائف من الجرائم الدولية، هي جرائم الحرب والإبادة والعدوان والجرائم ضد الإنسانية كما وردت في نص المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وجميع هذه الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة هي عبارة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني. وقد حرص واضعو النظام الأساسي للمحكمة على تناول هذه الجرائم التي تشكل خطراً بالغاً على الإنسانية وأمن البشرية تناولاً دقيقاً بتحديد الأفعال التي تشكل الركن المادي لها، وبالتالي فلا يجوز القياس عليها أو التوسع فيها وهو المبدأ الذي حرصت على النص عليه المادة 22 من النظام الأساسي للمحكمة. ويمكن سرد هذه الجرائم بإيجاز شديد للتدليل على انتمائها لانتهاكات القانون الدولي الإنساني على النحو التالي : أ- جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي : يقصد بها " كل سلوك يستهدف قل أو إلحاق أذى جسيم بجماعة معينة بقصد إهلاكها كلياً أو جزئياً " وقد عرفتها المادة السادسة بأنها تعني أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جرئياً : أ- قتل أفراد الجماعة، ب- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، ج- إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي أو جزئياً، د- فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، ه- نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى. وتعتبر جريمة الإبادة الجماعية من جرائم القانون الدولي الإنساني لأنها ترتكب في أوقات الحرب أي وقت نشوب نزاع مسلح، وهو أحد الشروط والخصائص الأساسية للقانون الدولي الإنساني ، وسواء كان هذا النزاع نزاعاً دولياً أو نزاعاً داخلياً ، كما أنها من الواضح أنها ترتكب ضد الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني، سواء من المدنيين أو من المقاتلين الذين تخلوا عن السلاح كالجرحى والأسرى والمرضى، وهم فئات محميون بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949م وبروتوكولاتها لعام 1977م كما عاود النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التأكيد على هذه الحماية وأسبغ عليها طابعاً جنائياً جعل من هذه الانتهاكات ضد القانون الدولي الإنساني جرائم دولية تستحق العقاب الذي يصل إلى الحبس 30 سنة أو الحبس المؤبد. ب- الجرائم ضد الإنسانية : عرفت المقصود بهذه الجرائم المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث تقول : لغرض من هذا النظام يشكل أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الإنسانية متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم : أ- القتل العمد ، ب- الإبادة ، ج- الاسترقاق د- إبعاد السكان أو القتل القسري للسكان، ه- السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي ، و- التعذيب ، ز- الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو العمل القسري أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، ط- الاختفاء القسري للأشخاص، ي- جريمة الفصل العنصري، ك- الأفعال غير الإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يعلق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية . ونستنتج من هذا النص أن الجرائم ضد الإنسانية هي جرائم موجهة ضد المدنيين بصورة محددة حيث يتم استهدافهم بصورة مباشرة أثناء نشوب النزاعات المسلحة كما يلاحظ أن هذه الجرائم تشكل جرائم بشعة ضد المدنيين حيث يرتكب في حقهم تنم عن الوحشية والبربرية ، كما أن نطاقها يتسم بأنه هجوم واسع ومنهجي بمعنى أنه يتم في إطار عمل منظم ومرتب من أجل تصفية المدنيين أو إبعادهم أو استبعادهم أو امتهانهم أو إصابتهم بأضرار صحية أو عقلية خطيرة. ولاشك أن المدنيين من الفئات المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني، ويأتي دور المحكمة الدولية في حمايتهم بتوقيع العقوبة الجنائية الرادعة ضد من يرتكب تلك الجرائم مما يسهم في التطبيق السليم للقانون الدولي الإنساني. ت- جرائم الحرب : الحرب العدوانية أمر محرم ضد القانون الدولي ، وقد نصت المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة على تحريم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية ، ومع ذلك لم يمنع هذا من نشوب الحروب والمنازعات بل تتزايد وتيرتها ويستفحل خطرها وأثارها يوماً بعد يوم ، مما جعل القانون الدولي الإنساني يتدخل لأجل حماية الفئات المشمولة برعايته أثناء نشوب تلك المنازعات ، وجعل انتهاكات هذا القانون جرائم حرب تستوجب العقاب أياً كان مرتبوها حكاماً أو محكومين. ويدل هذا على التزاوج الوثيق بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي ، وأن الأول هو المصدر أو المعين الذي يستقي منه الثاني التجريم والعقاب ، إذ إن الركن المادي أو السلوك الإجرامي المكون لجرائم الحرب هو عن انتهاكات ومخالفات جسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949م ، وغيرها من قواعد القانون الدولي الإنساني التي أوضحت قواعد المعاملة الإنسانية أثناء نشوب النزاع المسلح بين المتحاربين ، سواء في معاملتهم للسكان المدنيين أو لأسرى الحرب أو الجرحى والمرضى أو خطر استخدام أسلحة معينة كالأسلحة الكيماوية وأسلحة الدمار الشامل. وتعرف لائحة نورمبرج التي تم بموجبها محاكمة قادة الحرب الألمان في الحرب العالمية الثانية جرائم الحرب في مادتها السادسة فقرة (( ب )) بأنها الأعمال التي تشكل انتهاكاً لقوانين وأعراف الحرب، ويعرفها البعض بأنها ((كل فعل عمدي يرتكبه أحد أفراد القوات المسلحة لطرف محارب أو أحد المدنيين انتهاكاً لقاعدة من قواعد القانون الدولي الإنساني الواجبة الاحترام )). بينما يذهب آخرون إلى أنها (( الجرائم التي تمثل – ولاسيما في إطار خطة أو سياسة عامة أو هجوم واسع النطاق – انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها وللقوانين والأعراف السارية على المنازعات المسلحة الدولية وغير الدولية )). وقد أبرزت المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية صور السلوك الإجرامي لجرائم الحرب وهي تنقسم إلى الأقسام التالية : • الانتهاكات الجسمية لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها . • الانتهاكات الخطيرة لاتفاقيات جنيف في النزاعات المسلحة غير الدولية وفي حالة الاضطرابات. • الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية في النزاعات المسلحة غير الدولية. وتشمل انتهاكات اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها أي فعل من الأفعال الواردة فيها كالقتل العمد والتعذيب أو المعاملة غير الإنسانية وإجراء التجارب البيولوجية ضد أشخاص أو الممتلكات التي تحميها اتفاقيات جنيف وغيرها من الاتفاقيات ذات الصلة. ويلاحظ أن جرائم الحرب بهذا المعنى تكاد تشمل كل انتهاكات القانون الدولي الإنساني التي تحدث أثناء نشوب النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية حيث حرص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مادتها الثامنة على أن يتناول صراحة الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف ، ثم ذكر عبارة شاملة، وهي كل انتهاك جسيم لقوانين وأعراف الحرب سواء ما ورد في اتفاقيات جنيف أو غيرها. ولكن لا يعني هذا أن جرائم الحرب تغني عن الانتهاكات الأخرى للقانون الدولي الإنساني فقد ترتكب جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية ، وهي ليست بجرائم حرب لان لها أركانها وشروطها الخاصة التي تميزها عن