في إطار العمل التشاوري والتواصلي الذي انتهجته الوزارة لدعم القدرات التدبيرية للمسؤولين الجهويين والإقليمين، نظمت وزارة الصحة يومي الخميس والجمعة 18-19 دجنبر 2014 لقاءا تواصليا بين مسؤولي الإدارة المركزية ومسؤولي الإدارة اللاممركزة ممثلة في مديري الجهات الصحية ومندوبي العمالات والأقاليم. وقد خصص هذا اللقاء لدراسة المستجدات التي يعرفها القطاع الصحي وبالخصوص المرسوم المتعلق بتنظيم عرض العلاجات والخريطة الصحية والمخططات الجهوية لعرض العلاجات الذي صادق عليه مجلس الحكومة أخيرا، هذا بالإضافة إلى سير الأوراش وتقدم المشاريع سواء المبرمجة منها أو المفتوحة على صعيد التراب الوطني. وقد ركز وزير الصحة البروفيسور الحسين الوردي في كلمته التوجيهية، التي افتتح بها أشغال هذا اللقاء، على أهمية هذا المرسوم الذي انتظرته الوزارة طويلا، وكذا بعض الاختلالات التي لايزال يعاني منها القطاع الصحي، ويتعلق الأمر بوفيات الأطفال والأمهات. هذه الإشكالية التي لاتزال تؤرق مضجع الوزارة. وقد لمح السيد الوزير إلى أن هذه الإشكالية لا يعود سببها فقط إلى الظروف المجالية والمعيشية للساكنة أو لبعدها عن المراكز الصحية، بل إلى البطء في التكفل الناتج عن التصرفات غير المسؤولة لفئة جد قليلة من المهنيين. وشدد السيد الوزير على أن الوزارة لن تتسامح قط، من هنا فصاعدا، مع كل من ثبتت مسؤوليته في هذا النطاق. وقد تطرقت التدخلات المبرمجة في اللقاء وبتفصيل إلى المستجدات القانونية والتنظيمية والتقنية التي وردت في المرسوم المتعلق بتنظيم عرض العلاجات والخريطة الصحية والمخططات الجهوية لعرض العلاجات المفعل لقانون الإطار رقم 09-34 المتعلق بالمنظومة الصحية وعرض العلاجات. وبفضل هذا المرسوم أصبحت الوزارة تتمتع بالأرضية القانونية لتأطير وضبط العرض الصحي العمومي والخصوصي بناء على المقاييس والمعايير والكيفيات اللازمة لإحداث وتوطين المؤسسات والتجهيزات وتعيين الموارد البشرية، بعد أن كانت البرمجة فيما قبل تعتمد على معطيات تقريبية. وباعتباره ورشا مؤطرا ومهيكلا لكل المشاريع الهادفة إلى توسيع العرض الصحي، فقد انصب اهتمام مؤطري اللقاء على تقريب مضامين المرسوم من مسؤولي المصالح اللاممركزة وبالخصوص الآليات والإجراءات والنصوص التي ستصاحب أجرأة المرسوم كمعيرة الموارد البشرية لكل مؤسسة صحية وتوطين التجهيزات الطبية والنظام الجهوي لعرض العلاجات وقاعدة البيانات المتعلقة بعرض العلاجات...الخ. إن الغاية من هذا اللقاء هي بالأساس تمكين مسؤولي المصالح اللاممركزة من استيعاب مضامين المرسوم وتبني الأهداف والإسهامات التي جاء بها في أفق بسطه بكل مهنية وقناعة علمية لدى محاوري المصالح الصحية جهويا وإقليميا ومحليا لكون مشاريع المخططات الجهوية لعرض العلاجات سيتم دراستها داخل اللجان الجهوية لعرض العلاجات التي يترأسها والي الجهة. وقد خصص حيز مهم من الوقت، في اليوم الأخير، للاستماع إلى المشاكل والقضايا التي تعترض مسؤولي الإدراة اللاممركزة في ممارسة مهامهم اليومية علما أن ما لا يقل عن 1500 مسؤولا جهويا وإقليميا ومركزيا استفادوا من دورات تكوينية خلال هذه السنة همت بالأساس تنمية قدراتهم العملية والنظرية. حضر هذا الملتقى إلى جانب السيد الوزير كل من الكاتب العام الدكتور عبد العالي علوي البلغيثي والمفتش العام السيد لحسن الشطيبي والمدراء المركزيين ورؤساء الأقسام والمصالح وكذا المديرين الجهويين ومناديب الوزارة بالأقاليم والجهات وعدد من الأطر. فيما يلي الكلمة