بنكيران يتجنب التعليق على حرمان وفد "حماس" من "التأشيرة" لحضور مؤتمر حزبه    فوزي لقجع يعزز نفوذ المغرب في الكاف بمنصب نائب أول للرئيس    الدوري الماسي: البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع خلال ملتقى شيامن بالصين    الرصاص يلعلع في مخيمات تندوف    قتلى في انفجار بميناء جنوب إيران    توقيف أب تلميذ اقتحم إعدادية بساطور    الكرفطي ينتقد مكتب اتحاد طنجة: بدل تصحيح الأخطاء.. لاحقوني بالشكايات!    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    بنكيران: "العدالة والتنمية" يجمع مساهمات بقيمة مليون درهم في يومين    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    العثور على جثة بشاطئ العرائش يُرجح أنها للتلميذ المختفي    الجامعي: إننا أمام مفترق الطرق بل نسير إلى الوراء ومن الخطير أن يتضمن تغيير النصوص القانونية تراجعات    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    المغرب يرفع الرهان في "كان U20"    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة بالعيد الوطني لبلادها    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    فعاليات ترصد انتشار "البوفا" والمخدرات المذابة في مدن سوس (فيديو)    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    من فرانكفورت إلى عكاشة .. نهاية مفاجئة لمحمد بودريقة    جريمة مكتملة الأركان قرب واد مرتيل أبطالها منتخبون    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الجمعة‪: في ذكرى وفاة فيلسوف الذاتية محمد إقبال أبريل 1938 (4) النهضة وإحياء الدولة الإسلامية من خلال حديث الروح..؟-3-
نشر في العلم يوم 09 - 05 - 2014

حديث الجمعة اليوم نحاول فيه إتمام تحليل ما ضمنه إقبال لقصيدتيه (شكوى وجواب شكوى) في تأكيد أن الإسلام له مستقبل قادم يعيد فيه المسلمون مجدهم القديم، وقد يظهر إقبال متفائلا أكثر من اللازم لدى البعض ولاسيما والحالة التي يذكرها حينذاك هي نفسها السائدة بين المسلمين اليوم، ولكنه كان يرى بالبصيرة النافذة أن مستقبل الأمة هو الانعتاق من الهيمنة الاستعمارية التي فرضت نفسها على الأمة.
واليوم يمكن أن نتساءل ما هو حظ الأمة من استعادة ما ضاع، واستعادة الدعوة النهضوية بالأساس التي ضاعت أو كادت بفعل الألاعيب التي طالما حذر منها وحذر منها غيره من المناضلين والقادة النافذين بفكرهم نحو آفاق المستقبل، فهل الوحدة بين المسلمين اليوم أقوى مما كانت عليه في تلك المرحلة؟ وهل المسلمون يدركون من مكائد الأجنبي أكثر مما يدرك رعاة النهضة الأولون؟ وهل الاستعداد الفكري والعلمي لدى المسلمين في المستوى المطلوب لمواجهة التحديات؟ وهل الحكم في ديار الإسلام حكم ديمقراطي شوري يسمع فيه لرأي الشعوب أم إن الواقع ازداد سوءا من ذي قبل؟ وهل أفهام المسلمين اليوم أكثر تقبلا لروح الإسلام الحقة ودوره في تحرير الشعوب الإسلامية وضمان العدالة الاجتماعية والكرامة للجميع؟ وهل المسلمون اليوم تحرروا من الطوابير الخمسة التي تدك حصون الإسلام من الداخل؟ إنها أسئلة كثيرة اشرنا إلى بعضها ونحن في ختام الكلام عن شكوى وجواب شكوى وملامح الدعوة النهضوية الإقبالية من خلالهما.
*********
خمول واختلال
ختمنا الحديث الأخير بأربع أبيات شعرية يستعرض ضمنها إقبال ما أصاب الفكر الإسلامي من خمول، وعدم القدرة على الإبداع والابتكار، وان الأمة أصبحت تعيش ما يكاد شبه عقما شاملا في كل مناحي حياتها الفكرية، سواء تعلق الأمر بالفقهاء والأدباء والمفكرين، فلم تعد الأمة تلك الأمة التي يتصدر حياتها علماء من صنف العز بن عبد السلام أو الصوفية العقلانية المتفلسفة ولكنها القادر على أن تفرز لكل واحد من هذه التوجهات مساحة معينة في منهاجها الفكري، دون أن يقع أي اصطدام بين كل ذلك.
انعدام الفعالية
والأدهى من ذلك أن المدن الإسلامية على امتداد شرق الأرض إلى مغربها ممتلئة بالمساجد التي تعلو منابرها وقبابها إلى عنان السماء والتي يصيح فيها المؤدنون من تباشير الفجر الأولى إلى العتمة التي يختمها الناس بأداء صلاة العشاء، ولكن هذه الأذان وأحرى الصلاة لا تتوفر على روح الصلاة وشروطها الضرورية التي يجب أن تتوفر لكل مصل فلا خشوع ولا امتثال لما تفرضه الصلاة من خشوع ومن استقامة وبالأحرى من فعالية لعلاج أوضاع المسلمين يقول:
وجلجلة الآذان بكل أرض ولكن أين صوت من بلال
منابركم علق في كل حي ومسجدكم من العباد خال
انعدام الفعالية
والواقع أن المساجد ليست خالية بل هي ممتلئة بل تشكو من الاكتضاض وما يلاحظه الإنسان هو أن الناس بنوا المساجد و أوقفوا لها أوقافا، وبنوا التكايا والزوايا ولكن كل ذلك لا يؤدي ما هو مطلوب منه في التأثير في الناس تأثيرا ايجابيا يستطيع الناس من خلاله أن يتلقوا الزاد الذي يحررهم من جمود العقل، وأغلال الخرافة، وسيطرة التقليد الذي لا يستطيع الناس معه أن يجدوا لأنفسهم طريقا لتدبير شؤونهم على النمط الذي كان عليه المسلمون عندما كانوا يدركون العمق الحقيقي للأذان والصلاة، ويعرفون أن المسجد مكان للثورة على الخرافة والتواكل، ومنطلق للحرية الفكرية والدينية بكل أبعادها.
منطلق الحرية
فالمسجد هو الذي كان المسلمون يتلقون من خلاله وبين أساطينه أو سواريه زادا من المعرفة الحقة التي تهيئ الناس للبذل والعطاء والتضحية بالحياة من اجل الحياة، فالمسجد كان يحرر الناس من الوهن ولكنه مع التخلف أصبح مبعثا لهذا الوهن بل منظرا له عند البعض باستخدام النصوص استخداما منحرفا فكراهية الموت وحب الدنيا هو الوهن وإذا شاء المسلمون العودة إلى دورهم ومكانتهم فعليهم بعكس ما هم عليه حيث يطلبون الموت لتوهب لهم الحياة:
وفي هذا يقول إقبال:
الحياة الحقة
جهاد المؤمنين لهم حياة
عقائدهم سواعد ناطقات
وخوف الموت للأحياء قبر
أرى ميراثهم أضحى لديكم
وليس لوارث في الخير حظ

