صدمة في غابة دونابو بطنجة: قطع الأشجار يثير غضب المواطنين    إضراب عام في المغرب احتجاجًا على تدهور القدرة الشرائية وتجميد الحوار الاجتماعي    مداهمة مطعم ومجزرة بطنجة وحجز لحوم فاسدة    نبيلة منيب: مدونة الأسرة تحتاج إلى مراجعة جذرية تحقق العدالة والمساواة -فيديو-    المغرب واليمن نحو تعزيز التعاون الثنائي    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    توقيف سائق طاكسي بأكادير بتهمة ترويج القرقوبي    أكادير تحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة بتكريم مايسترو الرباب لحسن بلمودن    مهرجان قرطاج لفنون العرائس يعود بمشاركة 19 دولة وعروض مبتكرة    التساقطات المطرية الأخيرة تعيد الآمال للفلاحين وتعد بموسم فلاحي جيد    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية أفضت إلى المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    الشبيبة التجمعية تشيد بمجهود الحكومة استعداداً للمونديال وفي "تصفية تركة حكومتي العشر سنوات العجاف"    الاتحاد المغربي للشغل ينظم إلى الداعين لخوض "الاضراب العام"    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يمنح فوزي لقجع الجائزة التقديرية ل2024    النصيري يمنح الفوز لفنربخشة أمام ريزا سبور    مفتاح الوقاية من السرطان.. دراسة تؤكد أن الرياضة وحدها لا تكفي دون الحفاظ على وزن صحي!    المفوضية الأوروبية تحذر من "رد حازم" إذا استهدف ترامب منتجاتها برسوم جمركية "تعسفية وغير منصفة"    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    التساقطات المطرية الأخيرة ترفع نسبة حقينة سدود المملكة إلى أزيد من 27%    الشرع: الرياض تريد دعم دمشق    بني ملال ينتزع التعادل مع بركان    صادرات قطاع الطيران ناهزت 26,45 مليار درهم سنة 2024    خبير صحي يحذر: إجراءات مواجهة "بوحمرون" في المغرب "ضرورية ولكنها غير كافية"    المغرب يتسلم رئاسة التحالف الإفريقي للعلوم والتكنولوجيا لتعزيز التنمية المستدامة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    فتح تحقيق جنائي بحقّ زوجة نتانياهو    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    تحولات "فن الحرب"    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهضة وإحياء الدولة الإسلامية من خلال حديث الروح..؟
نشر في أخبارنا يوم 29 - 04 - 2014

