يحتفل الشعب المغربي، وفي طليعته أسرة المقاومة وجيش التحرير وساكنة إقليمتيزنيت, يوم الأحد، بالذكرى ال51 لانتفاضة قبائل آيت باعمران الخالدة التي تعتبر ملحمة بارزة في مسلسل الكفاح الوطني من أجل استكمال الوحدة الترابية. وقد سجل التاريخ الفخر والاعتزاز الملاحم التي خاضها أبناء قبائل آيت باعمران في مواجهة المحاولات الأولى للغزو الأجنبي التي كانت تهدف إلى السيطرة على المنطقة ما بين سنتي1913 و1915 وظلت متواصلة بالحملات العسكرية إلى سنة 1935 ، بيد أن المجاهدين الباعمرانيين ظلوا متمسكين بشخصيتهم المغربية وبهويتهم الوطنية وبيعتهم لسلاطين الدولة العلوية واقفين بالمرصاد ضد كل أشكال الغزو الاستعماري. وفي سنة1947 أقدمت إسبانيا على محاولة فرض قانون التجنيس للنيل من الهوية الدينية والقومية للباعمرانيين، لتفرض حصارا على المنطقة وتجعلها معزولة عن المناطق الأخرى. فكان الباعمرانيون يجتمعون في المساجد ليعلنوا مغربيتهم وتشبثهم بملكهم الشرعي جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه. وبالرغم من جميع أشكال القمع والاضطهاد التي تعرض لها أبناء هذه الربوع المجاهدة, فإن شعلة المقاومة لم تخمد وجذوة الجهاد لم تخب, وهكذا، تكونت خلايا سرية استقطبت أبناء المنطقة إثر إقدام السلطات الاستعمارية في20 غشت1953 على نفي بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحيهما. وقد ارتبطت حركة المقاومة المغربية بالمقاومين بمنطقة سيدي إيفني والأقاليم الجنوبية التي أصبحت من أهم المصادر التي تزود الفدائيين في الشمال بالسلاح والذخيرة الحربية، كما شكلت مدينة سيدي إيفني فيما بعد مركزا قياديا مهما يستقبل المجاهدين واللاجئين. وغداة عودة جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه من المنفى إلى أرض الوطن، كونت قبائل آيت باعمران، لجنة تنظيم المهرجانات الاحتفالية بمناسبة ذكرى عيد العرش المجيد بمدينة سيدي إيفني مما حذا بقوات الاحتلال إلى اعتقال أفراد اللجنة ونفيهم إلى سجن الداخلة. واشتدت المواجهة بين المجاهدين وقوات الاستعمار، وتأججت المقاومة بمنطقة سيدي إيفني التي أصبحت نقطة انطلاق عمليات جيش التحرير وهجوماته المنظمة، فاندلعت عدة معارك من بينها معركة الرغيوة في13 فبراير1957 ، وهي السنة التي شن فيها الباعمرانيون انتفاضتهم ضد الإسبان في23 نونبر1957 . لقد كان يوم23 نونبر1957 يوما خالدا في تاريخ المغرب، فانطلاقا من إيمانهم القوي بعدالة قضيتهم الوطنية ورغبتهم في التحرر من الاستعباد والاستغلال، انتفض أبناء قبائل آيت باعمران البررة ضد الاستعمار وخاضوا غمار معارك طاحنة حيث شهد هذا اليوم هجومات مركزة على ستة عشر مركزا اسبانيا في آن واحد، تراجع على إثرها الإسبان إلى الوراء ليتحصنوا بمدينة سيدي إيفني. وقد دامت هذه المعارك البطولية حتى12 من شهر دجنبر من نفس السنة، تكبدت خلالها قوات العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد بالرغم من قلة عدة وعدد المجاهدين الباعمرانيين ومحدودية إمكانياتهم. ومن هذه البطولات الخالدة هناك معارك تبلكوكت، بيزري، بورصاص، تيغزة، امللو، بيجارفن، سيدي محمد بن داوود، ألالن تموشا، ومعركة سيدي إيفني، وتمكن مجاهدو قبائل آيت باعمران من إجبار القوات الإسبانية على التمركز بسيدي إيفني, كما أقاموا عدة مواقع أمامية بجوار المواقع الإسبانية كي لا يتركوا لقوات الاحتلال مجالا للتحرك. وتوالت ملاحم التحرير، واستطاع المغرب بفضل جهاده وجهوده الديبلوماسية استرجاع منطقة طرفاية سنة1958 . وفي30 يونيو من سنة1969 عادت مدينة سيدي إيفني إلى حظيرة الوطن بفضل السياسة الحكيمة لجلالة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحه. كما تم بفضل عبقريته الفذة إبداع المسيرة الخضراء المظفرة سنة1975 لاسترجاع الأقاليم الجنوبية واستكمال تحقيق الوحدة الترابية للمملكة وصيانتها، وهي الملحمة الكبرى التي يحمل مشعلها ولواءها في العهد الجديد بإيمان وحكمة باعث النهضة المغربية جلالة الملك محمد السادس. إن انتفاضة قبائل آيت باعمران ستبقى معلمة بارزة في تاريخ الكفاح الوطني وستظل شاهدة على تشبث أبناء هذه القبائل المكافحة بمقدسات الأمة المغربية وتعلقهم الدائم بالعرش العلوي المجيد وجهادهم الخالد لمواجهة قوات جيش الاحتلال الأجنبي التي كانت تهدف إلى تفكيك أواصر الوحدة وزرع التفرقة في كيان الأمة الموحدة.