لم يجد رئيس الحكومة وقتا متبقيا للرد على النائبة البرلمانية حسناء أبوزيد وهي تلقنه الدرس في أخلاقيات الممارسة السياسية في المسار الديمقراطي الذي خاضه المغاربة ومعهم شرفاء الوطن بنسائه ورجاله الأوفياء من أجل ترسيخ المكتسبات التي جعلت بنكيران يتحدث من موقع رئيس حكومة يملك الصلاحيات الواسعة، لكنه يستعملها في التراجع الملحوظ، الذي سمته حسناء أبو زيد باسم الفريق الاشتراكي تراجعا لا يعي حجم المقعد الذي مر منه-من بوابة الوزارة الأولى – كل من عبد الله ابراهيم وعبد الرحمان اليوسفي. وحول بنكيران ،الذي بدا مهزوزا مرتبكا وغير قادر على امتلاك مفتاح للأجوبة على أسئلة المعارضة التي اختارت التنوع في الأسئلة، الجلسة الدستورية الشهرية أول أمس الثلاثاء11/11/2014 الى منبر كشف فيه دعوته الصريحة إلى الانفراد بالسلطة في ضرب واضح للعمل البرلماني، بالتبخيس لدور المؤسسة التشريعية مرة، وبالتشكيك الممنهج في الدور الرقابي للمعارضة مرة أخرى، ناعتا هذه الأخيرة بجمل قدحية وصلت حد تنبيه المغاربة إلى من سماهم "وجوها" ،مطالبا بالتفحص الجيد فيها، مع الانتباه الجيد لكل وجه على حدة، لكن كاميرا القناة الأولى كانت أذكى من حيله الانتخابية المبكرة ومن نيته المبيتة الهادفة إلى مزيد من الاستغلال للزمن المؤسساتي التشريعي والرقابي، وذلك بالتحويل المستمر للمنبر البرلماني من بوابة الجلسات الشهرية ذات الزمن المستفيض للرئيس الذي يملك الصلاحيات الواسعة في السلطة التنفيذية، إلى منبر حزبي يخاطب فيه "خوتو المغاربة" كما اعتاد على ذلك، هؤلاء الذين قهرهم وطبق عليهم بالفعل والقوة الإستراتيجية الموازية لبرنامجه الحكومي والمتعلقة بالزيادات المتواصلة حتى ضاق الخناق، بعدما اكتشفوا أن الرجل يستعمل معاناتهم لاختبار جبروته في الاستعمال السيئ لمعاناتهم، وهرعوا الى الشارع بالآلاف مطالبين بالعدل والكرامة والحرية، وهم الآلاف اللذين استهزأ بهم الرئيس عبد الإله بنكيران، ودعا كل منظمي مسيرتهم إلى الاستعانة "بالحمير" إذا لم تكفيهم هذه الألاف الزاحفة نحو متنفس للخروج من هذا "الوحل" الذي يتلذذ محدثوه بتضخمه لإغراق ما تبقى من الضوء النابع من جوانب تكاد تختفي من أجل إحلال الظلام. وهو الهم الذي حمله الفريق الاشتراكي في سؤال مس خطورة السياسات العمومية المؤدية الى التدهور المستمر للقدرة الشرائية، واضعا رئيس الحكومة في صورة التوتر الاجتماعي الحاد والمتواصل بسبب السياسة الحكومية الممنهجة والمتسببة في خلق هذا التدهور جراء الزيادات المتتالية لأسعار المواد الاستهلاكية والطاقية وإقرار ضرائب جديدة وتجميد الأجور وإغلاق سبل تحسين الدخل مما يهدد بالفعل السلم الاجتماعي في الوقت الذي تصر فيه الحكومة على السير في نفس النهج دون أدنى قراءة لعواقبه على المجتمع وعلى استقرار البلاد. وفي الوقت الذي كان فيه الفريق الاشتراكي ينتظر جوابا عن السؤال الذي يشكل عمق انشغالات المغاربة كافة، توجه الرئيس إلى شطحاته التي تنم على أن الرجل لا يقبل أن يشاركه نواب الأمة في الإطلاع على طرق تدبير البلاد والأفق المرسوم في ظل السياسة العمومية التي أبانت عن عجزها في معالجة القضايا الراهنة ومنها قضايا الاقتصاد والمجتمع و انعكاسات ذلك على المواطنين مباشرة سواء في قوتهم اليومي أو في تعليمهم وصحتهم وسكنهم وإنارتهم ومائهم مع نسيان تام لفضاءات ترفيههم البسيطة منها والمتوسطة. واكتفى الرئيس -ذو الصلاحيات الواسعة والمشهود له بالهوس الانتخابي المؤدي إلى كراسي مراكز القرار والمٌستغِل لجميع المنابر الخطابية الدعوية منها والمؤسساتية في البرلمان والحكومة والإعلام- بالقول أنه بالفعل سيستمر في الزيادات التي فضحه لسانه