طبقا لدراسة دولية أنجزتها مؤسسة ألمانية، فان 40 في المائة من الفرنسيين تراجعت معنوياتهم في العمل مقارنة مع الإسبان والإيطاليين، رغم ان هذين البلدين يعانيان من البطالة، ما يعكس مدى التذمر والقلق عاملين من مخلفات الازمة الاقتصادية. غير ان 70 في المائة من الفرنسيين دائماً اعتبروا ان عملهم لا يمثل فقط وسيلة لكسب لقمة العيش ولكنها وسيلة لتعزيز المسار المهني وجسرا نحو عمل آخر مدرا لدخل أكبر. دراسة مثيرة للاهتمام لعدة اعتبارات، منها أولا اننا لا نحتكم على دراسة مماثلة، ثانيا حتى لو كانت دراسة كهذه فان نتائجها ستكون سلبية جداً نظرا للمؤشرات التي سيأتي بيانها. ففي الأسبوع الماضي تناولت الجلسة الشهرية موضوع السياسة العامة للتشغيل، وخلالها تَواجَه المستشارون البرلمانيون ورئيس الحكومة بالحقيقة. فقد اكد احد المستشارين ممثلا لاحدى النقابات انه بسبب الوضع العام فان المطلب لم يعد احداث مناصب الشغل وامتصاص البطالة بل الحفاظ على المناصب وتوفير شروط تجعل المغاربة يأمنون على مصدر إقامتهم وقوت أسرهم. من جانبه أبرز رئيس الحكومة ان الامل كل الامل ان تسعف المغاربة إمكانية التنقل من عمل لآخر وتحسين الوضعية لكن "الغالب الله"، بل كانت المفاجأة كبيرة حين قال ان ارباب العمل يترددون في منح عمل الى طالب الشغل مخافة ان يتورطوا في التبعات الاجتماعية والاضرابات، لذلك يعمد بعضهم الى تجريب الشبان والشابات لمدة ستة اشهر ثم استبعادهم وتفادي التعاقد معهم، وتلك طامة تعكس حقيقة سوق الشغل وحقيقة الاستغلال الذي يواجهه طالبو الشغل. مؤشر آخر يصب في الاتجاه ذاته حيث أكدت نائبة برلمانية خلال تطرقها لإشكالية النقل بالمدن وهي تخاطب وزير الداخلية ان المغاربة مستعدون للركوب مع " القتالة ماشي غير الخطافة" لبلوغ مقرات عملهم، كدليل على المعاناة للبقاء في العمل والبطء في عجلة التشغيل. اما على مستوى المعطيات والتي يكشفها تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي فان معدل البطالة مثير للقلق في صفوف الشباب، بحيث لا تتجاوز نسبة النشاط 48 في المائة، فيما تسجل نسبة 19 في المائة كبطالة في صفوف الفئة العمرية 15-34 سنة، ونسبة 17 في المائة في صفوف الفئة 15-24 سنة. التقرير ذاته يضيف أن ثقة الشباب منعدمة في القطاع الخاص، وهو شبه الاستنتاج الذي عبر عنه رئيس الحكومة حين قال ان الجميع يسعى الى العمل في القطاع العمومي والحال ان القطاع الخاص يوفر فرصا أرحب ومسارا مهنيا أكثر حركية، وذلك خلال حديثه عن الحد الأدنى للأجر، وأوضح في نفس الإطار ان الحد الأدنى للأجر يطرح مشكلا على مستوى المساواة بحيث يمكن ان يدبر شخص يتقاضى الحد الأدنى في أزيلال أموره، لكن ذلك غير ممكن لشخص في الدارالبيضاء مثلا. يسجَّل ايضا ان الخريجين يواجهون بطالة يمكن نعتها بطويلة الأمد بحيث تمتد بين سنتين واربع سنوات تبعا للشهادات المحصل عليها ومحل الإقامة، ودائما استنادا الى معطيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمندوبية السامية للتخطيط. أمام كل هذه المؤشرات فان هواجس اللا استقرار المهني تساور لا محالة عددا من المغاربة الذين يبذلون كل الجهد والوسائل للحفاظ على العمل، لان الحصول على عمل آخر في حال فقدانه صعب المنال، لدرجة ان السواد الأعظم من المغاربة يمضي السنوات والعقود في عمل عمل او مركز واحد بخلاف بعض الاستثناءات التي قد تتصل بترقية لكن في المجال ذاته. وبالتالي يصبح العمل وسيلة لكسب اللقمة وطرد شبح البطالة ليس إلا. فهل يخاف المغاربة فعلا من فقدان عملهم؟ سؤال نترك الإجابة عنه لمن يؤول إليهم تدبير الشأن العام.