جرائم الحرب والتي أهمها قصد الإبادة ولأسباب أثنية أو عرقية في جرائم الإبادة والارتكاب في إطار هجوم واسع النطاق بشكل منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين. ث- جريمة العدوان : على الرغم من أن جريمة العدوان هي أحدى طوائف الجرائم الدولية الأربع التي تختص بنظرها المحكمة الجنائية الدولية ، إلا أن اختصاص هذه المحكمة لن ينعقد بها لفشل واضعي النظام الأساسي في تعريف العدوان بسبب الخلافات السياسية ، كما هو شأن مصطلح الإرهاب حيث أدى الخلط الغربي بينه وبين الحق المشروع للشعوب في الدفاع الشرعي عن نفسها ، إلى استبعاده من نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. ولذلك قررت الماد الخامسة في فقرتها الثانية من نظام روما الأساسي لعام 1998 والتي تنفرد بتحديد اختصاص المحكمة، أنه سوف ينعقد الاختصاص للمحكمة بجريمة العدوان عندما يتم اعتماد تعريف لجريمة العدوان مع أن مصطلح العدوان تم تعريفه بموجب القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 بتاريخ 14 كانون الأول 1974 والذي يعرف العدوان بأنه (( استخدام القوة المسلحة من جانب إحدى الدول ضد سيادة و وحدة الأراضي ، أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى أو بأي بطريقة لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة )). الجهة المختصة بعرض النزاع على المحكمة الجنائية الدولية: الجهات التي يحق لها إحالة انتهاكات القانون الدولي الإنساني التي تشكل جرائم دولية بالمفهوم الوارد في المواد 5،6،7،8 من هذا النظام، جاء النص عليها في المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة حيث تنص على أن ((للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة (5) وفقاً لأحكام هذا النظام الأساسي )) في الأحوال التالية : إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقاً للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت. إذا أحال مجلس الأمن متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت. إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من الجرائم وفقاً للمادة 15. ونستنتج من ذلك أن نظام روما الأساسي قد حدد إمكانية عرض حالة انتهاك القانون الدولي الإنساني وفقاً لثلاث حالات: الحالة الأولى: إحالة المسألة عن طريق دولة طرف في المحكمة حيث يجوز لها وفقاً للمادة 14 أن تحيل إلى المدعي العام للمحكمة أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة – وعلى المدعي العام التحقيق في الأمر إذا قامت الدولة الشاكية – قدر المستطاع – بتحديد الانتهاكات والظروف ذات الصلة والمستندات المؤيدة لشكواها. الحالة الثانية: إحالة المسألة عن طريق مجلس الأمن وتخول المادة 13 فقرة (( ب )) مجلس الأمن الذي يسهر على حفظ السلم والأمن الدوليين والذي له بموجب هذا الواجب إذا كان هناك تهديد أو طرق أو إخلال بالسلم والأمن الدوليين ، أن يتدخل لإنهاء هذا النزاع بموجب الفصل السابع من الميثاق ، والذي يخوله اتخاذ إجراءات غير عسكرية كما يخوله إصدار تدابير وقرارات منها إحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية لكي تحقق في الانتهاكات وتصدر أحكام قضائية ملزمة يمكن أن يتولى مجلس الأمن تنفيذها. ويلاحظ أن مجلس الأمن هو الذي أحال النزاع بشان إقليم دارفور بالسودان إلى المحكمة الجنائية الدولية بمزاعم التحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني ، وبالفعل أصدرت قرارها بتسليم أربعة أشخاص متهمين بارتكاب الجرائم منهم اثنان من حركات التمرد ، واثنان من الموالين للحكومة السودانية هما : "علي كيشان" و"محمد هارون" ولكن رفض الرئيس السوداني تسليمها ، مما حدا بالمدعي العام للمحكمة إلى إعداد مذكرة لتوقيفه ، وبالفعل أصدرت الدائرة التمهيدية للمحكمة في 4 أذار 2009 قرار باعتقال الرئيس السوداني لأجل محاكمته عن الاتهام بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية. الحالة الثالثة : إحالة المسألة عن طريق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية : يحق للمدعي العام للمحكمة إحالة أي مسألة يرى أنها تشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، وذلك وفقاً للمادة 15 من نظام المحكمة والتي تخوله حق مباشرة التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة والذي عليه أن يقوم بتحليل هذه المعلومات بجدية ، وله أن يطلب مساعدة الدول وأجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الحكومية أو غير الحكومية أو أية مصادر أخرى. مصداقية المحكمة الجنائية الدولية وتقرير "جولد ستون" عن عدوان غزة : إن المدعي العام ومحكمته الجنائية الدولية مهددان بفقدان المصداقية ، ويكاد يتبدد الحلم والأمل الذي ظل يراود رجالات القانون الدولي بصورة عامة والقانون الدولي الإنساني بصورة خاصة وذلك بعد العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة في كانون الثاني 2009 والذي استمر حوالي 23 يوماً ارتكب الصهاينة خلاله جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ، حيث استهدف بقصفه الصاروخي وبالمدافع وبالطائرات وبالدبابات وبالسفن الحربية مساكن وتجمعات المدنيين والمساجد ودور العبادة ، بل حتى مقرات الأنروا الوكالة الدولية لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة لم تسلم منها حيث تم قصف مبانيها وما تحتويه من مساعدات إنسانية من أغذية وأدوية ومدارس تابعة لها قتلت فيها آلاف الأطفال والنساء والمدنيين أمام بصر العالم. وقد شهد بذلك ممثل الأنروا في قطاع غزة وقد رآه بنفسه سكرتير عام الأمم المتحدة "بان كي مون" عند زيادته للقطاع عقب انتهاء الحرب لتفقد مقرات الأمم المتحدة التي تم قصفها من الطيران الصهيوني ، رغم إخطارهم بعناوين وإحداثيات تلك المقرات ومع كل ذلك لم يحرك المدعي العام ولا مجلس الأمن الذي فشل في تنفيذ قرار وقف العدوان الذي أصدره في 12 يناير كانون الأول 2009 ، حينما أعلنت العدو الصهيوني رفضه له وعدم تنفيذه إلا بعد استكمال أهداف عدوانه والذي فشل في تحقيقها ، بسبب صمود المقاومة والشعب الفلسطيني حيث لم تستطع الآلة الصهيونية دخول قطاع غزة بصورة مستقرة ولم تمنع إطلاق صواريخ المقاومة ولم تحرر الجندي الأسير "جلعاد شاليط" ولم تضعف حركة المقاومة ولكنها في المقابل جلبت استهجان كافة منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية والمحلية الحكومية وغير الحكومية والرأي العام العالمي على المذابح البشعة التي اقترفها في قطاع غزة . وقد كلفت الأمم المتحدة عن طريق مجلس حقوق الإنسان القاضي الجنوب إفريقي "ريتشارد جولد ستون"، القاضي السابق بالمحكمة الجنائية الدولية عمل لجنة لتقصي الحقائق ورفع تقرير بذلك إلى مجلس حقوق الإنسان ، والذي تبنى بالفعل إدانة الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وقد صدر القرار في تشرين الأول 2009 بأغلبية 25 صوتاً ورفض 6 دول وامتناع 11 دولة وقد تم رفع القرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبنت قرار مجلس حقوق الإنسان في 10 تشرين ثاني 2009 بأغلبية 132 دولة. وبالرغم من كل هذه التقارير والقرارات والمعلومات والحقائق الساطعة والشكاوى التي قدمت إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ، ليترك اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة قادة الصهاينة عن تلك الجرائم الدولية ، إلا أن هذا المدعي العام للمحكمة لم يحرك ساكناً ولم يرفع مذكرة اعتقال بحق أي صهيوني كما فعل بالنسبة للرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي لم تثبت منظمة دولية محايدة تورط الحكومة السودانية في ارتكاب جرائم دولية سوى مزاعم هذا المدعي وكل ذلك يجعل مصداقية تلك المحكمة على المحك مما حدا بقادة إفريقيا أن يعلنوا مقاطعة المحكمة واتهامها بأنها لا تحاكم سوى قادة إفريقيا والعالم الثالث حيث يوجد أمامها 17 قضية كلها من إفريقيا. ثانياُ : الآليات الأخرى لتطبيق القانون الدولي الإنساني تتمثل الآليات الأخرى للإشراف على تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني في إجراءات التحقيق، ودور اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، وفي العاملين المؤهلين، والمستشارين القانونيين في القوات المسلحة. 