صادق مجلس الحكومة الخميس على مشروع قانون تنظيمي يتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق، هذا المشروع الذي يأتي في إطار تفعيل أحكام الدستور، خاصة الفصل 67 الذي بمقتضاه يجوز ان تتشكل بمبادرة من الملك أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أوكلت لأعضاء مجلس المستشارين لجان نيابية لتقصي الحقائق، يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع مضنية، وبتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية، وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها على أساس ألا تكون الوقائع المطلوب تشكيل هذه اللجان بشأنها موضوع متابعات قضائية جارية، حيث تنتهي مهمة هذه اللجان فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها. كما أن طبيعة هذه اللجان تبقى مؤقتة، حيث تنتهي أعمالها بإيداع تقريرها لدى مكتب المجلس المعني أو بإحالته على القضاء من قبل رئيس هذا المجلس عند الاقتضاء، مع العلم أن هذا التقرير يكون موضوع مناقشة على مستوى جلسة عمومية للمجلس المعني. وإذا كان الدستور الحالي قد خفف من الشروط المطلوبة لتكوين اللجان النيابية لتقصي الحقائق، خاصة فيما يتعلق بالنصاب القانوني لتشكيلها من طرف أعضاء البرلمان بكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، عندما تم تخفيض هذا النصاب من ثلثي الأعضاء إلى الثلث، فإن القيود الأخرى التي وضعها دستور 1992 ودستور 1996، مازالت مطروحة لتحد من فعالية ونجاعة هذه اللجان النيابية لتقصي الحقائق في مراقبة العمل الحكومي عندما تم التنصيص على إنهاء مهمتها بمجرد فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها، بحيث تشكل هذه الآلية وحدها عرقلة حقيقية لمهام اللجان النيابية لتقصي الحقائق باعتبار هذه الآلية سيفا في يد السلطة التنفيذية للتحكم في هذه اللجان الموكول إليها مهمة مراقبة العمل الحكومي. إن مصادقة مجلس الحكومة على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقضي الحقائق طرح إشكالية قانونية حقيقية بعدما وصلت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان إلى المرحلة الأخيرة في دراسة مقترح قانون تم التوافق بشأنه من طرف الفرق والمجموعات النيابية على مستوى لجنة فرعية تم تكوينها لإعداد صياغة مشتركة، حيث كان من المنتظر برمجة هذا المقترح للتصويت على التعديلات المقدمة بشأنه والمقتضيات الأخرى المتوافق عليها. وإذا كان الدستور في فصله 82 يعطي الأسبقية لمشاريع القوانين ومقترحات القوانين حسب الترتيب الذي تحدده الحكومة بالنسبة لجدول أعمال مجلسي البرلمان الذي يضمه مكتبهما، فإن الإشكالية القانونية تتمثل في كون المقترح الذي قطع أشواطا مهمة في دراسته سبق للحكومة أن وافقت على هذه الدراسة بحضورها في أشغال اللجنة النيابية المعنية ومساهمتها الفعلية في المناقشة. إن هذا الموضوع الذي يعتبر سابقة في الممارسة النيابية التشريعية يفتح المجال أمام الباحثين والمختصين والمهتمين بالشأن البرلماني للبحث والتحليل أمام وجود فراغ قانوني على مستوى الوثيقة الدستورية والنظام الداخلي لمجلس النواب المعني بالموضوع، خاصة بعدما تتم إحالة هذا المشروع على مجلس النواب، حيث ستطرح مسألة تعامل أعضاء الفرق والمجموعات النيابية على مستوى لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان مع هذه المبادرة التشريعية الحكومية أمام وجود مقترح قانون جاهز للتصويت عليه. كما يطرح هذا الموضوع إشكالية دستورية أخرى تتجسد في مدى مساهمة أعضاء البرلمان في المخطط التشريعي على مستوى المبادرات التشريعية انطلاقا من أحكام الفصل 86 من الدستور الذي بمقتضاه: «تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الحالية 2016/2011 ، فهل يحق لأعضاء البرلمان أن يتقدموا بمقترحات قوانين تنظيمية في المواضيع المنصوص عليها في الدستور أم أن مهمتهم تقتصر على التصويت على مشاريع القوانين التنظيمية التي تحيلها الحكومة على السلطة التشريعية عندما نص الفصل 86 صراحة على وجوب عرض مشاريع القوانين التنظيمية دون ذكر مقترحات القوانين كما فصل المشرع الدستوري في العديد من الفصول الأخرى؟ وهذا يعني أن الإشكالية القانونية المتمثلة في وجود مبادرتين تشريعيتين تتعلقان بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق، واحدة من أصل برلماني اقتربت من النهاية وأخرى من أصل حكومي لم تحل بعد على مجلس النواب ولم تعد مطروحة مادام أعضاء مجلس النواب لا يمكنهم تقديم مقترح قانون يهم القوانين التنظيمية حسب القراءة الحرفية للفصل 86 من الدستور.