يومين قبل مراسيم تنصيب الرئيس المالي الجديد إبراهيم كيتا بحضور حوالي 30 رئيس دولة بما فيهم جلالة الملك الذي مثل المملكة كضيف شرف بحفل التنصيب إحتضنت العاصمة المالية باماكو برعاية جزائرية لقاءا لممثلي جماعات الأزواد المسلحة بشمال مالي لبحث قرار نهائي للأزمة في شمال مالي توج باعلان الجماعات المسلحة عن حرصها على المحافظة على الوحدة الوطنية و السلامة الترابية لجمهورية مالي. يوما بعد انتهاء حفل التنصيب ستكشف صحيفة الفجر الجزائرية أن الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال الذي مثل الرئيس الجزائري في مراسيم حفل تنصيب الرئيس المالي قد وجه لهذا الأخير باسم بوتفليقة دعوة رسمية لزيارة الجزائر، وأضافت أن وزير الخارجية الجزائري الجديد رمضان لعمامرة قد تكفل على هامش حفل التنصيب بتحضير تفاصيل الزيارة الأولى للرئيس كيتا الى خارج مالي و التي قد تجرى الشهر المقبل بهدف تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في العديد من المجالات منها الأمنية والسياسية. هل يتعلق الأمر بمجرد مصادفة بروتوكولية؟ أم أن الجزائر التي تفاجأت بالزيارة الملكية لباماكو و عاينت أجواء الاحتفاء الخاص بشخص جلالة الملك بمالي و حجم النجاح الديبلوماسي و الروحي الباهر، الذي حققه مقامه بمالي ممتعضة الى أقصى الحدود من " تجرؤ " المملكة على التسلل الى عمق الحديقة الخلفية للمصالح الجزائرية و سارعت على إثر الخطوة المغربية الى ردة فعل فورية لإحتواء تداعياتها في محاولة واهمة لاسترجاع زمام المبادرة بمربع الساحل الافريقي الذي كانت الديبلوماسية المغربية قد سجلت خلال العقود الثلاثة الماضية فراغا قاتلا به . من الصعب التنبؤ بنيات و أهداف النظام الجزائري و لكنه من السهل الجزم أنه من المستبعد أن يبقى هذا الأخير مكتوف اليدين في التفاعل مع الاختراق المغربي السريع و الفعل للعمق الافريقي و الرد المناسب عليه . الجزائر تدرك حق الادراك أن للمملكة العديد من الأوراق الرابحة في مسعى تعاون جنوب جنوب الذي ترتكز عليه السياسة الخارجية للمملكة ، و التي تتوزع على الحظوة الروحية للمملكة لدى شعوب منطقة الساحل الافريقي المؤسسة عبر فترات التاريخ و أيضا على المصالح الاقتصادية المشتركة التي تتدخل فيها القطاعات الخدماتية الرائدة بالمملكة كقطاعي الاتصالات و البنوك و الطيران المدني و في المقابل لا تملك الجزائر إلا ورقة التفوق العسكري و نظام الاستخبارات المضاد للارهاب و مكسب الفاعل الديبلوماسي القاري الذي راكمته بفعل سياسة المقعد الفارغ للمملكة في دواليب الاتحاد الافريقي منذ أربعين سنة . الجزائر راهنت على خبرتها العسكرية و الاستخباراتية في مواجهة الارهاب القاعدي لمد شبكتها الأخطبوطية في عمق الساحل الافريقي و توظيف ملف الخلايا الارهابية لترتيب أوراق علاقاتها مع دول الجوار ، و هي التي تمتلك شريطا حدوديا مشتركا مع مالي يمتد لأزيد من 1200 كلم لن تقبل بتقارب مغربي مالي سيعصف من جهة بأجندة حساباتها التوسعية بجنوب المملكة ، و في مقدمتها طبعا مشروع الكيان الانفصالي الوهمي الذي نصبته في خصر النفوذ الترابي السيادي للمغرب و الذي سيشكل سحب إعتراف حكومة باماكو به ضربة قاصمة له . جلالة الملك إستشرف بحكمة و تبصر الامتداد الافريقي للمملكة و بزيارته التاريخية غير المسبوقة لمالي مهد حضارة تمبكتو منح الشحنة المعنوية القوية للسياسة الخارجية للمملكة لتسترجع مكانتها التاريخية في عمق الصحراء الافريقية الكبرى . الأمر أكبر من مجرد تكتيك سياسي معزول لأن الجار الجزائري المحاصر شرقا و غربا و جنوبا لن يستسيغ بسهولة أن يفقد هامش المناورة الواسع الذي ظل يستفيد منه بدول الساحل الافريقي و معركة الاستخبارات الصامتة بين البلدين الجارين ستكون صحاري مالي و النيجر و عواصم الساحل الافريقي أين تتضارب مصالح العديد من الدول و مراكز القوى الدولية الفاعلة مسرحا مؤثرا و مصيريا لها