1: إجراءات التحقيق تنص الاتفاقيات الأربعة لعام 1949 على إجراءات للتحقيق، ويجري التحقيق بناءً على طلب إحدى الأطراف في النزاع بشأن أي إدعاء بانتهاك الاتفاقيات، فإذا لم يتفق المتحاربون على إجراءات التحقيق الواجب إتباعها يتعين عليهم اختيار حكم يقرر الإجراءات التي تتبع. وهذا ما قد يشكل إحدى الأسباب التي يرجع إليها عدم تحقيق هذه الإجراءات لأي نجاح يذكر، إلا أن ثمة سبباً آخر لفشلها، وهو الجدل الحاد الذي أحاط بالمزاعم الخاصة بالانتهاكات، والتي انتشرت وراجت على نطاق واسع، ففي مقدور الدولة التي ترتكب انتهاكات أن تقتنع إلى حد ما في كثير من الأحيان بأن تضع حداً لهذه الانتهاكات، شريطة أن تكون المفاوضات سرية تماماً، إلا أنها غالباً لا تقبل بالطعن في المعايير الإنسانية أو في حسن نواياها عن طريق التحقيق في ما لا تسيطر عليه سيطرة كاملة. 2: اللجنة الدولية لتقصي الحقائق لقد تم إحداثها بموجب المادة 90 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 وذلك لأجل تفعيل آلية التحقيق التي نصت عليها الاتفاقيات والتي لم تطبق قط. وسأتناول في هذه الفقرة مهام هذه اللجنة و إطار عملها وتكوينها وتمويلها. أ- مهامها: تتمثل في: التحقيق في الوقائع المتعلقة بأي ادعاء خاص بانتهاك جسيم لاتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكول الإضافي الأول. القيام بالمساعي الحميدة للسعي إلى إعادة احترام أحكام الاتفاقيات و البروتوكول الأول. ب- إطار عملها: وضعت هذه الآلية في إطار خاص يتمثل في كونها جهازاً دائماً محايداً وغير سياسي وليست سلطة قضائية، كما أنها تمارس مهمتها أساساً في إطار النزاعات المسلحة الدولية، إذ تم إحداثها بمقتضى البروتوكول الإضافي الأول الخاص بهذه النزاعات، غير أنه يمكنها القيام بدورها في النزاع المسلح الغير دولي إذا اتفقت على ذلك الدول التي اعترفت باختصاصها. ت- شروط عملها: يشترط لعملها قبول اختصاصها من الدول الأطراف في البروتوكول الأول، أما الدول التي لم تنضم إلى هذا البروتوكول أو التي انضمت دون أن تعترف باختصاص اللجنة والتي توجد في نزاع مسلح، فيمكنها أن تطلب من هذه اللجنة إجراء تحقيق بشرط موافقة الطرف الآخر في النزاع، كما يشترط لعملها قبول طرفي النزاع معا باختصاصاتها. ث- تكوينها: تتكون من 15 عضوا على درجة عالية من الخلق و المشهود لهم بالحيادية، وينبغي أن يراعى في تشكيل هذه اللجنة " التمثيل الجغرافي في المقسط "، وينتخب الأعضاء من طرف الدول الأطراف في البروتوكول الأول لمدة خمس سنوات، ولها غرفة للتحقيق تتكون من سبعة أعضاء خمسة منهم من أعضاء اللجنة يعينهم الرئيس وعضوان خاصان يعين كل من طرفي النزاع واحداً منهم، وإذا لم يعين أي من العضوين الخاصين أو كلاهما، يعين رئيس اللجنة عضواً أو عضوين إضافيين حسب الحاجة لإكمال النصاب، وتقوم هذه الغرفة بالتحقيق في ادعاء الانتهاك، إذ تقوم بالبحث عن الأدلة أو القيام بالتحقيق، تم تعرض جميع الأدلة على الأطراف الذين لهم مناقشتها و الرد عليها، فإذا عجزت عن الوصول إلى الأدلة الكافية تبلغ الأجراف بذلك، وعند انتهاء عملها تعرض تقريرها النهائي على الأطراف، ثم تصدر التوصيات التي تراها مناسبة، وتتسم تقاريرها بالسرية فلا يطلع عليها سوى أطراف النزاع، لكن يمكنها نشر النتائج بناءاً على طلب جميع الأطراف. ج- تمويلها: تمول مصاريف هذه اللجنة من اشتراكات الدول التي اعترفت باختصاصها ومن المساهمات التطوعية، ويتكفل طرف النزاع الذي طلب التحقيق بالنفقات التي يتطلبها عمل غرفة التحقيق، وإذا قدمت أدلة مضادة يتحمل كل طرف نصف المصاريف. وقد تم تشكيل هذه اللجنة سنة 1992 بعد أن وصل عدد الدول التي قبلت اختصاصها إلى 20 دولة من الدول المنضمة إلى البروتوكول الإضافي الأول وهو العدد المطلوب لبدء النفاذ، وقد صادقة على اختصاصها 58 دولة من الدول المنضمة للبروتوكول الإضافي الأول إلى غاية 2006، والدول العربية الأعضاء فيها هي الجزائر و الإمارات المتحدة. والجدير بالذكر أن هذه الآلية لا زالت في المحك و لا زالت لم تعمل بعد نظراً لتوقف عملها أولاً وأخيراً على إرادة الدول مما جعلها تعاني من الركود الذي ترتب عنه استحالة تقييم كفاءاتها، وهذا ما يفسر موقف باكستان التي كانت من الدول المتشددة في ما يتعلق بهذه اللجنة بحيث كانت تدعو إلى إحداث جهاز "لإرغام" أطراف النزاع على احترام النصوص القانونية يتمثل في "لجنة دائمة لتطبيق القانون الدولي الإنساني"، ولمواجهة هذه المشكلة اقترح إجراء تعديلات بفصل عملها عن مبادرة الدول، وتمتعها بسلطات شبه قضائية من أجل اتخاذ قرارات ملزمة، ويعد غياب الإرادة السياسية لدى الدول العقبة الأساسية لتفعيل آليات احترام القانون الدولي الإنساني عموماً، و ذلك لاعتماد أغلبها على مبادرة أطراف النزاع المسلح أو قبولهم. 3: العاملون المؤهلون بهدف تسهيل تطبيق الاتفاقيات و البروتوكول الإضافي الأول، وخاصة فيما يتعلق بنشاط الدولة الحامية، فإن هذا البروتوكول يدعو الأطراف المتعاقدة إلى أن تسعى في زمن السلم لإعداد عاملين مؤهلين بمساعدة الجمعيات الوطنية. ويقدم العاملون المؤهلون في زمن السلم إلى سلطات بلدانهم المساعدة والمعلومات اللازمة لتطبيق القانون الدولي الإنساني أثناء النزاع المسلح، لذلك يمكن الإفادة بكفاءة الأشخاص المؤهلين في إطار أنشطة الدول الحامية. وتقوم الأطراف المتعاقدة التي تعد عاملين مؤهلين تنفيذاً لحكم المادة السادسة من البروتوكول الأول بإرسال قوائم بأسمائهم إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تضعها تحت تصرف الأطراف المتعاقدة، الأمر الذي سيتيح دون شك الاستعانة بخدمات هؤلاء الأشخاص على نطاق واسع لاسيما وأنه يمكن اختيارهم لكفاءاتهم، ليس فحسب من جانب سلطاتهم، بل وأيضا من جانب أطراف متعاقدة أخرى. 4: المستشارون القانونيون في القوات المسلحة ينص البروتوكول الأول لعام 1977، على أن دور هؤلاء المستشارون في تقديم المشورة للقادة العسكريين، بشأن تطبيق الاتفاقيات وهذا البروتوكول، وكذلك بشأن التعليمات المناسبة التي تعطى للقوات المسلحة فيما يتعلق بهذا الموضوع، ولا يرد الالتزام بهذا النص على نحو ملزم بدرجة كبيرة، بل يكفي الإشارة إلى مجرد العمل على تأمين توافر هؤلاء المستشارين القانونيين عند الاقتضاء. ويتمثل الهدف من هذا النص، في جعل مهمة القادة العسكريين أكثر فعالية ويسراً، ذلك أن قانون النزاعات المسلحة قد نشأ وسط النيران، وأن عبء تطوير هذا القانون و العمل على استمرار تطوره، إنما يقع على عاتق أولئك الذين يتولون القيادة العسكرية في الميدان، ويدخل التعريف بالالتزامات، كما تنص عليها الاتفاقيات و البروتوكول الأول، ضمن واجبات القادة، كما يضطلع المستشارون القانونيون بدور مهم في هذا الشأن، سواء