في إطار حديث داربيني وبين صديق عن ذكريات الماضي المتعلقة بهذه المعلمة السياحية التاريخية التي تمثل ذاكرة أبناء المنطقة وساكنتها بشكل خاص، و السياحة بالمنطقة بشكل عام بعيدا عن نطاق السياسات... وعلى ضوء هذا النقاش أحرجني بسؤاله حيث قال لي لماذا لا تكتب عن هذه المعلمة وأنت جزء منهاّ ؟ لسيما وقد سبق لك أن كتبت عدة مقالات في مجال السياحة بالحسيمة، لعله أمر حفزني جعلني أكتب هذه المرة، هذا المقال المتواضع وبكل موضوعية. وللإفادة أسرد لكم عن المعلمة السياحية "فندق محمد الخامس / ومركب كيمادو" الذي عايشت ماضيها ومسار تطورها. التعريف والتأسيس : اهتمت الدولة ومنذ سنة 1961 بمنطقة الريف نظرا لما يتوفر عليه من شواطئ بحرية خلابة وانسجاما مع سياسة البحر التي اعتمدها أحمد العلوي وزير السياحة آنذاك عبر استغلال المنطقة لبناء وحدات فندقية لعبت دورا كبيرا على استقبال أعداد السياح الكثيرة من الأجانب التي كانت تفد على المنطقة ومنها على الخصوص فندق محمد الخامس، مركب كيمادو، فندق تدغين بكتامة ، علاوة على تطوير وبناء باقي المنشآت ذات العلاقة بالقطاع السياحي والمتعلقة أساسا ببناء مطار الشريف الإدريسي سنة 1963 ، وقد تم استغلال هذه الوحدات السياحية من طرف مؤسسات وطنية ودولية وعرفت مدينة الحسيمة ونواحيها تلك الفترة ذروة النشاط السياحي ، ويعتبر المركب السياحي " محمد الخامس / كيمادو" أهم منشأة سياحية بالإقليم، تأسست في ستينيات القرن الماضي من طرف صندوق الإيداع والتدبير، تم بنائها على مساحته الإجمالية تقدر بحوالي 12996 م 2، ذات طاقة استيعابية تصل إلى 468 سرير، تتكون من 102 غرفة و 30 شاليها، إضافة إلى مرافق أخرى تابعة لها. ويتوفر المركب السياحي على عدة منشآت فندقية أهمها فندق محمد الخامس المعلمة التي طالت منذ بنائها 1962 وهي مصنفة ضمن فئة 4 نجوم وكانت مرشحة لتكون 5 نجوم قبل تفويتها سنة 1999 حيث انخفض تصنيفها إلى 3 نجوم نظرا لإهمال المالك السابق، ذي الطاقة الإستعابية 80 سرير و 40 غرفة. بالإضافة إلى ملحقة محمد الخامس التي بنيت سنة 1974 ،حيث بلغ عدد العمال المشتغلين بها أزيد من مائة عامل وعاملة في إطار شركة المغرب السياحي آنذاك. المركب السياحي "محمد الخامس / كيمادو" بإقليم الحسيمة كان وإلى وقت قريب من أهم المؤسسات السياحية المعروفة عالميا عبر إشهاره من طرف مجموعة من وكالات الأسفار الأجنبية وقتئذ، والذي عرف انطلاقة حقيقية للنشاط السياحي بشكل عام من حيث العدد الكبير من السياح الوافدين عليه من مختلف الجنسيات وعرف حركة سياحية نشيطة مع بداية الستينيات ، خاصة الإقبال المتزايد للسياح وتعزيز الخدمات به. والذي ساهمت هذه المعلمة في خدمة المنطقة سياحيا ووفرت بدورها عددا كبيرا من مناصب الشغل لأبناء المنطقة ، بالإضافة إلى تنشيط الحركة السياحية والتجارية بالإقليم. غير أن سوء التسيير وتراجع المنتوج السياحي بالمنطقة نتيجة الإهمال وغياب سياسة تنموية مندمجة لدى القائمين على زمام الأمور دفع بالمحطة السياحية نحو الانحدار حيث تراجعت مردودية المنشأة مع تراجع خدماتها وتراجع عدد السياح الوافدين عليها نتيجة ذلك مما حدى بصندوق الإيداع والتدبير