بإطلاق عبارتها في كافة المواد رغم كل الحيل و الالتفاف على الحقيقة المرة التي تنتظر المغاربة في مزيد من وضع "الأكياس على ظهورهم" ،داعيا إياهم إلى مزيد من الصبر لأنه سيحل كافة المشاكل على حساب جيوب البسطاء منهم على الخصوص، مع الاختفاء الكلي للطبقة المتوسطة دون مس للطبقات الميسورة وكأن الرجل يهيئ برنامجا على مقاس أهدافه من هؤلاء الذي تبين اليوم وأمام الرأي العام أنه يحميهم لأغراض نعي جيد أهدافها الدعوية والحزبية، مع ضرب بعضهم لصالح البعض المنطوي تحت اللعبة الضيقة لرئيس تحول من رئيس حكومة بصلاحيات كبرى أعطاها له الدستور الى رئيس مجموعة اضطر في هذا اللعب"الصغير" إلى إحداث قوانين على مقاسها لتسريع وثيرة تجنيدها في ساعة الصفر بلغة جيراننا في المحيط الإخواني. كما بدا بنكيران متوحدا مع ذاته ومنفصلا عن البرلمانيين الذين حج إلى فضائهم في مشهد تحقيري للأغلبية والمعارضة، مما جعل البرلمانية خديجة الرويسي عن فريق الأصالة والمعاصرة تدعوه إلى استعمال صلاحياته وحل البرلمان، مادام بنكيران لا يخاطب النواب ويجعلهم مطية للحديث إلى شعب إفتراضي تبقى في ذهنه عشية انتخابات ربيعية بامتياز، تحول واقعها إلى خريف قاحل منفتح على المجهول في بلادنا والى فضاء دموي في دول المحيط الإقليمي و الجهوي. وهو الواقع الذي واجهته به البرلمانية مونية غلام عن الفريق الاستقلالي و بالأرقام الحقيقة التي اعتقد بنكيران أنها ستهز عرشه في الرئاسة، فبدأ بالتباكي على "خوتو المغاربة" اللذين استعطفهم مرة أخرى من أجل البقاء في السلطة،مستعينا بالتهجم مباشرة على حزب الاستقلال ونعث النائبة غلام بالكاذبة الآتية بأرقام ضد حكومته الموقرة التي جعلت أزهار الربيع تهلل في المغرب لكن المعارضة"المسخوطة" لا تعترف بروائحها العذبة التي تشتم عن بعد من مقر حزب العدالة والتنمية. د وهو الاستعطاف الذي واجهه سعيد بعزيز باسم الفريق الاشتراكي بفضح السياسة العمومية التي تختار الحلول السهلة في التوجه إلى جيوب الفقراء حد جعل هؤلاء البسطاء يستنجدون في كافة الواجهات طالبين الرحمة من سياسة أبكت أطفالهم وشردت أسرهم في أفق لا يعرفون فيه مصيرهم الذي يقر فيه بنكيران أنه استعمل الفقراء من أجل إنقاذ البلاد، والحال أنه أخرق البلاد في الديون واستعمل ادخارها وجعل صندوقها مثقوبا في اتجاه الاستهلاك المتواصل دون رقيب في إداراته ودواوينه الوزارية التي يكشف اليوم وبالأرقام حجم المصاريف الباهظة التي تصرف باسم المحسوبية والزبانية والحزبية الضيقة خاصة على أشخاص باسم منظمات المجتمع المدني المؤسسة على المقاس الذي يدور في فلك حزب رئيس الحكومة في استغلال واضح للقوانين المعمول بها . وهو الاستعطاف الذي سقط فيه رئيس الحكومة بعدما لم يسعفه العرض الذي تقدم به ولا الخرجات التي رحلت عنها "قفاشات" الرئيس لتصطدم بنفاذ مخزونها على صخرة الواقع الأليم الذي نعيشه اليوم بفعل التدبير الأعوج غير المنطقي ولا العلمي ولا المعرفي ولا السياسي، ذلك الذي فضحته ارتباكات رئيس حكومة الربيع العربي المنتهية صلاحية خطابه، أمام الأسئلة الجوهرية التي تقدمت بها فرق المعارضة في الاتحاد الاشتراكي والاستقلال و الأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري، والتي مست السياسات العمومية المؤدية إلى التدهور المستمر للقدرة الشرائية، والحسابات الخصوصية للخزينة والتنزيل الدستوري للأمازيغية والمنظومة الصحية، مع كافة التدخلات في النقط التي تقدمت بها المعارضة المنتصرة للأرقام الحقيقية و التي جعلت الأغلبية محرجة في الدفاع عن رئيس الحكومة الذي ظل يغرد خارج السرب، ولسان حاله يقول :"علي الرحيل قبل أن أقذف بحجر النافذ صبرهم".