في زمن السلم أو أثناء النزاعات المسلحة. المحور الثاني: ضمانات احترام القانون الدولي الإنساني من شأن آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني التي تم التطرق لها في المحور الأول، أن تبين مدى التزام الدول – أطراف النزاع – بتنفيذ أحكام هذا القانون، ويقودنا الحديث عن ضمانات احترام القانون الدولي الإنساني، إلى بحث موضوع القوة الإلزامية لقواعد هذا القانون )أولاً(، والمبادئ المقررة لضمان احترامه )ثانياً(. أولاً: القوة الإلزامية لقواعد القانون الدولي الإنساني إن قواعد القانون الدولي العام بصفة عامة، تعاني من ضعف القوة الإلزامية لها، ذلك أن الدولة هي فرد القانون الدولي المخاطب بأحكامه، و نظرا لعدم وجود سلطة عليا تحكم الدول، لأن التنظيم الدولي أساسا يقوم على فكرة سيادة الدولة، وإذا كانت قواعد القانون الدولي الإنساني وهي جزء من قواعد القانون الدولي العام، تعاني ما تعانيه و تفتقد في الإلزام إلى ما تفتقد إليه القاعدة القانونية الدولية، إلا أن قواعد القانون الدولي الإنساني تتميز بمزيد من الإلزام لها. فقواعد القانون الدولي الإنساني تتميز بصفتها الآمرة، بمعنى أن قواعده ملزمة لجميع الدول أعضاء المجتمع الدولي، ولا يجوز لأية دولة عضو في الجماعة الدولية أن تتفاوض على أية موضوعات تتعارض مع القاعدة الآمرة، وهو الأمر الذي نصت عليه المادة 53 من اتفاقية فيينا لعام 1969، حيث تقول : "إن المعاهدات المتعارضة مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام تعد باطلة بطلانا مطلقا، إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام". كما تنص المادة 38 من نفس الاتفاقية على أنه : "ليس في المواد من 34 إلى 37 ما يحول دون أن تعد قاعدة واردة في إحدى ملزمة لدول ليست طرف فيها باعتبارها قاعدة عرفية من قواعد القانون الدولي ومعترف لها بهذه الصفة". غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد حول ما يتعلق بمدى إلزامية قواعد القانون الدولي الإنساني، فهناك ضوابط أخرى تزيد من إلزامية قواعده، كاعتبار المخالفات الجسيمة لقواعده بمثابة جرائم حرب المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وعدم سقوط جرائم الحرب بالتقادم، وترتيب المسؤولية و فرض العقوبات على الدول التي تخرق قواعد القانون الدولي الإنساني، هذا بالإضافة إلى وجود آليات دولية لتنفيذ أحكامه – كما سبقت الإشارة إليها في المحور الأول -. ولكي تتمتع قواعد القانون الدولي الإنساني بقوة إلزامية أكبر على أرض الواقع لابد من تطوير مفهوم مبدأ السيادة الذي يقوم عليه التنظيم الدولي ليتماشى مع واقع الحال الذي يعيشه المجتمع الدولي المعاصر، كما لابد من تطوير ودعم مبدأ الاختصاص العالمي لقواعد هذا القانون. 1: تطور مبدأ السيادة يعد مبدأ السيادة، من أهم المبادئ القانونية التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة، وقد تعرض مبدأ السيادة للتطور منذ نشأته، فلقد تعاصر ميلاد فكرة السيادة مع ظهور الدولة الحديثة، إذ استحدثت هذه الفكرة لتبرير تركيز السلطة في يد الملوك بعد ما كانت موزعة من قبل – في ظل عهود الإقطاع في أوروبا – بين السلطة الزمنية الممثلة في الإمبراطور في عهد الإمبراطورية الجرمانية المقدسة، و السلطة الروحية الممثلة في بابا الكنيسة الكاثوليكية. وإذا كانت فكرة السيادة قد ظلت من المسلمات لفترة طويلة، لا ينازع فيها أحد منذ أن كتب لها الانتشار على يد الفقيه الفرنسي "جان بودان"، إلا أنها فهمت على معان كثيرة تتفاوت بين الإطلاق والتقييد، فالبعض فهمها بأنها تتيح للدولة سلطة مطلقه ولا تتقيد إلا بالإرادة السماوية، والبعض فهمها بأنها لا حدود لها، فلا تتقيد حتى بالدين، على أن الفقه التقليدي قد نجح بوضعها في إطار أكثر اعتدالا، فالدولة ذات السيادة تتقيد دائما بقواعد القانون الدولي لكونها قواعد ملزمة تعلو إرادة الدول. فبعد أن كانت السيادة تمثل للدولة السلطان الذي تواجه به الأفراد داخل إقليمها و وتواجه به الدول خارجه، ولم تكن تحكم في ذلك إلا إرادتها وحدها، فهي مرجع تصرفات الدولة في مختلف شؤونها، فكانت السلطة الحاكمة تعبيرا عن إرادة الدولة وفق نظامها السياسي، وعلى هذا الأساس فقد كانت السيادة فيما مضى سلطة مطلقة يترتب عليها نتائج خطيرة تهدم قواعد القانون الدولي بأكملها، إذ لا يمكن للدولة حسب هذا المفهوم أن تسلم بوجود أية قوة أخرى فوق إرادتها، ولو كانت قوة القانون و الأخلاق، ولا تقبل أن تقف في طريق مطامعها أي حائل، لأن إرادتها و رغباتها هي قانونها الأعلى، ولذا فالتعهدات التي ترتبط بها لا تلزمها إلا بالقدر الذي تريده، ولها أن تتحلل منها أو تخرقها متى شاءت، وبهذا اختلطت فكرة القوة بالدولة. فبهذه الفكرة لا يمكن أن تقوم دولة حقيقية، إلا إذا توافرت لديها القوة الكافية لفرض إرادتها و تحقيق أغراضها، فالدولة القوية هي التي يمكن أن تقوم و تبقى، أما الدولة الصغيرة فتزول و تبتلعها الدول الكبيرة، وكانت هذه النظرة هي الأساس القانوني لشرعية الاستعمار في القانون الدولي التقليدي، وقد أصبحت القوة هي التي تحكم القانون الدولي. وبقي هذا الحال على ما هو عليه إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، فنتيجة احتدام الحركة المناهضة للاستعمار و كذا التساؤلات التي طرحت حول التناقض القائم بين المضمون القانوني لمبدأ السيادة من جهة و تطبيقه عمليا من جهة أخرى، بدأ مفهوم السيادة يتغير حيث تم التوصل إلى أن لكل دولة حقها في أن تختار بحرية أنظمتها السياسية والاقتصادية و الثقافية، وهذا يقتضي واجب كل دولة في تنفيذ التزاماتها الدولية بحسن نية والعيش في سلام مع الدول الأخرى، بغض النظر عن الأنظمة المطبقة في الدول المختلفة. ثم ما لبثت السيادة أن اكتسبت طابعا قانونيا، ودقت التفرقة بينها وبين أفكار قانونية أخرى تتداخل معها، إذ قصد بها أمران : أولهما أن الدولة لا تخضع في علاقاتها الخارجية لسلطة أخرى، وهذه هي "السيادة الخارجية"، وثانيهما أن الدولة هي السلطة العليا في ما يجري من علاقات داخلها وهذه هي "السيادة الداخلية"، وتغدو سيادة الدولة تامة غير منقوصة متى توافر لها الاستقلال الخارجي والسلطان الداخلي، على أن ما اصطلح عليه "بالسيادة الخارجية" يختلط بمبدأ الاستقلال، وما اصطلح عليه "بالسيادة الداخلية" يختلط بفكرة السلطة ذاتها، وقد أدت صعوبة البحث في هذه الاصطلاحات إلى النظر إليها على أنها مترادفة. غير أن الرأي الراجح عن السيادة في الوقت الحاضر، هو أنها حرية الدولة في التصرف داخل و خارج إقليمها، ولكن في إطار ما تفرضه قواعد القانون الدولي، تلك القواعد قد تكون اتفاقية وقد تكون عرفية، و القواعد العرفية تلزم الدول القديمة، كما أنها تفرض كذلك على الدول حديثة النشأة. يظهر جليا من خلال ما تقدم التطور الذي تعرض له مبدأ السيادة، وأن هذا التطور إنما يعكس حاجة المجتمع الدولي إلى تلك القواعد القانونية الدولية لتنظيم المجتمع الدولي و لتوفير المزيد من الأمن والاستقرار، وحاجة المجتمع الدولي هذه تنعكس بالضرورة على تفعيل وزيادة القوة الإلزامية لقواعد القانون الدولي الإنساني. 