التوجيهية التي افتتح بها السيد وزير الصحة البروفيسور الحسين الوردي أشغال هذا الملتقى التواصلي. بسم الله الرحمن الرحيم السيد الكاتب العام، السيد المفتش العام، السادة مديري الإدارة المركزية السيدات والسادة المديرون الجهويون والمندوبون الإقليميون، حضرات السيدات والسادة إنه لمن دواعي الغبطة والسرور أن ألتقي بكم جميعا ونحن على مشارف توديع سنة واستقبال سنة جديدة حافلة ستضعنا، لا محالة، على المنعرج الأخير من السباق نحو تحقيق أهداف مخطط عمل الوزارة كما تم اعتماده. إن هذا اللقاء يندرج في إطار التواصل والتشاور المباشرين حول مستجدات الوضعية الصحية ببلادنا وحول مآل ومستقبل الأوراش والملفات التي فتحتها الوزارة في سياق مخطط عملها وطبقا للبرنامج الحكومي الذي التزمت به. لقد حالت الظروف دون أن أكون حاضرا معكم في الملتقى الذي نظم بمراكش ما بين 13 و 15 من شهر يونيو الماضي.لكن الفرصة سانحة هذه المرة لأهنئ الجميع على تنظيم هذا اللقاء، متمنيا لكل الحاضرين الصحة والسلامة وخاصة لمن لزموا منهم السفر لمسافة طويلة. إن تسارع السنوات وتواتر الأحداث وتكاثر الانتقادات تدفعنا لمحاسبة أنفسنا إن لم أقل لمحاسبة ضمائرنا عما توصلنا إليه من نتائج وما حققناه من أهداف. إن استجلاء الأفق يدفعنا لطرح عدة تساؤلات حول مدى جديتنا للتعاطي مع المشاكل التي تعيشها منظومتنا الصحية والتضارب في النتائج التي تعاني منها برامجنا الصحية. بل إن السؤال القديم الحديث الذي يبقى مطروحا وينتظر جوابا قاطعا ومقنعا هو مدى قدرة مصالحنا الصحية والقائمين عليها سواء على الصعيد المركزي أو الجهوي أو الإقليمي على احتواء المشاكل البسيطة أو المعقدة التي تلحق ضررا بصورة هذه الوزارة، وقدرة هؤلاء في التحكم وفي إنجاح البرامج والمشاريع التي التزمت الوزارة بتنفيذها أمام الرأي العام الوطني. حضرات السيدات والسادة لم تمر سنة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة دون أن تكون هذه الوزارة قد حققت مكسبا أو مكاسب مهمة على مستوى تقريب الخدمات الصحية من المواطنين سواء من حيث الضبط والتقنين أو من حيث توسيع العرض أو من حيث التكوين والتأطير أو من حيث تسهيل الولوج إلى الدواء. لكن، في المقابل وللأسف، لم نلمس وقع هذه المجهودات الاستثنائية على حياة المواطنين وخاصة المعوزين منهم. وإذا كان هناك من مثال صارخ يجب أن نسوقه في هذا الاتجاه، فلن نجد أكثر أو أقل من إشكالية وفيات الأطفال والأمهات والتعامل مع هذه الإشكالية سواء داخل شبكة العلاجات الصحية الأساسية أو داخل الشبكة الاستشفائية. وإن لم يكن أي واحد منا متيقن من جدية هذا الاستنتاج المؤلم، فعليه أن يتصفح يوميا الجرائد ومواقع التواصل ليدرك وقع وفداحة الظاهرة، رغم بعض المغالطات التي يتم تداولها من بعض المناوئين لمجهودات الوزارة. لكن النتيجة تبقى هي عندما يلقى مولود أو امرأة حامل حتفهما إما أمام مدخل مؤسسة صحية عمومية أو داخلها أو يرفض قبولهما لأتفه الأسباب. فعين العقل تقتضي أن يتم التعامل بسلاسة وبحكمة مع الحالات التي تعرض على دور الولادة علما أن هؤلاء النساء الحوامل يقطعن مسافات طوال وفي ظروف مجالية ومعيشية قاسية للوصول إلى بر الأمان بالنسبة إليهن: ألا وهو المركز الصحي. فكيفما كانت نوعية المجهودات التي تبذلها الوزارة، فإنها تبقى دون جدوى أمام ما تطالعنا به وسائل والإعلام التي تجسد الحقيقة المرة التي يعاني منها المواطنون والنساء الحوامل على الخصوص سواء في الوسط الحضري أو القروي أو