عنوان عمود اليوم مستلهم من رائعة الروائي الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني "رجال في الشمس " وهي رواية تحكي قصة ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة قرروا لأسباب شخصية أن يبحثوا عن أفق أفضل لهم ولأسرهم من خلال الهروب إلى الكويت عن طريق البصرة , ونظرا لظروفهم المادية الصعبة فإنهم فضلوا الهروب في خزان ماء صدئ يقوده فلسطيني إسمه أبو الخيزران وهو رجل مصاب يعجز جنسي نتيجة مشاركته في حرب 1948 , أبو الخيزان صور للثلاثة أبو قيس,أسعد ومروان , أن الرحلة آمنة وأنهم سينزلون إلى الخزان في النقطة الحدودية لسبع دقائق فقط وبعدها يجدون أنفسهم في فردوس الكويت. القدر سطر مصيرا آخر , ففي النقطة الحدودية تأخر أبوالخيزان عشرون دقيقة , لأن موظفي شرطة الحدودة ظلوا يمازحونه مستفسرين عن سبب تأخره في البصرة ورابطين ذلك بليالي البصرة ونسائها ويطلبون منه في سخرية الإعتراف وهم لا يدركون أنه رجل مخصي...في تلك اللحظات كان الثلاثة داخل الخزان يختنقون بحرارة تزيد عن خمسين درجة خارج الخزان, فكانت نهايتهم في مزبلة على أطراف الكويت. هنا طرح أبو الخيزان السؤال , لماذا لم يدقوا جدران الخزان ? وهو سؤال يفتح على أسئلة كبيرة في رواية نجح فيها غسان كنفاني في توظيف الرموز بشكل كبير. هذا العنوان أوظفه اليوم في سياق مختلف, ولهذا أنبه من البداية حتى لا يتم إسقاط فصول وأشخاص رواية" رجال في الشمس" على موضوع اليوم, فكل تشابه أو تطابق هو من باب الصدفة ليس إلا. يوم الخميس الماضي وجه حزب الإستقلال مذكرة إلى أطراف التحالف الحكومي من أجل رفع الأداء وإنتاجية العمل الحكومي, وقد إختار حزب الإستقلال عن وعي إشراك الرأي العام في مناقشة مضامين الملاحظات التي قدمها بموضوعية على سنة من تجربة الحكومة التي يقودها الرئيس عبد الإله بنكيران, البعض إعتبر المذكرة مبادرة إيجابية لأنها تؤسس لطريقة جديدة في العلتقة بين الحلفاء داخل أية حكومة إئتلافية , وهي أفضل من أن يستمر السجال والجدل في كل لحظة تماس , خاصة وأن المذكرة أفردت حيزا هاما لميثاق الأغلبية ولآليات التنسيق بينها معتبرة أن الخلل الكبير في عمل الحكومي مرده إلى إلتباس منهجية العمل المشترك لدى الحزب الذي يقود التحالف, وهو ما تترتب عنه ردود فعل من باقي مكونات التحالف , كل حسب تقديره للظرفية وحسب ما يسمح له به وزنه. مذكرة حزب الإستقلال وجدت أيضا من يعترض عليها , وهذا أمر طبيعي في نقاش يتعلق بالسياسة وتدبير الشأن العام , ومن يعترض قال بأن حزب الإستقلال إذا كان غير راض عن الحكومة فما عليه سوى الخروج منها , بدل القيام بجلدها كل يوم. هذا الرأي ينتمي إلى ثقافة ترفض الحوار وتنتصر للرأي الواحد والوحيد , وتعجز عن تمثل كون حكومة إتلافية في أي دولة ديمقراطية في العالم تبقى عرضة لتقديرات مختلفة بين أطراف التحالف , وأن تعبير أحد الأطراف عن مواقف وآرائه لا يدرج سوى في إطار إيجابي لأنه يسعى إلى تجاوز الأخطاء والأعطاء التي تؤثر على تدبير الشأن العام الذي يرتبط به مصير شعب ودولة , وبالتالي فمن الصعب على هيئة سياسية أن تصمت عندما يتعلق الأمر بالإستقرار , ثم إن حزب الإستقلال لايرى إلى اليوم ما يمكن أن يعارضه , لأنه طيلة سنة لم تطلق الحكومة أي برنامج أو مخطط خاص بها يمكن أن يكون تقديره لدى حزب الإستقلال سلبيا , إذ أن الواقع يؤكد أن الحكومة مستمرة في تنفيذ ماتم تهييئه في ظل الحكومة التي قادها حزب الإستقلال , ولهذا لانرى شيئا يمكن أن نعارضه , لكننا نعارض من داخل الحكومة عجز هذه الأخيرة عن القيام بمبادرات جديدة , زد على ذلك أن تقدير حزب الإستقلال لنتائجه الإنتخابية أوصله إلى الإقتناع بأن الشعب المغربي يريده في موقع المسؤولية, أما إذا كان السيد بنكيران لا يرغب في حزب الإستقلال ضمن الأغلبية فما عليه سوى طلب ذلك , ساعتها سنكون أمام إنتخابات سابقة لأوانها لأنه لا يمكن تشكيل حكومة حاليا بدون حزب الإستقلال بالنظر إلى المواقف المعلنة من باقي الأحزاب حول موضوع المشاركة. حزب الإستقلال بمذكرته يقوم بدق جدران الخزان , حتى لا يقال لماذا لم تدقوا جدران الخزان ? وأن الوقت مناسب لتجاوز الإختلالات التي عرفها عمل الحكومة طيلة سنة, فبلادنا لا تملك وقت كبيرا لتواجه التحديات الإقتصادية والإجتماعية الخطيرة , وهذه الحكومة غير مسموح لها بالفشل , وليس من حق رئيس الحكومة ليقول :" خليونا نفشلوا على خاطرنا" , لأن الأمر لا يتعلق بلعبة , بل بوطن...