إلى وضع مركب السياحي " محمد الخامس/ كيمادو" رهن البيع بدعوى أن الخوصصة ستساهم في إنعاشه وإنقاذه من الضياع. تفويت المعلمة السياحية، وتدعياته: ففي صيف 1999 تم تفويت المحطة السياحية "كيمادو / محمد الخامس" لمستثمر لا علاقة له بالسياحة كما أن مبلغ الصفقة كان هزيلا جدا درجة الاستغراب خصوصا إذا علمنا أن هناك مستثمرين آخرين قدموا عروضا أرفع وتم إقصاءهم . كما أن مبلغ 21 مليون درهم الذي فوتت به المحطة السياحية لا يساوي حتى نصف التقديرات التي وضعها صندوق الإيداع والتدبير، فالهكتارات التي بنيت عليها المحطة وحدها تساوى ضعف المبلغ المذكور على أقل تقدير. كما تبين من خلال المراسلات والاستفسارات التي وجهت للمسؤولين الحكوميين في الموضوع ، خاصة وزارة القطاع العام والخوصصة ، أثبتت عدم علم الجهات المعنية بعملية التفويت، وأن المركب قد تم سحبه من لائحة المؤسسات الفندقية المرفقة لقانون الخوصصة 39/89 وتم إرجاع الملف إلى صندوق الإيداع والتدبير. وكان التبرير آنذاك من طرف مسؤولي صندوق الإيداع والتدبير أن الأمر لا يتعلق بتفويت وإنما ببيع ملك خاص بالصندوق. ومباشرة بعد استلام المالك الجديد للمحطة السياحية ، وتحت ضغط من نقابة عمال المغرب السياحي آنذاك تم توقيع اتفاقية جماعية اعتبرت في حينها مكسبا تاريخيا باعتبارها أول اتفاقية من نوعها توقع ببلادنا منذ عقود من الزمن حيث نصت على عدة مقتضيات أهمها: الحفاظ على مكتسبات العمال واحترام اختصاصات كل واحد منهم مع الالتزام بتشغيل الموسميين من داخل الإقليم وإعطاء الأسبقية للذين سبق لهم الاشتغال بالمحطة ، وكذلك كما جاءت في عقد البيع الموقعة بين الأطراف المعنية في الفقرة السادسة من الفصل الرابع "يتعهد المشتري بالحفاظ على طاقم المؤسسة البالغ عددهم 53 عاملا حسب القائمة رفقته، مع الحفاظ على امتيازات كل واحد منهم، وذلك بالإضافة إلى التزامه بتشغيل يد عاملة إضافية قدر الممكن" ...وغيرها من الالتزامات الهامة غير أن المشغل ما لبث أن كشف عن نواياه الحقيقية الهادفة إلى إفراغ المركب من العمال الأصليين الذين يعتبرون عبئا بالنسبة له بل وتقليص عدد العمال إلى أقصى حد فعمد إلى الضغط بكل وسائل التعسف والتنكيل من خلال تحريك العمال من مهمة إلى مهمة وتكليفهم بأعمال لاتمت بصلة لمهامهم الأصلية مع استعمال سلاح التوقيف والطرد، حيث نزل عدد العمال من 53 إبان التفويت إلى 18 عامل وعاملة، وكل هذا بهدف إرهاب العمال ودفعهم إلى الاستسلام لمشيئته والانصياع لمخططاته التي كشفت عن كونه لا يتوفر على أدنى نية وبالأحرى إرادة في تطوير المحطة السياحية، بل إن عينه على الهكتارات الأرضية متى يسمح له بالتصرف فيها، وغيرها من الأشياء في طريقة وتدبير هذه المؤسسة السبب الذي أدى إلى تراجع أدائها و تخفيض فندق محمد الخامس من أربعة نجوم إلى ثلاثة وإغلاق مركب كيمادو ثم بعدها إلى الإفلاس النهائي. أمام هذه الوضعية المزرية صارع العمال والنقابة كثيرا من أجل إنقاذ المحطة السياحية من المصير المحتوم الذي أصبح يتهددها، حيث خاضوا عدة نضالات سواء بحمل الشارة تارة أو بالإضراب عن العمل تارة أخرى ، وكلما طرح الأمر على المسؤولين يتظاهر