ما عاشته فرنسا الأسبوع الماضي من إعتداء إرهابي على صحيفة " شارلي إيبدو " لايستحق سوى الإدانة، كما تستحق كل الأعمال الإرهابية في كل أنحاء العالم..أن تهتز باريس بتلك الطريقة بكل ما تحمله باريس في أذهان الكثيرين من وداعة وسلام، لكن الإرهاب يثبت مرة أخرى أنه لا يستثني أي بلد في العالم .. " شارلي إيبدو " عرفت دائما بسخريتها اللاذعة، لكن تبقى المسافة بين السخرية وبين نشر خطاب الكراهية دقيقة جدا، هذا لا يعني تبرير جريمة القتل، لكنها فرصة لمساءلة حدود حرية التعبير وحرية المعتقد في إطار علمانية فرنسية صارمة. المثير في قضية باريس وفي قضايا أخرى مشابهة، هو الإحالة المباشرة على أصول الإرهابيين في اولى القصاصات الإخبارية بعد الحادث، بسرعة عرف العالم أن الإرهابيين من أصول جزائرية أي مسلمين عرب او أمازيغ لا فرق، ونفس وسائل الإعلام والمصادر الرسمية أخرت بساعات الكشف عن هويةالشرطي الذي تم قتله في الحادث وهو أحمد لمرابط مغربي الجنسية، الهدف واضح هو أن يشكل الرأي العام موقفا مسبقا من الإسلام ومن أبناء المهاجرين، حتى عندما يتم الكشف عن هوية الشرطي يكون قد قضي الأمر وتشكل رأي عام يسير في إتجاه تحميل المسؤولية للمسلمين. المفارقة هي أن كل أبطال الحادث من إرهابيين وشرطة وضحايا ، كلهم أبناء فرنسا حتى من أصوله جزائرية أو مغربية، لايعتبرون في عداد المهاجرين لأنهم ببساطة ولدوا في فرنسا ولم يقرروا يوما الهجرة إليه، إنهم ببساطة أبناء خالصون لفرنسا وهم نتاج طبيعي لسياسات الإندماج ولقدرة الأفكار الإرهابية على إختراق بنية مجتمع علماني مغلق، الغريب في الأمر و ما يثير الكثير من الإستهجان هو الإحالة الآلية على الهوية الفرنسية لكل من يصنع البطولة من المهاجرين وأبنائهم وأحفادهم... بلا شك الإرهاب لن ينتهي عند عتبة صحيفة " شارل إيبدو"، بل سيستمر مادامت أسبابه مستمرة، وحده وزير الخارجية الفرنسي الأسبق دوفيليبان ، إستطاع أن يمتلك الشجاعة لكي يواجه الغرب بالحقيقة وأن يكسر الإجماع القبلي والذي يعتقد بأن إدانة داعش أو القاعدة وحده كفيل بأن يصنع السلام...