«السلطة ستعاقب كل من تَبَوَّل!» لن نجد لهذا العنوان مثيلا إلا بهذه المدينة العجائبية!! عبارة غريبة مكتوبة ب«البنْط» العريض الأزرق على جدار - وهذه عجيبة أخرى - إحدى المدارس، أو أطلالها على الأصح، الابتدائية. ولما كانت العِبارة دلالة على انتشار الظاهرة، فإنّ عين المخزن (السلطة) التي لا تنام كانت لها بالمرصاد. قد يكون العمل من إبداع مواطنين مقهورين لهذا السبب أو ذاك، كما هو شأن مدن انتشرت فيها الدعارة، برّاً وبحراً وجواً، فاضطر العديد من السكان المساكين إلى كتابة جُملة مسْكوكة على أبواب منازلهم تذكيراً للقادمين بأن المنزل رقم كذا.... للسكن لا غير!». العبارة المشار إليها أعلاه مُؤشِّر على ظاهرة باضَت وفرَّخت واستشرت في أنحاء المدينة! وبعد أن كانت هذه الأخيرة معروفة بروائح الحبق والغمباز والسوسان، أصبحت روائحها - وهي عديدة، تُزكم الأنوف خاصة رائحة البول!! وإذا ظهر السبب بطل العجب! فالساكنة التي تُقارب المليون نسمة، بسُكانها النهاريين والليليين، تُعاني من انعدام المراحيض العمومية ما عدا مرحاض المحطة الطرقية المقحمة بهذه الساحة المعروفة بتاريخها العريق. وهذا المرحاض، فضلا عن ذلك، في حالة يُرثى لها، وهو في الوقت ذاته، مسرح لممارسات يندى لها الجبين! وبعد أن كانت المدينة - وهي حاصلة على الجائزة الدولية للنظافة في بداية الستينيات من القرن الماضي - تفوح بالنظافة والجمال والهواء النقي، أصبحت مثوى لكل أنواع التلوث، بما فيه التلوث المعلوم، بعد أن أقفلت السلطة والمجالس البلدية المعتوهة العديد من المراحيض - مرحاض الخبّازات مثلا- وهلى رأسها المرحاض التحت - أرضي بما كان يسمى بالمدينةالجديدة! مرحاض لا مثيل له إلا في عواصم أوروبا، أو حواضر المستعمرات سابقا. زليج أبيض، وأحواض من رخام، ومراحيض للواقفين والجالسين، وتهوية ملائمة، ونظافة مستمرة،... ومرايا، ودرج جميل... إلخ. ماذا يبقى أمام المواطن المضطر لقضاء حاجته؟ مراحيض المقاهي يقتضي استعمالها استهلاك سلعتها أو أداء ثمن الدخول بعد - وهذه إهانة أخرى - الانتظام في الطابور، مراحيض الأسواق العمومية بالمدينةالجديدة سابقا، أو المدينة الشعبية، في حالة يرثى لها بالرغم من الأداء المحدد بمزاج الحارس إذا وُجد فعلا، بحكم اشتغال هذا الأخير بمهن عديدة مثل حراسة الدراجات وبيع السجائر بالتقسيط، وقطع تذاكر الرهان للمدمنين، وبيع مُستنسخات «الشبكة» للهواة... إلخ. أما مراحيض المساجد فهي لا تفتح إلا في وقت محدد مرتبط بالصلوات الخمس، ومراحيض الأزقة تحتاج إلى مفتاح يكون عادة في ملكية أحد ساكنيها... ماذا يبقى أمام المواطن إذن؟ التبول في أي مكان، علما أن الفعل المادي الناتج عن الضرورة، هو في الوقت ذاته فعل رمزي، والمعنى لا يحتاج إلى تأويل. أخيرا، وليس آخرا، تُعتبر العبار أعلاه كلاما نابيا يعاقب عليه القانون. فهي من الألفاظ الخادشة للحياء والمروءة!!! وكم بهذه المدينة من أعاجيب وغرائب، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!! ومع ذلك، فالسؤال يظل مطروحا: هل عاقبت السلطة كل المفسدين ولم يبق إلا...؟! عبد الرحيم مؤدن