السعي إلى قيام نهضة إسلامية جديدة، واستعادة ما كان للأمة الإسلامية من مجد ومكانة على مستوى العالم القديم هو ما استبد بعقول ونشاط ما يمكن تسميته برواد النهضة أو بالنخبة الإسلامية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ومن حسن حظ الفكر الإسلامي في هذه المرحلة أن هذه النخبة أتيح لها من الثقافة ومن سعة الفكر والقدرة على التعبير عن هذا الفكر وعن الروح المتوثبة لدى هؤلاء الناس ما جعلهم يدونون أفكارهم ورغبتهم في الإصلاح، مع بذل الجهد لإيصال دعوتهم إلى الأمة بصفة عامة، والى الخاصة من هذه الأمة بصفة خاصة، ورغم أن وسائل التواصل لم تكن متوفرة بالقدر الكافي، كما أن وسائل النشر هي بدورها لم تكن متاحة ولا ميسرة، ولكن الرغبة في التواصل مع كل أفراد الأمة الإسلامية كانت قوية، وكانت الإرادة اشد قوة، وكانت روح التلقي لدى الأمة في مستوى التجاوب مع الخطاب الذي يروج له دعاة النهضة وزعماؤها.
ورغم أن اللغة التي كان التعبير بها مختلفة بحسب الأقطار حيث كان أغلب الأمة من العجم حسب التعبير القديم أي ليسوا عربا ولا يعبرون عن مكنون أنفسهم ودعواتهم الإصلاحية باللسان العربي المبين حيث الهنود يستعملون الفارسية أو الاردبة وكان الفرس يستعملون الفارسية، ومعهم في هذا الاستعمال الكثير من الشعوب غير الفارسية مثل الأفغان وكانت اللغة التركية أداة للتعبير كذلك حتى على مستوى العالم العربي الذي كان خاضعا للحكم العثماني، ومع ذلك فإن الأفكار كانت متقاربة والدعوة مركزية الاستقطاب باعتبار أن القرآن الكريم والسعي إلى العودة إلى ما جاء به من وحدة العقيدة ووحدة الأمة. والمصير المشترك، والواقع المؤلم والآسن التي يعاني منه الجميع كل ذلك جعل الناس يفهم بعضهم عن البعض ويسعى الكل إلى الكل وكان التضامن هو السمة الغالية لدى الجميع حتى ان دوائر الاستشراق الاستعماري عبرت عن هذا التضامن.
بتشبيهه بطنبور إذا ضربته في جهة انتشر طنينه في كل الجهات حيث كان المسلم أينما وجد يشعر بآلام إخوانه حيث يتألمون ويعبر عن هذا الشعور بالوسائل المتاحة للتعبير.
ولذلك فلا غرابة أن يحمل شاعر وكاتب وداعية في الشرق وفي الغرب نفس الهم ويستعمل الجميع تعابير ومضامين تكاد تكون متشابهة ان لم تكن متشابهة بالفعل، انظر إلى ما كتبه المغارية في تلك المرحلة وان كان يتميز بطابع محلي ولكنه يعبر عن نفس الهموم ويمكن ان تقارن هذا التعبير بما يكتبه وكتبه المسلمون في الهند وفي أفغانستان أو اندونيسيا أو تركيا وأحرى الشرق العربي، إنها بالفعل تؤكد هذه الأمة إنها امة واحدة.
إن هذه الأمة الواحدة هي التي يعبر الشاعر (محمد إقبال) عن همومها وتضرعاتها وشكواها من واقع الحال مع التذكير بأمجاد الأمة ودورها الإنساني والحضاري والواقع أن ما يعبر عنه إقبال في القصيدتين شكوى وجواب شكوى، هو الأمل في بناء الدولة الإسلامية في المستقبل ولكن بعد التطهر من ادران رانت على القلوب، وأوضاع تردت فيها الأمة طيلة قرون الجمود التي عانت منها.
وفي سياق الحديث عن الدولة في فكر إقبال نعيش لحظات مع شكوى أو حديث الروح كما اختارت أم كلثوم أن تسمي هذه الشكوى وجوابها.
*********
علم الأسرار
آية المومن أن يلقى الردى باسم الثغر سرورا ورضى
بيت من الشعر للعلامة محمد إقبال قاله وردده قبل وفاته، مع بيتين آخريين قال فيهما:
نغمات مضين لي هل تعود انسيم من الحجاز يعود
آذنت عيشتي بوشك رحيل هل لعلم الأسرار قلب جديد
واقع آسن
والأبيات الثلاثة تصور الحالة النفسية لدى الرجل قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى، ويودع الحياة التي كانت بالنسبة له جهادا متواصلا، بكل الوسائل التي يعبر بها الرجال الأفذاذ عن رفضهم لحياة الذلة ولواقع آسن يتطلب التغيير، وكيف لا؟ وهو القائل شكوت إلى ربي الواقع فقال لي إذا لم يعجبك فغيره، سيرا مع قوله تعالى: «ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فالمومن هو الذي يملك القدرة على تغيير الواقع وليس الذي يستسلم لهذا الواقع بما فيه من ظلم واستعباد، وما يزخر به من التصرفات التي لا تقيم وزنا للحياة الإنسانية، إذا كانت لا تعني الإنسان الأبيض أو الإنسان المستعمر (بكسر الميم).
حاسة النقد
ونشأ إقبال وهو يرى ويسمع هذه الأوضاع التي تزدري حياة الأهالي في الهند وبصفة خاصة المسلمين، واتجه منذ البداية لطلب العلم وكان والده يوجهه ويحرص على أن يقرأ القرءان قراءة المتدبر والمتأمل، إذ قال له والده اقرأه وكأنه انزل عليك، كما تمت الإشارة إلى ذلك في حديث سابق وكذلك كان، فقد كان يقرأه ويتأمله فاستفاد من هذه القراءة الشيء الكثير، ولذلك فعندما درس القانون في الغرب ودرس الفلسفة الغربية لم يؤثرا فيه سلبا إذ كان يملك هذه الحاسة النقدية التي صانته وإلا لذهب ضحية ما كان يزخر به العالم آنذاك من نظريات التشكيك في القيم الروحية، وجحود الأديان ومحاربتها، فهو عاصر انتشار النظريات التي تدعو إلى نبذ الأديان كما عاصر الحرب العالمية الأولى وامتدت به الأيام إلى بروز إرهاصات الحرب العالمية الثانية، حيث توفي في21 ابريل 1938م.
إقبال والثورتان
ولاشك أن الانقلابات والثورات التي عرفتها الإنسانية في هذه المرحلة وفي مقدمتها الثورة البلشفية، والثورة الكمالية في تركيا وسقوط الخلافة العثمانية، كان لها دور في تفكير الرجل من الوجهة السياسية وحول مصير المسلمين ليس في الهند فقط ولكن على مستوى العالم الإسلامي، ولذلك عندما كتب إشعاره وأرسى فلسفته كان يرمي إلى توجيه المسلمين في العالم الإسلامي بصفة عامة، وقد تناول ما يعانيه الإسلام من تأثير الفلسفة اليونانية قديما على المفكرين والفلاسفة المسلمين كما تناول تأثير الفلسفة الغربية الحديثة على بعض العقول، وتصدى لما اسماه الاجتهاد التركي ورد على موقفهم في فصل الدين عن الدولة واعتبر ذلك سيرا في سياق الغرب وليس في سياق الإسلام وشريعته.
رد علمي
ولم يملك الرجل إلا أن يقف في وجه هذه السياسة وهذا الأسلوب الذي رفضه العالم الإسلامي بكامله، وكان المسلمون في الهند في مقدمة من قاوم سياسة أتاتورك في الاجهاز على الخلافة، ولكن (إقبال) كان رده ردا سياسيا علميا فلسفيا مدروسا وليس وليدا للحظة انفعال، وإنما هو امتداد لما كان يكتبه من إشعار في انتقاد التأثير السيء للفلسفة اليونانية والغربية على المسلمين، فهو يرى أن حياة المسلم لا يمكن أن تكون حياة حقيقية إذ كانت بعيدة عن القرءان فهو القائل:
مسلما ان ترد حياة فهيا ما بغير القرءان توتى الحياة
لحن الحياة
وقد كتب ديوانا شعريا كاملا خصصه لتبيان تأثير الحضارة الغربية والتحذير من هذا التأثير وهذا الديوان ترجم تحت عنوان "ضرب الكليم" اعلان الحرب على العصر الحاضر، ووجه إلى القارئين رسالة في افتتاح الديوان :
إذا لم تصب في الحياة النظر
كفاح شديد وضرب سديد
معين الحياة دماء القلوب