2: مبدأ الاختصاص العالمي هناك التزام عام منصوص عليه في المادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949، وكذلك في المادة الأولى من البروتوكول الأول لسنة 1977، يقضي بالتزام الأطراف السامية المتعاقدة بأن تكفل احترام القانون الدولي الإنساني. وهي صيغة عامة تشمل جميع الأطراف المتعاقدة و ليس أطراف النزاع فحسب، وبناء على هذه القاعدة، فمن حق كل طرف متعاقد مطالبة منتهكي القانون الدولي الإنساني – مؤسسات و أفراد -، بالكف عن الانتهاكات إذا ثبت وقوعها، ولا يقتصر تنفيذ هذا الالتزام على الإجراءات المتخذة بمناسبة النزاع المسلح، وإنما يمتد إلى الإجراءات المتخذة زمن السلم إذ أن نطاق الاحترام ليس محدودا بوسائل أو إجراءات معينة، بل أنه يتسع إلى كل ما من شأنه أن يضمن تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني وفق الأهداف التي صيغت من أجلها، فإذا أوقفت دولة متعاقدة مجرم حرب وحاكمته أو سلمته إلى دولة معنية بالمحاكمة، أو سنت تشريعات يقتضيها القانون الدولي الإنساني فإن ذلك يندرج في إطار احترام هذا القانون. وبموجب أحكام القانون الدولي الإنساني، لا يعفي أي طرف متعاقد نفسه، ولا يعفى طرفا آخر من المسؤوليات التي تقع عليه أو على طرف متعاقد آخر بسبب انتهاكات جسيمة نصت عليها الاتفاقيات، وأكد البروتوكول الأول أن كل طرف من أطراف النزاع مسؤول عن الأعمال التي يرتكبها أشخاص تابعون لقواته المسلحة. كما يحث القانون الدولي الإنساني على إدراج جرائم الحرب في التشريعات الوطنية مع الإقرار بمبدأ الاختصاص العالمي، والذي معناه تأكيد الاختصاص في هذه الجرائم بغض النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية مرتكبها. ويتجلى تأكيد الاختصاص العالمي في جرائم الحرب في كل من قانون المعاهدات و القانون الدولي العرفي، ففي إطار المعاهدات، فإن الأساس التعاقدي لتأكيد الاختصاص العالمي قد أدخل عن طريق اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، وذلك فيما يتعلق بتلك الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات والتي تدرج ضمن جرائم الحرب، ففي حالة وقوع مخالفة جسيمة يكون من المطلوب تطبيق مبدأ "التسليم أو المحاكمة" على أن يختار الطرف المتعاقد في ملاحقته مقترفي هذه المخالفات الجسيمة بين محاكمتهم أو تسليمهم لكي يتولى محاكمتهم طرف سام متعاقد آخر يكون معنيا بالأمر، شريطة أن تتوافر لدى الطرف المذكور أدلة اتهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص. وتوريد كل اتفاقية من اتفاقيات جنيف الأربعة قائمة بالمخالفات الجسيمة، كما يرد نص صريح بأن التقصير في أداء عمل واجب الأداء يمكن أن يشكل مخالفة جسيمة. ويعد الالتزام بقمع الانتهاكات و المخالفات الجسيمة التزاما مطلقا ينبغي ألا يؤثر فيه شيء، ولا حتى اتفاق يبرم بين الأطراف المعنية. في حين لا تنص الاتفاقيات صراحة على تأكيد الاختصاص بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة، فقد فسرت بوجه عام على اعتبار أنها تنص على الاختصاص العالمي، وبهذه الكيفية، تعد هذه الاتفاقيات من بين الأمثلة المبكرة على الاختصاص العالمي في قانون المعاهدات. وتندرج الاتفاقيات داخل فئة الاختصاص العالمي الإلزامي، أي أنها تجبر الدول على تأكيد الاختصاص، والدول ليست مجبرة بالضرورة على محاكمة المتهمين بالانتهاك، غير أنه يتعين عليها، في الحالات التي لا تقوم فيها بذلك، أن تتخذ الإجراءات الضرورية لتسليم الشخص إلى دولة طرف أخرى، ولما كان من الجائز ألا يكون التسليم إلى دولة أخرى ممكنا، فإنه يتعين في كل الأحوال أن يتوافر لدى الدولة تشريع جنائي يمكنها من محاكمة المتهمين، بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكاب الجريمة. إن الاتفاقيات لا تقصر تأكيد الاختصاص صراحة على المتهمين الذين عثر عليهم في أراضي الدولة – أي أنها لا تكتفي بمجرد النص على الاختصاص العالمي الإقليمي، بل تتجاوز إلى إعطاء الحق للدول أن تجري تحريات أو تتخذ إجراءات قانونية ضد المتهمين خارج أراضيها – على الأقل حينما تنص قوانينها الوطنية على مثل هذه الإجراءات. ففي ظل الاختصاص العالمي، يجوز أن تلقي دولة القبض على الجاني وتقاضيه أو أن تسلمه إلى دولة طرف آخر في المعاهدة لمحاكمته، حتى إن لم تكن لدى الدولة علاقة مباشرة بالجريمة من خلال جنسية الجاني أو المجني عليه أو من خلال مكان ارتكاب الجريمة. ويصل الاختصاص العالمي إلى رغبة الدولة في محاكمة أي مدع عليه، بما في ذلك مواطنيها، بموجب إجراءات المحاكمة الأجنبية – نظرا لخطورة الجريمة و جسامتها. وفي إطار الحديث عن القانون الوطني الذي يمكن التعويل عليه لمحاكمة – على الأقل – بعض المرتكبين لجرائم دولية فإنه يمكن ملاحظة أن بعض الدول الأوروبية سلكت مؤخرا مسلكا إيجابيا بهذا الخصوص مع إقرارها الاختصاص العالمي لصالح محاكمها الجزائية الوطنية ويمكن أن نشير هنا إلى المثال البلجيكي : " فبمقتضى القانون البلجيكي المؤرخ في 16 يونيو 1993، أدمجت المخالفات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني في التشريع الجزائي البلجيكي، وقد تضمن ذلك القانون مادة غاية في الأهمية، هي المادة السابعة، حيث أخذة بصورة واضحة وصريحة بالاختصاص العالمي كاختصاص مقرر لفائدة المحاكم الجزائية البلجيكية، إذ جاء فيها أن المحاكم البلجيكية مختصة بالنظر في الجرائم المبينة في هذا القانون – أي المخالفات الجسيمة في القانون الدولي الإنساني وأساسا جرائم الحرب – بغض النظر عن المكان الذي ارتكبت فيه". كما أن بعض الدول الأوروبية و الغربية مثل أسبانيا وسويسرا و كندا، اتجهت إلى اعتماد صيغة الاختصاص العالمي في تشريعاتها الجزائية الوطنية، وأما في الوطن العربي فلم تسجل سوى حالتين أدرج فيهما جرائم الحرب كما حددتها اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وكما وردت في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، الحالة الأولى فهي في الجمهورية اليمنية، حيث أدرجت اليمن ضمن القانون الجنائي العسكري الجديد – القانون رقم 21 الصادر في 25 يوليو 1998 بشأن المخالفات الجسيمة و العقوبات العسكرية – فصلا خاصا بجرائم الحرب – الفصل الثالث – وهو من المادة 20 إلى 23، حيث نصت المادة 20 من هذا القانون على المعاقبة بالحبس كل من أقدم على سلب أسير أو ميت أو مريض أو جريح. تم جاءت المادة 21 وعاقبت بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات أو بجزاء يتناسب مع نتائج الجريمة كل من ارتكب أثناء نزاع مسلح أفعالا تلحق ضرر بالأشخاص و الممتلكات المحمية بمقتضى الاتفاقيات الدولية التي تكون الجمهورية اليمنية طرفا فيها. كما جاءت المادة 22 من هذا القانون تقضي بعدم سقوط الدعوى في الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل بالتقادم، وجاءت المادة 23 لتقرر عدم إعفاء القائد و الأدنى منه رتبة من المسؤولية عن هذه الجرائم، إلا إذا ارتكبت دون اختيارهم أو علمهم أو تعذر عليهم دفعها. وعلى الرغم من أهمية التشريع اليمني، إلا أنه لم يأخذ بمبدأ الاختصاص العالمي بصورة تامة و صريحة، فهو لا ينطبق على غير الأشخاص الذين يتمثلون إما في أعضاء وعناصر القوات المسلحة اليمنية أو القوات الحليفة أو الملحقين بهم إذا كانوا يقيمون في أراضي الجمهورية، وبهذه الصورة فإن التشريع الجنائي العسكري اليمني الحالي لا يتيح محاكمة مجرمي الحرب من غير اليمنيين أو القوات الحليفة لليمن، غير أن وجود مثل هذا النقص لا يقلل من أهمية و قيمة هذا التشريع باعتباره خطوة إيجابية من الممكن أن تتلوها خطوات أخرى على طريق إقرار الاختصاص العالمي للمحاكم الجزائية اليمنية عملا بمقتضيات القانون الدولي الإنساني في هذا الخصوص. أما الحالة الثانية فهي في المملكة الأردنية الهاشمية، حيث عددت المادة 41 من قانون العقوبات الأردني رقم 30 المؤرخ في 28 مايو 2002 جرائم الحرب و حصرتها في عشرين فعل على غرار المشرع البلجيكي في