فجأة وبدون مقدمات خرجت قيادات العدالة والتنمية لتكشف أبرز إنجازات الحكومة للرأي العام، ويبدو أن هذا الإنجاز يتعرض لمؤامرة الصمت من طرف جوقة المشوشين وما يدور في فلكهم من التماسيح والعفاريت، هذا الإنجاز ببساطة هو " الاستقرار"، لهذا على المغاربة الغافلين أن يستحيوا من الاستمرار في مطالبة حكومة السيد بنكيران بحصيلة سنتين من عمر حكومته، ويكفيهم أن يتحسسوا رؤوسهم وكونها فوق أعناقهم سالمة، وأن أبناءهم كما هم في ترتيب الحالة المدنية لم يفقدوا واحدا منهم في غارة جوية أو تفجير إرهابي، وأن أصحاب التجارة لا تزعجهم المسيرات، وأن "الفراشة" لازال لهم متسع من مساحة الميادين العامة حيث لا توجد هنا اعتصامات أو ميادين للتحرير أو لرابعة...ببساطة على المغاربة أن يقبلوا أيديهم من الأمام ومن الخلف، بل كان من واجب وزير الصحة أن يصدر مرسوما يأمر فيه بتسمية كل المواليد الجدد في ظل هذه الحكومة المجيدة من الذكور ، بإسم " عبد الإله " تيمنا باسم السيد رئيس الحكومة، أما الإناث من المواليد فبإسم " بسيمة " الوزيرة الوحيدة في ظل حكومة عرف بعض أعضائها بالإقبال الشديد على التعدد في الزواج... من يعتقد أنني أبالغ في هذا الحديث ما عليه سوى تأمل ما قاله السيد سعد الدين العثماني وزير الخارجية في الملتقى الأخير لشبيبة حزبه : " إن الإستقرار والأمن نعمة في هذا العصر لا يحس بها ولا يعرف قيمتها إلا من فقدها، ويجب أن نحمد الله على استقرار بلادنا والأمن الذي نشعر به...نتا باقي عندك الحق تهضر وتدير اجتماع وتغوت، وتدير مواقف مختلفة عن المواقف الرسمية، وتمشي لدارك تنعس، أليس هذا نعمة تستحق الشكر؟ " يتساءل السيد العثماني منهيا كلامه، وتأمل ما قاله رئيس الحكومة نفسه في نفس اللقاء، قال : " يكفي هذه الحكومة شرفا أنها يوم عينها جلالة الملك هدأ الشارع واطمأن وتوقف عن الخروج ..هل هناك من يقدر ثمن هذا؟ " ، وعلى شاكلة العثماني و بنكيران حيث أن الطيور على أشكالها تقع، قال السيد عبد الله بوانو رئيس فريق العدالة والتنمية في مجلس النواب في ذات المناسبة، : " إن الاستقرار هو رأسمالنا كمغاربة وينبغي أن نضحي بكل ما نملك للحفاظ عليه " ، ترى هل الصدفة وحدها من قاد هؤلاء لتقديم نفس الرسالة بمضمون واحد و في توقيت واحد؟ أم هناك إرادة لتوجيه رسائل لمن يهمهم الأمر، هي في الواقع رسالة واحدة، مفادها ، إما أن تتركونا نتعلم الحلاقة في رؤوس المغاربة، وإما سنجعل من الاستقرار مجرد ذكريات جميلة في تاريخ هذا الوطن...اختاروا.. فنحن غير مستعجلين، وقد سبق لرئيس الحكومة أن قال في إحدى الجلسات الشهرية بمجلس المستشارين " خليونا نفشلوا على خاطرنا..."، وهي عبارة تختصر تصور الشخص وهيئته السياسية للديمقراطية وللدولة، حيث تصبح ولاية حكومية تمتد لخمس سنوات، وترهن مصير أزيد من 35 مليون مغربي، مجرد دور في لعبة، وحيث أنه جاء الدور على حزب العدالة والتنمية، فلا داع لإزعاجهأو بلغة بنكيران " التشويش" عليه. حزب العدالة والتنمية من حقه أن يعيش أحلام اليقظة، وأن يتوهم بأنه حارس المعبد، وبدونه سينهار كل شيء، لكن لا يجب أن يتوهم بأن المغاربة لحسوا ذاكرتهم، أو أصابهم الخرف..فبلادنا تنعم بالاستقرار منذ سنوات، والعدالة والتنمية لم يتسلم الحكومة والبلاد تعرف حربا أهلية، ودمرت كل بنياتها الأساسية وتفرق أبناؤها بين السجون والمنافي والمستشفيات والمقابر، وأصيب أطفالها بعاهات نفسية مستديمة وبأمراض نتيجة استعمال أسلحة كيماوية، ولم يتسلم بنكيران بلدا تنفجر فيه السيارات الملغمة في المساجد والأسواق وأمام المدارس، كما لم يتسلم بنكيران بلدا فيه تزممارت ودرب مولاي الشريف ودار المقري وقلعة مكونة...، بل دولة كانت تشق طريقها نحو الديمقراطية بثبات ، وإن كان ببعض التعثرات ولحظات الجزر، بلد عاش تجربة للمصالحة قبض فيها السيد عبد العالي حامي الدين أحد قادة حزبه تعويضا ماليا حول جريمة قتل قضى فيها سنتين من السجن بوصفه ينتمي للتيار القاعدي ذو المرجعية اليسارية...، بلد حقق أعلى نمو في حوض البحر الأبيض المتوسط بين 2008 و2011، بلد بدأت فيه المصالحة الاجتماعية من خلال مأسسة الحوار الاجتماعي والزيادة في الأجور، إذ بلغت أقل زيادة 900 درهم وتم حذف سلالم المهانة من 1 إلى 5 في الوظيفة العمومية، بلد أطلق العديد من البرامج الطموحة وفق رؤية إستراتيجية واضحة الأهداف والمراحل في السياحة والفلاحة والصناعة والتجارة الخارجية والتكنولوجيات الحديثة، بلد أحدث طفرات تشريعية بخصوص موضوع المرأة والأسرة والطفولة ليس أقلها مدونة الأسرة، وقانون الجنسية، بلد تتسلمون فيه قيادة الحكومة من الحزب الذي جرت الانتخابات في ولايته، ويهب الجميع لتهنئتكم كما يفعل الكبار متمنين للوطن استمرار النجاح معكم، لأن الوطن هو المبتدأ والخبر...لم نصل إلى ذلك بإحسان من أحد أو بمنة، بل بسيل طويل من التضحيات والآلام قدمتها أجيال من مختلف التيارات السياسية، ويا للمفارقة، فإن التيار السياسي الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة، كان أقل من ساهم في هذا الجهد الجماعي، لأنه عندما كان المناضلون الشرفاء يواجهون من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإنهاء الدولة البوليسية، كان ذلك التيار يخوض في نقاشات حول نواقض الوضوء والحجاب واتهام الخصوم السياسيين بالكفر والإلحاد والزندقة... لا أحد يستطيع أن يمن على المغاربة بما حققوه بتضحياتهم، وخاصة ممن لا يحملون شرف هذه التضحيات.. من أعماهم بريق السلطة، إذ يتعين على السيد بنكيران بكل بساطة، أن يتحمل مسؤوليته بتواضع كبير، وأن يفي بالتزامات حكومته وحزبه، فهذا ما ينتظره المغاربة، أما الاستقرار فهو من جاء ببنكيران إلى رئاسة الحكومة، وهو صنيعة أناس آخرين على امتداد سنوات طويلة ترجع إلى بداية الاستقلال...