فليس زجاجك كفء الحجر
فلا ترج في الحرب عزف الوتر
ولحن الدماء لا المياه الفطر
تعاون وتسامح
ولذلك سعى إلى الوقوف مع المسلمين في بلده الهند من أجل الحرية والانعتاق فكان بجانب الزعماء المسلمين وساهم في تأسيس الرابطة الإسلامية وكان رئيسا لها في مرحلة من المراحل، ولم يمنعه ذلك من التعاون مع الزعماء الهندوس كما كان الكل يعرف مكانته ودوره في الحياة السياسية والعلمية والأدبية في الهند وقد عبر طاغور ونهرو وغيرهما عن هذه المكانة التي كانت للرجل.
وكان الرجل يملك حسا وطنيا خاصا مما جعله يدفع باتجاه استقلال المسلمين في الهند وتأسيس دولة الباكستان.
إقبال والباكستان
هذه الدولة التي كان يريدها دولة مسلمة حقا بكل ما في كلمة الدولة المسلمة من معنى، وهذا ما جعله يتعاون تعاونا كبيرا مع محمد علي جناح وما جعله يأمل فيه الخير للدولة المنشودة.
وعندما دعا إلى تأسيس هذه الدولة سعى كذلك إلى بناء حزب قوي هو حزب الرابطة الإسلامية وأدرك بفراصته ضرورة تقوية هذا الحزب بعموم المواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية فإنه كتب الى محمد علي جناح سنة وفاته 1938 قائلا:
عزيزي جناح
«أشكركم على رسالتكم وقد اغتبطت كثيرا عندما علمت أن كل ما تقدمت به إلى مقامكم بشأن تغيير مشروع الرابطة الإسلامية وأنظمتها قد نال اهتمامكم وتقديركم. ولست أرتاب في أنكم تحسون بجميع مشاعركم إلى أي درك من الخطورة انحدرت إليه حالة المسلمين في الهند وقد جاء الوقت الذي يتحتم فيه على الرابطة أن تقول كلمتها في هذه المشكلة. أكل أمرها أنها تمثل الطبقة الممتازة العليا أو هي تحمل العلم لنهضة الجميع من المسلمين، ان جماهير المسلمين قلما يتجهون بقلوبهم إلى هذه الرابطة ومعذرتهم في ذلك ما يخامرهم من الاعتقاد بان الرابطة ليست لهم وإنما هي للطبقة الراقية. وإنني لعلى يقين من أن جميع المنظمات والهيئات السياسية التي لا تضع في منهاجها وأهدافها تنظيم مصالح المسلمين على سواء بينهم ستبقى عاجزة عن اجتذاب القلوب إليها».
الهيآت السياسية والنخبوية
هذه رسالته إلى محمد على جناح، ولاشك أنه وضع أصبعه على مشكلة أساسية تعاني منها التنظيمات السياسية والمنظمات الجماهيرية التي تعتمد على النخبة ولا تفتح أحضانها للشرائح المختلفة في المجتمع وبالأخص الطبقة الضعيفة أو المسحوقة كما يقال، والباكستان التي فكر إقبال في تأسيسها على هذه الأسس التي تتغيا المساواة بين سكانها عانت الأمرين بعد التأسيس وغياب جناح، حيث تعرضت طيلة ستين سنة لهزات سياسية واجتماعية أفضت إلى انفصال الباكستان الشرقية وتأسيس (بانكلاديش) التي تعاني بدورها من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وما ذلك الا مخافة ان تكون الدولتان نموذجا ناجحا لدولة إسلامية وهذا أمر يأتي في سياق ما يقوم به الغرب في محاربة الإسلام والمسلمين.
محنة الديمقراطية
إنني هنا اكتب عن إقبال المفكر والشاعر والمسلم الملتزم وليس على باكستان التي تعاني مع كامل الأسف من مشاكل متعددة أساسها انعدام الديمقراطية والشورى وتسلط العسكر على مقدرات البلاد رغم أنها منذ البداية كانت تسعى لوضع دستور إسلامي ولعب محمد أسد دورا في هذا الباب خلده في كتابه "منهاج الحكم الإسلامي".
ونعود إلى إقبال لنعيش معه لحظات في رائعتيه (شكوى وجواب شكوى) وهما القصيدتان اللتان اختارت منهما أم كلثوم بعض الأبيات وغنتها بعنوان "حديث الروح" إذ توجه الشاعر إلى الله سبحانه بشكوى يستعرض فيها تاريخ الإسلام والمسلمين ودورهم في نشر التوحيد وبناء الحضارة الإنسانية وما أصبحوا عليه في عالم اليوم من التخلف وتكالب الناس عليهم وفي هذا يقول:
شكوى:
شكواي أم نجواي في هذا الدجى
أمسيت في الماضي أعيش كأنما
والطير صادحة على أفنائها
قد طال تسهيدي وطال نشيدها
فإلى متى صمتي كأني زهرة
أشكو وفي فمي التراب وإنما
يشكو لك اللهم قلب لم يعش