ألا إن الحياة هي الجهاد 
وبالأعمال يثبت الاعتقاد
وخوف الله للأحرار زاد
مضاعا حيث قد ضاع الرشاد
إذا لم يحفظ الإرث اتحاد

سيطرة الوهن
إن إقبال في هذه الأبيات الخمسة يقلب المعادلة التي كانت سائدة أسباب الانحطاط الذي أصابت الأمة الإسلامية حيث الناس يرددون قوله تعالى: «لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» وهذا استعمال للآية في غير محلها كما ورد في الأثر أن الناس يفسرون هذه الآية على غير ما هو مقصود منها فإن جلوس الناس عن الجهاد والاشتغال بأمور أخرى يترك الأمة دون الاستعداد الضروري لمواجهة الأعداء والخصوم وبذلك يعرضون أنفسهم للتهلكة، لان العدو الذي استعد لهم بوسائل تمكنه من التغلب والانتصار عليهم يستطيع في لحظة ما أن ينقض عليهم ويستولى على أرضهم ومن تم القضاء على الدين وأهله ويستبيح أرضهم وديارهم، وهذا له نماذج كثيرة وأهم نموذج واضح ما حصل للمسلمين في الأندلس.
نخلة الإسلام
ثم يقول:
فكم زالت رياض من رباها
ولكن نخلة الإسلام تنمو
ومجدك في حمى الإسلام باق
وإنك يوسف في أي مصر
تسير بك القوافل مسرعات

وكم بادت نخيل في البوادي
على مر العواصف والعوادي
بقاء الشمس والسبع الشداد
يرى كنعانه كل البلاد
بلا جرس ولا ترجيع حادي