المشغل بالتراجع ويعد بالالتزام بالاتفاقيات المبرمة معه ، لكن دون أن يفي بأي وعد وأي التزام بل إنه كان في غالب الأحيان يبادر إلى فعل العكس تماما. بحيث استمرت التعسفات لتفضي في الأخير إلى معركة مفتوحة منذ فاتح يوليوز2004 في إطار الفضاء النقابي الديمقراطي بالحسيمة، ومر أزيد من ثلاثة أشهر على الاعتصام المفتوح للعمال المحطة أمام تعنت المشغل عن الاستجابة لمطالب العمال العادلة والمشروعة، وكذا صمت مطبق للمسؤولين آنذاك... زلزال الحسيمة... يضرب مركب السياحي: لقد عرفت منطقة الحسيمة نوع من التهميش والإقصاء السياسي والاقتصادي، كان له الأثر السلبي حتى على هذا القطاع (السياحة)، ولم تظهر بوادر التغيير في السياسة الرسمية اتجاه المنطقة إلا على إثر زلزال 24 فبراير 2004 . وجدير بالذكر أن ما حدث خلال اللحظة التاريخية التي أشار خلالها الوزير الأول ادريس جطو يوم 24 مايو 2004– حين تقدميه للبرنامج الإستعجالي لإعادة إعمار منطقة الحسيمة – إلى المحطة السياحية "محمد الخامس / كيمادو" معربا عن عزم الدولة الأكيد على استرجاعها وما نال ذلك من تأييد وتصفيق لم يتوقف (إلى درجة قيل معها إن الأمر بالنسبة للحسيميين أشبه ما يكون باسترجاع القدس بالنسبة للفلسطين) مما يعني أن المعركة ليست معركة العمال فحسب، وإنما هي معركة كل أبناء الإقليم ، أصبحت المعركة تتخذ أبعادا أخرى... معركة "الخيمة": بعد معركة "الخيمة التاريخية" تحت لواء الفضاء النقابي الديمقراطي وبدعم كبير من جمعيات مدنية و هيآت نقابية وسياسية وحقوقية والفعاليات المنتخبة إلى جانب بعض القيادات المحلية والأصدقاء ،كان لهم الدور البارز في الدفاع عن هذه المؤسسة السياحية خصوصا الدور الذي لعبه السيد إلياس العمري في معركة استرجاع المحطة السياحية "محمد الخامس / كيمادو" فغيرته ومتابعته لهذا الملف بشكل دقيق ساهم وبشكل كبير في ردع عملية استغلال ثغرات قانون الخوصصة بغية تحويل المركب السياحي إلى بنايات سكنية تخضع للمضاربة العقارية ، خصوصا والارتفاع الصاروخي للعقار بالمنطقة ، الأمر الذي لن يسمح به أي مغربي غيور على بلده، فارتبطت الحسيمة بالمحطة السياحية "محمد الخامس / كيمادو" والإشعاع والإنعاش الاقتصادي الذي كان للمنطقة بفضل المشاريع السياحية التي شيدت في الستينيات من القرن الماضي وكذا ارتباطها تاريخيا بمدرسة التحرير العالمية عبد الكريم الخطابي كرمز للمقاومة الريفية عوامل جعلت للمنطقة إشعاعا دوليا في السوق السياحية الدولية. وكان يتوسم خيرا في أن يعمل المالك الجديد على تطوير هذه المعلمة كمنتوج سياحي يمكن أن يساهم في تنمية المنطقة. كما لعب دورا رئيسا في إطار المفاوضات التي كانت جارية في هذا الشأن على مستوى المركزي، ولقد عمل جوهدا كبيرا إلى درجة الضغط على المسؤولين محليا ووطنيا من أجل انتزاع واسترجاع المعلمة السياحية من المستثمر الفاشل إلى الدولة. رغم ما قيل ويقال عن هذا الملف في تلك الفترة "وهذه شهادة للتاريخ". على ذكر الدعم والتضامن مع معركة "الخيمة" التي ألقيت استجابتا واسعتا من طرف الهيآت الموقعة على "العريضة التاريخية" التي رفعت إلى جلالة الملك، مفادها تنفيذ القرار الحكومي القاضي