ونجوم ليلى حسدى ام عودي
قطع الزمان طريق أمسي عن غدي
تبكي الربى بأنينها المتجدد
ومدامعي كالطل في الغصن الندى
خرساء لم ترزق براعة منشد
أشكو مصاب الدين للديان
إلا لحمد علاك في الأكوان
الإقرار بالوحدانية
إن هذا المقطع الذي افتتح به إقبال قصيدته الأولى والتي عنونها ب (شكوى) تضع القارئ في سياق ما يريد إقبال أن يعبر عنه وهو الأوضاع المختلفة التي تعيشها الأمة الإسلامية، وفي نفس الوقت فإقبال يقر بان هذه الشكوى رغم ما تحمله من روح الرفض للواقع الذي يعيشه المسلمون والذي لا يناسب ما قدمته الأمة الإسلامية فهو يعترف بإقراره بالتوحيد فيشكو لك اللهم قلب لم يعش الا لحمد علاك في الأكوان.
حضارة التوحيد
وينتقل إقبال ليصف ما حملته رسالة محمد عليه السلام إلى العالم من خير وهو خير إنشاء حضارة زاهرة سعدت بها الأكوان وهي حضارة التوحيد التي سعت إلى إنهاء ما عانته وتعانيه الإنسانية من عبادة الأصنام والأوثان كانت من جمادات أو غيرها وأخطرها عبادة الإنسان واستعبادهم من دون الله. وكان المسلمون في الدعوة إلى هذه الحضارة الجديدة حضارة الحرية لم يكونوا يهابون أحدا كنا نقدم للسيوف صدورنا لم نخش يوما غاشما جبارا.
لما أطل محمد زكت الربى
وأذاعت الفردوس مكنون الشذى

