تسللت بوادر القلق و الخوف من المستقبل المنظور الى قلوب أفراد الجالية العربية و المسلمة المقيمة بدول أوروبا الغربية عموما و المغربية على وجه الخصوص. قرابة أربعة ملايين من أفراد الجالية المغربية المقيمة بصفة قانونية بدول المجموعة الأوروبية تفاقمت معاناتهم مع الأزمة الاقتصادية و المالية و إنضافت اليها معاناة أكثر حدة مع بداية العودة القوية و المسترسلة لليمين المتطرف الى مراكز القرار في دول الاقامة. قبل أسابيع قليلة طالب زعيم حزب الحرية اليميني المتشدد في هولندا خيرت فيلدرز المعروف بعدائه للعرب والمسلمين بطرد المغاربة من البلاد، واصفا إياهم ب"الحثالة". مع ذلك ترشح إستطلاعات الرأي الحزب الهولندي ليحوز على صدارة الانتخابات البرلمانية المقبلة ( يقيم بهولندة قرابة 340 ألف مهاجر من أصل مغربي ). بات اليمين المتطرف يحتل منذ سنتين مكانة مهمة في المشهد السياسي في عدد من دول أوروبا، و الأحزاب المتشددة التي كانت بالأمس تناضل من أجل تطهير القارة العجوز من ضغط الهجرات اظلجنبية و خاصة الأفريقية منها أصبحت اليوم تشارك في الحكم كما هو الحال في هولندا والنمسا كما نجحت في تحقيق نتائج هامة و غير مسبوقة في في الانتخابات البلدية الفرنسية التي جرى دورها الثاني نهاية الأسبوع الفارط و سجلت صعودا صاروخيا لأسهم حزب جون ماري لوبان المتطرف الجبهة الوطنية اليميني الذي لا تخفي برامجه نزعة متشددة تتقاطع مع ميولات نظيره الهولندي الذي تعهد زعيمه بتخليص بلاده من المغاربة . فهل ستؤدي عودة مرتقبة و محتملة جدا لليمين المتطرف لتسيير حكومات أوروبية الى حملة ممنهجة لطرد المهاجرين العرب و المغاربة خارج حدود فضاء شينغن ؟ الخطوة المخيفة ليست بالسهولة التي يتصورها البعض و لا تخضع إجراءاتها المسطرية لمجرد شعارات إنتخابية . فحكومات دول أوروبا محكومة بالتزامات قانونية تتجاوز الفضاء القطري الضيق و تتماهى مع النصوص التشريعية الأوروبية التي تستلهم روحها من جوهر حقوق الفرد و الجماعة بتراب المجموعة الأوروبية . هذا لا يعني أن مستقبل الجالية المغربية المقيمة بفرنسا أو هولندة مفروش بالورود . فصعود اليمين القوي سياسيا يعني المزيد من التضييق و القيود الاجرائية و القانونية على الجالية المغربية المقيمة في المهجر . فبهولندة سيسعى اليمين الى فرض المزيد من التضييقات على الحقوق الاجتماعية و الثقافية للجالية المغربية , و سيتفاقم مشكل التغطية الصحية و الاجتماعية لأفراد الجالية المتقاعدين بينما سيتم بسط المزيد من الشروط التعجيزية بالنسبة لمسطرة الالتحاق بالعائلة و الهجرة القانونية . تشمل ممارسات عنصرية في التوظيف وتمييز في المدارس وفي المؤسسات العمومية. بفرنسا ينتظر أن تتخد السياسة العدائية تجاه العرب والمسلمين،التي تتبناها الجبهة الوطنية الفائزة في الانتخابات المحلية شكل دعوات جديدة لمنع المسلمين في البلاد من الحفاظ على هويتهم الثقافية و الدينية بدءا من التضييق على شعائر الصلاة في الأعياد ومنع ارتداء الحجاب وتسويق اللحوم الحلال ووضع قوانين أكثر تشددا بالنسبة لمساطر الهجرة القانونية و التجنيس . الغريب أنه بالقدر التي يستشعر فيه المغاربة المقيمين بفرنسا مثلا خطورة صعود اليمين الفرنسي المتشدد الى سدة الحكم فإن هذه القناعة لم تمنع العديد منهم كما تؤكد الكثير من القرائن من منح أصواتهم في الانتخابات الأخيرة لمرشحي الجبهة الوطنية بل إن سياسيين فرنسيين يجزمون أن أصوات المسلمين كانت حاسمة في فوز جبهة مارين لوبان بأغلبية بلديات بالضاحية االباريسية نفسها , لتبرز المفارقة الصارخة و التي تجسدها صورة تلك الشابة المسلمة المرتدية لغطاء الرأس التي توجهت للادلاء بصوتها صبيحة الدور الأول من الانتخابات المحلية بمدينة لونيل جنوب شرق فرنسا لتفاجىء بممثل الجبهة الوطنية بمركز الاقتراع يثور ضدها و يعرقل قيامها بواجبها كمواطنة فرنسية قبل أن تكون عربية مسلمة.