الفجر القادم
إذا كان الشاعر الفيلسوف قد بين في الأبيات السابقة أن النار الجديدة ويعني الشرك والإلحاد والطغيان النمرودي الذي يمثله الاستعمار ومن سير في ركابه أن الإيمان هو الذي يتم به مواجهة الطغيان به فإنه في الأبيات أعلاه يرسم خطوط النهضة في الفجر القادم للإسلام والمسلمين إذا هم بالفعل كانوا في مستوى إيمان المسلمين الأولين، وكانت عقائدهم عقائد ثابتة ويضرب لذلك مثلا بما حصل لكثير من الرياض والحدائق الغناء ولكنها أصابها الفناء والبوار.
الدين المخلص
ولكن نحلة الإسلام تنمو على مر العواصف والعوادي وإقبال ليس متفائلا بمستقبل الإسلام كدين يخص المسلمين، ولكنه يرى أن هذا الدين هو المنفذ الحق للإنسانية من هذا التردي الذي تعاني منه ويصيبها بما أصاب به الوثنية السابقة الأمم السابقة ان إقبال في هذه اللحظات التي يسطر فيها ضعف الأمة وهو أنها على أعدائها يرسل شعاعا من نور يضيء للناس طريقهم، وينقذهم كما أنقذ آباؤهم وأوايلهم الإنسانية وأسسوا الحضارة التي سرد إقبال كثيرا من أفضالها وأمجادها.
النقد الذاتي
وإقبال لم يغب عن باله وهو سيطر ما سيطره ما هو عليه حال الناس في ديار الإسلام بل هو يتحدث عن المستقبل بتفاؤل وهو يرى أن الأقوام التي تغدو وتروح أمامه تخلت عن كل مقومات الحضارة الحقة التي كانت لأسلافهم، فهو يتفقد قرطبة كما أسلفنا ليكتب مراتي وقصائد في شأنهم، ولكنه القائد الذي لا يريد من خلال النقد السياسي والتحليل الفكري وبسط أوضاع التخلف الديني لدى الإنسان المسلم إلا أن يوقظ الهمم ويبصر الأمة بمآل أمرها بعدما فرطت في الإرث الذي ورثته ن الآباء والأجداد ولذلك يذكر الناس بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم مؤكدا أن مجد الأمة وهي ستظل بطل الإسلام وتعيش في كنفه وحماه يستمر مثل ما يستمر ضياء الشمس، وبقاء السبع الشداء فهذا في الواقع يتدارك ويوجه خطابه إلى المسلم أين ما كان وأينما وجد، الذي يبينهم في ظل إسلامه وعدله وشريعته، وان الإسلام كما صنع الأجيال التي حملت رايته إلى كل الدنيا قادر اليوم على فعل نفس الشيء، وأن ما تعانيه الإنسانية من فقدان الأمن والسلام سيعود بإرادة المسلمين الحقة وعزيمتهم الصادقة.
نماذج من الماضي
وقد اثر ذلك في الشاعر تأثيرا كبيرا سجله في عدة قصائد التي تناول فيها مآثر قرطبة والأندلس وقد استوحى من ذلك التاريخ الكثير من العبر والأفكار وهي ما عبر عنه بشكل صريح وواضح في تلك القصائد الطويلة والمعبرة تعبير صريحا وواضحا وحكم هذه القصائد بقصيدة بعنوان:
دعاء طارق
وكتب تحتها نظمت في ساحة المعركة في الأندلس
هدى الكماة عبادك الأخيار
أصحاب سرك والسيادة طبعهم
فعلت كموسى في البحار عصيهم
البحر حبة خردل في كفهم
عزفوا عن الدارين إلا أنهم
نيل الشهادة للموحد مطمح

حملوا عناء العالمين وساروا
والنور في نظراتهم والنار
وتراجعت لخطاهم الأنهار
والعشق في أرواحهم إعصار
علم على الدارين لا ينهار
وإذا تقحم فالجراح غبار

ولذلك فإن الشاعر في هذه القصيدة التي نحن بصددها «جواب شكوى» ذكر من عيوب المسلمين ما يجب عليهم تفاديه إن شاء والعزة من جديد.
الجهاد حياة المؤمنين
وإن العقائد هي المحركة لهم ولكن العمل هو الذي يثب الاعتقاد ومعنى ذلك أن الإيمان هو ما وفر في القلب وصدقة العمل والشاعر هنا يفصل في قضية من القضايا الكبرى في علم الكلام وهو الإيمان هل يثب ويتأكد بدون عمل أو أن الإيمان لا يمكن أن يكون كاملا إلا مع العمل سير مع الأثر الإيمان ما وفر في القلب وصدقة العمل الذين امنوا وعملوا الصالحات.
النار الجديدة
هي النار الجديدة ليس يلقى
خذوا إيمان إبراهيم تنبت
ويذكو من دم الشهداء ورد
ويلمع في سماء الكون لون
فلا تفزع إذا المرجان أضحى 