المناطق الأقل تغطية، ناهيك عن انتقادات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية. إنه لَمُخز أن تُلصق بهذه الوزارة ومسؤوليها أرذل عبارات التهاون والتلاعب وانعدام المسؤولية رغم البرامج المخصصة لصحة الأم والطفل ورغم الالتزام الذي قطعه المغرب على نفسه في أفق تحقيق أهداف الألفية للتنمية. فما هي يا ثرى قيمة ونجاعة الوسائل والآليات التي وضعتها أو التي توظفها المصالح الصحية الجهوية والإقليمية للحد من هذه الآفة والتقليل من مخاطر الصور النمطية التي تُلصق دائما بهذه الوزارة وتُلحق ضررا بالمجهودات التي تقوم بها؟ وليست وفيات الأمهات والأطفال وحدها موطن عتابنا ومصدر قلقنا وانزعاجنا؛ بل إن من بين المسببات المباشرة وغير المباشرة في حدوثها هي الطامة الكبرى التي لا يمكن السكوت عنها أو الارتياح لعواقبها. ويتعلق الأمر هنا بالغيابات غير المبررة أو حتى المبررة منها والتي تفتقر إلى الوازع الخلقي عندما تداس بها أبسط أخلاقيات المهنة. إن استفحال ظاهرة غياب الأطباء عن مقرات عملهم، وهي ظاهرة مشينة تقشعر منها نفوس المواطنين، ساهمت بقسط كبير في تردي الخدمات الصحية في مؤسساتنا الصحية. وليعلم الجميع أن الوزارة لن تبقى، من هنا فصعدا، مكتوفة الأيدي طالما أن الجسم الصحي الوطني يعاني كثيرا من تبعاتها. كما لن نتسامح مع المسؤولين الذين يتساهلون أو يتسترون عليها في إطار من المحاباة والمجاملة. فكل المهنيين سواسية أمام الواجبات كما أنهم سواسية أمام الحقوق خاصة وأن الوزارة لم تتأخر يوم ما في الإنصات والاستجابة، قدر المستطاع، لطلبات الشغيلة الصحية. فليتحمل كل واحد منا، إذا، مسؤوليته. إن التقصير في أداء الواجب والتقاعس في تحمل المسؤولية يفتح الباب على مصراعيه لكثير من التجاوزات وخاصة عندما ترفع فئة من المهنيين التحدي في وجه الإدارة، وهذا الأمر سيتم التصدي له بكل عزم وإرادة وفي إطار التطبيق الصحيح للقانون والأعراف الإدارية. حضرات السيدات والسادة لقد مكنت الوزارة المسؤولين الجهويين والإقليمين في الأيام الأخيرة من آليات إدارية لتدبير بعض الوضعيات الإدارية الخاصة بالموارد البشرية والموارد المالية. كما هو الشأن في تدبير المنازعات في إطار الحوار الاجتماعي مما يدعم روح التشاور والتشارك في تبديد الخلافات وسوء التقدير الناجم عن ظروف العمل وضمان مزاولة الحقوق؛ غير أن بعض المسؤولين لم يعيروا أهمية قصوى للمنشور الوزاري المنظم لهذه العملية. إن الاستباقية في طرح ومعالجة الخلافات شيء ضروري وأساسي إذ يعتبر من الأهداف الأساسية لضمان سير العمل في ظروف تضمن الاستقرار والتفاهم. إن تنقية أجواء الاشتغال يساعد الوزارة على السير قدما في دعم المجهودات التي تقوم بها الإدارة الجهوية والإقليمية وبالتالي العمل على توسيع صلاحياتها.وأريد أن أشير هنا إلى أن القرار الوزاري بتفويض الإمضاء والمصادقة على الصفقات لفائدة المديرين الجهويين ومندوبي وزارة الصحة ومديري المراكز الاستشفائية ونوابهم قد تم نشره أخيرا بالجريدة الرسمية؛ وسيسمح هذا القرار برفع سقف مبالغ الصفقات المبرمة عن طريق طلبات العروض والاستشارة والمباراة المعمارية وكذا الصفقات التفاوضية، حيث ستنتقل من الضعف في بعض الصفقات إلى 5 أضعاف في بعض منها. ومن المرجح أن يتم نشر القرار الثاني المتعلق بالموارد البشرية في الجريدة الرسمية خلال الأسبوعين القادمين على أبعد تقدير. وفي انتظار دخول هذين النصين إلى حيز التطبيق تشتغل مديرية الموارد البشرية في وضع برنامج تكويني