الفقرة الأولى منها، ثم جاءت الفقرة الثانية من ذات المادة و صاغت عقوبات على هذه الجرائم تتراوح من السجن حتى الإعدام. وفي المادة 42 ورد النص صراحة على عقاب المحرض و المتدخل في جرائم الحرب بعقوبة الفاعل ذاتها، و نصت المادة 43 على عدم سقوط هذه الجرائم بتقادم، ثم أوردت المادة 44 حكما هاما بانطباق أحكام هذا القانون على مدني يرتكب إحدى جرائم الحرب الواردة فيه. والملاحظ أن قانون العقوبات العسكري الأردني في تناوله لجرائم الحرب أتى على كافة الحالات تقريبا المعدة في القانون الدولي الإنساني كجرائم الحرب، وقد جاءت القائمة في القانون الأردني بأكثر مما جاء به القانون اليمني السابق الذكر، إلا أن القانون الأردني لم ينص هو أيضن على انطباقه على الأشخاص غير الأردنيين أينما كان مكان ارتكابهم للجرائم التي تدخل ضمن جرائم الحرب، وبهذه الصورة فإن القانون الأردني لا يتضمن ما يفيد أخذه بمبدأ الاختصاص العالمي الذي تدعو إليه معاهدات القانون الدولي الإنساني، و نأمل أن يتم تدارك هذا النقص حتى يكون أكثر اكتمالا بالنظر إلى متطلبات القانون الدولي الإنساني وحتى يكون ذلك التشريع جاهزا للتصدي لمجرمي الحرب خصوصا فيما يحصل بجوار الأردن. و من هذا المنطق أصبح لزاما على جميع الدول و خصوصا العربية منها، مراجعة تشريعاتها الجزائية سواء منها المدنية أو العسكرية، استجابة لما تنص عليه و تدعو إليه اتفاقيات جنيف 1949 مع إقرار الاختصاص العالمي لمحاكمها الخاصة، على نحو يمكنها على الأقل من محاكمة مجرمي الحرب الصهاينة الذين ارتكبوا جرائم بقية إلى الآن دون أي مساءلة، سواء في مصر أو في لبنان أو في فلسطين أو في أقطار عربية أخرى، علما أن إسناد الاختصاص العالمي للمحاكم الجزائية الوطنية، يشكل الأساس القانوني من الناحية الإجرائية لمحاكمة مرتكبي جرائم حرب و غيرها من الجرائم الدولية عن طريق تلك المحاكم، وذلك مهما كانت جنسية مرتكب الجريمة، ومهما كان المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة. إن الرأي القائل إن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني التي ترتكب في النزاعات المسلحة غير الدولية، تشكل أيضا جرائم حرب، أصبح يحظى كذلك بالقبول على نطاق واسع. ومن ثم فإن مثل هذه الانتهاكات، بما في ذلك الانتهاكات الخطيرة للمادة الثالثة المشتركة و البروتوكول الإضافي الثاني، تخضع للاختصاص العالمي الجوازي. كما أنه وعلى خلاف قانون المعاهدات، لا يبدو أن هناك أي أساس لاستنتاج أن القانون الدولي العرفي يلزم الدول بممارسة الاختصاص، بل إنه بالأحرى ينص على الاختصاص العالمي الجوازي، وبالتالي ففيما يتعلق بجرائم الحرب التي تشكل انتهاكات جسيمة، تخضع ممارسة الاختصاص العالمي لاختيار الدول. ثانياً: المبادئ المقررة لضمان احترام القانون الدولي الإنساني تتعدد الفئات التي يحميها القانون الدولي الإنساني من جرحى ومرضى في ميادين الحرب، وحماية أسرى الحرب والمدنيين وغيرهم ممن ورد النص عليهم في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وبروتوكوليها المضافين لعام 1977، وقد تضمنت قواعد القانون الدولي الإنساني عدة أوجه لضمان الحماية الجنائية والقضائية لهذه الفئات المشمولة بحماية هذا القانون، وتتمثل أهم الضمانات الجنائية المقررة في القانون الدولي الإنساني بالآتي : 1: عدم خضوع جرائم الحرب لنظام التقادم إن القانون الدولي بشكل عام لا يبيح التقادم، ولا تذكر اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين أي شي عن هذا الموضوع، وفيما يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فإن عدم سقوطها بالتقادم يتأكد في اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في 25 نوفمبر 1968، وتنطبق هذه الاتفاقية على كل من الملاحقة القضائية وتنفيذ الأحكام، وهي تشمل جرائم الحرب، وخاصة الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، والجرائم ضد الإنسانية المقترفة في زمن الحرب أو زمن السلم، بما في ذلك جريمتا التمييز العنصري والإبادة الجماعية، وتعتبر الاتفاقية نافذة المفعول بأثر رجعي، إذ إنها تلغي التقادم الذي كان قد تم إرساؤه في السابق بموجب قوانين أو قواعد أخرى. كما فعل نفس الشيء المجلس الأوروبي ، فأصدر في سنة 1974الاتفاقية الأوروبية بشأن عدم خضوع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب للتقادم، ولكنها لا تنطبق إلا على الجرائم ضد الإنسانية المحددة في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، ففي ظل هذه الاتفاقية، لا ينطبق عدم تقادم جرائم الحرب إلا في حالة الانتهاكات البالغة الجسامة، ومع ذلك، تنص الاتفاقية على إمكانية توسيع عدم التقادم ليشمل انتهاكات أخرى للقانون الدولي، وذلك من خلال إعلان من جانب الدول المتعاقدة. بالإضافة إلى ذلك، فقد أشارت المحكمة الجنائية الدولية في نظامها الأساسي على أن " لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم أياً كانت أحكامه "، والواقع أن عدم خضوع الدعوى الجنائية للتقادم سياسة يتبعها المشرع في كثير من البلاد بالنسبة لبعض الجرائم التي غالباً ما ترتكب في ظروف سياسية معينة بغية ضمان ملاحقة مرتكبيها مهما تغيرت الظروف السياسية التي ارتكبوا جرائمهم فيها، ويلاحظ أن النص في الاتفاقيتين السابقتين جاء مقصوراً على تقادم الدعوى الجنائية فقط، بينما في كثير من البلاد التي أخذت بهذا النظام ورد النص فيها أيضاً على عدم خضوع الدعوى المدنية الناشئة عن هذه الجرائم للتقادم. 2: عدم امتداد الحصانات الداخلية و الدولية لجرائم الحرب على الرغم من أن العديد من الدساتير تنص على نوع من الحصانة ضد المقاضاة الجنائية بالنسبة لرئيس الدولة والمسئولين الحكوميين والبرلمانيين، إلا أن من مثل هذه الحصانات سواء كانت داخلية أو دولية لا تمتد إلى جرائم الحرب ، كما أنها لا تعد سبباً لتخفيف العقاب. وعلى هذا نصت المادة (27) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية – ومن قبلها محاكمات نورمبرج ويوغسلافيا – فقد نصت المادة (27) المشار إليها على أن : " 1- يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية، ووجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل في حد ذاتها، سبباً لتخفيف العقوبة. 2- لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي ، دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص". 