واخضر في البستان كل هشيم
فإذا الورى في نضرة ونعيم
إقبال يفاخر
إقبال يطرح أسئلة تعبر عن مكنون نفسه، وما يشعر به، وهو في هذه الحالة وكأنه يمتن على الله بما قام به المسلمون ولكنه سرعان ما يرجع على عادة الشعراء وهو في هذا المقطع لم يصل التعبير عن هذا بالنحو الذي عبر عنه أبو القاسم الشابي عندما قال مخاطبا رب العزة:
يا إله الوجود هذه جراح في فؤادي تشكو إليك الدواهي
أما إقبال فقد تساءل:
هل أعلن التوحيد داع قبلنا
كنا نقدم للسيوف صدورنا
لم نخش طاغوتا يحاربنا ولو
ندعو جهارا لا إله سوى الذي
نحن الذين استيقظت بأذانهم
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم
جعلوا الوجوه إلى الحجاز وكبروا

وهدى الشعوب إليك والأنظارا
لم نخش يوما غاشما جبارا
نصب المنايا حولنا أسوارا
صنع الوجود وقدر الأقدار
دنيا الخليقة من تهاويل الكرى
والحرب تسقي الأرض جاما أحمرا
في مسمع الروح الأمين فكبرا
مصاب الدين
كما نقدم فإن إقبال يعرض ما قام به المسلمون في سبيل نشر الدعوة ولكن لا يلهيه ذلك عن الحديث عما أصاب المسلمين فواضح هنا ان الشاعر يشكو مصاب الدين الذي هو الإسلام للديان وهو الله سبحانه وتعالى الذي يتجه إليه المسلمون بالعبادة ويقرون له بالتوحيد في تدبير الكون وفق نوامس هي سنن الله التي لا تجد لها تبديلا.
مساواة متميزة
ويبرز الشاعر دور محمد صلى الله عليه وسلم وما أحدثه من انقلاب في الحياة الإنسانية، ونشر المساواة بين الناس فالملك والخادم سيان قائلا:
محمود مثل اياز قام كلاهما
العبد والمولى على قدم التقى

لك بالخشوع مصليا مستغفرا
سجدا لوجهك خاشعين على الثرى
ويتحدث الشاعر في هذين البيتين بما وفره الإسلام للناس من المساواة فلا فرق بين ملك فاتح وبين عبد أو مولى أو إنسان عاد فالكل في ميزان الحق وميزان الإسلام سواء. فمحمود الغزنوي الملك الفاتح وغلامه اياز على قدم المساواة.
الاعتزاز
ثم يبدأ الشاعر في تعداد بعض المواقف التي يرى انها تمثل الجانب الايجابي في تاريخ الإسلام والمسلمين والتي كان من المناسب مراعاتها.
أين الذين بنار حبك أرسلوا ال
سكبوا الليالي في أنين دموعهم
والشمس كانت من ضياء وجوههم
يا فرحة الأيام حين نرى بها
ويعود محفلنا بحسنك مسفرا
قد هاج حزني أن أرى أعداءنا
ونعالج الأنفاس نحن ونصطلي
أشرق بنورك وأبعث البرق القديم