لمصاحبة الأطر المكلفة بتدبير الموارد البشرية والمالية على الصعيد اللاممركز ابتداء من بداية السنة المقبلة لتقوية القدرات التدبيرية لهذه الأطر ومساعدتها على استيعاب الإجراءات الجديدة. وفي نفس السياق، ووفاء للاتزامها، فقد قامت الوزارة، كما تم التأكيد على ذلك في ملتقى مراكش الأخير، بتنظيم دورات تكوينية بالرباط لفائدة عدد كبير من المسؤولين والأطر على الصعيد الجهوي والإقليمي والمركزي حول مواضيع مختلفة ومتنوعة تستهدف تنمية القدرات النظرية والعملية لهؤلاء لأجل مساعدتهم على تحمل المسؤولية والمساهمة بشكل فعال ومهني في تنمية قدرات النظام الصحي الوطني بشكل عام. وقد بلغ عدد المستفيدين من هذه الدورات التكوينية ما يناهز 1500 مستفيدا. حضرات السيدات والسادة لا يخفى عليكم مدى الإحراج والتخبط الذي تقع فيه الوزارة أثناء قيامها ببرمجة إنشاء مؤسسة صحية ما أو تعيين أطباء أو ممرضين جدد أو توطين تجهيزات طبية، كل هذا في غياب ضوابط تقنية وصحية ومجالية تسهل علينا مأمورية اتخاذ القرار. لكن الآن والحمد لله، وبعد مصادقة مجلس الحكومة أخير ا في قراءته الأولية على المرسوم المتعلق بتنظيم عرض العلاجات والخريطة الصحية والمخططات الجهوية لعرض العلاجات، أصبحت الوزارة تتمتع بالأرضية القانونية لتأطير وضبط العرض الصحي العمومي والخصوصي بناء على المقاييس والمعايير والكيفيات اللازمة لإحداث وتوطين المؤسسات والتجهيزات وتعيين الموارد البشرية. إن المرسوم المتعلق بتنظيم عرض العلاجات والخريطة الصحية والمخططات الجهوية لعرض العلاجات يعتبر ورشا مؤطرا ومهيكلا لنظامنا الصحي الوطني، لكن أجرأته تتطلب نصوصا وإجراءات تقنية لا بد من الانكباب عليها بالجدية المعهودة مند الغد. ولن أطيل في سرد حيثيات وأهداف هذا المرسوم وكذا القانون الإطار رقم 09-34 الذي سبق أن اطلعتم عليه جميعا ولاشك، لكون محتوى هذه النصوص سينال حصة الأسد من الشرح والتبسيط والنقاش خلال هذا الملتقى وكذا الآليات المصاحبة له. ويقيني أن جميع المسؤولين الحاضرين سيعيرون لهذا الورش الكبير الاهتمام الكافي لاستيعاب مضامينه والأهداف المتوخاة منه ليكونوا قادرين على بسطه بكل قناعة ومهنية أمام محاوريهم في الجهات والعمالات والأقاليم التي يشرفون عليها. حضرات السيدات والسادة إن المسؤولية أو تحملها ليس مكسبا في حد ذاته ولا مكافأة كما يدعي البعض أو يتراءى للبعض الآخر؛ بل هي أمانة ثقيلة يحاسب عليها الإنسان أمام الناس وأمام ضميره قبل أن يحاسب عليها أمام بارئه. وحذار أن يتخذها البعض مطية للتطاول وقضاء المآرب وما نحن على ذلك بغافلين. فبنفس الإجراء الذي تلقى بها المسؤولية على العاتق تسحب بها من تحت البساط. وعلى كل مسؤول أن يُسائل نفسه عن ماذا أخلص لهذا القطاع وماذا وفى لمن منحه ثقة المسؤولية. وإذ أغتنم هذه المناسبة لأستجلي شيئا من الأمل مهنئا المديرين الجهويين والمندوبين الإقليمين الذين تم تعينهم في مناصب جديدة متمنيا لهم التوفيق في مهامهم الجديدة. كما أستجلي شيئا من الشجاعة لأشكر أولئك الذين أدوا من قبلهم الواجب-لكن الأداء الحسن- أو الذين سيحالون على التقاعد لما أسدوه لهذه الوزارة من خدمات جليلة، متمنيا لهم الصحة والعافية في حياتهم الشخصية والأسرية ومتمنيا لهم طول العمر.ولن تفوتني الفرصة، كذلك، دون أن أقدم لكم، مسبقا، متمنياتي الخالصة بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة. وكل عام ونحن بخير وعلى خير. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.