3: مسؤولية القائد، و أثر أمر الرئيس على مسؤولية المرؤوس تمتد المسئولية عن جرائم الحرب إلى الرئيس ولو لم يرتكب بنفسه الفعل المحظور إذا ثبت على أن أحد مرؤوسيه يستعد لارتكاب جريمة من جرائم الحرب ، وتقاعس عن اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع وقوع الجريمة أو أخل بواجباته كقائد، كما يسأل الرئيس الذي يمتنع عن معاقبة مرؤوسيه أو (مرؤوسه) الذي علم أنه ارتكب جريمة من جرائم الحرب. ويمكن النظر إلى أن إخلال القائد بواجباته يعتبر شكلاً خاصاً من أشكال المساهمة الجنائية، ونظراً لان مسئولية القادة ترد صراحة في القانون الدولي الإنساني، فإنها تشكل جزءاً من نظام القمع المنصوص عليه في هذا القانون، وبناء عليه، فإن القائد الذي تقع عليه المسئولية عند ارتكاب أحد مرؤوسيه لانتهاك جسيم، ينبغي أن يتحمل هو نفسه مسئولية ارتكاب انتهاك جسيم ، ويتعين على الدول معاقبته أو تسليمه بغض النظر عن جنسيته أو عن مكان ارتكاب الانتهاك . وجاء في محاكمات نورمبرج وكذلك محكمة يوغسلافيا، أن ارتكاب شخص لفعل مجرم تنفيذاً لأمر رئيس تجب عليه طاعته أو لأوامر الحكومة لا يعفيه من المسئولية الجنائية، دون أن يمنع ذلك اعتباره ظرفاً مخففاً للعقاب. أما النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فكان أكثر تحديداً، فنصت المادة (33) منه : 1- في حالة ارتكاب أي شخص لجريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، لا يعفى الشخص من المسئولية الجنائية إذا كان ارتكابه لتلك الجريمة قد تم امتثالاً لأمر حكومة أو رئيس، عسكرياً كان أو مدنياً، عدا في الحالات التالية. أ- إذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني. ب- إذا لم يكن الشخص على علم بأن الأمر غير مشروع. ج- إذا لم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة. 2- لأغراض هذه المادة تكون عدم المشروعية ظاهرة في حالة أوامر ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية. 4: قاعدة شرعية الجرائم و العقوبات تنص التشريعات الجنائية التي تتبع النظام الجنائي اللاتيني على مبدأ ثابت، وهو أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص مكتوب، وهو ما يطلق عليه قاعدة شرعية الجرائم و العقوبات. غير أن الوضع يبدو مختلفاً في القانون الدولي الإنساني الذي تكتفي قواعده بصلاحية العرف الدولي لأنه مصدر للتجريم، فإنه وإن نصت المادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة على تعهد الأطراف المتعاقدة باحترام تلك الاتفاقيات وبكفالة تطبيقها في جميع الأحوال، إلا أن هذه الاتفاقيات نصت على أن الانسحاب من الاتفاقية لا يؤثر على الالتزامات التي تقررها مبادئ القانون الدولي الناشئة عن الأعراف الراسخة بين الأمم المتمدينة، وعن القوانين الإنسانية، وما يمليه الضمير العام، مما يسمح بأن يثور التساؤل عما إذا كان العرف الدولي يصلح مصدراً من مصادر التجريم في نطاق القانون الدولي الإنساني. ومع ذلك فإن المادة (22) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نصت على أنه: " 1- لا يسأل الشخص جنائياً بموجب هذا النظام الأساسي ما لم يشكل السلوك المعني وقت وقوعه، جريمة تدخل في اختصاص المحكمة . 2- يؤول تعريف الجريمة تأويلاً دقيقاً ولا يجوز توسيع نطاقه عن طريق القياس ، وفي حالة الغموض يفسر التعريف لصالح الشخص محل التحقيق أو المقاضاة أو الإدانة. 3- لا تؤثر هذه المادة على تكييف أي سلوك على أنه سلوك إجرامي بموجب القانون الدولي خارج إطار هذا النظام الأساسي" . ويتضح أن الفقرة الأخيرة من المادة السابقة قد تركت الباب مفتوحاً لعدم حصر الجرائم الدولية داخل هذا النظام. كما نصت المادة (23) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنه: " لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقاً لهذا النظام الأساسي "، أي لا عقوبة بغير نص. بالإضافة إلى ما تقدم من الإشارة إلى مجموعة من الضمانات الجنائية، مجموعة من الضمانات القضائية الأساسية للقانون الدولي الإنساني والمنصوص عليها في اتفاقيات جنيف والبروتوكولين الإضافيين، وتتمثل هذه الضمانات فيما يلي : أولاً: حق المتهم في أن يحاكم بواسطة محكمة مستقلة وغير متحيزة: الاتفاقية الثالثة المادة (2/84) والبروتوكول الأول المادة (4/75) ، والبروتوكول الثاني المادة (2/6) . ثانياً: حق المتهم في أن يتم إعلامه بالجرائم المنسوبة إليه: الاتفاقية الثالثة المادة (2/104)، الاتفاقية الرابعة المادة (2/71)، البروتوكول الأول المادة (/4/75أ)، والبروتوكول الثاني المادة (/2/6أ). ثالثاً: حقوق ووسائل الدفاع: الاتفاقية الثالثة المادتان (105/99)، الاتفاقية الرابعة المادتان (72و74)، والبروتوكول الأول المادة (4/75/أ، ز)، والبروتوكول الثاني المادة (/2/6أ). رابعاً: مبدأ المسئولية الجنائية الفردية: البروتوكول الأول المادة (4/75/ب) ، والبروتوكول الثاني المادة (/2/6ج) . خامساً: مبدأ لا جريمة إلا بموجب القانون: الاتفاقية الثالثة المادة (1/99)، والبروتوكول الأول المادة (4/75/ج)، والبروتوكول الثاني المادة (/2/6د). سادساً: افتراض البراءة، البروتوكول الأول المادة (4/75/د)، والبروتوكول الثاني المادة (/2/6د). سابعاً: حق المتهم في أن يحاكم حضورياً: البروتوكول الأول المادة (4/75/ه) ، والبروتوكول الثاني المادة (/2/6ه). ثامناً: حق المتهم في عدم الإدلاء بشهادة على نفسه أو الاعتراف بأنه مذنب: البروتوكول الأول المادة (4/75/و)، والبروتوكول الثاني المادة (/2/6و). تاسعاً: مبدأ عدم أخذ الشخص مرتين بجريرة واحدة: الاتفاقية الثالثة المادة (86)، الاتفاقية الرابعة المادة (3/117)، البروتوكول الأول المادة (4/75/ج). عاشراً: حق المتهم في النطق بالحكم عليه علناً: البروتوكول الأول المادة (4/75/ط) . حادي عشر: حق المتهم في تنبيهه إلى حقوقه في الطعن القضائي: الاتفاقية الثالثة المادة (106)، الاتفاقية الرابعة المادة (73)، البروتوكول الأول المادة (4/75/ي) والبروتوكول الثاني المادة (3/6). وفي الختام لاحظنا في ما سبق أن اتفاقيات جنيف لعام 1949 و البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 يقتضي من الدول الموقعة عليها اتخاذ كافة التدابير من أجل احترام وتنفيذ أحكام وقواعد هذه الاتفاقيات على الصعيد الوطني و فرض احترامها على الصعيد الدولي، وبينا الآليات والأساليب و الطرق التي يمكن اعتمادها في ذلك. إلا أن واقع الممارسة في النزاعات المسلحة الدولية و غير الدولية أبان في كثير من الحالات تقاعس الدول عن الوفاء بهذه الالتزامات، فليست كلها عملت على ملاءمة تشريعها الوطني مع قواعد القانون الدولي الإنساني، وليست كافة الأطراف المتنازعة احترمت هذه القواعد في هجماتها العسكرية وعملياتها القتالية. لذلك ما انفكت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تطالب باستمرار بإحداث تشريعات محلية تقوم على مبادئ القانون الدولي الإنساني، و تدين في نفس الوقت سراً وعلناً بمعية هيئات دولية ومنظمات إنسانية أخرى الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها هذا القانون أثناء نشوب النزاعات المسلحة، لعل ذلك يساعد على الاحترام التام للقانون وحماية الضحايا من المدنيين و الأعيان. لذى فإننا ندعو السلطات التشريعية في دولنا العربية أن تسارع بسن التشريعات التي تجرم وتعاقب انتهاكات القانون الدولي الإنساني حتى تستقيم مع الالتزامات الدولية، ونتجنب الوقوع تحت طائلة المسؤولية الدولية الجنائية وأن هذا هو الذي يستقيم مع الشريعة الإسلامية الغراء التي تبنت منذ زمن سحيق وقبل اتفاقيات جنيف، مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني. وينبغي أن تتضافر جهود الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية لتصويب مسارها وعدم انحرافها عن تحقيق أهدافها، وعدم تسييس نشاطها والبعد بها عن سياسة المعايير المزدوجة، لان من شأنها تقويض المحكمة وإجهاضها وهي ما زالت في المهد ولذلك فالمحكمة في تحدٍ هائل ويخشى عليها من إصابتها بذات الأمراض التي أصابت منظمة الأمم المتحدة. كما أنه من واجب كافة الحكومات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية أن تسهر على منع الحروب وتطبيق مبدأ تحريم استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، وأن تعمل – إذا لم تنجح في منع الحرب – على التخفيف من ويلاتها وآثارها المدمرة بحصر آثارها وأضرارها في أضيق نطاق ممكن، ولا يتأتى ذلك إلا بتطبيق مبادئ وأحكام القانون الدولي الإنساني وجعله قواعد سلوك ينبغي احترامها عند نشوب نزاع مسلح. لائحة المراجع المعتمدة: د.