لها حطب سوى المجد القديم
لكم في النار روضات النعيم
سني العطر قدسي النسيم
من العناب مخضوب الأديم
عقودا للبراعم والكروم

الطبع الكنود
ويواصل إقبال تحليل واضع المسلمين على ضد ما تلقاه على جواب على شكواه وتظلمه من لدن الملك الذي عرف صوته وهو يواصل شدوه عند المساء، هذا الملك الذي عرف من تصرفات الإنسان ومخالفته لأمر الله ما جعل الملائكة في اليوم الأول يطرحون طبيعة هذا الإنسان الكنود عندما قالوا لرب العزة وأن تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح نحمدك ونقدس لك». ولكن الخالق وهو أعلم بمن خلق أجابهم بما هو من المسلمات لديهم وهم الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون».
السلف والمجد
وإقبال الذي حلل ما كان عليه السلف الصالح من الطاعة والامتثال، وما كانوا عليه من بذل وعطاء، وما كان لديهم من قدرة على الجهاد والمجاهدة، وما كانوا يملكون من إيمان صادق، وقدرة على أن يتجاوبوا مع تكاليف الإيمان وهو ما جعلهم يحتلون المكانة التي كانوا يحتلونها، وينعمون بما يجب أن ينعموا به من طمأنينة الضمير، وما لديهم طاقة جهادية جعلت أعداءهم يطأطئون لهم الرءوس، ويسعون لإرضائهم، هذا الذي كانوا عليه هو ما يفتقده المسلمون في زمانه الردئ الذي كانوا عليه ولا يزالون، ويذكر إقبال ان كل ما ورثوه المسلمون من ماض تليد وما لديهم من رصيد هائل في هذا المضمار يتعرض لزلزال كبير واندثار محقق ما لم تكن هناك وحدة صادقة بينهم حيث يقول:
وليس لوارث في الخير حظ إذا لم يحفظ الإرث اتحاد
النار الجديدة
وإقبال يتحدث عن رسالة ودوره ودور غيره من الداعين إلى النهضة فيقول:
هي النار الجديدة ليس يلقى لها خطيب سوى المجد القديم
وهذه النار القديمة هي الشرك والانحراف عن العقيدة ودعوات الحادية وتطرف علماني مفرط كل هذا ليس له من علاج إلا إيمان إبراهيم وعقيدة التوحيد الخاص.
إن إقبال في هذا المقطع ينعي على المسلمين في عصره انحرافهم عن نهج التوحيد وهذا تقرر عنده عدة مرات في كثير من قصائده الشعرية ولذلك يؤكد أن العودة إلى نهج السلف ونهج إبراهيم لقي في النار وتم إنقاذه بفعل عقيدة التوحيد وركائز الإيمان التي تجعل الإنسان يلقي كل ما يصادفه من محن وأهوال وهو رض مطمئن.
الجهاد
ولاشك أن هذا المقطع من قصيدة إقبال قد لا ترضي الكثير من الناس الذين يرون الجهاد اليوم والتضحية في سبيل الله إرهابا وتطرفا وخروجا عن الجادة والواقع ان الدعوة التي حملها إقبال في هذه المرحلة من التاريخ الإسلامي التي كتب فيها قصائده كانت تتطلب ذلك أكثر مما تتطلب الموادعة والمساكنة مع الاستعمار وأذنابه.
وإذا كان دعاة المقاومة ومواجهة الأطماع الأوروبية الاستعمارية الجديدة يواجهون نفس التهمة تهمة الإرهاب و العصبية فإن ذلك لم يكن ليثني المخلصون الذين يرون مقاومة الطغيان فرض عين في حالة مداهمة العدو لأرض المسلمين.
التعصب والإرهاب
ان إقبال كغيره من دعاة الإصلاح لم يسلم من تهمة التعصب والتحريض على المواجهة ولكنه مع ذلك واصل رسالته، ولم يعبأ بما يروج له من كانوا موالين للإدارة الاستعمارية في وطنه الهند وبصفة خاصة من المسلمين الذين برز منهم آنذاك من يسقط فريضة الجهاد، ويرى أن ذلك ليس من مقاصد الإسلام وكانت هذه الدعوة آنذاك منتشرة في بعض الأوساط الإسلامية وكان يتولى كبيرها والدعوة إليها أحمد خان وبعض أتباعه، رغم أن علاقة إقبال بهذا الرجل لم تكن سيئة ولكنه كان في اتجاه والآخر في اتجاه ومواجهة احمد خان كانت بينه وبين جمال الدين الأفغاني كذلك، وفي هذا يقول جمال الدين الأفغاني:
سرقة الحكم
«... لما استقرت أقدامهم –الانجليز- في الهند وألقوا به عصاهم، ومحيت آثار السلطنة التيمورية (نسبة الى تيمورلنك مؤسس دولة المغول في القرن السادس عشر الميلادي)، نظروا إلى البلاد نظرة ثانية فوجدوا فيها خمسين مليونا من المسلمين، كل واحد منهم مجروح الفؤاد بزوال ملكهم العظيم، وهم يتصلون بملايين كثيرة من المسلمين شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وأحسوا أن المسلمين ما داموا على دينهم، وما دام القرآن يتلى بينهم، فمحال أن يخلصوا في الخضوع لسلطة أجنبي عنهم، خصوصا أن كان ذلك الأجنبي خطف المُلك منهم بالخديعة أو المكر تحت ستار المحبة والصداقة!
ويواصل جمال الدين الأفغاني تحليله للأوضاع فيقول:
توهين الاعتقاد الإسلامي
فطفق –الانجليز- يفتشون بكل وسيلة لتوهين الاعتقاد الإسلامي، وحملوا القسس والرؤساء الروحانيين على كتابة الكتب ونشر الرسائل، محشوة بالطعن في الديانة الإسلامية، مفعمة بالشتائم والسباب لصاحب الشريعة –برأه الله مما قالوا- فأتوا من هذا العمل الشنيع ما تنفر منه الطباع، ولا يمكن معه لدى غيره أن يقيم على أرض تنتشر فيها تلك الكتب، وأن يسكن تحت سماء تشرق شمسها على مرتكبي ذلك الافك العظيم!
ويواصل جمال الدين قائلا:
محو المؤسسات الإسلامية
«وما قصدهم بذلك الا توهين عقائد المسلمين: وحملهم على التدين بمذهب الانكليز! هذا من جهة، ومن جهة أخرى أخذوا في تضييق سبل المعيشة على المسلمين وتشديد الوطأة عليهم والأضرار بهم من كل وجه: فضربوا على أيديهم في الأعمال العامة، وسلبوا أوقاف المساجد والمدارس، ونفوا علماءهم وعظماءهم إلى جزيرة «اندومان» رجاء أن تفيدهم هذه الوسيلة –ان لم تفدهم الأولى- في رد المسلمين عن دينهم بإسقاطهم في أغوار الجهل بعقائدهم حتى يذهلوا عمل فرضه الله عليهم!
ثم يقول جمال الدين:
صناعة النخبة
«فلما خاب أمل أولئك الحكام الجائرين في الوسيلة الأولى، وطال عليهم الأمد في الاستفادة من الثانية، نزعوا إلى تدبير آخر في إزالة الدين الإسلامي من ارض الهند أو إضعافه، لأنهم لا يخافون إلا من المسلمين أصحاب ذلك الملك المنهوب والحق المسلوب، فاتفق أن رجلا اسمه «أحمد خان بهادور» -لقب تعظيم في الهند- كان يحوم حول الانكليز لينال فائدة من لديهم، فعرض نفسه عليهم وخطا بعض الخطوات لخلع دينه، والتدين بالمذهب الانجليزي.»
امة المجد الدائم
فباسم محمد شمس البرايا
تلألأ في الرياض وفي الصحاري
ونبض الكون منه مستمد
ومن مراكش يغزو صداه
وما مشكاة هذا النور إلا

أقيمت خيمة الفلك المنير
وفوق الموج والسيل المغير
حرارته على مر العصور
ربوع الصين بالصوت الجهير
ضمير المسلم الحر الغيور

إن إقبال في هذه الأبيات يؤكد وحدة الأمة الإسلامية من طنجة إلى جاكارتا بل إلى الصين وهو بهذا يحدد مسؤولية أمة محمد ومصيرها ومستقبلها الزاهر ويقول:
خلافة هذه الأرض استقرت
وفي تكبيرك القدسي يبدو
فيا من هب للإسلام يدعو
سترفع قدرك الأقدار حتى
وقيل لك احتكم دنيا وأخرى

بمجدك وهو للدنيا سماء
صغيرا كل ما ضم الفضاء
وأيقظ صدق غيرته الوفاء
تشاهد أن ساعدك القضاء
وشأنك والخلود كما تشاء

وهنا وتوجه صادق من الشاعر ببعث الأمل في نفوس المسلمين الذين ستنشر حياة المجد بينهم إذا كانوا بالفعل يسعون لذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.