باسترجاع الدولة فندق محمد الخامس ومركب كيمادو، وضمت 104 هيآت بدون استثناء، ومع التعاطي الإيجابي لوسائل الإعلام المحلية والوطنية مع الملف ،من خلال المواكبة المستمرة لتطورات المراحل ومسار المعركة من بدايتها إلى نهايتها وتم إبراز الموضوع على حقيقته، وأذكر على سبيل المثال الدعم الكبيرلجريدة ثفراز نريف وجريدة الصباح. استرجاع المحطة السياحية، وإعادة هيكلتها: وبعد انتصار التاريخي واسترجاع المعلمة السياحية يوم 28 أبريل 2006 قبل يومين من فاتح ماي لشركة الفندقية للناضورالتابع للصندوق الإيداع والتدبير للتنمية بعد توقيع اتفاقية تسوية النزاع بين الفضاء النقابي الديمقراطي وأطراف المعنية بمقر ولاية الجهة، وقد تضمنت الاتفاقية جميع الحقوق المستخدمين المتعلق بالشق النقابي من جهة، وكذا الشق المتعلق بمستقبل المؤسسة من جهة ثانية، وبالمناسبة قد أعلن الفضاء النقابي الديمقراطي في نداءه لفاتح ماي 2006. الدعوة للمشاركة في المسيرة العمالية ومهراجان خطابي تاريخي وذلك أمام فندق محمد الخامس، بحضور جماهير متميز خصوصا الجمعيات المدنية الصديقة للفضاء، وفي الأخير تم إعلان عن النصر لكل الحسيمين. وتم تسيره من طرف الشركة العامة للتجهيز السياحي المتخصصة في التدبير و التسير الفنادق التابعة للدول. سنة بعد استرجاعه، وبتاريخ 9 مارس 2007 تم توقيع اتفاقيتين تهمان مجال السياحة بين وزير السياحة السابق، ووالي جهة الحسيمةتازة تونات السابق، و المدير العام لوكالة التنمية الشمالية، ومدير صندوق الإيداع والتدبير للتنمية، تضمن هذه الاتفاقيات "الإصلاح والتحديث التدريجي لفندق محمد الخامس، وإعادة بناء الإقامات السياحية على مستوى "كيمادو". مباشرة في صيف 2007 قدم لصاحب الجلالة مشروع مخطط التنمية السياحة للإقليم الحسيمة "رؤية 2015" ، بإحداث قطب سياحي كبير بشاطئ كيمادو الذي يوجد في طور الإنجاز وسيتم إنهاء الشطر الثاني خلال 2014، باستثمار مالي وصل حجمه إلى 500 مليون درهم ، كما أن هذا المشروع الضخم سيوفر مناصب شغل بالإقليم ، و إنجاز هذا المشروع بطابع هندسي معماري من الجيل الجديد من الفنادق، كما يشكل هذا الفضاء السياحي أهمية بالغة لدى الساكنة التي تعتبر هذا المركب جزء من الذاكرة السياحية للمنطقة، ويضم مشروع كيمادو مجموعة من المرافق أهمها فنادق جديدة مصنفة من 4 نجوم و 48 شقة فندقية مستقلة و 19 فيلت "شاليهات" صغيرة سيتم إنجازها قي الشطر الثالث، ويصل مجموع الطاقة الإستعابية للمركب إلى حوالي 500 سرير. أما مؤسسة ومعلمة فندق محمد الخامس صنف ب 4 نجوم الطاقة الإستعابية 42 سرير و 21 غرفة من نوع الممتاز، لكن ظل دون المستوى المطلوب بحيث لم يتم الترميم و التزيين النهائي حسب ما تضمنه مشروع التصميم الأولي الذي قدم للملك. وحاليا يسيرمن طرف شركة الفنادق والمنتجعات بالمغرب الرباط ، وقد بادرت هذه الشركة منذ 2006 في تطوير أداء مستوى خدمات فندق محمد الخامس ومركب كيمادو عبر التكوين المستمر لفائدة المستخدمين وكذا محاولة التعريف والتسويق المنتوج الفندقي والسياحي عبر وكالة الأسفار الوطنية والدولية من أجل إعادة تاريخ إشعاعه من جديد. عبد المالك بوغابة إطار في السياحة