ثرية الحريف: " آليات احترام القانون الدولي الإنساني أو أليات التطبيق "، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية، سلسلة الدراسات و الأبحاث، العدد 03، دجنبر 2007. شريف عتلم: " تطبيق القانون الدولي الإنساني على الأصعدة الوطنية "، إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، السنة 2006. شريف عتلم و محمد ماهر ع.الواحد: موسوعة اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، السنة 2006. شريف عتلم: " محاضرات في القانون الدولي الإنساني "، من إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، الطبعة السادسة، السنة 2006. د.عمر محمود المخزومي : " القانون الدولي الإنساني في ضوء المحكمة الجنائية الدولية "، دار الثقافة، عمان، الطبعة الأولى، السنة 2008. د.محمد رضوان :" المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني و العدالة الدولية"، مطابع أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، السنة 2010. د.جعفر عبد السلام : " مبادئ القانون الدولي العام "، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثانية، السنة 1986. د.محمد السعد الدقاق : " التنظيم الدولي "، دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية، بدون سنة نشر، بدون طبعة. محمد فهاد الشلالدة: " القانون الدولي الإنساني "، الطبعة الأولى، السنة 2005. سعيد ع.اللطيف حسن: " المحكمة الجنائية الدولية "، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، السنة 2004. عطية أبو الخير: المحكمة الجنائية الدولية "، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، السنة 1999. عمر حسن حنفي: " حصانات الحكام ومحاكمتهم عن جرائم الحرب والعدوان والإبادة والجرائم ضد الإنسانية "، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، السنة 2006. عبد الواحد الفار: " الجرائم الدولية و سلطة العقاب عليها "، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، السنة 1996. د.محمود الشريف بسيوني: " المحكمة الجنائية الدولية "، نادي القضاة، مصر، السنة 2001. د.علي صادق أبو هيف : " القانون الدولي العام "، منشأة المعارف بالإسكندرية، الطبعة الحادية عشر، السنة 1975. د.سليمان عبد المجيد :" النظرية العامة للقواعد الدولية الآمرة في النظام القانوني الدولي "، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون سنة، بدون طبعة. د.محمد طلعت الغنيمي : " الغنيمي في قانون السلام "، منشأة المعارف. د.عامر الزمالي : " تطبيق القانون الدولي الإنساني " بحث في مؤلف: "محاضرات في القانون الدولي الإنساني"، من إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، دار المستقبل العربي، القاهرة، الطبعة الرابعة، السنة 2004. د.عامر الزمالي: " تطبيق القانون الدولي الإنساني "، بحث في مؤلف: "محاضرات في القانون الدولي الإنساني"، من إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، دار المستقبل العربي، القاهرة، الطبعة الرابعة، السنة 2006. أحمد الحمدي: " القانون الدولي الإنساني و المحكمة الجنائية الدولية "، منشورات المؤتمرات العلمية لجامعة بيروت العربية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2005. د.صلاح الدين عامر : " تطور مفهوم جرائم الحرب " بحث في مؤلف: "المحكمة الجنائية الدولية – المواءمات الدستورية و التشريعية"، من إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر – القاهرة، السنة 2003. د.صلاح الدين عامر: "اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالمحاكمة عن جرائم الحرب في القانون الدولي الإنساني، من إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، 2006. محمد حمد العسبلي: " دور الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في تنفيذ القانون الدولي الإنساني "، منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، السنة 2006. د.توفيق بوعشبة : " القانون الدولي الإنساني و العدالة الجنائية – بعض الملاحظات في اتجاه تعميم الاختصاص العالمي "، بحث في مؤلف: "القانون الدولي الإنساني – دليل للتطبيق على الصعيد الوطني"، من إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، دار المستقبل العربي، السنة 2003. د.أحمد أبو الوفا : " الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني "، بحث في مؤلف : " القانون الدولي الإنساني – دليل لتطبيق على الصعيد الوطني "، من إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، دار المستقبل العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، السنة 2003. د.أحمد أبو الوفا : " الملامح الأساسية للمحكمة الدولية "، بحث في مؤلف : "المحكمة الجنائية الدولية – المواءمات الدستورية و التشريعية"، بحث مقدم للندوة العلمية حول "المحكمة الجنائية الدولية – تحدي الحصانة"، من إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، دمشق، من 03 إلى 04 نوفمبر 2001. د.عبد الرؤوف مهدي: "الحماية الجنائية لقواعد القانون الدولي الإنساني"، بحث مقدم للمؤتمر السنوي السابع – كلية الحقوق ، جامعة المنصورة – بتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بعنوان " القانون الدولي الإنساني و تطبيقاته على الأراضي المحتلة "، في الفترة من 5 إلى 6 أبريل 2003. د.محمود الشريف بسيوني: "الإطار العرفي للقانون الإنساني الدولي – التدخلات و الثغرات و الغموض"، بحث في مؤلف: "القانون الدولي الإنساني – دليل للتطبيق على الصعيد الوطني"، من إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر دار المستقبل العربي، الطبعة الأولى، السنة 2003. تقرير من إعداد قسم الخدمات الاستشارية باللجنة الدولية للصليب الأحمر، ورد ذكره في المؤلف "القانون الدولي الإنساني – دليل للتطبيق على الصعيد الوطني"، من إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر – القاهرة، السنة 2003. سامي واصل: " إرهاب الدولة "، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة عين شمس، القاهرة، السنة 2003. إبراهيم الدراجي: " جريمة العدوان ومدى المسؤولية القانونية عنها "، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة عين شمس، القاهرة، السنة 2002. اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949. البروتوكولين الملحقين باتفاقيات جنيف لعام 1977. ميثاق الأمم المتحدة. النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998. اتفاقية فيينا لعام 1969 "قانون المعاهدات". القانون الجنائي العسكري للجمهورية اليمنية، رقم 21، والمؤرخ في 25 يوليو1998. قانون العقوبات العسكري للمملكة الأردنية الهاشمية، رقم 30، المؤرخ في 28 مايو 2002. Henri Coursier : « Définition du droit humanitaire », AFDI, 1955. Georges ABI-SAAB : « Les mécanismes de mise en œuvre du droit humanitaire », RGDIP, 1978. Yves SANDOZ : « L'application du droit humanitaire par les forces de l'organisation des Nations Unies ? », RICR, N 713, Sept /oct, 1978. scobbie lain : « the jurisdiction of the international criminal court », in « the international criminal court : a challenge to impunity », icrc – Damascus, 2002. Sandoz, Y: « Implementing International humanitarian LAW », in « Introduction to International humanitarian LAW », ICRC, Regional Delegation – New Delhi, First impression, 1997.