أنوار بين محافل العشاق
وتوضأوا بمدامع الأشواق
تهدي الصباح طلائع الإشراق
روض التجلى وارف الأغصان
كالصبح في إشراقه الفينان
بين الطلا والظل والألحان
في الفقر حين القوم في بستان
بومضة لفراشك الظمآن
وفي الأبيات أعلاه كما أسلفنا يعدد الشاعر مآسي المسلمين التي اقترفها الغرب وكيف يتم استغلال ثروات المسلمين وان الدين لا يحيا إلا في سعادة أهله ولا يمكن للدين أن يأخذ مكانته في المجتمع الفقير الجاهل المستغل.
كتائب الجهاد
ويستعرض إقبال ما قامت به كتائب الجهاد لنشر الإسلام في مختلف الأقطار وذلك في إطار بسط الحالة التي كانت عليه الأمة الإسلامية والتي صارت إليها وفي الوقت نفسه يعبر عن السؤال الذي يراود الكثيرين من المسلمين كيف يصل المسلمين إلى هذه الحالة من الضعف والهوان؟ وهل هو جزاء على هذا الدور العظيم في نشر الإسلام أم انه نتيجة لتخلي عن هذا الدور والاسترخاء والرضى بما آل إليه الأمر بالنسبة للأمة الإسلامية يقول:

بلغت نهاية كل أرض خيلنا
في محفل الأكوان كان هلالنا
في كل موقعة رفعنا راية
أمم البرايا لم تكن من قبلنا
بلغت بنا الأجيال حرياتها

وكأن أبحرها رمال البيد
بالنصر أوضح من هلال العيد
للمجد تعلن آية التوحيد
إلا عبيدا في إسار عبيد
من بعد أصفاد وذل قيود
مناجاة
ويتوجه بعد هذا العرض إلى الله في مناجاة رائعة ومؤثرة في تعبير شعري يلمس شغاف القلوب ويهز المشاعر الإنسانية المسلمة وهي تكابد وتعافى.
رحماك رب هل بغير جباهنا
كانت شغاف قلوبنا لك مصحفا
إن إن لم يكن هذا وفاء صادقا
ملأ الشعوب جناتها وعصاتها
فإذا السحاب جرى شقاهم غيثه

عرف السجود ببيتك المعمور
يحوي جلال كتابك المسطور
فالخلق في الدنيا بغير شعور
من ملحد عات ومن مغرور
واختصنا بصواعق التدمير
الأصنام تعود
وبعد هذا الجهد في نشر العقيدة ومحاربة الوثنية وعبادة الهمة غير قادرة لا على الضر ولا النفع ولكن الواقع المتردي في الأمة الإسلامية عاد من جديد عباد الأصنام والأوثان إلى سالف عهدهم وأصبح للوثنية بين الناس مكان متميز وهو يثير بذلك إلى ضعف عقيدة التوحيد بين المسلمين وانتشار الطرقية وعبادة الأولياء وغيرهم مما لا يلتقي مع التوحيد الخالص
قد هبت الأصنام من بعد البلى
والكعبة العليا توارى أهلها
وقوافل الصحراء ضل حداتها
أنا ما حسدت الكافرين وقد غدوا
بل محنتي ألا أرى في أمتي

واستيقظت من قبل نفخ الصور
فكأنهم موتى لغير نشور
وغدت منازلها ظلال قبور
في أنعم ومواكب وقصور
عملا تقدمه صداق الحور
استغلال الشعوب
وإقبال في الأبيات التالية يفصح عن الواقع الذي أرقه وأرق غيره من دعاة الإصلاح، وهذا الواقع لا يزال على ما كان عليه منذ ذلك الحين، فالثروات التي تختزنها ارض الإسلام هي الآن وقبل الآن رهن إشارة الغرب يستغلها كما يريد، وحتى تلك الأموال التي تعتبر من حصة الشعوب والتي تجود بها الشركات الاحتكارية التي تستغل البلاد والعباد هي موضوع في مصاريف الدول الاستعمارية القديمة والاستعمار الجديد نفعل بها ما شاء اما الشعوب فلا تزال محاربة جائعة تائهة، دون توفر وسائل العيش التي يتطلبها العصر فليس هناك شيء تغير فالشعوب تعيش في البؤس والحرمان والحاكمون بأمرهم في مصائر الشعوب يتواطئون على إهدار هذه الثروات وتبذيرها لأن الرقابة غير موجود فالحكم لا يزال على ما كان عليه رغم نوع من الديمقراطية الصورية هنا أو هناك.
عاشوا بثروتنا وعشنا دونهم
الدين يحيا في سعادة أهله

للموت بين الذل والإملاق
والكأس لا تبقى بغير الساقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.