تحلّ الذكرى الأربعون لوفاة زعيم التحرير القائد الوطني الكبير الأستاذ علال الفاسي، في مرحلة تشتدُّ فيها حاجة الوطن إلى المبادئ والقيم التي عاش مناضلا ً صلبًا من أجلها، ومضحيًا بلا حدود في سبيل إقرارها في الحياة الوطنية، بإقامة الأسس القويّة للدولة المغربية الحديثة على أرضيتها الصلبة، وبترجمة الشعار الوطني الخالد الذي ظل يرفعه إلى أن لقي ربه (مواطنون أحرار في وطن حر) إلى الواقع المعيش، على مختلف مستوياته، وفي جميع تجلياته. ففي مثل هذا اليوم من سنة 1974، انتقلت روح زعيم التحرير المناضل الكبير والوطني الرائد، إلى باريها راضية ً مرضية ً، بعد حياة حافلة بالنضال المستميت على جميع الجبهات، الوطنية والسياسية، والفكرية والثقافية، والحقوقية والقانونية، والتربوية والعلمية، والأدبية والإبداعية، كان فيها الزعيم الوطني الكبير مثالا ً فذًّا للقائد الشجاع صاحب المبادرات والجولات في مضمار الكفاح الوطني، وللمفكر المنظّر المبدع للنظريات والمنتج للأفكار التأسيسية البناءة، وللمربّي الحكيم للأجيال التي نشأت تحت عينيه وتربّت في كنفه وتشربت ثقافتّه الوطنية وروحَه الوثَّابة، وللأستاذ المعلم الذي كان مدرسة ً في العلم الباني للفكر الحرّ، وفي المعرفة الموسوعية، وفي الثقافة التي ترفع من قيمة الوطن وتصنع التقدم، وللعالم المشارك الذي يحمل رسالة الإسلام دين الاعتدال والوسطية، ويبشر بها بوعي وفهم عميقين، ويدعو إليها بالحكمة التي أتاه الله إيّاها، وبالعلم الذي غاص في بحوره، فكان نعم الخلف لخير السلف الذي حَافَظ َ على الهوية العربية الإسلامية، وذَادَ عن بيضة الإسلام الحق المستنير بنور العقل، وصَانَ الشخصية المغربية من المسخ والذوبان والانحراف. لقد تمثلت في الزعيم علال الفاسي منظومة القيم المثلى والمبادئ السامية التي جعلت من المغرب دولة قوية على مرّ الأحقاب، محافظة ً على استقلال كيانها الوطني. حتى في فترة الحماية الاستعمارية، التي كانت بمثابة حادثة سير في مسيرة الوطن الطويلة، كانت هذه المبادئ والقيمُ هي القوة َ الضاربة َ في معارك التحرير من أجل الاستقلال التي اعتمدتها الحركة الوطنية المغربية سلاحًا لها في مواجهة السياسة الاستعمارية الغاشمة. وكان علال الفاسي هو زعيم تلك الحركة بدون منازع، عرف كيف يقود ركائبَها وسط الأعاصير، حتى إذا بطشت سلطات الحماية الفرنسية بالحركة الوطنية، نال الزعيمَ علال من ها القمع والبطش النصيبُ الأوفر، فتوّج مناضلا ً شامخَ الذرى، وتصدَّر قائمة القيادات الوطنية المناضلة التي أبلت البلاء الحسن في الكفاح المرير من أجل تحرير الوطن واستقلاله، وامتحنت فصمدت ولم تهن ولم تضعف ولم تستسلم. إن هذه المبادئ والقيم البانية للإنسان والمحررة للأوطان، التي كانت القاعدة الراسخة للحركة الوطنية، والتي على أساسها قامت كتلة العمل الوطن (1934)، وتأسس الحزب الوطني (1937) الذي خلفه حزب الاستقلال (1944) واستلم منه المشعل، هي الرصيد الذي لا ينفد مع توالي الأيام، وهي الذخيرة الحية في معارك البناء الوطني في جميع المراحل وعلى مختلف المستويات. وعلى هذه المبادئ الثابتة والقيم الراسخة تقوم السياسة الوطنية التي ينهجها حزب الاستقلال خلال هذه المرحلة، كما نهجها في المراحل السابقة، وبأنوارها الكاشفة لمعالم الطريق، يهتدي في معركته الحالية التي يخوضها ضد الزيف والانحراف عن جادة الحق والعدالة والاستقامة السياسية والإعراض عن الاستجابة للمطالب المحقة التي ترفعها جموع الشعب، ومن أجل ترسيخ القواعد لدولة الحق والقانون والمؤسسات النزيهة التي تعبر عن الإرادة الوطنية، تفعيلا ً للدستور وتطبيقًا لمقتضياته، وتجسيدًا للمفهوم الوطني الذي يتبناه حزب الاستقلال منذ فترة الحماية وإلى اليوم، للملكية الدستورية الجامعة للوحدة الوطنية. إن الذكرى الأربعين لوفاة الزعيم علال الفاسي تحلّ والوطن أحوج ما يكون إلى الأفكار التنويرية البناءة التي أبدعها الرائد الوطني الكبير، وإلى المبادئ الحية والقيم البانية للعقل وللوجدان وللوطن الذي عاش حياته مناضلا ً بشتى الوسائل من أجل العمل بها. وستبقى الأفكار الرائدة التي أبدعتها عبقرية الزعيم علال والمبادئ الاستقلالية السامية التي قام حزب الاستقلال على قواعدها، حيّة في ضمير المغرب في حاضرنا وفي مستقبلنا.